الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في جناية الرقيق]
مَالُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَلِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ لَهَا، وَفِدَاؤُهُ بِالأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِهَا، وَفِي الْقَدِيمِ: بِأَرْشِهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ مَعَ رَقَبَتِهِ فِي الأَظْهَرِ
===
ذلك الحول وإن كان موسرًا من قبل، أو أيسر بعده، لخروجه عن أهلية المواساة، ولو كان موسرًا آخر الحول .. لزمه، ولو أعسر بعده .. فهو دين عليه.
* * *
(فصل: مال جناية العبد) بأن كانت خطأً، أو عمدًا، وعفي على مال (يتعلق برقبته) بالإجماع، كما حكاه البيهقي (1)؛ لأنه لا يمكن إلزام السيد؛ لأنه لم يجن، ففيه إضرار به، ولا أن يكون في ذمة العبد إلى العتق، للإضرار بالمستحق، فجعل التعلق بالرقبة طريقًا وسطًا.
ويستثنى: ما إذا كان العبد غير مميز، أو أعجميًّا يعتقد وجوب طاعة السيد فأمره بها .. فالجاني هو السيد، ولا يتعلق الضمان برقبته على الأصحِّ في "أصل الروضة" في (الرهن)، وفي مسائل الإكراه (2)، لكن نص في "الأم" على خلافه، كما قاله البُلْقيني.
(ولسيده بيعه لها) أي: للجناية (وفداؤه) كالمرهون (بالأقل من قيمته وأرشها) لأنه إن كانت قيمته أقل .. فليس عليه إلا تسليمه، فإذا لم يسلمه .. طولب بقيمته، وإن كان الأرش أقل .. فليس للمجني عليه إلا ذلك.
(وفي القديم: بأرشها) بالغًا ما بلغ؛ لأنه لو سلمه ربما بيع بأكثر من قيمته، وعلى الأول: تعتبر القيمة يوم الجناية، وقيل: يوم الفداء.
(ولا يتعلق) مال الجناية (بذمته مع رقبته في الأظهر) لأنه لو تعلق بالذمة .. لما تعلق بالرقبة؛ كديون معاملاته، والثاني: نعم، كالمال الواجب بجناية الحر، وعلى
(1) انظر "معرفة السنن والآثار"(12/ 150).
(2)
روضة الطالبين (4/ 104، 9/ 140).
وَلَوْ فَدَاهُ ثُمَّ جَنَى .. سَلَّمَهُ لِلْبَيع أَوْ فَدَاهُ، وَلَوْ جَنَى ثَانِيًا قَبْلَ الْفِدَاءِ .. بَاعَهُ فِيهِمَا أَوْ فَدَاهُ بالأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالأَرْشَيْنِ، وَفِي الْقَدِيمِ: بِالأَرْشَيْنِ. وَلَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ وَصَحَّحْنَاهُمَا أَوْ قَتَلَهُ .. فَدَاهُ بِالأَقَلِّ، وَقِيلَ: الْقَوْلَانِ، وَلَوْ هَرَبَ أَوْ مَاتَ .. بَرِئَ سَيِّدُهُ، إِلَّا إِذَا طُلِبَ فَمَنَعَهُ،
===
هذا: فالرقبة مرهونة بالحق الثابت في ذمته (1).
(ولو فداه ثم جنى .. سلمه للبيع أو فداه) مرة أخرى وإن تكرر ذلك مرارًا؛ لأنه الآن لم يتعلق به غير هذه الجناية.
(ولو جنى ثانيًا قبل الفداء .. باعه فيهما) أي: في الجنايتين ووزع الثمن على أرش الجنايتين، (أو فداه بالأقل من قيمته والأرشين) على الجديد (وفي القديم: بالأرشين) لما سلف.
ومحل الخلاف: ما إذا لم يمنع من بيعه مختارًا للفداء، فإن منع .. لزمه أن يفدي كلًّا منهما؛ كما لو كان منفردًا، صرح به الرافعي في الكلام على جناية المستولدة (2)، وأسقطه من "الروضة"، كذا قاله الزركشي وشيخنا ولم يسقطه في "الروضة"(3)، بل ذكر فيها في الموضع المذكور كما في "الرافعي" فقال:(فرع: لو جنى القن فمنع السيد من بيعه، واختار الفداء، ثم جنى ففعل مثل ذلك .. يلزمه لكل جنايةٍ الأقل من أرشها وقيمته).
(ولو أعتقه أو باعه، وصححناهما) أي: العتق والبيع (أو قتله .. فداه) حتمًا؛ لأنه فوت محل حقه، وسبق في (البيع) بيان صحة بيعه وعدمه، وعتقه كعتق المرهون؛ إن كان موسرًا .. نفذ، وإلا .. فلا على الأظهر (بالأقل) أي: بأقل الأمرين؛ لتعذر البيع، وبطلان زيادة راغب، (وقيل: القولان) السابقان (ولو هرب) العبد الجاني (أو مات .. برئ سيده، إلا إذا طلب) ليباع (فمنعه) لتعديه
(1) قال في "العجالة"[4/ 1589]: (ومحل الخلاف كما قال الإمام: إذا اعترف السيد بالجناية، وإلا .. فيقطع أن الأرش يتعلق بذمة العبد). انتهى، وهو كلام عجيب. اهـ هامش (أ).
(2)
الشرح الكبير (10/ 501).
(3)
روضة الطالبين (9/ 365).
وَلَوِ اخْتَارَ الْفِدَاءَ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَتَسْلِيمَهُ. وَيَفْدِي أُمَّ وَلَدِهِ بِالأَقَلِّ، وَقِيلَ: الْقَوْلَانِ، وَجِنَايَاتُهَا كَوَاحِدَة فِي الأَظْهَرِ.
===
بالمنع، ويصير بذلك مختارًا للفداء.
(ولو اختار الفداء .. فالأصح: أن له الرجوع وتسليمه) ليباع؛ لأنه وعد، ولا أثر له، واليأس لم يحصل من بيعه، والثاني: يلزمه؛ عملًا بالتزامه، هذا إذا كان العبد حيًّا؛ فإن مات .. فلا رجوع له قطعًا.
(ويفدي أم ولده) أي: يتعين؛ لأنه بالاستيلاد مانع من بيعها مع بقاء الرق فيها، فأشبه ما إذا جنى القن .. فلم يسلمه للبيع (بالأقل) من قيمتها والأرش؛ كما لو امتنع من بيع الجاني، (وقيل: القولان) السابقان في القن، والأصحّث: الأول؛ لعدم توقع راغب بالزيادة، فإن البيع ممتنع، بخلاف القن.
(وجناياتها كواحدة في الأظهر) فيلزمه للكل فداء واحد؛ لأن الاستيلاد منزَّل منزلة الإتلاف، وإتلاف الشيء لا يوجب إلا قيمة واحدة، ولأنها لو لم تكن مستولدة، وبيعت .. لم يظفر جميع الأولياء إلا بقيمتها فليقدر السيد مشتريًا، والثاني: يلزمه لكل جناية فداء؛ لأنه منع من بيعها عند الجناية الثانية؛ كما في الأولى، ورجحه البُلْقيني، وحكى عن الشافعي أنه قال: إنه أحب القولين إليه.
والثالث: إن فدى الأولى قبل جنايتها الثانية .. لزمه فداء آخر، وإلّا .. فواحد، فعلى الأظهر: يشترك المجني عليهما أو عليهم على قدر جناياتهم، ومن قبض أرشًا .. حوصص فيه؛ كغرماء المفلس إذا اقتسموا، ثم ظهر غريم أو غرماء، وكلما تجددت جناية .. تجدد الاسترداد.
ومحل الخلاف: أن يكون أرش الجناية الأولى كالقيمة، أو أكثر، أو أقل، والباقي من القيمة لا يفي بالجناية الثانية؛ فإن كان أرش الأولى دون القيمة وفداها به، وكان الباقي من قيمتها يفي بالجناية الثانية .. فداها بأرشها قطعًا.
* * *