الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَا حُكْمُ بَعْضِ مَارِنٍ وَحَلَمَةٍ، وَفِي الأَلْيَيْنِ الدِّيَةُ، وَكَذَا شُفْرَاهَا، وَكَذَا سَلْخُ جِلْدٍ إِنْ بَقِيَ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَحَزَّ غَيْرُ السَّالِخِ رَقَبَتَهُ.
فَرْعٌ [في موجب إزالة المنافع]
فِي الْعَقْلِ دِيَةٌ،
===
(وكذا حكم بعض مارن وحلمة) أي: والأصحّ: التوزيع على الحلمة والمارن فقط، ومقابله: على الأنف والثدي.
(وفي الأليين الدية) وفي إحداهما نصفها؛ لما فيهما من الجمال والمنفعة في الركوب، والقعود، وسواء في ذلك الرجل والمرأة، وحدّهما ما أشرف على الظهر والفخذين.
(وكذا شفراها) لما فيهما من الجمال والمنفعة؛ إذ بهما يقع الالتذاذ بالجماع، وهما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم، وقد عبر الشافعي عنهما بالإسكتين (1)، وفرق الأزهري بينهما بأن الإسكتين ناحيتا الفرج، والشفرين طرفا الناحيتين (2).
(وكذا سلخ جلد) تجب فيه الدية؛ لأن في بقائه جمالًا ومنفعة ظاهرة، فهو كالشيء الذي ليس في البدن منه إلا واحدًا؛ كاللسان، والذكر (إن بقي حياة مستقرة وحز غير السالخ رقبته) أو مات بسبب آخر، فإن مات بسبب السلخ، أو حز السالخ رقبته .. فالواجب: دية النفس إن عفا عن القود.
* * *
(فرع) في إزالة المنافع، ويشتمل على ثلاثة عشر شيئًا؛ كما تقف عليه.
(في العقل دية) بالإجماع؛ كما حكاه ابن المنذر (3)؛ ولأنه أشرف الحواس، ولا يجب القصاص فيه على المذهب؛ لاختلاف الناس في محله هل هو القلب، أو
(1) الأم (7/ 185).
(2)
تهذيب اللغة (10/ 315).
(3)
الإجماع (ص 168).
فَإِنْ زَالَ بِجُرْحٍ لَهُ أَرْشٌ أَوْ حُكُومَةٌ .. وَجَبَا، وَفِي قَوْلٍ: يَدْخُلُ الأَقَلُّ فِي الأَكْثَرِ،
===
الدماغ، أو مشترك بينهما؟ والأكثرون على الأول، وقيل: مسكنه الدماغ، وتدبيره في القلب.
وأطلق العقل، وقال الماوردي: إنما تجب الدية في العقل الغريزي الذي يتعلق به التكليف، وهو العلم بالمدركات الضرورية، فأما العقل المكتسب الذي هو حسن التقدير، وإصابة التدبير .. فلا دية فيه مع بقاء العقل الغريزي، بل فيه حكومة لا تبلغ بها دية الغريزي (1).
وإنما تجب الدية في العقل إذا قال أهل الخبرة: لا يعود، أما إذا توقعوا عوده .. فإنه يوقف، فإن مات قبل العود .. ففي الدية وجهان؛ كما إذا قلع سن مثغور فمات قبل أن يعود، كذا نقلاه عن المتولي، وأقراه (2).
وقولهما: (سن مثغور) صوابه: غير مثغور، وعبارة "التتمة": سن من لم يثغر.
هذا في زواله بالكلية، فلو زال بعضه؛ فإن أمكن الضبط بالزمان وغيره؛ كأن صار يجن يومًا ويفيق يومًا .. وجب قسط الزائل، فيجب نصف الدية، وإلا .. فحكومة.
(فإن زال) العقل (بجرح له أرش) مقدر؛ كالموضحة، واليد، والرجل (أو حكومة .. وجبا) أي: دية العقل، وأرش الجناية أو حكومتها، ولا يندرج الأرش في دية العقل؛ لأنها جناية أبطلت منفعة غير حالة في محل الجناية، فصار كما لو أوضحه فذهب بصره، (وفي قول: ) قديم (يدخل الأقل في الأكثر) فإن كانت دية العقل أكثر؛ كأن أوضحه فزال عقله .. دخل فيها أرش الموضحة، وإن كان أرش الجناية أكثر؛ بأن قطع يديه ورجليه فزال عقله .. دخل فيه دية العقل؛ لأن ذهابه يعطل منافع سائر الأعضاء، فأشبه ذهاب الروح، كذا علله الرافعي (3).
(1) الحاوي الكبير (16/ 47).
(2)
روضة الطالبين (9/ 289 - 290)، الشرح الكبير (10/ 386 - 387).
(3)
الشرح الكبير (10/ 387).
وَلَوِ ادُّعِيَ زَوَالُهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ .. فَلَهُ دِيَةٌ بِلَا يَمِينٍ. وَفِي السَّمْعِ دِيَةٌ، وَمِنْ أُذُنٍ نِصْفٌ،
===
وكان مقتضى التشبيه بالروح: دخول الأرش في دية العقل.
وإن كان الأرش أكثر، حتى لو قطع يديه ورجليه فذهب عقله .. لا تجب إلا دية واحدة؛ كما لو مات.
وأفهم كلام المصنف: أنه لو زال بما لا أرش فيه ولا حكومة؛ كاللطمة .. تجب دية العقل فقط، وهو كذلك.
نعم؛ يعزر على الأصحِّ.
(ولو ادُّعي زواله) وأنكر الجاني ونسبه إلى التجانن (فإن لم ينتظم قوله وفعله في خلواته .. فله دية بلا يمين) لأنه لا تجانن في الخلوات، ولأن يمينه تثبت جنونه، والمجنون لا يحلف.
نعم؛ لو كان الاختلاف فيمن يجن وقتًا ويفيق وقتًا .. حلفناه في زمن إفاقته؛ كما ذكره في "الكفاية"(1)، وإن انتظم قوله وفعله .. صدق الجاني بيمينه، وإنما يحلف؛ لاحتمال أنهما صدرا اتفاقًا، أو جريًا على عادته.
وقول المصنف: (ولو ادعي زواله) ينبغي أن يقرأ منيبًا لما لم يسم فاعله؛ أي: ادعى ذلك من له ولاية الدعوى، وهو الولي، لكن في "العجالة" بعد قول المصنف:(ولو ادعى) يعني: المجني عليه (2)، ولا يصح ذلك؛ إذ كيف يدعي وهو مجنون؛ لأن المجنون لا تصح دعواه.
(وفي السمع دية) لأنه من أشرف الحواس، فكان كالبصر، بل قيل: إنه أفضل منه؛ لأن به يدرك الفهم، وقيل: عكسه؛ لأن به يدرك الأعمال، ونقل عن أكثر المتكلمين، هذا إذا ذهب، فلو لم يذهب ولكن ارتتق بالجناية داخل الأذن ارتقاقًا لا وصول إلى زواله .. فالأصحُّ: وجوب حكومة لا دية.
(ومن أذن نصف) أي: نصف دية، لا لتعدد السمع، ولكن ضبط النقصان
(1) كفاية النبيه (16/ 124).
(2)
عجالة المحتاج (4/ 1567)، لكن وقع فيه:(ولي المجني عليه) بدل: (يعني: المجني عليه).
وَقِيلَ: قِسْطُ النَّقْصِ، وَلَوْ أَزَال أُذُنَيْهِ وَسَمْعَهُ .. فَدِيَتَانِ، وَلَوِ ادَّعَى زَوَالَهُ وَانْزَعَجَ لِلصِّيَاحِ فِي نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ .. فَكَاذِبٌ، وَإِلَّا .. حَلَفَ وَأَخَذَ دِيَةً، وَإِنْ نَقَصَ .. فَقِسْطُهُ إِنْ عُرِفَ،
===
بالمنفذ أولى وأقرب من ضبطه بغيره، (وقيل: قسط النقص) من الدية فيعتبر ما نقص من السمع بحالة الكمال على ما سيأتي، قال الرافعي:(وقد يقال: تجب فيه حكومة، وذلك؛ لأن السمع واحد، وإنما التعدد في المنفذ، بخلاف ضوء البصر؛ فإن تلك اللطيفة متعددة، ومحلها الحدقة)(1).
(ولو أزال أذنيه وسمعه .. فديتان) لأن محل السمع غير محل القطع، فلم يتداخلا؛ كما لو أوضحه فعمي.
(ولو ادعى زواله، وانزعج للصياح في نوم وغفلة .. فكاذب) لأن ذلك يدل على التصنع، ويجب مع ذلك تحليف الجاني: إن سمعه لَباقٍ؛ لاحتمال أن يكون انزعاجه اتفاقًا، أو بسبب آخر، ولا يكفيه أن يحلف: إن سمعه لم يذهب بجنايته؛ لأن الحلف في ذهاب السمع وبقائه، لا في ذهابه بجناية غيره، ولا يختص الانزعاج بالصياح، بل الرعد وطرح شيء له صوت من علو كذلك، وقيد الماوردي الصياح بصوت مزعج مهول يتضمن إنذارًا وتحذيرًا، قال: ويكرر ذلك من جهات، وفي أوقات الخلوات حتى يتحقق زوال السمع بها (2).
(وإلا) أي: وإن لم يظهر أثر ( .. حلف وأخذ دية) لأن السمع لا يرى، ولا يعلم ذهابه، وليس للبينة فيه مدخل، فتعين المصير إلى ما ذكرناه؛ لأن به يعرف وجوده من عدمه، وإذا ثبت زواله .. قال الماوردي: يراجع عدول الأطباء؛ فإن نفوا عوده .. وجبت الدية في الحال، وإن جوزوا عوده إلى مدة معينة .. انتظرت؛ فإن عاد فيها .. لم تجب الدية، وإلا .. وجبت (3)، ولو ادعى ذهاب سمع إحدى أذنيه .. حشيت السليمة، وامتحن في الأخرى على ما سبق.
(وإن نقص) سمعه ( .. فقسطه إن عرف) قدر ما ذهب؛ بأن كان يسمع من
(1) الشرح الكبير (10/ 389).
(2)
الحاوي الكبير (16/ 44).
(3)
الحاوي الكبير (16/ 44).
وَإِلَّا .. فَحُكُومَةٌ بِاجْتِهَادِ قَاضٍ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ سَمْعُ قَرْنِهِ فِي صِحَّتِهِ، وَيُضْبَطُ التَّفَاوُتُ. وَإِنْ نَقَصَ مِنْ أُذُنٍ .. سُدَّتْ وَضُبِطَ مُنْتَهَى سَمَاعِ الأُخْرَى ثُمَّ عُكِسَ وَوَجَبَ قِسْطُ التَّفَاوُتِ. وَفِي ضَوْءِ كُلِّ عَيْنٍ نِصفُ دِيَةٍ، فَلَوْ فَقَأَهَا .. لَمْ يَزِدْ، وَإِنِ ادَّعَى زَوَالَهُ .. سُئِلَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ،
===
موضع فصار يسمع من دونه، وطريق معرفته: أن يحدثه شخص ويتباعد إلى أن يقول: لا أسمع، فيعلي الصوت قليلًا، فإن قال: أسمع .. عرف صدقه، ثم يعمل كذلك من جهة أخرى؛ فإن اتفقت المسافتان .. ظهر صدقه، ثم ينسب ذلك من مسافة سماعه قبل الجناية إن عرفت، ويجب بقدره من الدية.
(وإلا) أي: وإن لم يعرف مقدار الذاهب، ولكن نقص سمعه وثقل ( .. فحكومة باجتهاد قاض) لأنه لا يمكن تقديره، (وقيل: يعتبر سمع قرنه) بفتح القاف وسكون الراء: من له مثل سنه (في صحته، ويضبط التفاوت)(وطريقه؛ بأن يجلس إلى جانب المجني عليه، ويؤمر من يرفع صوته، ويناديهما من مسافة بعيدة لا يسمعه واحد منهما، ثم يقرب المنادي شيئًا فشيئًا إلى أن يقولط السليم: (سمعت)، فيعلم على الموضع، ثم يديم المنادي ذلك الحد من رفع الصوت، ويقرب إلى أن يقول المجني عليه:(سمعت)، فيضبط ما بينهما من التفاوت، وإنما قدر النقصان بالمسافة؛ لأنه لا سبيل إلى إلغاء قول المجني عليه مع وجود الجناية، ولا إلى قبول قوله مع إمكان طريق يغلب على الظن صدقه.
(وإن نقص من أذن .. سدت وضبط منتهى سماع الأخرى، ثم عكس، ووجب قسط التفاوت) أي: يضبط ما بينهما من التفاوت، ويؤخذ قسطه من الدية، فإن لم ينضبط .. فالواجب: الحكومة.
(وفي ضوء كل عين نصف دية) لأن منفعة العين النظر، فذهابه كالشلل في اليد.
(فلو فقأها .. لم يزد) كما لو قطع يده، بخلاف ما لو قطع أذنه فذهب سمعه، والفرق: أن السمع ليس في الأذنين، وإنما مقره الرأس، بخلاف البصر.
(وإن ادعى) المجني عليه (زواله) أي: زوال البصر وأنكر الجاني ( .. سئل أهل الخبرة) فإنهم إذا وقفوا الشخص في مقابلة عين الشمس، ونظروا في عينه ..
أَوْ يُمْتَحَنُ بِتَقْرِيبِ عَقْرَبٍ أَوْ حَدِيدَةٍ مِنْ عَيْنِهِ بَغْتَةً، وَنُظِرَ هَلْ يَنْزَعِجُ؟ وَإِنْ نَقَصَ .. فَكَالسَّمْعِ. وَفِي الشَّمِّ دِيَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي الْكَلَامِ دِيَةٌ،
===
عرفوا أن الضوء ذاهب أم موجود، بخلاف السمع لا يراجعون فيه؛ إذ لا طريق لهم إليه.
(أو يمتحن بتقريب عقرب أو حديدة من عينه بغتة، ونظر هل ينزعج؟ ) فإن انزعج .. صدق الجاني بيمينه، وإلا .. فالمجني عليه.
وقضية كلامه - تبعًا لـ "المحرر" -: التخيير بين الأول والثاني، وبه قال المتولي، وجعل ذلك في "أصل الروضة" خلافًا فقال: وجهان، أحدهما -وهو نصه في "الأم"-: يراجع أهل الخبرة
…
إلى آخره، والثاني: يمتحن بتقريب حديدة
…
إلى آخره (1)، قال الأَذْرَعي: وقضية كلام الرافعي: ترجيح الأول، وبه أجاب العراقيون، وهو المذهب.
(وإن نقص .. فكالسمع) فإن عرف قدره؛ بأن كان يرى الشيء من مسافة فصار لا يراه إلا من بعضها .. وجب القسط من الدية، وإن لم يعرف .. وجبت حكومة، وإن نقص من عين .. فيمتحن ويجب القسط.
(وفي الشم دية على الصحيح) لأنه من الحواس النافعة، فكملت فيه الدية؛ كالسمع، والثاني: لا، بل حكومة دون الدية؛ لأنه ضعيف النفع، فإن منفعته إدراك الروائح والأنتان أكثر من الطيبات، فيكون التأذي أكثر من التلذذ، وعلى الصحيح: ففي ذهابه من أحد المنخرين نصف الدية، ولو نقص الشم .. وجب بقسطه من الدية إن أمكن معرفته، وإلا .. فالحكومة، ولو أنكر الجاني زواله .. امتحن المجني عليه في غفلاته بذي ريح حاد؛ فإن هش للطيب، وعبس للمنتن .. صدق الجاني بيمينه، وإلا .. فالمجني عليه، ولو قطع أنفه فذهب شمه .. فديتان؛ كما في السمع؛ لأن الشم لا يحل الأنف.
(وفي الكلام دية) لأن اللسان عضو مضمون بالدية، وأعظم منافعه النطق فضمن بها؛ كالبطش في اليد، وإنما تؤخذ الدية إذا قال أهل الخبرة: لا يعود نطقه؛ فإن
(1) المحرر (ص 406)، روضة الطالبين (9/ 293).
وَفِي بَعْضِ الْحُرُوفِ قِسْطُهُ، وَالْمُوَزَّعُ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَقِيلَ: لَا يُوَزَّعُ عَلَى الشَّفَهِيَّةِ وَالْحَلْقِيَّةِ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا خِلْقَةً أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ .. فِدِيَةٌ، وَقِيلَ: قِسْطٌ،
===
أخذت فعاد .. استردت، (وفي بعض الحروف قسطه) فإن الكلام يتركب منها، وسواء ما خف منها على اللسان وما ثقل.
(والموزع عليها ثمانية وعشرون حرفًا في لغة العرب) فلكل سبع ربع الدية، وزافى الماوردي (لا) فيها (1)، وأسقطها الجمهور؛ لدخولها في الألف واللام، وجماعة من النحاة عدوها تسعة وعشرين، وزادوا (الهمزة)، ولم يعدوا المركب من الألف واللام.
ويختبر المجني عليه؛ بأن يستنطق بحروف المعجم حرفًا حرفًا، ويحكم له بالدية بقسط ما ذهب منها، قاله سليم وغيره.
واحترز بـ (لغة العرب): عن غيرها؛ فإن كانت لغته غيرها .. وزع على حروف لغته وإن كانت أكثر حروفًا.
(وقيل: لا يوزع على الشفهية)(وهي (الباء)، و (الفاء)، و (الميم)، و (الواو)، (والحلقية)(وهي (الهمزة)، و (الهاء)، و (العين)، و (الغين)، و (الحاء)، و (الخاء)، وإنما التوزيع على الحروف الخارجة من اللسان، وهي ما عداها فتكون ثمانية عشر على هذا؛ لأن منفعة اللسان هي النطق بها، فيكون التوزيع عليها، وتكمل الدية فيها، وأجاب من قال بالأول: بأن الحروف وإن كانت مختلفة المخارج إلا أن الاعتماد في جميعها على اللسان، وبه يستقيم النطق ويكمل.
(ولو عجز عن بعضها) أي: الحروف، كالأرت، والألثغ الذي لا يتكلم إلا بعشرين حرفًا (خلقة أو بآفة سماوية .. فدية) لأنه ناطق، وله كلام مفهوم، إلا أن في منطقه ضعفًا، وضعف منفعة العضو لايقدح في كمال الدية؛ كضعف البطش والبصر، (وقيل: قسط) أي: قسط الدية من جميع الحروف؛ لأن النطق مقدر بالحروف، بخلاف البطش.
(1) الحاوي الكبير (16/ 67).
أَوْ بِجِنَايَةٍ .. فَالْمَذْهَبُ: لَا تُكُمَّلُ دِيَةٌ، وَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ رُبُعُ كَلَامِهِ أَوْ عَكَسَ .. فَنِصْفُ دِيَةٍ. وَفِي الصَّوْتِ دِيَةٌ، فَإِنْ بَطَلَ مَعَهُ حَرَكَةُ لِسَانٍ فَعَجَزَ عَنِ التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ .. فَدِيَتَانِ، وَقِيلَ: دِيَةٌ
===
(أو) أي: عجز عن بعضها (بجناية .. فالمذهب: لا تكمل دية) لئلا يتضاعف الغرم في القدر الذي أبطله الجاني الأول.
وتعبيره بالمذهب يقتضي: إثبات طريقين، وليس في "الروضة" و"أصلها" غير خلاف مرتب على الوجهين في المسألة قبلها (1).
(ولو قطع نصف لسانه، فذهب ربع كلامه، أو عكس .. فنصف دية) لأن اللسان مضمون بالدية، وكذا الكلام، ولو لم تؤثر الجناية إلا في أحدهما .. لوجبت الدية، فإذا أثرت فيهما .. وجب أن ينظر إلى الأكثر؛ لأنه لو انفرد .. لوجب قسطه (2).
(وفي الصوت دية) لأن السنة مضت بذلك؛ كما رواه البيهقي عن زيد بن أسلم (3)، قال البُلْقيني: ووجوب الدية في الصوت لم يذكره غير الإمام، وهو مردود، ويكاد أن يكون خرقًا للإجماع. انتهى، وقول زيد بن أسلم: محمول على أنه أراد به الكلام؛ كما ذكره الرافعي وغيره عنه (4)، وكلام المتولي مصرح بأنه أراد ذلك.
(فإن بطل معه) أي: الصوت (حركة لسان فعجز عن التقطيع والترديد .. فديتان) لأنهما منفعتان مختلفتان في كل واحدة منهما إذا أفردت بالتفويت كمال الدية، فإذا فوتتا .. وجب ديتان، (وقيل: دية) لأن المقصود الكلام، لكنه يفوت بطريقين: بانقطاع الصوت، وعجز اللسان عن الحركة، وقد يجتمع الطريقان، وقد يوجد
(1) روضة الطالبين (9/ 298)، الشرح الكبير (10/ 398).
(2)
قال في "العجالة"[4/ 1571] بعد كلام "الكتاب": (لأن منفعة العضو إذا ضمنت بديته .. اعتبر فيه الأكثر من العضو والمنفعة؛ كما لو قطع الخنصر فشلت اليد .. وجب دية يد، وإن لم تشل .. وجب خمس من الإبل، وهي خمس ديتها). انتهى، وقوله:(وجب خمس من الإبل) سبق قلم، وصوابه: عشر من الإبل بدليل قوله: وهو خمس ديتها. اهـ هامش (أ).
(3)
السنن الكبرى (8/ 89).
(4)
الشرح الكبير (10/ 395).
وَفِي الذَّوْقِ دِيَةٌ، وَتُدْرَكُ بِهِ حَلَاوَةٌ وَحُمُوضَةٌ وَمَرَارَةٌ وَمُلُوحَةٌ وَعُذُوبَةٌ، وَتُوَزَّعُ عَلَيْهِنَّ، فَإِنْ نَقَصَ .. فَحُكُومَةٌ. وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْمَضْغِ،
===
أحدهما خاصة، وما رجحه تبع فيه "المحرر"، والرافعي إنما حكى ترجيحه عن اقتضاء نظم "الوجيز"، لكن في "الروضة" أطلق ترجيحه (1)، وقال الأَذْرَعي: لم أر حكاية ما رجحه في "الكتاب" في غير "النهاية"، ولم أر ترجيحه إلا في "الوجيز"، والذي فهمته من كلام الأصحاب تصريحا وتلويحًا الثاني، وهو ما يقتضيه كلامهم قطعًا.
(وفي الذوق دية) لأنه أحد الحواس الخمس فأشبه الشم.
وصور المسألة الجمهور: بأن يجني على لسانه فيفقد لذة ذوقه، والتمييز بين الطعوم الخمسة الآتية، واعترضه ابن الصباغ، بأن الشافعي رضي الله عنه قد نص على أن في لسان الأخرس الحكومة، مع أن الذوق يذهب بذهابه، فدل على أن في الذوق الحكومة، قال ابن الرفعة: وهو حسن.
نعم؛ لو صح ما قاله المتولي: أن محل الذوق طرف الحلق .. لاندفع الإشكال.
(وتدرك به) أي: بالذوق (حلاوة، وحموضة، ومرارة، وملوحة، وعذوبة، وتوزع) الدية (عليهن) فلو أبطل إدراك واحد منها .. وجب خمس الدية، وهكذا.
(فإن نقص) نقصانًا لا يتقدر؛ بأن يحس بمذاق الخمس، لكنه لا يدركها على كمالها ( .. فحكومة) تختلف بقوة النقصان وضعفه، وإذا اختلفا في ذهاب الذوق .. جرب بالأشياء المرة، أو الحامضة الحادة، فإن ظهر منه تعبيس وكراهة .. صدق الجاني بيمينه، وإلا .. فالمجني عليه.
(وتجب الدية في المضغ) لأن المنفعة العظمى للأسنان المضغ، والأسنان مضمونة بالدية، فكذلك منفعتها؛ كالبصر مع العين، والبطش مع اليد.
وصورة ذهاب المضغ: أن يجني على أسنانه فتخدر وتبطل صلاحيتها للمضغ، أو بأن يتصلب مغرس اللحيين فتمتنع حركتهما مجيئًا وذهابًا.
(1) المحرر (ص 407)، الشرح الكبير (10/ 402)، روضة الطالبين (9/ 301).
وَقُوَّةِ إِمْنَاءٍ بِكَسْرِ صُلْبٍ، وَقُوَّةِ حَبَلٍ وَذَهَابِ جِمَاعٍ، وَفِي إِفْضَائِهَا مِنَ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ دِيَةٌ - وَهُوَ: رَفْعُ مَا بَيْنَ مَدْخَلِ ذَكَرٍ وَدُبُرٍ، وَقِيلَ: ذَكَرٍ وبَوْلٍ -
===
(وقوة إمناء بكسر صلب) أي: يجب فيه الدية أيضًا؛ لفوات المقصود، وهو النسل، ولو قطع أنثييه فذهب ماؤه .. لزمه ديتان.
(وقوة حبل) أي: إذا أبطل من المرأة قوة الإحبال .. وجب فيه الدية؛ لفوات النسل.
(وذهاب جماع) أي: إذا كسر صلبه فأذهب شهوة جماعه؛ بأن صار لا يلتذ به، ولا رغبة له فيه مع عدم انقطاع مائه وسلامة ذكره .. تجب الدية؛ لأن المجامعة من أصول المنافع، واستبعد الإمام ذهاب الشهوة مع بقاء المني، ثم قال: إن أمكن ذلك .. فيجب أن يقال: إذا ذهب بالجناية شهوة الطعام .. تجب الدية بطريق الأولى إن صح تصويره (1)، وصور الماوردي ذهاب المجامعة بذهاب المني، وعدم انتشار الذكر لا لشلل فيه (2).
(وفي إفضائها من الزوج وغيره دية) روي ذلك عن زيد بن ثابت رضي الله عنه (3)، وعلله الماوردي بأنه يقطع التناسل؛ لأن النطفة لا تستقر في محل العلودتى لامتزاجها بالبول، فأشبه قطع الذكر (4)، (وهو) يعني: الإفضاء (رفع ما بين مدخل ذكر ودبر) أي: فيجعل سبيل الجماع والغائط واحدًا؛ إذ به تفوت المنفعة بالكلية، مأخوذ من الفضاء بمعنى السعة، (وقيل: ذكر وبول) فيجعل سبيل الجماع والبول واحدًا؛ لأن الأصحاب فرضوه بالذكر، وما بين القبل والدبر قوي لا يرفعه الذكر وإن كان الحكم بغيره؛ كالإفضاء به.
وما صححه تبع فيه "المحرر" و"الشرح الصغير" هنا، وصححه في "أصل الروضة" ولم يصرح في "الكبير" هنا بترجيح (5)، وجزما في "الشرح" و"الروضة"
(1) نهاية المطلب (16/ 413).
(2)
الحاوي الكبير (16/ 95).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (28477).
(4)
الحاوي الكبير (16/ 102).
(5)
المحرر (ص 407)، روضة الطالبين (9/ 303)، الشرح الكبير (10/ 405).
فإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْوَطْءُ إِلَّا بِإِفْضَاءٍ .. فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ، وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ اقْتِضَاضَهَا فَأَزَالَ الْبَكَارَةَ بِغَيْرِ ذَكَرٍ .. فَأَرْشُهَا، أَوْ بِذَكَر لِشُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً .. فَمَهْرُ مِثْلٍ ثَيِّبًا وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ، وَقِيلَ: مَهْرُ بِكْرٍ،
===
في (باب الخيار في النكاح) بالثاني (1)، وصحح المتولي أن كلًّا منهما إفضاء موجب للدية؛ لأن الاستمتاع يحُل بكل منهما؛ فإن أزالهما .. فديتان، قال البُلْقيني: والأصحُّ: هو المذكور هنا.
(فإن لم يمكن الوطء إلا بإفضاء) لكبر في آلة الرجل، أو ضيق في المرأة ( .. فليس للزوج) الوطء؛ لإفضائه إلى الإفضاء المحرم، ولا يلزمها التمكين والحالة هذه.
(ومن لا يستحق اقتضاضها (2) أي: البكر (فأزال البكارة بغير ذكر) كإصبع، وخشبة ( .. فأرشها) أي: البكارة، وهو الحكومة بتقدير الرق؛ كما سيأتي في بابه، وجنس الواجب من الإبل لا من نقد البلد على الأصحِّ؛ لأنها قاعدة الجناية على الحر.
(أو بذكر لشبهة) كظنها زوجته، (أو مكرهة .. فمهر مثل ثيبًا وأرش البكارة) ولا يندرج أرش البكارة في المهر؛ لأن المهر يجب لاستيفاء منفعة البضع، والأرش يجب لإزالة تلك الجلدة، وهماجةتان مختلفتان، (وقيل: مهر بكر) فقط؛ لأن القصد من هذا الفعل الاستمتاع، وإزالة تلك الجلدة يحصل في ضمن الاستمتاع، وهذا ما رجحه في "أصل الروضة" في (باب خيار النقص)(3)، وقيل: يلزمه مهر بكر، وأرش بكارة، وجزما به في (البيوع المنهي عنها) فيما إذا وطئ الجارية في الشراء الفاسد (4)، واختاره السبكي في (الغصب).
وعلم من قوله: (لشبهة أو مكرهة) أنه عند انتفائهما لا يجب شيء، وهو كذلك
(1) الشرح الكبير (8/ 136)، روضة الطالبين (7/ 178).
(2)
وفي (و): (افتضاضها) بالفاء، وكلاهما صحيح.
(3)
روضة الطالبين (3/ 492).
(4)
روضة الطالبين (3/ 411)، الشرح الكبير (4/ 123).