الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا قُبِلَ إِقْرَارُ عَبْدٍ بِهِ كَعُقُوبَةٍ .. فَالدَّعْوَي عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْجَوَابُ، وَمَا لَا كَأَرْشٍ .. فَعَلَى السَّيِّدِ.
فصلٌ [في كيفية الحلف والتغليظ فيه]
تُغَلَّظُ يَمِينُ مُدَّعٍ وَمُدَّعىً عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ، وَفِي مَالٍ يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةٍ،
===
وإن لم يكن للمدعي بينة .. فله تحليف المدعى عليه أنه لا يلزمه تسليمه إليه، فإن نكل .. حلف المدعي وأخذ المال من يده، ثم إذا عاد الغائب وصدق المقر .. رد المال عليه بلا حجة؛ لأن اليد له بإقرار صاحب اليد، ثم يستأنف المدعي الخصومة معه؛ هذا كله إذا لم يقم المدعى عليه بينة أن المال للغائب، فإن أقامها .. نظر إن ادعى أنه وكيل من جهة الغائب وأثبت الوكالة .. فبينته على أن المال للغائب مسموعة مرجحة على بينة المدعي، وإن لم تثبت الوكالة .. فأوجه؛ أصحها: لا تسمع بينته؛ لأنه ليس بمالك ولا نائب.
(وما قبل إقرار عبد به كعقوبة) لآدمي ( .. فالدعوى عليه، وعليه الجواب) لأنه يقبل إقراره في ذلك دون السيد، (وما لا كأرش) وضمان ( .. فعلى السيد) لأن الرقبة التي هي متعلقها حق السيد.
* * *
(فصل: تغلظ يمين مدع ومدعىً عليه فيما ليس بمال ولا يقصد به مال) كدعوى دم، ونكاح وعتق ونحوها، حتى في ولادة ورضاع وعيوب النساء، وليس قبول شهادة النساء فيها منفردات لقلة خطرها، بل لأن الرجال لا يطلعون عليها غالبًا؛ لأن اليمين موضوعة للزجر عن التعدي؛ فشرع التغليظ مبالغة، وتأكيدًا للردع؛ فاختص بما هو متأكد في نظر الشرع؛ كهذه المذكورات.
ويرد على المصنف: الحقوق؛ كالسرجين وكلب الصيد، فإنها ليست بمال، ولا يقصد منها المال، ومع ذلك لا يغلظ فيها.
(وفي مال يبلغ نصاب زكاة) لا فيما دونه؛ لأنه الموصوف بالعظم في نظر
وَسَبَقَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ فِي اللِّعَانِ، وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِهِ، وَكَذَا فِعْلُ غَيْرِهِ إِنْ كَانَ إِثْبَاتًا،
===
الشرع، ولذلك أوجب المواساة فيها.
نعم؛ للقاضي ذلك فيما دون النصاب إذا رآه لجرأة يجدها في الحالف.
وقضية كلامه: أنه إذا بلغ نصابًا .. غلظ أيَّ نصاب كان؛ من نَعَم ونبات وغير ذلك، وهو وجه حكاه الماوردي (1)، والذي في "الشرح" و"الروضة" اعتبار عشرين دينارًا أو مئتي درهم (2)، والمنصوص عليه في "الأم" و"المختصر": اعتبار عشرين دينارًا عينًا أو قيمة (3)، وقال البُلْقيني: إنه الأصح المعتمد، حتى لو كان المدعى به من الدراهم .. اعتبر بالذهب.
وظاهر كلام المصنف: وجوب التغليظ، والأصح: استحبابه، وأنه لا يتوقف على طلب الخصم، وهو الأصح، بل قال القاضي الحسين: لو رضي المدعي بترك التغليظ .. لم يتركه الحاكم؛ لأنه حق الله تعالى.
(وسبق بيان التغليظ في اللعان) ويستثنى من إطلاقه: حضور جمع أقله أربعة؛ فإنه لا يغلَّظ به هنا على الصواب في "زيادة الروضة"(4)، ومن به مرض شاق أو زمانة .. فإنه لا يغلَّظ عليه بالمكان، وكذا الحائض؛ إذ لا يمكنها اللبث في المسجد، قاله الرافعي (5)، وقال غيره: إنها تحلف بباب المسجد؛ كما سبق في (اللعان).
(ويحلف على البتِّ) أي: القطع (في فعله) نفيًا كان أو إثباتًا؛ لأنه يعلم حال نفسه، فيقول في الإثبات:(والله؛ لقد بعتك)، أو (اشتريت منك)، وفي النفي:(والله؛ ما بعت ولا اشتريت).
(وكذا فعل غيره إن كان إثباتًا) كبيع وإتلاف؛ لأنه يسهل الوقوف عليه.
(1) الحاوي الكبير (21/ 120).
(2)
الشرح الكبير (13/ 191)، روضة الطالبين (12/ 32).
(3)
الأم (8/ 84)، مختصر المزني (ص 308).
(4)
روضة الطالبين (12/ 32).
(5)
الشرح الكبير (13/ 192).
وَإِنْ كَانَ نَفْيًا .. فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. وَلَوِ ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَرثهِ فَقَالَ: (أَبْرَأَنِي) .. حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ، وَلَوْ قَالَ:(جَنَى عَبْدُكَ عَلَيَّ بمَا يُوجِبُ كَذَا) .. فَالأَصَحُّ: حَلِفُهُ عَلَى الْبَتِّ. قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ: (جَنَتْ بَهِيمَتُكَ). حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَجُوزُ الْبَتُ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ يَعْتَمِدُ خَطَّهُ أَوْ خَطَّ أَبِيهِ، وَتُعْتبَرُ نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ،
===
(وإن كان نفيًا .. فعلى نفي العلم) فيقول: (والله؛ ما علمت أنه فعل كذا)، ولا يحلف على القطع؛ لأنه لا طريق له إلى القطع به.
نعم؛ لو حلف على القطع .. اعتد به؛ كما قاله القاضي أبو الطيب وغيره، ويحمل على العلم.
(ولو ادعى دينًا لمورثه فقال: "أبرأني") منه أو استوفاه أو أحال به ( .. حلف على نفي العلم بالبراءة) ونحوها؛ لأنه حلف على نفي فعل الغير، ولا بد أن يضم إلى الدعوى:(وأنت تعلم أنه أبرأني منه) ونحوه.
(ولو قال: "جنى عبدك عليَّ بما يوجب كذا " .. فالأصح: حلفه على البت) إن أنكر؛ لأن عبده ماله، وفعله كفعل نفسه، ولذلك سمعت الدعوى عليه، والثاني: على نفي العلم؛ لتعلقه بفعل الغير.
(قلت: ولو قال: "جنت بهيمتك " .. حلف على البت قطعًا، والله أعلم) لأنه لا ذمة لها، والمالك لا يضمن بفعل البهيمة، وإنما يضمن لتقصيره في حفظها، وهذا أمر يتعلق بنفس الحالف.
(ويجوز البت بظن مؤكد يعتمد خطه أو خط أبيه) إذا وثق بدينه وأمانته؛ كما قيد في (باب القضاء)، ولا يشترط فيه اليقين، وكذا يجوز اعتمادًا على قرينة؛ كنكول الخصم.
(وتعتبر نية القاضي المستحلف) لقوله عليه الصلاة والسلام: "الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ" رواه مسلم (1)، وحملوه على الحاكم؛ لأنه الذي له الاستحلاف، ولأنه
(1) صحيح مسلم (1653/ 21) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فَلَوْ وَرَّى أَوْ تَأَوَّلَ خِلَافَهَا أَوِ اسْتَثْنَى بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي .. لَمْ يَدْفَعْ إِثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ. وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ فَأَنْكَرَ .. حُلِّفَ، وَلَا يُحَلَّفُ قَاضٍ عَلَى تَرْكِهِ الظُّلْمَ فِي حُكْمِهِ، وَلَا شَاهِدٌ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ
===
لو اعتبر نية الحالف .. لبطلت فائدة الأيمان وضاعت الحقوق؛ إذ كل أحد يحلف على ما يقصد.
وإنما قال: (القاضي المستحلف)، ولم يقل:(المستحلف)؛ ليخرج ما لو حلفه الغريم أو غيره .. فإن العبرة بنية الحالف، وكذا لو حلف هو بنفسه ابتداءً؛ كما قاله في "زيادة الروضة"(1).
(فلو ورى) الحالف (أو تأول خلافها أو استثنى بحيث لا يسمع القاضي .. لم يدفع إثم اليمين الفاجرة) لما قلناه، هذا إذا كان الحلف بالله؛ فإن حلَّفه القاضي بالطلاق أو العتاق فحلف وورى .. نفعته التورية؛ لأنه ليس له التحليف بها، كما قاله المصنف في "شرح مسلم"، و"الأذكار"(2)، وكما تعتبر نية القاضي تعتبر عقيدته؛ كما قاله في "المحرر"(3)، فلا يحل للشافعي إذا حلَّفه الحنفي على شفعة الجوار أن يحلف على عدم الاستحقاق في الأصح.
(ومن توجهت عليه يمين لو أقر بمطلوبها لزمه فأنكر
…
حلف) لقوله عليه الصلاة والسلام: "وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ"(4).
وقوله: (يمين) سبق قلم وقع في نسخة المصنف، وصوابه:(دعوى)، كما في "المحرر" و"الشرحين" و"الروضة"(5)؛ لأن الإنكار يكون بعد الدعوى لا بعد طلب اليمين.
(ولا يحلف قاض على تركه الظلم في حكمه، ولا شاهد أنه لم يكذب) لارتفاع
(1) روضة الطالبين (12/ 37).
(2)
شرح صحيح مسلم (11/ 117)، الأذكار (ص 613).
(3)
المحرر (ص 508).
(4)
أخرجه البيهقي (10/ 252).
(5)
المحرر (ص 508)، الشرح الكبير (13/ 200)، روضة الطالبين (12/ 37).
وَلَوْ قَالَ مُدَّعَىً عَلَيْهِ: (أَنَا صَبِيٌّ) .. لَمْ يُحَلَّفْ، وَوُقِفَ حَتَى يَبْلُغَ. وَالْيَمِينُ تُفِيدُ قَطْعَ الْخُصُومَةِ فِي الْحَالِ لَا بَرَاءَةً، فَلَوْ حَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً .. حَكَمَ بِهَا، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ:(قَدْ حَلَّفَنِي مَرَّةً فَلْيَحْلِفْ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْنِي) .. مُكِّنَ فِي الأَصَحِّ،
===
منصبهما، وهذا مستثنى من الضابط؛ لأنه لو اعترف القاضي والشاهد .. لانتفع المدعي به، وقد صرح في "المحرر" بالاستثناء (1)، قال الزركشي: وفيه نظر؛ لأن ذلك يخرج من قوله: (دعوى) وهذا لا تسمع عليه الدعوى؛ كما عبر به المصنف في (باب القضاء).
(ولو قال مدعىً عليه: "أنا صبي" .. لم يحلف، ووقف حتى يبلغ) لأنه لو كان كذابًا .. لم يمتنع من الإقدام على الحلف فلا فائدة، وهذا مستثنى من الضابط أيضًا.
(واليمين تفيد قطع الخصومة في الحال لا براءة) لأنه عليه الصلاة والسلام أمر رجلًا بعدما حلف بالخروج من حق صاحبه؛ كأنه عرف كذبه، رواه الإمام أحمد، وصحح الحاكم إسناده (2)، فدل على أن اليمين لا توجب البراءة، (فلو حلف ثم أقام بينة .. حكم بها) لما قلناه.
وشمل إطلاقه البينة: الحجة الكاملة، وكذا الشاهد الواحد إذا حلف معه، وبه صرح صاحب "العدة" وغيره.
(ولو قال المدعى عليه: "قد حلفني مرة فليحلف أنه لم يحلفني" .. مكن في الأصح) لأن ما قاله محتمل غير مستبعد، والثاني: المنع؛ لأنه لا يؤمن أن يدعي المدعي أنه حلفه على أنه ما حلفه، وهكذا فيدور.
وأجاب الأول عن هذا: بمنع إجابة المدعي إلى ما ذكره؛ لإفضاء ذلك إلى التسلسل، هذا كله إذا قال:(حلفني عند قاض آخر) أو أطلق، أما إذا قال:(عندك أيها القاضي) فإن حفظ القاضي ذلك .. لم يحلفه ومنع المدعي ما طلبه، وإن لم يحفظه .. حلفه، ولا ينفعه إقامة البينة عليه في الأصح؛ لأن القاضي متى تذكر حكمه .. أمضاه، وإلا .. فلا يعتمد البينة.
(1) المحرر (ص 508).
(2)
مسند أحمد (1/ 296)، المستدرك (4/ 95)، وأخرجه أبو داوود (3274)، والنسائي في "الكبرى"(5963) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
وَإِذَا نَكَلَ .. حَلَفَ الْمُدَّعِي وَقُضِيَ لَهُ، وَلَا يُقْضَى بِنكُولِهِ، وَالنُّكُولُ: أَنْ يَقُولَ: (أَنَا نَاكِلٌ)، أَوْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي:(احْلِفْ)، فَيَقُولُ:(لَا أَحْلِفُ)، فَإِنْ سَكَتَ .. حَكَمَ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ، وَقَوْلُهُ لِلْمُدَّعِي:(احْلِفْ) .. حُكْم بِنُكُولِهِ. وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ فِي قَوْلٍ كَبيِّنَةٍ، وَفِي الأَظْهَرِ: كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَهَا بَيِّنَةً بِأَدَاءٍ أَوْ إِبْرَاءٍ .. لَمْ تسْمَعْ،
===
(وإذا نكل) المُدَّعى عليه عن اليمين ( .. حلف المدعي) اليمين المردودة إن كان الحق للمدعي، (وقُضي له، ولا يُقضى بنكوله) لأنه عليه الصلاة والسلام ردَّ اليمين على طالب الحق، رواه الدارقطني، وقال الحاكم: صحيح الإسناد (1)، وحكم بذلك عمر رضي الله عنه بحضرة الصحابة، كما رواه الشافعي (2).
(والنكول: أن يقول: "أنا ناكل"، أو يقول له القاضي: "احلف"، فيقول: "لا أحلف") لظهوره فيه، هذا إذا عرف المدعى عليه معنى النكول، أما العامي الذي لا يعرفه .. فيجب على القاضي أن يعرفه أنه إن نكل عرض اليمين على المدعي، فإن حلف .. استحق عليه ما ادعاه، ولا تسمع بينته بأداء أو إبراء بعد ذلك.
(فإن سكت) بعد عرض اليمين عليه لا لدهشة ونحوها ( .. حكم القاضي بنكوله) كما أن السكوت عن الجواب في الابتداء نازلٌ منزلة الإنكار، ولا بد من الحكم هنا؛ ليرتب عليه رد اليمين، وهذا بخلاف ما لو صرح بالنكول برد وإن لم يحكم القاضي.
والحكم: أن يقول: (جعلتك ناكلًا)، أو (نكلتك) بالتشديد.
(وقوله) أي: القاضي (للمدعي) بعد امتناع المدعى عليه ("احلف" .. حكم بنكوله) نازل منزلة قوله: (حكمت بأن المدعى عليه ناكل).
(واليمين المردودة في قولٍ كبينة) يقيمها المدعي؛ لأن الحجة اليمين، واليمين وجدت منه، (وفي الأظهر: كإقرار المدعى عليه) لأنه بنكوله توصل إلى الحق؛ فأشبه إقراره.
(فلو أقام المدعى عليه بعدها بينةً بأداء أو إبراء .. لم تسمع) لكونه مكذبًا للبينة
(1) سنن الدارقطني (4/ 213)، المستدرك (4/ 100) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(2)
الأم (8/ 214).
فَإِنْ لَمْ يَحْلِفِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَتَعَلَّلْ بِشَيْءٍ .. سَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الْيَمِينِ، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْخَصْمِ، وَإِنْ تَعَلَّلَ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ مُرَاجَعَةِ حِسَابٍ .. أُمْهِلَ ثَلَاثةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: أَبَدًا، وَإِنِ اسْتَمْهَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ اسْتُحْلِفَ لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ .. لَمْ يُمْهَلْ، وَقِيلَ: ثَلَاثةً، وَلَوِ اسْتَمْهَلَ فِي ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ .. أُمْهِلَ إِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ،
===
بالإقرار، وعلى القول الأول: تسمع، كذا قالاه هنا (1)، وخالفاه بعد ذلك في أثناء الركن الخامس قبيل المدرك الثالث من مدرك ترجيح البينة فرجحا السماع (2)، قال في "المهمات" هناك: والصحيح: عدم سماعها (3)، وقال البُلْقيني: الأصح: سماعها، وعدم السماع تفرد به القاضي الحسين، وهو ضعيف، وقال الزركشي: الصواب: هو السماع؛ فإنه إقرار تقديري لا تحقيقي، فلم يصدر منه إقرار مكذب لها.
(فإن لم يحلف المدعي، ولم يتعلل بشيء .. سقط حقه من اليمين) لإعراضه (وليس له مطالبة الخصم) إلا أن يقيم بينة؛ كما لو حلف المدعى عليه.
(وإن تعلل بإقامة بينة، أو مراجعة حساب) أو سؤال الفقهاء في جواز الحلف له ( .. أمهل ثلاثة أيام) فقط؛ لئلا تطول المدافعة، (وقيل: أبدًا) لأن اليمين حقه، فله تأخيره إلى أن يشاء؛ كالبينة.
(وإن استمهل المدعى عليه حين استحلف لينظر حسابه .. لم يمهل) إلا برضا المدعي؛ لأنه مقهور محمول على الإقرار أو اليمين، بخلاف المدعي، فإنه مختار في طلب حقه وتأخيره، (وقيل: ثلاثة) للحاجة، وهي مدة قريبة لا يتضرر بها المدعي.
(ولو استمهل في ابتداء الجواب) لينظر في الحساب ( .. أمهل إلى آخر المجلس) لم يجزم بهذا في "المحرر" بل قال: فقد ذكر أنه يمهل (4)، وأشار به إلى القاضي
(1) الشرح الكبير (13/ 211)، روضة الطالبين (12/ 45).
(2)
الشرح الكبير (13/ 233)، روضة الطالبين (12/ 59).
(3)
المهمات (9/ 414).
(4)
المحرر (ص 509).
وَمَنْ طُولِبَ بِزَكَاةٍ فَادَّعَى دَفْعَهَا إِلَى سَاعٍ آخَرَ أَوْ غَلَطَ خَارِصٍ وَأَلْزَمْنَاهُ الْيَمِينَ فَنَكَلَ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْيَمِينِ .. فالأَصَحُّ: أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ. وَلَوِ ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ دَيْنًا لَهُ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ .. لَمْ يُحَلَّفِ الْوَلِيُّ، وَقِيلَ: يُحَلَّفُ، وَقِيلَ: إِنِ ادَعَى مُبَاشَرَةَ سَبَبِهِ .. حُلِّفَ.
===
أبي سعيد الهروي؛ فإنه قال: يمهله إلى آخر المجلس إن شاء، ونقلاه عنه في "الشرح" و"الروضة"(1)، قال البُلْقيني: وهو مخالف لما يظهر من كلام الشافعي وأصحابه ولمقتضى القواعد، وبسط ذلك.
(ومن طولب بزكاة فادعى دفعها إلى ساع آخر أو غلط خارص وألزمناه اليمين فنكل وتعذر رد اليمين .. فالأصح: أنها تؤخذ منه) لأن مقتضى ملك النصاب ومضي الحول: الوجوب، فإذا لم يأت بدافع .. أخذنا الزكاة منه بمقتضى الأصل، وليس هذا حكمًا بالنكول، خلافًا لابن القاص، والثاني: لا يطالب بشيء؛ إذ لم تقم عليه حجة، وهذا مستثنى من قوله أولًا:(ولا يقضى بنكوله)، وقوله:(وألزمناه اليمين)؛ أي: على المرجوح؛ فإن الأصح: استحبابها؛ فإن قلنا به .. لم يطالب بشيء.
وقوله: (وتعذر رد اليمين)؛ أي: بألا ينحصر المستحقون في البلد أو انحصروا وجوزنا النقل؛ فإن الرد على السلطان أو الساعي متعذر، فأما إذا انحصروا ومنعنا النقل .. فإن اليمين لا يتعذر ردها عليهم.
(ولو ادعى ولي صبي) أو مجنون (دينًا له فأنكر ونكل .. لم يحلف الولي) لأن إثبات الحق للإنسان بيمين غيره مستبعد فيوقف للبلوغ أو الإفاقة، (وقيل: يحلف) لأنه المستوفي له، (وقيل: إن ادعى مباشرة سببه) أي: ادعى ثبوته بسبب باشره بنفسه ( .. حلف) وإلا .. فلا، قال الرافعي: ولا بأس به، وقد رجحه العبادي، وأجاب به السَّرَخْسي، لكن مال المذهبيون إلى ترجيح المنع مطلقًا (2)، وما رجحه هنا مخالف لما صححه في (كتاب الصداق) فيما إذا اختلف في قدره زوج وولي صغيرة أو مجنونة؛ فإنه صحح التحالف كما سلف في بابه، وكذا في "الروضة" و"أصلها"
(1) الشرح الكبير (13/ 214)، روضة الطالبين (12/ 47).
(2)
الشرح الكبير (13/ 218).