الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في الاصطدام ونحوه مما يوجب الاشتراك في الضمان وما يذكر مع ذلك]
اصْطَدَمَا بِلَا قَصْدٍ .. فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ نِصْفُ دِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ، وَإِنْ قَصَدَا .. فَنْصْفُهَا مُغَلَّظَةً، أَوْ أَحَدُهُمَا .. فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ عَلَى كُلٍّ كَفَّارَتَيْنِ، وَإِنْ مَاتَا مَعَ مَرْكُوبَيْهِمَا .. فَكَذَلِكَ، وَفِي تَرِكَةِ كُلٍّ نِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ الآخَرِ. وَصَبِيَّانِ أَوْ مَجْنُونَانِ كَكَامِلَيْنِ، وَقِيلَ: إِنْ أَرْكَبَهُمَا الْوَلِيُّ .. تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ،
===
(فصل: اصطدما) أي: الحران الماشيان (بلا قصد) بأن كانا أعميين، أو في ظلمة ( .. فعلى عاقلة؛ كل نصف دية مخففة) لأن كل واحد هلك بفعله وبفعل صاحبه، فيهدر النصف؛ كما لو جرحه آخر مع جراحة نفسه، وإنما خففت على العاقلة؛ لأنه خطأ محض.
(وإن قصدا) جميعًا الاصطدام ( .. فنصفها مغلظة) على العاقلة، وتكون شبه عمد؛ لأن الغالب أن الاصطدام لا يفضي إلى الموت، فلا يتحقق فيه العمد المحض؛ ولذلك لا يتعلق به القصاص إذا مات أحدهما دون الآخر.
(أو أحدهما) قصد الاصطدام دون الآخر (فلكل حكمه) فيجب على عاقلة قاصد الاصطدام نصف دية مغلظة، وعلى عاقلة الذي لم يقصد نصف دية مخففة.
(والصحيح: أن على كل كفارتين) كفارة لقتل نفسه، وأخرى لقتل صاحبه، والثاني: كفارة فقط، والخلاف مبني على أن الكفارة هل تتجزأ؟ والصحيح: لا، وأن قاتل نفسه هل عليه كفارة؟ والصحيح: نعم.
(وإن ماتا مع مركوبيهما .. فكذلك) في الدية والكفارة.
(وفي تركة كل نصف قيمة دابة الآخر) والباقي هدر؛ لاشتراكهما في إتلاف الدابتين.
(وصبيان أو مجنونان ككاملين) فيما إذا كانا ماشيين أو راكبين كما سبق، (وقيل: إن أركبهما الولي .. تعلق به الضمان) لما في الإركاب من الخطر، والأصحُّ: الأول؛ كما لو ركبا بأنفسهما.
ومحل الخلاف - كما نقلاه عن الإمام وأقراه -: ما إذا أركبهما لزينة، أو لحاجة
وَلَوْ أَرْكَبَهُمَا أَجْنَبِيٌّ .. ضَمِنَهُمَا وَدَابَّتَيْهِمَا. أَوْ حَامِلَانِ وَأَسْقَطَتَا .. فَالدِّيَةُ كَمَا سَبَقَ، وَعَلَى كُلٍّ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ نَصْفُ غُرَّتَيْ جَنِينِهِمَا. أَوْ عَبْدَانِ .. فَهَدَرٌ،
===
غير مهمة؛ فإن أرهقت إليه حاجة للانتقالط إلى مكان .. فلا ضمان عليه قطعًا، [قالا: ومحله أيضًا: عند ظن السلامة، أما إذا أركبه دابة جموحًا .. ضمن الولي قطعًا] (1).
(ولو أركبهما أجنبي) بغير إذن الولي ( .. ضمنهما ودابتيهما) لتعديه بإركابهما.
وقوله: (ضمنهما) ليس بجيد؛ لأن ضمانهما على عاقلة الأجنبي.
نعم؛ ضمان دابتيهما عليه.
(أو حاملان) اصطدمتا (وأسقطتا .. فالدية كما سبق) فعلى عاقلة كل منهما نصف دية الآخر، ويهدر الباقي؛ لأن التلف بفعلهما، (وعلى كل أربع كفارات على الصحيح) كفارة لنفسها، وكفارة لجنينها، وثالثة: لصاحبتها، ورابعة: لجنينها؛ لأنهما اشتركا في إهلاك أربعة أشخاص.
هذا إذا أوجبنا الكفارة على قاتل نفسه، وقلنا: الكفارة لا تتجزأ؛ فإن لم نوجبها على قاتل نفسه .. وجب ثلاث كفارات، وإن قلنا: بالتجزي .. وجب ثلاثة أنصاف كفارة، وإن أوجبناها على قاتل نفسه، وقلنا: بالتجزئة .. وجب أربعة أنصاف كفارة، وهذا الخلاف هو المقابل للصحيح في كلام المصنف.
(وعلى عاقلة كل نصف غرتي جنينهما) نصف غرة لجنينها، ونصف غرة لجنين الأخرى؛ لأن المرأة إذا جنت على نفسها فألقت جنينًا .. وجبت الغرة على عاقلتها؛ كما لو جنت على حامل أخرى، فإذن لا يهدر من الغرة شيء، بخلاف الدية؛ فإنه يجب نصفها، ويهدر نصفها؛ كما ذكره قبل؛ لأن الجنين أجنبي عنهما، بخلاف أنفسهما، وفي "فتاوى القفال": أنه لو ذهب رجل ليقوم فأخذ غيره بثوبه ليقعد فتمزق؛ فإن لم يجره .. فلا ضمان، وإن جره .. فالنصف عليه، والباقي هدر؛ لأنه كان بفعلين.
(أو) اصطدم (عبدان) وماتا. (. فهدر) لأن جناية العبد تتعلق برقبته وقد
(1) الشرح الكبير (10/ 444 - 445)، روضة الطالبين (9/ 334)، ما بين المعقوفين زيادة من (ز).
أَوْ سَفِينَتَانِ .. فَكَدَابَّتَيْنِ، وَالْمَلَّاحَانِ كَرَاكِبَيْنِ إِنْ كَانَتَا لَهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا مَالُ أَجْنَبِيٍّ .. لَزِمَ كُلًّا نِصْفُ ضمَانِهِ، وَإِنْ كَانَتَا لأَجْنَبِيٍّ .. لَزِمَ كُلًّا نِصْفُ قِيمَتِهِمَا. وَلَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى غَرَقٍ .. جَازَ طَرْحُ مَتَاعِهَا، وَيَجِبُ لِرَجَاءِ نَجَاةِ الرَّاكِبِ، فَإِنْ طَرَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إِذْنٍ .. ضَمِنَهُ، وَإِلَّا .. فَلَا
===
فاتت، وسواء اتفقت قيمتهما أو تفاوتت؛ فإن مات أحدهما .. وجب نصف قيمته متعلقًا برقبة الحي.
واحترز بالعبدين: عما لو تصادم عبد وحر وماتا .. فإنه يجب نصف قيمة العبد في تركة الحر إذا قلنا: قيمة العبد لا تحملها العاقلة، ويتعلق بذلك النصف نصف دية الحر؛ لأن محل تعلقه بالرقبة، فإذا فاتت .. تعلق ببدلها.
(أو) اصطدم (سفينتان)(وغرقتا ( .. فكدابتين) فإما أن يحصل الاصطدام بفعلهما، وإما لا، (والملاحان كراكبين) يموتان بالاصطدام، وقد مر كل ذلك (إن كانتا) أي: السفينتان وما فيهما الهما، فإن كان فيهما مال أجثبي .. لزم كلًّا) من الملاحين (نصف ضمانه، وإن كانتا) أي: السفينتان (لأجنبي) وكانا أجيرين للمالك أو أمينين ( .. لزم كلًّا نصف قيمتهما) لأن مال الأجنبي لا يهدر منه شيء، فعلى كل واحد نصف قيمة كل سفينة.
ومحل هذا التفصيل: ما إذا كان الاصطدام بفعلهما، أو لم يكن، وقصرا في الضبط أو سيرا في ريح شديدة؛ فإن حصل الاصطدام بغلبة الرياح .. فلا ضمان في الأظهر، بخلاف غلبة الدابة؛ فإن الضبط ثم ممكن باللجام.
(ولو أشرفت سفينة على غرق .. جاز طرح متاعها) بقدر ما يحصل النجاة؛ حفظا للروح، (ويجب لرجاء نجاة الراكب) عند خوف الغرق إن لم يفعل، فيجب إلقاء ما لا روح فيه؛ لنجاة ذي الروح المحترمة، فإن احتيج إليه .. ألقي الحيوان لإنقاذ الآدمي، ولا فرق بين الأحرار والعبيد.
(فإن طرح مال غيره بلا إذن .. ضمنه) لأنه أتلف مال غيره بلا إذن، فأشبه ما لو أكل المضطر طعام الغير، (وإلا) أي: وإن طرحه بإذنه، وهو معتبر الإذن ( .. فلا) ضمان للإذن المبيح.
وَلَوْ قَالَ: (أَلْقِ مَتَاعَكَ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ) أَوْ (عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ) .. ضَمِنَ، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى:(ألْقِ) .. فَلَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مُلْتَمِسٌ لِخَوْفِ غَرَقٍ، وَلَمْ يَخْتَصَّ نَفْعُ الإِلْقَاءِ بِالْمُلْقِي. وَلَوْ عَادَ حَجَرُ مَنْجَنِيقٍ فَقَتَلَ أَحَدَ رُمَاتِهِ .. هُدِرَ قِسْطُهُ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الْبَاقِينَ
===
(ولو قال: "ألق متاعك وعلي ضمانه"، أو "على أني ضامن") له ( .. ضمن) المستدعي؛ لأنه استدعى إتلاف مال يعاوض عليه لغرض صحيح، فلزمه؛ كما لو قال:(أعتق عبدك على ألف)، أو (طلق زوجتك)، وليس هذا على حقيقة الضمان وإن سمي بالضمان، وإنما هو بذل مال لمصلحة، فهو كما لو قال:(أطلق هذا الأسير، ولك علي كذا).
وقضية الحكم بضمانه: خروجه عن ملك مالكه، لكن ذكر الرافعي هنا عن حكاية الإمام: أنه لا يخرج عن ملكه، حتى لو لفظه البحر وظفر به .. فهو لمالكه، ويسترد الباذل ماله، وعلى هذا: فهو ضمان حيلولة، وهل للمالك أن يمسك ما أخذه، ويرد بدله؟ فيه خلاف كالقرض. انتهى (1).
(ولو اقتصر على: "ألق")(ولم يقل: (وعلي ضمانه)، أو (على أني ضامن)( .. فلا على المذهب) لعدم الالتزام، والطريق الثاني: أنه على الخلاف فيما إذا قال: (اقضِ ديني) فقضاه، والأصحُّ: الرجوع.
وفرق الأول: بأنه بالقضاء برئ قطعًا، والإلقاء لا ينفعه.
(وإنما يضمن ملتمس لخوف غرق) ففي غير الخوف لا ضمان، كما لو قال:(اهدم دارك)، أو (اقتل عبدك) ففعل، (ولم يختص نفع الإلقاء بالملقي) فلو اختص به؛ بأن أشرفت سفينته على الغرق، وفيها متاعه فقال له آخر من الشط:(ألق متاعك، وعلي ضمانه)، فألقاه .. لم يجب شيء؛ لأنه يجب عليه الإلقاء لحفظ نفسه .. فلا يستحق به عوضًا.
(ولو عاد حجر منجنيق فقتل أحد رماته .. هدر قسطه، وعلى عاقلة الباقين
(1) الشرح الكبير (10/ 457).