الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمَرِيضُ مُعْسِرٌ إِلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ، وَالْمَيْتُ مُعْسِرٌ، فَلَوْ أَوْصَى بعِتْقِ نَصِيبهِ .. لَمْ يَسْرِ.
فصلٌ [في العتق بالبعضية]
إِذَا مَلَكَ أَهْلُ تَبَرُّعٍ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ .. عَتَقَ عَلَيْهِ،
===
الاستيلاد؛ لإعساره .. فلا يسري العتق إليه على الأصح، ولا يسريان إلى الحصة الموقوفة ولا إلى المنذور إعتاقه، ولو رهن نصف عبده الذي لا يملك سواه فأعتق النصف الخالي عن الرهن .. فلا سراية لنصفه المرهون على الأصح.
ومنها: أن يوجه الإعتاق إلى نصيبه أو إلى الجميع حتى يتناول نصيبه ثم يسري، فلو قال:(أعتقت نصيب شريكي) .. لغا؛ لأن نصيب الشريك يصير بإعتاق ملكه تبعًا، ولا يعتق نصيبه بهذا القول؛ فلا يعتق ما هو تابع، قال في "المطلب": وهو ظاهر إذا لم ينو المتلفظ بما صدر منه عتق نصيبه، فلو حصل ذلك .. فالظاهر: أنه يعتق ويسري؛ لأن حصة شريكه تعتق بعتق حصته، فكان ذلك كناية في عتق حصته.
(والمريض) مرض الموت (معسر إلا في ثلث ماله) فلو أعتق في مرض موته نصيبه ولم يخرج من الثلث غيره .. فلا سراية، وكذا إذا خرج نصيبه وبعض نصيب شريكه .. فلا سراية في الباقي؛ لما سبق في (الوصية).
(والميت معسر) مطلقًا (فلو أوصى بعتق نصيبه) بعد موته ( .. لم يسر) وإن خرج كله من الثلث؛ لأن المال بالموت ينتقل إلى الوارث، ولا يقوَّم على من لا يملك شيئًا وقت نفوذ العتق، بل لو أوصى بعتق بعض عبده .. لم يسر إلى باقيه.
* * *
(فصل: إذا ملك أهل تبرع أصله أو فرعه .. عتق عليه) أما في الأصول .. فلقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} ، ولا يتأتى خفض الجناح مع الاسترقاق، وفي "صحيح مسلم":"لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ"(1) أي: فيعتقه الشراء؛ لرواية: "فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ" كما ذكره ابن الرفعة (2)، وأما
(1) صحيح مسلم (1510/ 25) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
كفاية النبيه (12/ 323).
وَلَا يُشْتَرَي لِطِفْلٍ قَرِيبُهُ، وَلَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ وُصِّيَ لَهُ؛ فَإِنْ كَانَ كَاسِبًا .. فَعَلَى الْوَليِّ قَبُولُهُ،
===
في الفروع .. فلقوله تعالى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} فجعل العبودية منافية للولادة حيث ذكرت في مقابلتها؛ فدل على امتناع اجتماع البنوة والملك.
وشمل قوله: (أصله أو فرعه) الذكور والإناث، علوا أو سفلوا، ملكوا قهرًا أو اختيارًا، اتحد دينهما أو اختلف، وهو كذلك، وخرج ما عداهما من الأقارب؛ كالإخوة؛ فإنهم لا يعتقون بالملك.
ولو ملك أصله أو فرعه من الرضاع .. لم يعتق بالإجماع.
والتقييد بـ (أهل التبرع) تبع فيه "المحرر"(1)، ولم يذكره في "الروضة"، ولا يحسن الاحتراز به عن الصبي والمجنون؛ فإنهما إذا ملكا ذلك .. عتق عليهما، وقد ذكره بعد، وكأنه احترز به عن صور: إحداها: المكاتب إذا ملكه .. فإنه لا يعتق عليه؛ بل يتكاتب عليه؛ لأنه لو عتق .. لكان ولاؤه له، ولا يتصور الولاء للرقيق، الثانية: المبعض إذا ملك ببعضه الحر أصله أو فرعه؛ لتضمنه الإرث والولاء، وهو ليس من أهله، الثالثة: من عليه دين مستغرق إذا اشترى من يعتق عليه .. ففي عتقه وجهان، الرابعة: ما لو ملك شخص ابن أخيه ثم مات وعليه دين مستغرق وورثه أخوه فقط وقلنا: الدين لا يمنع الإرث -كما هو الأصح- .. فإن الأخ يملك ابنه ولا يعتق عليه؛ لأنه ليس أهلًا للتبرع فيه.
(ولا يشترى لطفل) أو مجنون أو سفيه (قريبه) الذي يعتق عليه؛ لأنه يعتق عليه، وقد يطالب بالنفقة وفي ذلك ضرر؛ فإن اشتري .. فباطل.
(ولو وهب له) من يعتق عليه (أو وصي له) به، (فإن كان) الموهوب أو الموصى به (كاسبًا) بما يفي بمؤنته ( .. فعلى الولي قبوله) لانتفاء الضرر، وحصول
(1) المحرر (ص 517)، وقع هذا التقييد في "الوجيز"[ص 594]، فقال الرافعي [12/ 343]: احترز به: عن الصبي ونحوه، وكأنه لم يتأمله عند الكتابة به. انتهى. اهـ هامش (أ).
وَيَعْتِقُ ويُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِلَّا؛ فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُعْسِرًا .. وَجَبَ الْقَبُولُ، وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مُوسِرًا .. حَرُمَ. وَلَوْ مَلَكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَرِيبَهُ بِلَا عِوَضٍ .. عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ
===
الكمال للأب، ولا نظر إلى احتمال يوقع وجوب النفقة في المستقبل بعجز يطرأ؛ لأنه مشكوك.
(ويعتق) لعموم الأدلة السابقة، (وينفق) عليه (من كسبه) لاستغنائه عن القريب، هذا إذا وهب له جميعه؛ فلو وهب له بعض من يعتق عليه والموهوب له موسر .. لم يجز للولي قبوله وإن كان كاسبًا؛ لأنه لو قبله .. لملكه وعتق عليه وسرى؛ فتجب قيمة حصة الشريك في مال المحجور عليه، كما هو الأصح في "الروضة" و"أصلها"(1)، لكن رجح المصنف في "التصحيح": أنه يقبله، ويعتق ولا يسري (2)؛ لأن المقتضي للسراية الاختيار، وهو منتف.
(وإلا) أي: وإن لم يكن كاسبًا (فإن كان الصبي معسرًا .. وجب القبول) لأن نفقته لا تجب عليه حينئذ، ويعتق عليه؛ فيحصل له بذلك كمال وثواب بلا ضرر، (ونفقته في بيت المال) إن كان مسلمًا، وليس من تجب نفقته عليه غير الموهوب له؛ لأنه من محاويج المسلمين.
(أو موسرًا .. حرم) القبول؛ لأنه يعتق عليه ويطالب بنفقته، وفي ذلك ضرر.
نعم؛ لو أوصى لصبي بجده وعمه الذي هو ابن هذا الرجل موجود موسر .. لزم الولي القبول ولو كان الجد غير كاسب والموهوب له موسرًا؛ لأن نفقته في هذه الحالة على العم لا على الصبي.
(ولو ملك في مرض موته قريبه) الذي يعتق عليه (بلا عوض) كالإرث ( .. عتق من ثلثه) حتى لو لم يكن له غيره .. لم يعتق إلا ثلثه؛ لأنه دخل في ملكه وخرج بلا مقابلة فاعتبر من الثلث؛ كما لو تبرع به، وهذا ما رجحه البغوي، وتبعه في
(1) روضة الطالبين (12/ 123)، الشرح الكبير (13/ 315).
(2)
تصحيح التنبيه (1/ 446).
-وَقِيلَ: مِنْ رَأْسِ الْمَالِ- أَوْ بِعِوَضٍ بلَا مُحَابَاةٍ .. فَمِنْ ثُلُثِهِ -وَلَا يَرِثُ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ .. فَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ، وَالَأَصَحُّ: صِحَّتُهُ، وَلَا يَعْتِقُ، بَلْ يُبَاعُ لِلدَّيْنِ أَوْ بِمُحَابَاةٍ .. فَقَدْرُهَا كَهِبَةٍ، وَالْبَاقِي مِنَ الثُّلُثِ. وَلَوْ وُهِبَ لِعَبْدٍ بَعْضُ قَرِيبِ سَيِّدِهِ فَقَبِلَ وَقُلْنَا: يَسْتَقِلُّ بِهِ .. عَتَقَ وَسَرَي، وَعَلَى سَيِّدِهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ
===
"المحرر" و"الشرح الصغير"(1)، (وقيل: من رأس المال) لأنه لم يبذل مالًا، والملك زال بغير رضاه، وهذا هو الأصح في "أصل الروضة"، وقال الرافعي في "الشرح الكبير": إنه أولى بالترجيح (2)، وقال البُلْقيني: إنه المعتمد في الفتوى.
(أو بعوض بلا محاباة) بل بثمن مثله ( .. فمن ثلثه) فلا يعتق منه إلا ما يخرج من الثلث؛ لأنه فوَّت على الورثة ما بذله من الثمن، ولم يحصل لهم في مقابله شيء.
(ولا يرث) في صورتي الملك بلا عوض ومعه؛ لأن عتقه من الثلث وصية، ولا سبيل إلى الجمع بين الوصية والميراث.
(فإن كان عليه دين) مستغرق ( .. فقيل: لا يصح الشراء) لأن تصحيحه يؤدي إلى ملكه ولا يعتق عليه فلم يصح؛ كما لا يصح شراء الكافر العبد المسلم، (والأصح: صحته) إذ لا خلل فيه (ولا يعتق، بل يباع للدين) علله في "البيان" بأن موجب الشراء الملك والدين لا يمنع منه؛ فلم يمنع صحة الشراء، وعتقه معتبر من الثلث والدين يمنع منه كما يمنع الدين العتق بالإعتاق، ويخالف شراء الكافر للمسلم؛ لأن الكفر يمنع الملك للعبد المسلم (3).
(أو بمحاباة) من البائع ( .. فقدرها كهبة) أي: يكون قدر المحاباة كالموهوب له؛ فيجيء الخلاف السابق في أنه يعتبر من الثلث أو من رأس المال، (والباقي من الثلث) فيأتي فيه ما مرَّ.
(ولو وهب لعبد بعض قريب سيده فقبل وقلنا: يستقل به) أي: بالقبول، ولا يحتاج إلى إذن السيد، وهو الأصح ( .. عتق وسرى، وعلى سيده قيمة باقيه)
(1) التهذيب (8/ 371)، المحرر (ص 517).
(2)
روضة الطالبين (6/ 203) الشرح الكبير (7/ 131).
(3)
البيان (8/ 223).