الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ العتِق
إِنَّمَا يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَإِضَافَتُهُ إِلَى جُزْءٍ
===
(كتاب العتق)
أصله من عتق الفرخ: إذا طارَ واستقلَّ، والعبد يستقل إذا عتق، وهو في الشرع: إسقاط ملك عن آدمي لا إلى مالك؛ تقربًا إلى الله تعالى، فخرج بقيد الآدمي: الطير والبهائم؛ فلا يصح عتقهما على الأصح؛ كما قاله الغزالي وابن الرفعة (1)، وبقيد لا إلى مالك: الوقف؛ لأنه نقل ملك إلى الله تعالى لا إسقاط، ولهذا يضمن بالقيمة؛ فدلَّ على بقاء الملك فيه.
والأصل فيه: قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ (13)} ، وفي "الصحيحين":"مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً .. أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ"(2)، إلى غير ذلك من الأخبار الشهيرة، والإجماع منعقد على صحته، وأنه من القرب.
(إنما يصح من مطلق التصرف) مسلمًا كان أو كافرًا ولو كان حربيًّا؛ لأنه تصرف في المال في حال الحياة فأشبه الهبة.
نعم؛ عتق الكافر ليس بقربة؛ كما صرح به الرافعي في (الوقف) في الكلام على أقوال الملك؛ لأن الإسلام شرط في التقرب.
وخرج الصبي والمجنون والمحجور عليه بسفه أو فلس؛ فلا يصح إعتاقهم؛ لعدم إطلاق تصرفهم.
وأورد على مفهومه صورٌ؛ منها: المشتري قبل القبض، فإنه يصح إعتاقه مع أنه ليس بمطلق التصرف فيه.
(ويصح تعليقه) بالصفات كالتدبير؛ لما فيه من التوسعة لتحصيل القرب، ويصح تعليقه بعوض أيضًا، (وإضافته إلى جزء) معين كـ (يدك حر)، أو شائع
(1) الوسيط (7/ 461)، كفاية النبيه (12/ 280).
(2)
صحيح البخاري (6715)، صحيح مسلم (1509) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فَيَعْتِقُ كُلُّهُ، وَصَرِيحُهُ: تَحْرِيرٌ وَإِعْتَاقٌ، وَكَذَا فَكُّ رَقَبَةٍ فِي الأَصَحِّ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ، وَيَحْتَاجُ إِلَيْهَا كِنَايَةٌ، وَهِيَ:(لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ)، (لَا سُلْطَانَ)، (لَا سَبِيلَ)، (لَا خِدْمَةَ)، (أَنْتِ سَائِبَةٌ)، (أَنْتَ مَوْلَايَ)، وَكَذَا كُلُّ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ لِلطَّلَاقِ. وَقَوْلُهُ لِعَبْدٍ:(أَنْتِ حُرَّةٌ)، وَلِأمَتِهِ:(أَنْتَ حُرٌّ) .. صَرِيحٌ. وَلَوْ قَالَ: (عِتْقُكَ إِلَيْكَ) أَوْ (حَيَّرْتُكَ) وَنَوَى تَفْوِيضَ الْعِتْقِ إِلَيْهِ فَأَعْتَقَ
===
كـ (بعضك)(فيعتق كله) إذا كان باقيه له ولو كان معسرًا؛ لأنه لو أعتق شركًا له في عبد .. سرى إلى نصيب شريكه إذا كان قادرًا على ثمنه، فإلى باقي ملكه أولى.
(وصريحه: تحرير وإعتاق) وما تصرف منهما؛ لورودهما في القرآن والسنة متكررين، (وكذا فك رقبة في الأصح) لوروده في القرآن، والثاني: إنه كناية؛ لاستعماله في العتق وغيره.
(ولا يحتاج) الصريح (إلى نية) بل يعتق به وإن لم يقصد إيقاع العتق؛ لأن هزله جِدٌّ، كما رواه الترمذي (1).
(ويحتاج إليها كناية) وإن احتفت بها قرينة؛ لاحتمالها غير العتق، فلا بُدَّ من نية التمييز، (وهي) أي: الكناية ("لا ملك لي عليك"، "لا سلطان"، "لا سبيل"، "لا خدمة"، "أنت سائبة"، "أنت مولاي") أو (أنت لله) لإشعارها بإزالة الملك مع احتمال غيره.
(وكذا كل صريح أو كناية للطلاق) لإشعارها بإزالة قيد الملك، وقد مرَّ في (الطلاق) ما يستثنى من ذلك.
(وقوله لعبده: "أنت حرة"، ولأمته: "أنت حر" صريح) ولا يضرُّ الخطأ في التذكير والتأنيث؛ تغليبًا للإشارة على العبارة.
(ولو قال: "عتقك إليك" أو "خيرتك" (2) ونوى تفويض العتق إليه، فأعتق
(1) سنن الترمذي (1184)، وأخرجه أبو داوود (2196) وابن ماجه (2039) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
في (ز): (حريتك).
نَفْسَهُ فِي الْمَجْلِسِ .. عَتَقَ، أَوْ (أَعْتَقْتُكَ عَلَى أَلْفٍ)، أَوْ (أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ) فَقَبِلَ، أَوْ قَالَ لَهُ الْعَبْدُ:(أَعْتِقْنِي عَلَى أَلْفٍ) فَأَجَابَهُ .. عَتَقَ فِي الْحَالِ وَلَزِمَهُ الأَلْفُ. وَلَوْ قَالَ: (بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِأَلْفٍ)، فَقَالَ:(اشْتَرَيْتُ) .. فَالْمَذْهَبُ: صِحَّةُ الْبَيْعِ، وَيَعْتِقُ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ، وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ. وَلَوْ قَالَ لِحَامِلٍ:(أَعْتَقْتُكِ)، أَوْ (أَعْتَقْتُكِ دُونَ حَمْلِكِ) .. عَتَقَا،
===
نفسه في المجلس) أي: مجلس التخاطب ( .. عتق) كما في الطلاق، (أو "أعتقتك على ألف"، أو "أنت حر على ألف" فقبل) في الحال، (أو قال له العبد:"أعتقني على ألف" فأجابه .. عتق في الحال ولزمه الألف) في الصور الثلاث؛ كالخلع بل أولى؛ لتشوف الشارع إلى تخليص الرقبة دون الفراق.
وقوله: (في الحال) تبع فيه "المحرر"(1)، ولا حاجة إليه، ولهذا لم يذكراه في "الشرح" و"الروضة".
(ولو قال: "بعتك نفسك بألف") في ذمتك (فقال: "اشتريت" .. فالمذهب: صحة البيع) كما لو أعتقه على مال هذا ظاهر المذهب، وذكر الربيع قولًا: أنه لا يصح البيع؛ لأن السيد لا يبايع عبده، فمن الأصحاب من أثبته وضعفه، ومنهم من قطع بما ذكره المصنف وقال: هذا من تخريج الربيع.
(ويعتق في الحال وعليه ألف) عملًا بمقتضى العقد، وهو عقد عتاقه على الأصح لا بيعًا، فلا يثبت خيار المجلس، ولو كان بيعًا .. لثبت فيه، (والولاء لسيده) لأنه عتق بعقد معاوضة، فهو كما لو كاتبه، وقيل: لا ولاء عليه؛ لأنه عتق على ملك نفسه.
(ولو قال: لحامل) بمملوك ("أعتقتك") وأطلق (أو "أعتقتك دون حملك" .. عتقا) أما في الأولى .. فكما يدخل في البيع، وأما في الثانية .. فلأنه جزء منها؛ فأشبه ما لو قال:(أعتقتك إلا يدك)، ويخالف ما لو قال:(بعتك الجارية دون حملها) .. فإنه لا يصح البيع؛ لأن العتق لا يبطل بالاستثناء؛ لقوته.
(1) المحرر (ص 515).
وَلَوْ أَعْتَقَهُ .. عَتَقَ دُونَهَا، وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ وَالْحَمْلُ لآخَرَ .. لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ الآخَرِ. وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا عَبْدٌ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ أَوْ نَصِيبَهُ .. عَتَقَ نَصِيبُهُ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا .. بَقِيَ الْبَاقِي لِشَرِيكِهِ، وَإِلَّا .. سَرَي إِلَيْهِ أَوْ إِلَى مَا أَيْسَرَ بِهِ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ ذَلِكَ يَوْمَ الإِعْتَاقِ. وَتَقَعُ السِّرَايَةُ بِنَفْسِ الإِعْتَاقِ، وَفِي قَوْلٍ: بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ،
===
(ولو أعتقه) يعني: الحمل ( .. عتق دونها) لأن الأم لا تتبع الحمل، هذا إذا نفخت فيه الروح، وإلا .. فلا يعتق؛ كما حكياه قبيل (باب التدبير) عن القاضي الحسين، وأقراه (1).
(ولو كانت لرجل والحمل لآخر .. لم يعتق أحدهما بعتق الآخر) لأنه لا استتباع مع اختلاف المالكين.
(وإذا كان بينهما عبد فأعتق أحدهما كله أو نصيبه .. عتق نصيبه) لأنه جائز التصرف، وقد وجه العتق إلى ملكه، (فإن كان معسرًا .. بقي الباقي لشريكه) ولا يسري؛ لمفهوم الحديث الآتي، (وإلا) أي: وإن لم يكن معسرًا ( .. سرى إليه) أي: على نصيب شريكه إن كان موسرًا بقيمته؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ .. قُوِّمَ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ، وَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا .. فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ" متفق عليه (2).
(أو إلى ما أيسر به) من قيمته؛ لتقرب حاله من الحرية والاستقلال، (وعليه قيمة ذلك يوم الإعتاق) أي: وقته؛ لأنه وقت الإتلاف أو وقت سببه.
(وتقع السراية بنفس الإعتاق) لظاهر الحديث المذكور.
نعم؛ يستثنى: ما لو كاتب الشريكان ثم أعتق أحدهما نصيبه .. فإنما يحكم بالسراية بعد العجز عن أداء نصيب الشريك على الصحيح؛ فإن في التعجيل ضررًا على السيد؛ لفوات الولاء، وبالمكاتب؛ لانقطاع الكسب عنه.
(وفي قول: بأداء القيمة) لأن في رواية للبخاري: "قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ
(1) الشرح الكبير (13/ 404)، روضة الطالبين (12/ 183).
(2)
صحيح البخاري (2522)، صحيح مسلم (1501/ 1).
وَفِي قَوْلٍ: إِنْ دَفَعَهَا .. بَانَ أَنَّهَا بالإِعْتَاقِ. وَاسْتِيلَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرِ يَسْرِي، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَحِصَّتُهُ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ، وَتَجْرِي الأَقْوَالُ فِي وَقْتِ حُصُولِ السِّرَايَةِ، فَعَلَى الأَوَّلِ وَالثَّالِثِ: لَا تَجِبُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ مِنَ الْوَلَدِ. وَلَا يَسْرِي تَدْبِيرٌ، وَلَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ الْمُوسِرِ:(أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ فَعَلَيْكَ قِيمَةُ نَصِيبِي)، فَأَنْكَرَ
===
يعْتَقُ" (1) ولأنه عتق بعوض؛ فلا يتقدم على العوض كالمكاتب، (وفي قول: إن دفعها) أي: القيمة ( .. بان أنها بالإعتاق) وإن لم يدفعها .. بان أنه لم يعتق؛ رعايةً للجانبين.
(واستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري) كالعتق، قال البُلْقيني: ويستثنى من اعتبار اليسار: إذا كان الشريك المستولد أصلًا لشريكه؛ فإنه يسري وإن كان معسرًا؛ كما لو استولد الجارية التي كلها له، (وعليه قيمة نصيب شريكه) للإتلاف بإزالة الملك، (وحصته من مهر مثل) للاستمتاع بملك غيره.
(وتجري الأقوال في وقت حصول السراية) والعلوق هنا؛ كالإعتاق (فعلى الأول) وهو الحصول بنفس العلوق، (والثالث) وهو التبين (لا تجب قيمة حصته من الولد) لأنا جعلناها أم ولده في الحال؛ فيكون الوضع في ملكه، فلا تجب قيمة الولد.
وأفهم: الوجوب على الثاني وهو كذلك.
(ولا يسري تدبير) سواء كان جميعه ملكه أم مشتركًا؛ لأنه ليس بإتلاف؛ بدليل: جواز بيعه، فلا تقتضي السراية؛ كما لو علق عتق نصيبه بصفة، فلو مات السيد .. عتق ما دبره من العبد ولا يسري أيضًا؛ لأن الميت معسر.
(ولا يمنع السراية دين مستغرق في الأظهر) لأنه مالك لما في يده نافذ التصرف فيه، ولهذا لو اشترى عبدًا وأعتقه .. نفذ، والثاني: يمنع؛ لأنه معسر يحل له أخذ الزكاة.
(ولو قال لشريكه الموسر: "أعتقت نصيبك فعليك قيمة نصيبي"، فأنكر)
(1) صحيح البخاري (2521) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُهُ، وَيَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِهِ إِنْ قُلْنَا: يَسْرِي بِالإِعْتَاقِ، وَلَا يَسْرِي إِلَى نَصِيبِ الْمُنْكِرِ. وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ:(إِنْ أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ .. فَنَصِيبِي حُرٌّ بَعْدَ نَصِيبِكَ)، فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ وَهُوَ مُوسِرٌ .. سَرَى إِلَى نَصِيب الأَوَّلِ إِنْ قُلْنَا: السِّرَايَةُ بِالإِعْتَاقِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ
===
ولا بينة ( .. صدق) المنكر (بيمينه) عملًا بالأصل (فلا يعتق نصيبه) إن حلف؛ فإن نكل .. حلف المدعي واستحق القيمة، ولا يعتق نصيب المدعى عليه بهذه اليمين على الصحيح؛ لأن الدعوى إنما توجهت عليه لأجل القيمة، واليمين المردودة لا تثبت إلا ما توجهت الدعوى نحوه.
(ويعتق نصيب المدعي بإقراره إن قلنا: يسري بالإعتاق) مؤاخذةً له بإقراره.
وأفهم: أنه لا يعتق على القولين الأخيرين بإقراره، وهو كذلك.
نعم؛ لو نكل المدعى عليه، وحلف المدعي اليمين المردودة .. عتق جزمًا، لكن بإقرار المدعى عليه؛ لأن اليمين المردودة كإقراره.
(ولا يسري إلى نصيب المنكر) وإن كان المدعي موسرًا؛ لأنه لم ينشئ عتقًا.
(ولو قال لشريكه: "إن أعتقت نصيبك .. فنصيبي حر بعد نصيبك"، فأعتق الشريك) المقول له نصيبه (وهو موسر .. سرى إلى نصيب الأول إن قلنا: السراية بالإعتاق، وعليه قيمته) أي: قيمة نصيب المعلق، ولا يعتق بالتعليق؛ لأنه اجتمع على النصف تعليق وسراية، والسراية أقوى؛ لأنها قهرية تابعة لعتق نصيبه لا مدفع لها، والتعليق قابل للدفع بالبيع ونحوه؛ فإن قلنا بالتبيين .. فالحكم كذلك إذا أديت القيمة، خلافًا لما يوهمه كلام المصنف، وإن قلنا: بالأداء .. فنصيب المعلق عمن يعتق، فيه وجهان في "الروضة" بلا ترجيح (1)، ورجح البُلْقيني: أنه يسري عند الأداء، ويعتق عن المنجز لا عن المعلق.
واحترز المصنف بقوله: (وهو موسر): عمَّا إذا كان معسرًا .. فإنه يعتق على كل واحد منهما نصيبه على المقول له بالتنجيز، وعلى المعلق بمقتضى التعليق.
(1) روضة الطالبين (12/ 125).
فَلَوْ قَالَ: (فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَهُ)، فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ؛ فَإِنْ كَانَ الْمُعَلِّقُ مُعْسِرًا .. عَتَقَ نَصِيبُ كُلٍّ عَنْهُ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا، وَكَذَا إِنْ كَانَ مُوسِرًا وَأَبْطَلْنَا الدَّوْرَ، وَإِلَّا .. فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ. وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ لِرَجُلٍ نِصْفُهُ وَلآخَرَ ثُلُثُهُ وَلآخَرَ سُدُسُهُ، فَأَعْتَقَ الآخِرَانِ نَصِيبَيْهِمَا مَعًا .. فَالْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَشَرْطُ السِّرَايَةِ: إِعْتَاقُهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَلَوْ وَرِثَ بَعْضَ وَلَدِهِ .. لَمْ يَسْرِ
===
(فلو قال: "فنصيبي حر قبله"، فأعتق الشريك) المقول له نصيبه (فإن كان المعلق معسرًا .. عتق نصيب كل عنه) المنجز في الحال، والمعلق قبله بموجب التعليق، ولا سراية، (والولاء لهما) لاشتراكهما في العتق، وكذا إذا كانا معسرين، (وكذا إن كان) المعلق (موسرًا، وأبطلنا الدور) اللفظي، وهو الأصح؛ فيعتق نصيب كل واحد منهما عنه، ولا شيء لأحدهما على الآخر.
(وإلا) أي: وإن لم نبطل الدور ( .. فلا يعتق شيء) على أحد من الشريكين؛ لأنه لو نفذ إعتاق المقول له في نصيبه .. لعتق نصيب القائل قبله، ولو عتق .. لسرى، ولو سرى .. لبطل عتقه، فيلزم من نفوذه عدم نفوذه، وهذا يوجب الحجر على المالك في إعتاق نصيب نفسه، ومن ثَمَّ ضعَّفه الأصحاب؛ لما فيه من الحجر على الغير في ملكه.
(ولو كان عبد لرجل نصفه، ولآخر ثلثه، ولآخر سدسه، فأعتق الآخران نصيبهما معًا .. فالقيمة عليهما نصفان على المذهب) لأن ضمان المتلف يستوي فيه القليل والكثير؛ كما لو مات من جراحاتهما المختلفة، والطريق الثاني: حكاية قولين؛ أحدهما: هذا، والثاني: يجب على قدر الملكين؛ كنظيره من الشفعة.
وفرق الأول: بأن الأخذ بالشفعة من فوائد الملك ومرافقه؛ كالثمرة، وهذا سبيله سبيل ضمان المتلف.
ومحل الخلاف: ما إذا كانا موسرين؛ فإن كان أحدهما موسرًا فقط .. قوم عليه نصيب الثالث قطعًا.
(وشرط السراية: إعتاقه باختياره؛ فلو ورث بعض ولده .. لم يسر) لأنه لا سبيل إلى السراية من غير عوض؛ لما فيه من الإجحاف بالشريك، ولا بعوض؛ لأن التغريم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
سبيله سبيل غرامة المتلف، ولم يوجد منه صنعٌ وقصدُ إتلاف.
وقضيته: اعتبار مباشرة الإعتاق للسراية، وليس كذلك؛ فإنه لو اشترى بعض قريبه أو اتهبه أو وصَّى له به وقبله .. فإنه يسري؛ كما لو تلفظ بالعتق.
واحترز بقوله: (باختياره): عمَّا لو عتق عليه بغير اختياره، وذلك في صور:
منها: ما لو اشترى المكاتب بعض قريبه حيث يصح، وعتق بعتقه .. فلا سراية؛ لأنه لم يعتق باختياره، بل عتق ضمنًا؛ كما حكياه آخر الباب عن "فتاوى القفال" وأقراه (1).
ومنها: ما لو اشترى المكاتب بعض من يعتق على سيده، ثم عجزه السيد فصار الشقص له وعتق .. لم يسر على الأصح؛ لأن مقصوده: فسخ الكتابة، والملك حصل قهرًا.
ومنها: ما لو باع شقصًا ممن يعتق على وارثه؛ بأن باع بعض ابن أخيه بثوب ومات ووارثه أخوه، ثم اطلع مشتري الشقص على عيب فيه وردَّه؛ فإنه لا يسري كالإرث.
ولو وجد العيب بالثوب وردَّه الوارث واسترد الشقص .. عتق عليه، وفي حصول السراية وجهان: أصحهما في "زيادة الروضة" هنا: السراية، لأنه تسبب في ملكه (2)، لكنه ذكر في موضع آخر ما يقتضي عدمها؛ لأن مقصوده رد الثوب.
ومنها: ما لو أوصى لزيد بشقص ممن يعتق على وارثه؛ كأن أوصى له ببعض ابن أخيه، ومات زيد بعد موت الموصي وقبل قبول الوصية، فقبلها أخوه .. عتق عليه الشقص، والأصح في "أصل الروضة": أنه لا يسري (3).
وكان ينبغي للمصنف أن يقول: (ومن شرط السراية كذا) لئلا يوهم الحصر فيما ذكره؛ فإنه قد سبق من الشروط اليسار، وبقي شروط أخر.
منها: أن يكون محلها قابلًا للنقل؛ ليخرج ما لو ثبت في نصيب الآخر حكم
(1) الشرح الكبير (13/ 404)، روضة الطالبين (12/ 183).
(2)
روضة الطالبين (12/ 117).
(3)
روضة الطالبين (12/ 117).