الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَا بمَقْبَرَةٍ بطَرَفِ الْعِمَارَةِ فِي الأَصَحِّ، لَا بمَضْيَعَةٍ فِي الأَصَحِّ.
فصلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]
يُقْطَعُ مُؤَجِّرُ الْحِرْزِ
===
(وكذا بمقبرة بطرف العمارة في الأصح) لأن القبر في المقابر حرز في العادة؛ كما أن البيت المغلق في العمران حرز وإن لم يكن فيه أحد، والثاني: المنع؛ لأنه ليس دونه
باب
مغلق، ولا عليه حارس؛ فصار كالمتاع الموضوع هناك، وقيد الماوردي الأول بما إذا كان القبر عميقًا، فلو كان قريبًا من وجه الأرض .. فلا قطع، لكن نقل الرافعي آخر الباب عن "فتاوى البغوي" ما يخالفه؛ فإنه قال: لو وضع الميت على وجه الأرض ونضدت الحجارة عليه .. كان كالدفن حتى يجب القطع بسرقة الكفن لا سيما إذا كان لا يمكنهم الحفر (1)، قال في "زيادة الروضة":(وينبغي ألّا يقطع إلا أن يتعذر الحفر؛ لأنه ليس بدفن)(2) انتهى.
ومحل القطع: في الكفن المشروع، وهو خمسة أثواب أو ثلاثة؛ فإن كفن في الزائد .. لم يقطع سارقه في الأصحِّ، ويجري الخلاف فيما لو وضع معه مضربة أو وسادة أو غيرهما، وفي الزيادة على ما يستحب تطييب الميت به.
(لا بمضيعة في الأصح) كالدار البعيدة عن العمران؛ لأن السارق يأخذ من غير خطر، والثاني: إن القبر حرز للكفن حيث كان؛ لأن النفوس تهاب الموتى.
* * *
(فصل: يقطع مؤجر الحرز) إذا سرق منه مال المستأجر؛ لأن المنافع بعقد الإجارة مستحقة للمستأجر، والإحراز من المنافع، قال الرافعي: وفي هذا التوجيه ما يبيَّن أن التصوير فيما إذا استحقَّ المستأجرُ إيواء المتاع إليه بالإجارة وإحرازه، دون من استأجر أرضًا للزراعة فآوى إليها ماشيةً مثلًا، وجرى عليه في "الروضة"(3)؛ فإن
(1) الشرح الكبير (11/ 247).
(2)
روضة الطالبين (10/ 153).
(3)
الشرح الكبير (11/ 208)، روضة الطالبين (10/ 132).
وَكَذَا مُعِيرُهُ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ غَصَبَ حِرْزًا .. لَمْ يُقْطَعْ مَالِكُهُ، وَكَذَا أَجْنَبِيٌّ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ غَصَبَ مَالًا وَأَحْرَزَهُ بِحِرْزِهِ فَسَرَقَ الْمَالِكُ مِنْهُ مَالَ الْغَاصِبِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ الْمَغْصُوبَ .. فَلَا قَطْعَ فِي الأَصَحِّ
===
صح .. فليقيد به إطلاق "الكتاب".
(وكذا معيرهُ) إذا سرق منه مال المستعير (في الأصح) لأنه سرق النصاب من حرز محترم، وإنما يجوز له الدخول إذا رجع، وعليه أن يمهل المستعير بقدر ما ينقل فيه الأمتعة، والثاني: لا يقطع؛ لأن الإعارة لا تلزم، وله الرجوع متى شاء، فلا يحصل الإحراز عنه، والثالث: إن دخل الحرز بنية الرجوع عن العارية .. فلا قطع، وإلا .. فيقطع.
ومحل الخلاف: في العارية الجائزة، فإن كانت لازمة .. امتنع الرجوع فيها فيقطع قطعًا؛ كالمؤجر لا يتمكن من فسخ الإجارة.
(ولو غصب حرزًا .. لم يقطع مالكه) لأن له الدخول والهجوم عليه؛ فلا يكون محرزًا عنه، (وكذا أجنبي في الأصح) لأن الإحراز من المنافع، والغاصب لا يستحقها، والثاني: نعم؛ لأنه لا حقَّ له فيه، وليس له الدخول.
(ولو غصب) أو سرق (مالًا وأحرزه بحرزه فسرق المالك منه مال الغاصب أو أجنبي المغصوب) أو المسروق ( .. فلا قطع في الأصح) أما في المالك .. فلأن له دخول الحرز وهتكه لأخذ ماله، فالذي يأخذه من مال الغاصب أو السارق يأخذه وهو غير محرز عنه، ووجه مقابله: أنه إذا أخذ مال الغاصب أو السارق .. عرفنا أنه هتك الحرز للسرقة لا لأخذ ماله، وأما في الأجنبي .. فلأن المالك لم يرض بإحرازه فيه فكأنه غير محرز، ووجه مقابله: أنه سرق نصابًا من حرز مثله بلا شبهة.
واحترز بقوله: (مال الغاصب) عما إذا سرق مال نفسه وحده .. فلا قطع قطعًا،
وبقوله: (أو أجنبي المغصوب) عما لو أخذ غير المغصوب؛ فإنه يقطع قطعًا؛ كما أشار إليه في "البسيط".
ولو وضع متاعه بدار غيره من غير علمه ورضاه، فسرق هل يقطع سارقه؟ فيه وجهان، حكاهما الحناطي، ورجح القطع؛ لأن الحرز يرجع إلى صون المتاع، وهو موجود هنا.
وَلَا يُقْطَعُ مُخْتَلِسٌ وَمُنْتَهِبٌ وَجَاحِدُ وَدِيعَةٍ. وَلَوْ نَقَبَ وَعَادَ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى فَسَرَقَ .. قُطِعَ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: هَذَا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمَالِكُ النَّقْبَ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلطَّارِقِينَ، وَإِلَّا .. فَلَا يُقْطَعُ قَطْعًا، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ نَقَبَ وَأَخْرَجَ غَيْرُهُ .. فَلَا قَطْعَ،
===
(ولا يقطع مختلس) وهو من يأخذ معتمدًا على الهرب من غير غلبة مع معاينة المالك، (ومنتهب) وهو من يأخذ عيانًا معتمدًا على قوته، (وجاحد وديعة) وعارية؛ لحديث:"لَيْسَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ وَالْمُنْتَهِبِ وَالْخَائِنِ قَطْعٌ" صححه الترمذي (1).
ولأن السارق يأخذ خفية، ولا يتأتى منعه؛ فشرع القطع زاجرًا، وهؤلاء يقصدون المال عيانًا فدفعهم بالسلطان ونحوه ممكن، ودخل في تفسيرهم المنتهب: قاطع الطريق؛ فلا بدَّ من لفظ يخرجه.
(ولو نقب وعاد في ليلة أخرى فسرق .. قطع في الأصح) كما لو نقب في أول الليل ثم أخرج المال في آخره، والثاني: لا؛ لأنه إنما يأخذ بعد انهتاك الحرز، فصار كما لو جاء غيره وأخذ المال، (قلت: هذا إذا لم يعلم المالك النقب ولم يظهر للطارقين) بأن كان خفيًّا، (وإلا) أي: وإن علم المالك أو ظهر للطارقين ( .. فلا يقطع قطعًا، والله أعلم) لانهتاك الحرز.
(ولو نقب وأخرج غيره .. فلا قطع) على واحد منهما؛ لأن الناقب لم يسرق، والآخذ أخذ من غير حرز، وأطلق المصنف المسألة، وصورتها: ألا يكون في الدار أحد فإن كان فيها حافظ قريب من النقب، وهو يلاحظ المتاع .. فالمال محرزٌ به؛ فيجب القطع على الآخذ، فإن كان الحافظ نائمًا .. فلا قطع في الأصحِّ؛ كمن نام والباب مفتوح، هذا كله فيما إذا كان المخرج مميزًا، أما لو نقب ثم أمر صبيًّا لا يميز، أو أعجميًّا بالإخراج ففعل .. قال الجمهور: يجب القطع على الآمر، وقيل: على الخلاف في خروج البهيمة التي كانت واقفة.
(1) سنن الترمذي (1448)، وأخرجه أبو داوود (4391، 4392، 4393)، والنسائي (8/ 89)، وابن ماجه (2591) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
وَلَوْ تَعَاوَنَا فِي النَّقْبِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالإِخْرَاجِ، أَوْ وَضَعَهُ نَاقِبٌ بِقُرْبِ نَقْبه فَأَخْرَجَهُ آخَرُ .. قُطِعَ الْمُخْرِجُ، وَلَوْ وَضَعَهُ بِوَسَطِ نَقْبهِ فَأَخَذَهُ خَارِجٌ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابَيْنِ .. لَمْ يُقْطَعَا فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ رَمَاهُ إِلَى خَارِجِ حِرْزٍ، أَوْ وَضَعَهُ بِمَاءٍ جَارٍ أَوْ ظَهْرِ دَابَّةٍ سَائِرَةٍ، أَوْ عَرَّضَهُ لِرِيحٍ هَابَّةٍ فَأَخْرَجَتْهُ .. قُطِعَ، أَوْ وَاقِفَةٍ فَمَشَتْ بِوَضْعِهِ .. فَلَا فِي الأَصَحِّ
===
(ولو تعاونا في النقب وانفرد أحدهما بالإنجراج، أو وضعه ناقب بقرب نقبه فأخرجه آخر .. قطع المخرج) في الصورتين؛ لأنه السارق.
وقوله: (آخر) يوهم أنه لو كان المخرج في الصورة الثانية غير ناقب .. قطع، وليس كذلك، فلو قال:(الآخر) بالألف واللام .. لزال الإيهام، وتحصل الشركة وإن أخذ هذا لبنات وهذا لبنات على الأصحِّ.
(ولو وضعه بوسط نقبه فأخذه خارج وهو يساوي نصابين .. لم يقطعا في الأظهر) صورة المسألة: أنهما تعاونا في النقب ثم دخل أحدهما ووضع المتاع في بعض النقب فمد الخارج يده وأخرجه؛ وجه الأظهر: أن كلًّا منهما لم يخرجه من تمام الحرز، ووجه مقابله: اشتراكهما في الهتك والإخراج، وعبارة المصنف: توهم تصوير المسألة فيما إذا انفرد أحدهما بالنقب وليس كذلك.
فلو قال: (فأخذ شريكه في النقب) .. لكان أصرح في المقصود.
(ولو رماه إلى خارج حرز أو وضعه بماء جار أو ظهر دابة سائرة) أو واقفة وسيَّرها، (أو عرضه لريح هابة فأخرجته .. قطع) لأن الإخراج في الجميع منسوب إليه.
واحترز بالجاري: عن الراكد، فإذا طرح المتاع فيه فزاد الماء بانفجار أو سيل ونحوهما فأخرجه .. فلا قطع في الأصحِّ؛ لخروجه بسبب حادث.
نعم؛ لو حرَّكه حتى خرج .. كان كالجاري.
واحترز بقوله: (هابة): عمَّا إذا كانت راكدة ووضعه على الطرف فهبت وأخرجته .. فلا قطع على الأصحِّ، كالماء الراكد فيما تقدم.
(أو واقفة فمشت بوضعه .. فلا) قطع (في الأصح) لأن لها اختيارًا في السير، فإذا لم يسقها .. فقد سارت باختيارها، والثاني: يقطع، لأن الخروج حصل بفعله؛
وَلَا يُضْمَنُ حُرٌّ بِيَدٍ، وَلَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ، وَلَوْ سَرَقَ صَغِيرًا بِقِلَادَةٍ .. فَكَذَا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ نَامَ عَبْدٌ عَلَى بَعِيرٍ فَقَادَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنِ الْقَافِلَةِ .. قُطِعَ،
===
فإن الدابة إذا حُمِّلت .. سارت، والثالث: إن سارت عقب الوضع .. قطع، وإلا .. فلا، وهو نظير المصحح في فتح قفص الطائر.
(ولا يضمن حر بيد ولا يقطع سارقه) وإن كان صغيرًا؛ لأنه ليس بمال.
واحترز بالحر: عن الرقيق، فلو سرق عبدًا صغيرًا لا يميز .. قطع إن كان محرزًا، وإنما يكون محرزًا إذا كان في دار سيده أو بفنائها، فإن بعد عنها أو دخل سكة أخرى .. فليس بمحرز.
والمجنون والأعجمي الذي لا يميز كصغير لا يميز، وإن كان الصغير مميزًا فسرقه نائمًا أو سكرانًا أو مضبوطًا .. فكغير المميز، ولو دعاه وخدعه فتبعه مختارًا .. فليس بسرقة بل هو خيانة.
(ولو سرق صغيرًا) حرًّا (بقلادة .. فكذا في الأصح) لأن للحر يدًا على ما معه، ولهذا لو وجد مع اللقيط مال .. كان له، وصار كمن سرق حملًا، وصاحبه راكبه، والثاني: يقطع؛ لأنه أخذه لأجل الحُلِيِّ، وفي معنى القلادة: ما إذا كان معه مال، ذكره في "المحرر"(1).
ومحل الخلاف: ما إذا كانت القلادة ونحوها من الحلي تليق بالصبي، فإن كانت فوق ما يليق به، وأخذه من حرز الحُلِيِّ .. قطع قطعًا، أو من حرز يصلح للصبي دون القلادة أو الحلي .. لم يقطع قطعًا، قاله في "الكفاية"(2).
(ولو نام عبد على بعير فقاده وأخرجه عن القافلة) إلى مضيعة ( .. قطع) لأنه كان محرزًا بالقافلة، وهو في نفسه مسروق تثبت عليه اليد، ويتعلق به القطع، وصور في "الشرح" و"الروضة" و"المحرر" المسألة بأن يكون على البعير أمتعة (3)، وإنما لم يذكره المصنف؛ لأن البعير كاف؛ فإنه مسروق، والقصد أن يكون معه شيء،
(1) المحرر (ص 436).
(2)
كفاية النبيه (17/ 318).
(3)
الشرح الكبير (11/ 218)، روضة الطالبين (10/ 137)، المحرر (ص 436).
أَوْ حُرٌّ .. فَلَا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ نَقَلَ مِنْ بَيْتٍ مُغْلَقٍ إِلَى صَحْنِ دَارٍ بَابُهَا مَفْتُوحٌ .. قُطِعَ، وَإِلَّا .. فَلَا، وَقِيلَ: إِنْ كَانَا مُغْلَقَيْنِ .. قُطِعَ. وَبَيْتُ خَانٍ وَصَحْنُهُ كَبَيْتٍ وَدَارٍ فِي الأَصَحِّ
===
ويستثنى: المكاتب؛ فإنه كالحر؛ لاستقلاله.
(أو حر .. فلا في الأصح) لأن البعير بيده، والخلاف راجع إلى المسألتين؛ فمقابل الأصحِّ: يقطع مطلقًا؛ لأنه أخرج نصابًا من الحرز والمأمن إلى مضيعة، والثالث: لا يقطع مطلقًا، وأطلق المصنف العبد والحر.
ومحل الخلاف فيهما: إذا كانا مستقلين، وهما البالغان العاقلان.
(ولو نقل من بيت مغلق إلى صحن دار بابها مفتوح .. قطع) لأنه أخرجه من حرزه، وجعله في محل الضياع، (وإلا) أي: وإن كان باب البيت مفتوحًا وباب الدار مغلقًا ( .. فلا) قطع؛ لأنه لم يخرجه من تمام الحرز، وكذا إن كانا مفتوحين؛ فإن المال ضائع إذا لم يكن محرزًا باللحاظ.
(وقيل: إن كانا مغلقين .. قطع) لأنه أخرجه من حرزه، والأصح: المنع؛ لأنه لم يخرجه من تمام الحرز، فأشبه ما إذا أخرج من الصندوق المقفل إلى البيت المغلق ولم يخرجه من البيت.
(وبيت خان)، ورباط (وصحنه كبيت ودار) ومدرسة مختصة بواحد (في الأصح) فلو سرق من الحجر أو الصحن ما يحرزه الصحن، وأخرجه من الخان .. قطع، وإن أخرج من البيوت والحجر إلى الصحن .. فوجهان، قضية كلام المصنف تبعًا لـ"المحرر" و"الشرح الصغير": أنه كالإخراج من بيت الدار إلى صحنها (1)؛ فيفرق بين أن يكون باب الخان مفتوحًا ومغلقًا، وهو ما رجحه الخراسانيون، والثاني: وبه أجاب العراقيون؛ كما قاله في "البيان": القطع بكل حال، سواء كان باب الخان مغلقًا أو مفتوحًا (2)؛ لأن الصحن ليس حرزًا لصاحب البيت، فهو مشترك كالسكة المشتركة، وبه أجاب القاضي الحسين وإبراهيم المَرُّوذي واختاره الأَذْرَعي،
(1) المحرر (ص 436).
(2)
البيان (12/ 464).