المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتابُ البُغاة هُمْ مُخَالِفُو الإِمَامِ بِخُرُوجٍ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الانْقِيَادِ أَوْ مَنع - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجراح

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع مباشرتين]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القود]

- ‌فَصْلٌ [في تغير حال المجروح بحرية أو عصمة أو إهدار أو بمقدار للمضمون به]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني]

- ‌بابُ كيفيَّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فَصْلٌ [في اختلاف مستحق الدم والجاني]

- ‌فَصْلٌ [في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما]

- ‌فَصْلٌ [في موجب العمد وفي العفو]

- ‌كتابُ الدِّيات

- ‌فَصْلٌ [في موجب ما دون النفس من جرح أو نحوه]

- ‌فَرْعٌ [في موجب إزالة المنافع]

- ‌فَرْعٌ [في اجتماع جنايات على شخص]

- ‌فَصْلٌ [في الجناية التي لا تقدير لأرشها والجناية على الرقيق]

- ‌‌‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌فَصْلٌ [في الاصطدام ونحوه مما يوجب الاشتراك في الضمان وما يذكر مع ذلك]

- ‌فَصْلٌ [في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله]

- ‌فَصْلٌ [في جناية الرقيق]

- ‌فَصْلٌ [في الغرة]

- ‌فَصْلٌ [في كفارة القتل]

- ‌كتابُ دعوى الدَّم والقسامة

- ‌فَصْلٌ [فيما يثبت به موجب القود وموجب المال بسبب الجناية من إقرار وشهادة]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌فَصْلٌ [في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة]

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حد القذف

- ‌كتابُ قطع السرقة

- ‌فصلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌ باب

- ‌فصلٌ [في شروط السارق الذي يقطع]

- ‌بابُ قاطع الطريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع عقوبات على شخص واحد]

- ‌كتابُ الأشربة

- ‌فَصْلٌ [في التعزير]

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [في حكم إتلاف البهائم]

- ‌كتابُ السِّيَر

- ‌فَصْلٌ [في مكروهات ومحرمات ومندوبات في الجهاد وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الأسر وأموال أهل الحرب]

- ‌فَصْلٌ [في أمان الكفار]

- ‌كتابُ الِجزْيَة

- ‌فَصْلٌ [في مقدار الجزية]

- ‌باب

- ‌فَصْلٌ [في أحكام عقد الجزية]

- ‌بابُ الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيد والذَّبائح

- ‌فَصْلٌ [في آلة الذبح والصيد]

- ‌فَصْلٌ [فيما يملك به الصيد وما يذكر معه]

- ‌كتاب الأضحية

- ‌فَصْلٌ [في العقيقة]

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌كتابُ الأيمان

- ‌فصلٌ [في صفة الكفارة]

- ‌فصلٌ [في الحلف على السكنى والمساكنة وغيرهما]

- ‌فصلٌ [في الحلف على أكل وشرب مع بيان ما يتناوله]

- ‌فصلٌ [في مسائل منثورة ليقاس بها غيرها]

- ‌فصلٌ [في الحلف على ألا يفعل كذا]

- ‌كتاب النَّذر

- ‌فصلٌ [في نذر النسك والصدقة والصلاة وغيرها]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌(باب

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يعتبر فيه شهادة الرجال]

- ‌فصلٌ [في تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌فصلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فصلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فصلٌ [فيما يتعلق بجواب المدعى عليه]

- ‌فصلٌ [في كيفية الحلف والتغليظ فيه]

- ‌فصلٌ [في تعارض البينتين]

- ‌فصلٌ [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌فصلٌ [في شروط القائف]

- ‌كتابُ العتِق

- ‌فصلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصلٌ [في الإعتاق في مرض الموت وبيان القرعة في العتق]

- ‌فصلٌ [في الولاء]

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌فصلٌ [في حكم حمل المدبرة]

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان لزوم الكتابة وجوازها]

- ‌فَصْلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌أهمّ مصادر ومراجع التّحقيق

الفصل: ‌ ‌كتابُ البُغاة هُمْ مُخَالِفُو الإِمَامِ بِخُرُوجٍ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الانْقِيَادِ أَوْ مَنع

‌كتابُ البُغاة

هُمْ مُخَالِفُو الإِمَامِ بِخُرُوجٍ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الانْقِيَادِ أَوْ مَنع حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ بِشَرْطِ شَوْكَةٍ لَهُمْ، وَتَأْوِيلٍ، وَمُطَاعٍ فِيهِمْ،

===

(كتاب البغاة)

(هم مخالفو الإمام بخروج عليه، وترك الانقياد، أو منع حق توجه عليهم) هذا حد البغاة في الاصطلاح، سموا بذلك؛ لمجاوزتهم الحد؛ كما يقال: بغت المرأة، وقيل: لطلب الاستعلاء، وقيل: للظلم، والبغي: الظلم، قال تعالى:{ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} أي: ظلم.

والإجماع قائم على قتالهم، وأطلق المصنف الإمام، وقيداه في "الشرح" و"الروضة" بالعادل، وكذا هو في "الأم" و"المختصر"، لكن في "الكفاية" عن القفال: أنه لا فرق في ذلك بين العادل والجائر، وجزم به في "العجالة"(1).

(بشرط شوكة لهم) أي: قوة وعدد بحيث لا يندفعون إلا بجمع الجيش والقتال لهم، فإن كانوا فرادى وسهل ضبطهم .. فليسوا ببغاة، (وتأويل) لأن من خالف من غير تأويل .. كان معاندًا للحق.

وقضية إطلاقه: أنه لا فرق بين التأويل المقطوع ببطلانه والمظنون، وقال البُلْقيني: إنه الذي يظهر من كلام الشافعي، وهو الأرجح، وقيداه في "الشرحين" و"الروضة": بالمظنون، فان كان مقطوعًا ببطلانه .. فوجهان: أوفقهما لإطلاق الأكثرين: أنه لا يعتبر (2)، كتأويل أهل الردة حيث قالوا:(أمرنا بدفع الزكاة إلى من صلاته سكن لنا، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاة غيره ليست سكنًا لنا)، قال الأَذْرَعي: وهو قضية قول الجمهور، أن يكون لهم تأويل محتمل.

(ومطاع فيهم) لأن رجال النجدة وإن كثروا لا قوة لهم ولا شوكة إذا لم يصدروا

(1) الشرح الكبير (11/ 69)، روضة الطالبين (10/ 55)، الأم (5/ 517)، مختصر المزني (ص 256)، كفاية النبيه (16/ 255)، عجالة المحتاج (4/ 1607).

(2)

الشرح الكبير (11/ 79)، روضة الطالبين (10/ 51).

ص: 165

قِيلَ: وَإِمَامٍ مَنْصُوبٍ. وَلَوْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ - كَتَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَتَكْفِيرِ ذِي كَبِيرَةٍ - وَلَمْ يُقَاتِلُوا .. تُرِكُوا،

===

ولم يجتمعوا على رأي.

وقضية كلامه: أن هذا شرط ثالث، وقضية كلام الرافعي: أن المطاع شرط لحصول الشوكة، وليس شرطًا آخر غير الشوكة.

(قيل: وإمام منصوب) وإلا .. فلا يكون بينهم قاض ووال، فتتعطل الأحكام، وهذا ما نقله الرافعي عن الجديد، ونسبه الإمام إلى المعظم، لكن في الرافعي عن الأكثرين: المنع (1)، لأن عليًّا رضي الله عنه قاتل أهل الجمل ولا إمام لهم، وأهل صفين قبل نصب إمامهم، قال في "المطلب": وأثر الخلاف في نصبهم الإمام: إنما هو لأجل تنفيذ الأحكام، لا لعدم الضمان، كما أشار إليه الغزالي، وقال الماوردي: هذه الأمور كلها إنما تشترط في جواز قتالهم، واعتبر الجويني أمرين آخرين: أن يمتنعوا من حكم الإمام وأن يظهروا لأنفسهم حكمًا.

(ولو أظهر قوم رأي الخوارج) وهم صنف من المبتدعة (كترك الجماعات، وتكفير ذي كبيرة، ولم يقاتلوا .. تركوا) بناء على الصحيح: أنهم لا يكفرون بذلك، لأن عليًّا رضي الله عنه سمع رجلًا من الخوارج يقول: لا حكم إلا لله ولرسوله، ويعرض بتخطئته في التحكيم، فقال علي رضي الله عنه:(كلمة حق أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، ولا نبدأكم بقتال)(2).

والمراد بتكفير ذي كبيرة: أن اعتقادهم أن من أتى كبيرة من الكبائر .. فقد كفر وحبط عمله، وخلد في النار، وأن دار الإسلام صارت بظهور الكبائر فيها دار كفر وإباحة، فلذلك طعنوا في الأئمة، ولم يصلوا خلفهم، وتجنبوا الجمعة والجماعات، وما أطلقه من تركهم إذا لم يقاتلوا شَرَطَ له في "المحرر" و"الشرح"

(1) الشرح الكبير (11/ 81)، نهاية المطلب (17/ 126).

(2)

أخرجه البيهقي (8/ 184)، وابن أبي شيبة (39085)، والشطر الأول من الحديث أخرجه مسلم (1066/ 157).

ص: 166

وَإِلَّا .. فَقُطَّاعُ طَرِيقٍ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ وَقَضَاءُ قَاضِيهِمْ فِيمَا يُقْبَلُ قَضَاءُ قَاضِينَا إِلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ دِمَاءَنَا، وَيُنَفَّذُ كِتَابُهُ بِالْحُكْمِ، وَيُحْكَمُ بِكِتَابِهِ بِسَمَاعِ الْبيِّنَةِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ أَقَامُوا حَدًّا وَأَخَذُوا زَكَاةً وَجِزْيَةً وَخَرَاجًا وَفَرَّقُوا سَهْمَ الْمُرْتَزِقَةِ عَلَى جُنْدِهِمْ .. صَحَّ، وَفِي الأَخِيرِ وَجْهٌ

===

و"الروضة": كونهم في قبضة الإمام (1)، وقال القاضي الحسين: قال أصحابنا: هذا إذا لم يكن على المسلمين ضرر منهم، وإلا .. فيتعرض لهم حتى يزول ذلك عن المسلمين.

(وإلا) أي: وإن قاتلوا ( .. فقطاع طريق) أي: حكمهم حكم قطاع الطريق.

(وتقبل شهادة البغاة) لأن البغي لا يفسقهم وإن عصيناهم لأجل شبهة التأويل، (وقضاء قاضيهم فيما يقبل قضاء قاضينا) لأن لهم تأويلًا يسوغ فيه الاجتهاد (إلا أن يستحل دماءنا) وأموالنا، فلا ينفذ حينئذ؛ لفسقه، وهذا الاستثناء عائد إلى مسألتي الشاهد والقاضي.

(وينفذ كتابه بالحكم) أي: إذا كتب بما حكم به إلى قاضي أهل العدل .. جاز له قبوله وتنفيذه؛ لأنا نفرع على تنفيذ قضاء قاضيهم، لكن يستحب ألا ينفذه؛ استخفافًا بهم.

(ويحكم بكتابه بسماع البينة في الأصح) أي: إذا كتب بما يثبت عنده، ولم يحكم به فهل يحكم به قاضينا؟ وجهان: أحدهما: لا؛ لما فيه من معونة أهل البغي، وإقامة مناصبهم، والأصحُّ: نعم، لأن الكتاب الوارد له تعلق برعايانا، وإذا نفذنا حكم قاضيهم لمصلحة رعاياهم .. فلأن نراعي مصالح رعايانا أولى.

(ولو أقاموا حدًّا، وأخذوا زكاة وجزية وخراجًا، وفرقوا سهم المرتزقة على جندهم .. صح) لأن في إعادة المطالبة إضرارًا بأهل البلد، (وفي الأخير وجه) لئلا يتقووا به على أهل العدل، والأصحُّ: الصحة؛ لأنهم من جند الإسلام، وإرعاب الكفار حاصل بهم، وفي الجزية أيضًا: وجه، حكاه الرافعي (2)، وفي الزكاة:

(1) المحرر (ص 422)، الشرح الكبير (11/ 79)، روضة الطالبين (10/ 51).

(2)

الشرح الكبير (11/ 84).

ص: 167

وَمَا أَتْلَفَهُ بَاغٍ عَلَى عَادِلٍ وَعَكْسُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِتَالٍ .. ضَمِنَ، وَإِلَّا .. فَلَا، وَفِي قَوْلٍ: يَضْمَنُ الْبَاغِي. وَالْمُتَأَوِّلُ بِلَا شَوْكَةٍ يَضمَنُ، وَعَكْسُهُ كَبَاغٍ. وَلَا يُقَاتِلُ الْبُغَاةَ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ أَمِينًا فَطِنًا نَاصِحًا يَسْأَلُهُمْ مَا يَنْقِمُونَ، فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً أَوْ شُبْهَةً .. أَزَالَهَا،

===

وجه، حكاه القاضي أنهم إن أعطوها اختيارًا من غير إجبار .. لم يسقط عنهم، قال ابن الرفعة: وقياسه: الطرد في غيرها (1).

(وما أتلفه باغ على عادل وعكسه إن لم يكن في قتال .. ضمن) سواء النفس والمال جريًا على الأصل الممهد في قصاص النفس وغرامات الأموال، (وإلا) أي: وإن كان في قتال ( .. فلا) ضمان، أما فيما يتلفه العادل على الباغي .. فلأنه مأمور بالقتال، فلا يضمن ما يتولد منه، وأما فيما يتلفه الباغي على العادل .. فلأن في الوقائع التي جرت في عصر الصحابة؛ كوقعة الجمل وصفين .. لم يطالب بعضهم بعضًا بضمان نفس ولا مال، (وفي قول: يضمن الباغي) لأنهما فرقتان من المسلمين: محقة ومبطلة، فلا يستويان في سقوط الغرم؛ كقطاع الطريق والمرتدين.

ومحل القولين: فيما أتلف بسبب القتال، وتولد منه هلاك، فإن أتلفوا في القتال ما ليس من ضرورة القتال .. ضمن قطعًا قاله الإمام، وأقراه (2).

(والمتأول بلا شوكة يضمن) مطلقًا وإن أتلف في القتال؛ كقطاع الطريق، ولأنا لو أسقطنا الضمان .. لم تعجز كل شرذمة تريد إتلاف نفس ومال أن تبدي تأويلًا وتفعل من الفساد ما تشاء، وفي ذلك بطلان السياسات، (وعكسه) وهو من له شوكة بلا تأويل (كباغ) ففي ضمانه القولان؛ لأن سقوط الضمان عن الباغي ترغيبهم في الطاعة، ليجتمع الشمل، وهو موجود هنا.

(ولا يقاتل البغاة حتى يبعث إليهم أمينًا فطنًا ناصحًا يسألهم ما ينقمون) أي: يكرهون، كما فعل علي رضي الله عنه حين بعث ابن عباس إلى الخوارج (3)، (فإن ذكروا مظلمة أو شبهة .. أزالها) لأن المقصود بقتالهم ردهم إلى الطاعة ودفع شرهم،

(1) كفاية النبيه (16/ 280).

(2)

نهاية المطلب (11/ 136)، الشرح الكبير (11/ 87)، روضة الطالبين (10/ 56).

(3)

أخرجه أحمد (1/ 86)، والبيهقي (8/ 179).

ص: 168

فَإِنْ أَصَرُّوا .. نَصَحَهُمْ ثُمَّ آذَنَهُمْ بالْقِتَالِ، فَإِنِ اسْتَمْهَلُوا .. اجْتَهَدَ وَفَعَلَ مَا رَآهُ صَوَابًا. وَلَا يُقَاتِلُ مُدْبِرَهُمْ وَلَا مُثْخَنَهُمْ وَأَسِيرَهُمْ، وَلَا يُطْلَقُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا وَامْرَأَةً حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ وَيَتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ،

===

وظاهر كلام الشيخين: وجوب البعث (1)، قال في "المطلب": وهو ظاهر كلام الشافعي، وصرح به الأصحاب، وقال القاضي أبو الطيب: إنه مستحب.

(فإن أصروا) بعد إزالة المظلمة وكشف الشبهة ( .. نصحهم) ووعظهم؛ لأن ذلك أقرب إلى حصول المقصود

(ثم) إن أصروا .. دعاهم إلى المناظرة، فإن لم يجيبوا أو أجابوا فغلبوا وأصروا مكابرين .. (آذنهم بالقتال) أي: أعلمهم به (فإن استمهلوا .. اجتهد) في الإمهال (وفعل ما رآه صوابًا) فإن ظهر له عزمهم على الطاعة، وهم ينتظرون كشف الشبهة أو التأمل .. أنظرهم، أو أنهم يقصدون الاجتماع، أو ينتظرون مددًا .. فلا.

(ولا يقاتل مدبرهم ولا مثخنهم وأسيرهم) لنهي علي رضي الله عنه عن ذلك (2)، ولأن قتالهم شرع للدفع عن منع الطاعة، وقد زال.

نعم؛ إن انهزم متحيزًا إلى فئة قريبة .. اتبع، أو بعيدة .. فلا، ولو ولَّوا ظهورهم مجتمعين تحت راية زعيمهم .. اتبعوا، وقوتلوا حتى يرجعوا إلى الطاعة، وقد عبر في "المحرر" في المدبر بالقتال، وفي الأخيرين بالقتل (3)، وهي أحسن؛ لأن المثخن والأسير لا يقاتلان.

(ولا يطلق) أسيرهم، بل يحبسه (وإن كان صبيًّا وامرأة حتى تنقضي الحرب ويتفرق جمعهم) لينكف شره.

وأفهم: أنه لا يطلق إلا باجتماع الأمرين: انقضاء الحرب، وتفرق جمعهم، وهذا غاية في الرجل البالغ الذي هو أهل للقتال، أما الصبي غير المراهق والمرأة .. فيطلقان بمجرد انقضاء القتال على الأصحِّ في "أصل الروضة"(4).

(1) الشرح الكبير (11/ 89)، روضة الطالبين (10/ 57).

(2)

أخرجه البيهقي (8/ 181).

(3)

المحرر (ص 423).

(4)

روضة الطالبين (10/ 59).

ص: 169

إِلَّا أَنْ يُطِيعَ بِاخْتِيَارِهِ. وَيَرُدُّ سِلَاحَهُمْ وَخَيْلَهُمْ إِلَيْهِمْ إِذَا انْقَضَتِ الْحَرْبُ وَأُمِنَتْ غَائِلَتُهُمْ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي قِتَالٍ إِلَّا لِضَرُورَةٍ. وَلَا يُقَاتلونَ بِعَظِيمٍ - كَنَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ - إِلَّا لِضَرُورَةٍ؛ بِأَنْ قَاتَلُوا بِهِ أَوْ أَحَاطُوا بِنَا. وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِكَافِرٍ، وَلَا بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ،

===

(إلا أن يطيع باختياره) بمبايعة الإمام، والرجوع عن البغي إلى الطاعة، فيطلق ولو قبل انقضاء الحرب، وتفرق الجمع، وهذا الاستثناء خاص بالرجل المتأهل للقتال، أما النساء والعبيد والصبيان .. فلا بيعة عليهم.

(ويرد) وجوبًا (سلاحهم وخيلهم إليهم إذا انقضت الحرب وأمنت غائلتهم) بعودهم إلى الطاعة، أو تفرق شملهم، قال الرافعي: وهو وقت إطلاق الأسرى (1).

(ولا يستعمل) خيولهم وأسلحتهم (في قتال) كما لا يجوز الانتفاع بسائر أموالهم (إلا لضرورة) بأن لم يجد أحدنا ما يدفع به عن نفسه إلا سلاحهم، أو ما يركبه - وقد وقعت هزيمة - إلا خيولهم، فإنه يجوز الاستعمال والركوب؛ كما يجوز أكل مال الغير للضرورة. وذكر الخيل والسلاح مثال، فإن غيرهما من أموالهم كذلك.

(ولا يقاتلون بعظيم؛ كنار ومنجنيق)(وتغريق وإلقاء الحيات ونحوها من المهلكات؛ لأن المقصود من قتالهم ردهم إلى الطاعة، وقد يرجعون فلا يجدون للنجاة سبيلًا، وفي الحديث الصحيح: "لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّهَا" (2)، (إلا لضرورة؛ بأن قاتلوا به، أو أحاطوا بنا) واضطررنا إلى الرمي بالنار ونحوها؛ للدفع.

(ولا يستعان عليهم بكافر) لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} .

(ولا بمن يرى قتلهم مدبرين) كالحنفية؛ لأنهم لا يحترمون قتلهم بعد الانهزام، ولا يحل ذلك عندنا، هذا إذا كان الإمام يرى مذهبنا فيهم؛ كما قيده الإمام (3)،

(1) الشرح الكبير (11/ 92).

(2)

أخرجه أبو داوود (2673)، والبيهقي (9/ 72)، وأحمد (3/ 494) عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه.

(3)

نهاية المطلب (17/ 154).

ص: 170

وَلَوِ اسْتَعَانُوا عَلَيْنَا بِأَهْلِ حَرْبٍ وَآمَنُوهُمْ .. لَمْ يَنْفُذْ أَمَانُهُمْ عَلَيْنَا، وَنَفَذَ عَلَيْهِمْ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ أَعَانَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَالِمِينَ بِتَحْرِيمِ قِتَالِنَا .. انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، أَوْ مُكْرَهِينَ .. فَلَا، ..

===

وإلا .. فلا اعتراض عليه فيما يراه مذهبًا هنا، وفي كل موضع.

ويستثنى: ما إذا دعت الحاجة إلى الاستعانة بهم، فيجوز بشرطين: أحدهما: أن يكون فيهم جرأة وحسن إقدام، والثاني: أن يتمكن من دفعهم لو اتبعوا أهل البغي بعد الانهزام؛ كما نقلاه عن حكاية ابن الصباغ والروياني وغيرهما عن اتفاق الأصحاب، وزاد الماوردي ثالثًا: وهو أن يثق بوفائهم، والا يتبعوا مدبرًا، ولا يذففوا على جريح (1).

(ولو استعانوا علينا بأهل الحرب وآمنوهم .. لم ينفذ أمانهم علينا) لأن الأمان لترك قتال المسلمين، فلا ينعقد على شرط القتال، فيجوز لنا أن نغنم أموالهم، وأن نسترقهم ونقتلهم إذا وقعوا في الأسر، ونقتل مدبرهم، ونذفف على جريحهم.

نعم؛ لو قالوا: ظَنَنَّا أنه يجوز لنا أن نعين بعض المسلمين على بعض، أو أنهم المحقون، أو أنهم استعانوا بنا في قتال كفار .. بلغوا المأمن وقوتلوا مقاتلة البغاة، ولا يتعرض لمدبرهم على الأصحِّ.

(ونفذ) أمان أهل البغي (عليهم في الأصح) لأنهم أمنوهم، وأمنوا منهم، والثاني: لا ينفذ عليهم؛ كما لا ينفذ علينا.

(ولو أعانهم أهل الذمة) مختارين (عالمين بتحريم قتالنا .. انتقض عهدهم) كما لو انفردوا بالقتال، وصار حكمهم حكم أهل الحرب، (أو مكرهين .. فلا) ولا بد من ثبوت كونهم مكرهين عند الإمام؛ كما قاله المتولي والبَنْدَنيجي (2).

(1) روضة الطالبين (10/ 60)، الشرح الكبير (11/ 93)، الحاوي الكبير (16/ 386).

(2)

وعبارة (ز) و (هـ) في شرح جملة (أو مكرهين .. فلا): الشبهة الإكراه، وظاهر كلام الشيخين: أنه يكتفى بقولهم: إنهم مكرهون، وهو ظاهر إطلاق الجمهور، لكن قال المتولي والبَنْدَنيجي: إنه لا بد من ثبوت كونهم مكرهين عند الإمام، هذا في أهل الذمة، أما أهل العهد .. فلا تقبل دعواهم الإكراه بلا بينة عند الشيخين، لأن أمان أهل الذمة أقوى، ولهذا لو خاف الإمام من أهل العهد الخيانة .. نبذ إليهم عهدهم، بخلاف أهل الذمة)، وكأن الكلام من شرحه الكبير على "المنهاج"، والله تعالى أعلم.

ص: 171