الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ عَلَى الْعَوْدِ، وَقَتْلٍ عَلَى الْمَوْتِ، وَمَنْذُورِ مَالِيٍّ.
فصلٌ [في صفة الكفارة]
يَتَخَيَّرُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَيْنَ عِتْقٍ كَالظِّهَارِ، وَإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ؛ كُلُّ مِسْكِينٍ مُدُّ حَبٍّ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ،
===
"الشرح الصغير"، ونقل في "الكبير": ترجيحه عن كثيرين؛ لأن الحظر في الفعل ليس من حيث اليمين؛ لأن المحلوف عليه حرام قبل اليمين وبعدها، فالتكفير لا تتعلق به استباحة (1).
(و) يجوز تقديم (كفارة ظهار على العود) إذا كفر بالمال؛ لوجود أحد السببين، وهو الظهار، ويتصور التكفير بين الظهار والعود بأن يظاهر من رجعية ثم يكفر ثم يراجعها.
(و) كذا يجوز تقديم كفارة (قتلٍ على الموت) بعد حصول الجرح، وكذا تقديم جزاء الصيد قبل الموت وبعد الجرح؛ لأنه بعد وجود السبب، ولا يجوز تقديمها على الجرح قطعًا.
(ومنذور مالي) كما إذا قال: (إن شفى الله مريضي .. فلله علي أن أعتق، أو أتصدق بكذا)، فيجوز تقديمه على الشفاء؛ كالزكاة يجوز تقديمها على الحول، وفي "فتاوى القفال" ما ينازع فيه، كذا قالاه هنا (2)، لكن صحح في "أصل الروضة" و"شرح المهذب" في (تعجيل الزكاة): أنه لو قال: (إن شفى الله مريضي .. فلله علي عتق رقبة) فأعتق قبل الشفاء .. أنه لا تجزئه (3).
واحترز بالمالي: عن البدني؛ كالصوم فلا يجوز تقديمه على الحنث قطعًا.
* * *
(فصل: يتخير في كفارة اليمين بين عتق؛ كالظهار) أي: كعتق مجزئ في الظهار، (وإطعام عشرة مساكين؛ كل مسكين مد حب من غالب قوت البلد،
(1) المحرر (ص 474)، روضة الطالبين (11/ 17)، الشرح الكبير (12/ 259).
(2)
الشرح الكبير (12/ 261)، روضة الطالبين (11/ 19).
(3)
روضة الطالبين (2/ 214)، المجموع (6/ 142).
وَكِسْوَتهِمْ بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً كَقَمِيصٍ أَوْ عِمَامَةٍ أَوْ إِزَارٍ، لَا خُفٍّ وَقُفَّازَيْنِ وَمِنْطَقَة، وَلَا تشتَرَطُ صَلَاحِيته لِلْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ، فَيَجُوزُ سَرَاوِيلُ صَغِيرٍ لِكَبِير لَا يَصْلُحُ لَهُ، وَقُطْن وَكَتَّانٌ وَحَرِيرٌ لامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ
===
وكسوتهم بما يسمى كسوة؛ كقميص أو عمامة أو إزار) أو طيلسان، أو رداء، أو منديل يحمله في اليد؛ لقوله تعالى:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الآية، واعتبر المد؛ لأنه سداد الرغيب وكفاية المقتصد ونهاية الزهيد، وإنما اعتبر في الكسوة ما يطلق عليه الاسم؛ لأن الله تعالى أطلق الكسوة؛ فإما أن يكون المراد هذا، أو ما تدعو الحاجة إليه، والثاني ممتنع؛ لأنها تدعو إلى ما يدفئ من البرد في الشتاء، ويكنّ من الحر في الصيف، وهو لا يجب بالاتفاق، فتعين الأول.
وقضية قوله: (حَبٍّ): أنه لا يجزئ الثمر والأقط وغيرهما ممّا ليس بحبٍّ، لكن ذكرا في (كفارة الظهار): أن جنسها جنس طعام الفطرة (1)، وصرح به هنا ابن خيران في "اللطيف".
وخرج بقوله: (عشرة مساكين): ما إذا أطعم خمسة، وكسا خمسة .. فإنه لا يجوز؛ كما لا يجوز إعتاق نصف رقبة، وإطعام خمسة.
ويستثنى من إطلاق التخيير: العبد، وقد ذكره بعد، والمحجور بسفه أو فلس؛ فلا يكفِّر بالمال بل بالصوم؛ كالمعسر.
(لا خفٍّ وقفازين ومنطقة) وتكة؛ إذ لا يسمى ذلك كسوة.
(ولا تشترط صلاحيته للمدفوع إليه، فيجوز سراويل صغير لكبير لا يصلح له، وقطن وكتان وحرير) وصوف ونحوه (لامرأة ورجل) لوقوع اسم الكسوة على ذلك، وقيل: لا تجزئ سراويل الصغير للكبير.
وقضية كلام "البسيط" و"الذخائر": أن الجمهور عليه، وأن القاضي وحده قال بالإجزاء، وصحح البُلْقيني: المنع؛ لأن الله تعالى أضاف الكسوة إلى من يكتسي؛ فلا بد أن تعد كسوة له، قال: وفاعل ذلك إذا قال: (كسوت فلانًا) .. عُدّ من الحمقى، وقد صحح الشيخان منع التُّبَّان، وهو سراويل قصير لا يبلغ الركبة؛ لعدم
(1) الشرح الكبير (9/ 328)، روضة الطالبين (8/ 307).
وَلَبيسٌ لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الثَّلَاثَةِ .. لَزِمَهُ صوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَا يَجِبُ تَتَابُعُهَا فِيَ الأَظْهَرِ. وَإِنْ غَابَ مَالُهُ .. انْتَظَرَهُ وَلَمْ يَصُمْ. وَلَا يُكَفرُ عَبْدٌ بِمَالٍ إلَّا إِذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً وَقُلْنَا: يَمْلِكُ،
===
اسم الكسوة (1)، ولا شك أنه يستر سوءته، بخلاف سراويل الصغير.
(ولبيس) أي: ملبوس (لم تذهب قوته) بالاستعمال؛ كالطعام العتيق، فإن ذهبت أو تخرق .. لم يجز قطعًا؛ كالطعام المسوّس.
(فإن عجز عن) كل واحد من (الثلاثة) المذكورة ( .. لزمه صوم ثلاثه أيام) للآية (ولا يجب تتابعها في الأظهر) لإطلاق الآية، والثاني: تجب، لقراءة ابن مسعود وأبي بن كعب:{متتابعات} (2) والقراءة الشاذة كخبر الواحد في وجوب العمل.
وأجاب الأول: بأن ابن مسعود وأبيًّا لم يصرّحا بإسناد التتابع إلى القرآن، فيحتمل أنها تفسير منهما، أو مذهب واه، وعموم القراءة المشهورة أولى.
(وإن غاب ماله .. انتظره ولم يصم) لأنه واجد، وإنما أبيح الصوم لمن لم يجد، بخلاف المتمتع إذا أعسر بالدم بمكة .. فإنه يجزئه الصوم؛ لأن القدرة اعتبرت بمكة، فلا ينظر إلى غيره، والقدرة في الكفارة اعتبرت مطلقًا.
(ولا يكفر عبد بمال) لعدم ملكه (إلا إذا ملكه سيده طعامًا أو كسوة) ليكفر بها أو ملكه مطلقًا (وقلنا: يملك) ثم أذن له في التكفير، فإن لم يأذن له .. لم يكفر به، وإذا ملكه وأذن له في التكفير به .. وجب عليه، وليس له العدول عنه إلى الصوم؛ قاله الرافعي في (الظهار)، وكلام "التنبيه" يقتضي عدم الوجوب، نبه عليه ابن الرفعة، وعكس ذلك في "العجالة" وهو وهم (3).
وخرج بقول المصنف: (طعامًا وكسوة): ما لو ملكه عبدًا ليعتقه عن الكفارة
(1) الشرح الكبير (12/ 274)، روضة الطالبين (11/ 23).
(2)
أخرجها الطبري في "تفسيره"(12501، 12507).
(3)
الشرح الكبير (9/ 320)، عجالة المحتاج (4/ 1775).
عبارة "العجالة"[4/ 1775]: (وإذا قلنا: له أن يكفر بالمال .. فمقتضى كلام صاحب "التنبيه": أنه ليس له العدول عنه إلى الصيام، والذي أبداه الإمام والرافعي: الجواز) انتهى، وهو معكوس، والصواب: ما ذكرته. اهـ هامش (أ).
بَلْ يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ، فَإِنْ ضَرَّهُ وَكَانَ حَلَفَ وَحَنِثَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ .. صَامَ بِلَا إِذْنٍ، أَوْ وُجِدَا بِلَا إِذْنٍ .. لَمْ يَصُمْ إلَّا بِإِذْنٍ، وَإِنْ أَذِنَ فِي أَحَدِهِمَا .. فَالأَصَحُّ: اعْتِبَارُ الْحَلِفِ،
===
ففعل .. فإنه لا يقع عنها على المذهب؛ لأنه يستعقب الولاء ولا يمكن إثباته للعبد.
(بل يكفر بصوم) لامتناع غيره منه (1)(فإن ضره) الصوم؛ لشدة حرٍّ، أو طول نهار، أو ضعفه ويضعف عن العمل بسببه (وكان حلف وحنث بإذن سيده .. صام بلا إذن) وليس له منعه وإن كانت الكفارة على التراخي؛ لصدور السبب الموجب عن إذن السيد.
(أو وجدا) أي: الحلف والحنث (بلا إذن .. لم يصم إلا بإذن) قطعًا؛ لأنه لم يأذن في السبب والفرض أن الصوم يضره فكان له منعه وإخراجه منه كالحج، فإن لم يضره ولا يعطله عن خدمة سيده .. فليس له منعه على الأصح.
(وإن أذن في أحدهما .. فالأصح: اعتبار الحلف) فإن كان الحلف بإذنه، والحنث بغير إذنه .. صام بغير إذنه؛ لأن إذنه في الحلف إذنٌ فيما يترتب عليه؛ كالتكسب لنكاح مأذون فيه، والثاني: لا؛ لأن اليمين مانعة من الحنث، فليس إذنه فيها إذنًا في التزام الكفارة.
وإن كان الحلف بغير إذنه والحنث بإذنه .. فلا يصوم إلا بإذنه؛ لأنه لم يأذن في السبب الأول، وهو الحلف، وإنما العبد ورّط نفسه فيه، والثاني: له الصوم بلا إذنه؛ لأن الحنث يستعقب الكفارة، فالإذن فيه يكون إذنًا في التكفير، وما رجحه تبع فيه "المحرر"، وأحالا في "الشرح" و"الروضة" المسألة على (كتاب الكفارة)، وذكرا هناك: أنه إن حلف بإذنه وحنث بغير إذنه .. لم يستقل بالصوم على الأصح، وفي عكسه .. يستقل على المذهب (2).
قيل: ولعل ما في "المحرر" سبق قلم من (الحنث) إلى (الحلف)، ورد: بأن ما في "الكتاب" صححه البغوي (3)، وفي "المحرر" يتبع البغوي كثيرًا.
(1) في (ز): (لعجزه عن غيره).
(2)
المحرر (ص 474)، الشرح الكبير (9/ 321)، روضة الطالبين (8/ 300).
(3)
التهذيب (8/ 113).