الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الدِّيات
فِي قَتْلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِئَةُ بَعِيرٍ مُثَلَّثَةٌ فِي الْعَمْدِ: ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً - أَي: حَامِلًا - وَمُخَمَّسَةٌ فِي الْخَطَأِ: عِشْرُونَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَكَذَا بَنَاتُ لَبُونٍ وَبَنُو لَبُونٍ وَحِقَاقٌ وَجِذَاعٌ،
===
(كتاب الديات)
هي جمع دية، اسم للمال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو طرف، وأصلها: ودية، مشتقة من الودي، وهو: دفع الدية كالزنة من الوزن، والعدة من الوعد، وجمعها باعتبار النفس والأطراف، أو باعتبار الأشخاص.
(في قتل الحر المسلم) الذكر المَحقون الدم (مئة بعير) بالإجماع؛ كما نقله ابن عبد البر (1)، فخرج بـ (الحر): العبد، فهو مضمون بالقيمة لا بالدية، وبـ (المسلم): الكافر، وبالذكر: الأنثى، وبالمحقون الدم: الزاني المحصن، وتارك الصلاة، والصائل ونحوهم، وروى ابن قتيبة: أن أول من قضى بأنها مئة أبو سيارة، وقيل: عبد المطلب فجاءت الشريعة مقررة لها.
(مثلثة في العمد: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة؛ أي: حاملًا) لحديث: "مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا .. دُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ؛ فَإِنْ شَاؤُوا .. قَتَلُوا، وَإِنْ شَاؤُوا .. أَخَذُوا الدِّيَةَ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً" رواه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقال: حسن غريب (2).
ولأن العمد كبيرة فناسب التغليظ، والتغليظ بالنسبة إلى السن، لا بالنسبة إلى زيادة في القدر، وسواء في ذلك كان العمد موجبًا للقصاص أو لم يوجبه؛ كقتل الوالد ولده.
(ومخمسة في الخطأ: عشرون بثت مخاض، وكذا بنات لبون وبثو لبون وحقاق وجذاع) لإجماع الصحابة على ذلك؛ كما قاله الماوردي (3).
(1) التمهيد (17/ 341).
(2)
سنن الترمذي (1387).
(3)
الحاوي الكبير (16/ 19).
فَإِنْ قَتَلَ خَطَأً فِي حَرَمِ مَكَّةَ أَوِ الأَشْهُرِ الْحُرُمِ: ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ، أَوْ مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ .. فَمُثَلَّثَةٌ
===
(فإن قتل خطأ في حرم مكة، أو الأشهر الحرم: ذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم، ورجب، أو محرمًا ذا رحم .. فمثلثة) لأن الصحابة رضوان الله عليهم غلظوا في هذه الأحوال الثلاث وان اختلفوا في كيفية التغليظ، ولم ينكر ذلك أحد منهم، فكان إجماعًا منهم، وسواء كان المقتول والقاتل في الحرم أو أحدهما، والحق به في "المطلب" ما إذا جرحه، والمجروح في الحرم فخرج إلى الحل ومات فيه.
وخرج بـ (حرم مكة): حرم المدينة، فإنه لا يغلظ بالقتل فيه على الصحيح، لأن صيده غير مضمون على الجديد، ولا يغلظ بالقتل في الإحرام على الأصحِّ، لأن حرمته عارضة، بخلاف المكان، ولم يرد أيضًا من التغليظ ما ورد في القتل في الحرم.
وخرج بـ (الأشهر الحرم): رمضان؛ فإنه لا يغلظ بالقتل فيه وإن كان عظيمًا.
وقوله: (محرمًا ذا رحم) يُخرج صورتين: إحداهما: ما إذا انفردت المحرمية عن الرحم؛ كما في المصاهرة، والرضاع .. فلا يتغلظ بها القتل قطعًا، والثانية: أن تنفرد الرحمية عن المحرم؛ كأولاد الأعمام والأخوال، فلا تغليظ فيهم على الأصحِّ؛ لما بينهما من التفاوت في القرابة.
لكن يرد عليه مالو قتل ابن عم هو أخ من الرضاع، أو قتل بنت عم هي أم زوجته .. فلا تغلظ فيه الدية مع أنه رحم محرم؛ لأن المحرمية ليست من الرحم، فكان حقه تقييد المحرمية بذلك.
وهذا الترتيب الذي ذكره المصنف في عد الأشهر الحرم هو الصواب الذي تظافرت عليه الأحاديث الصحيحة، كما قاله في "شرح مسلم"، وغيره (1)، وقال الكوفيون: الأدب في عدها أن يقال: المحرم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة في سنة واحدة.
(1) شرح صحيح مسلم (11/ 168).
وَالْخَطَأُ وَإِنْ تَثَلَّثَ .. فَعَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ، وَالْعَمْدُ عَلَى الْجَانِي مُعَجَّلَةٌ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ مُثَلَّثَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ. وَلَا يُقْبَلُ مَعِيبٌ وَمَرِيضٌ إِلَّا بِرِضَاهُ. وَيَثْبُتُ حَمْلُ الْخَلِفَةِ بِأَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَالأَصَحُّ: إِجْزَاؤُهَا قَبْلَ خَمْسِ سِنِينَ،
===
قال ابن دحية الحافظ: وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا نذر صيامها .. فعلى الأول: يبتدئ بذي القعدة، وعلى الثاني: بالمحرم.
(والخطأ وإن تثلث) كما في التغليظ بالأسباب المذكورة ( .. فعلى العاقلة مؤجلة) كما سيأتي في بابه.
(والعمد على الجاني معجلة) تغليظًا؛ كبدل المتلفات (وشبه العمد مثلثة على العاقلة مؤجلة) أما كونها مثلثة .. فلقوله عليه السلام: "عَقْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظٌ مِثْلُ عَقْلِ الْعَمْدِ، وَلَا يُقْتَلُ صَاحِبُهُ" رواه أبو داوود ولم يضعفه (1)، وأما كونها على العاقلة ومؤجلة .. فلما سيأتي في بابها إن شاء الله تعالى.
(ولا يقبل معيب ومريض) (وإن كانت إبله كذلك؛ قياسًا على سائر أبدال المتلفات، بخلاف الزكاة؛ لتعلقها بعين المال، والدية بالذمة؛ فيعتبر في المؤدى السلامة كالمسلم فيه.
والمراد بالعيب هنا: الذي يرد به في البيع، بخلاف عيب الكفارة والأضحية حيث اعتبر في كل منهما ما يؤثر مقصوده؛ لعدم ملاحظة البدلية فيهما.
وعطفه المريض على المعيب من عطف الخاص على العام.
(إلا برضاه) أي: برضا المستحق إن كان أهلًا للتبرع؛ لأن له إسقاط الأصل فكذا الصفة.
(ويثبت حمل الخلفة بأهل الخبرة) عند إنكار المستحق؛ فيرجع فيه إلى عدلين منهم.
(والأصح: إجزاؤها قبل خمس سنين) لأنه ليس في الخبرة إلا اعتبار الخلفة، والثاني: المنع؛ لأن الحمل قبل خمس سنين مما يندر، والخلاف إذا لم يرض بأخذها، فإن رضي .. جاز كالبيع.
(1) سنن أبي داوود (4565) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
وَمَنْ لَزِمَتْهُ وَلَهُ إِبلٌ .. فَمِنْهَا - وَقِيلَ: مِنْ غَالِبِ إِبلِ بَلَدِهِ - وَإِلَّا .. فَغَالِبِ بَلَدِهِ، أَوْ قَبِيلَةِ بَدَوِيٍّ، وَإِلَّا .. فَأَقْرَبِ بِلَادٍ، وَلَا يَعْدِل إِلَى نَوْعٍ وَقِيمَةٍ إِلَّا بِتَرَاضٍ،
===
(ومن لزمته) يعني: الدية من العاقلة أو الجاني (وله إبل .. فمنها) تيسيرًا للأمر عليه، ولا يكلف غيره.
وظاهر قوله: (فمنها) تعيينها، وأنه لا يلزمه قبول غيرها وإن كان من نوعها مثلها أو أشرف منها، وليس كذلك ففي "الروضة": لو دفع نوعا غير ما في يده .. أجبر المستحق على قبوله إذا كان غالب إبل البلد والقبيلة كذلك، وحكاه الرافعي عن "التهذيب"(1).
(وقيل: من غالب إبل بلده) لأنها عوض متلَف، واعتباره بملك المتلِف بعيد.
(وإلا) أي: وإن لم يكن له إبل ( .. فغالب) إبل (بلده، أو قبيلة بدوي) إن كان بدويًّا؛ لأنها بدل متلَف، فوجب فيها البدل الغالب في قيمة المتلفات، (وإلا) أي: وإن لم يكن في البلد أو القبيلة إبل بصفة الإجزاء ( .. فأقرب بلاد) أو قبائل إلى موضع المؤدي، ويلزمه النقل إن قربت المسافة؛ فإن بعدت وعظمت المؤنة والمشقة .. لم يلزمه، وسقطت المطالبة بالإبل.
قالا: وأشار بعضهم إلى ضبط البعيد بمسافة القصر، وقال الإمام: لو زادت مؤنة إحضارها على قيمتها في موضع العزة .. لم يلزمه تحصيلها، وإلا .. فيلزمه (2)، قال البُلْقيني: وإجراء هذا على ظاهره متعذر، وتأويله: أنه إذا زادت بمؤنة إحضارها على قيمتها في موضع العزة .. فلا بد من إدخال (الباء) على (مؤنة) ليستقيم المعنى.
(ولا يعدل إلى نوع وقيمة إلا بتراض)، كسائر أبدال المتلفات، فظاهر إطلاقه: أنه لا فرق بين أن يعدل إلى نوع مثلها أو دونها أو فوقها، وبه صرح الرافعي (3)، لكن نص الشافعي رضي الله عنه على الإجبار في الأعلى، وجرى عليه الماوردي،
(1) روضة الطالبين (9/ 261)، الشرح الكبير (10/ 323).
(2)
روضة الطالبين (9/ 260)، الشرح الكبير (10/ 322).
(3)
الشرح الكبير (10/ 322).
وَلَوْ عُدِمَتْ .. فَالْقَدِيمُ: أَلْفُ دِينَارٍ أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَالْجَدِيدُ: قِيمَتُهَا
===
وسليم، والبَنْدَنيجي وغيرهم؛ كما نقله في "المطلب"، وأطلق المصنف جواز العدول إلى القيمة بالتراضي؛ تبعًا للأصحاب، قال صاحب "البيان": وليكن مبنيًّا على جواز الصلح عن إبل الدية، حكاه عنه الشيخان، وأقراه (1)، وجزما به قبل ذلك بأربعة أوراق، ومقتضاه: تصحيح المنع، فإن الأصحَّ: منع الصلح عن إبل الدية بلفظ الصلح، وبلفظ البيع جميعًا.
وحمل ابن الرفعة ما أطلقوه هنا من الجواز على ما إذا كانت معلومة القدر والسن والصفات، والمنع على ما إذا كانت مجهولة.
(ولو عدمت) الإبل في الموضع الذي يجب تحصيلها منه، أو وجدت ولكن بأكثر من ثمن المثل ( .. فالقديم: ألف دينار) لقوله صلى الله عليه وسلم: "وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ" صححه ابن حبان والحاكم من حديث عمرو بن حزم (2).
(أو اثنا عشر ألف درهم) لما رواه الأربعة من حديث ابن عباس: (أنه عليه السلام جعل الدية اثني عشر ألفًا)، لكن صوب النسائي وغيره إرساله (3).
وقضية كلامه: تخيير الجاني بين الذهب والدراهم، وهو رأي الإمام، والجمهورُ - كما قاله في "الروضة" -: على أن على أهل الذهب الذهب، وعلى أهل الورق الورق (4).
(والجديد: قيمتها) أي: الإبل بالغة ما بلغت؛ لما رواه أبو داوود، والنسائي، وابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم الإبل على أهل القرى، فإذا غلت .. رفع في قيمتها، وإذا هانت .. نقص من قيمتها)(5).
(1) الشرح الكبير (10/ 323)، روضة الطالبين (9/ 261).
(2)
صحيح ابن حبان (6559)، المستدرك (1/ 395).
(3)
سنن أبي داوود (4546)، سنن الترمذي (1388)، سنن النسائي (8/ 44)، سنن ابن ماجة (2629).
(4)
نهاية المطلب (16/ 323)، روضة الطالبين (9/ 262).
(5)
سنن أبي داوود (4564)، سنن النسائي (8/ 42)، سنن ابن ماجة (2630).
بِنَقْدِ بَلَدِهِ، وَإِنْ وُجِدَ بَعْضٌ .. أُخِذَ وَقِيمَةَ الْبَاقِي. وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى كَنِصْفِ رَجُلٍ نَفْسًا وَجُرْحًا، وَيَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ ثُلُثُ مُسْلِمٍ، وَمَجُوسِيٌّ ثُلُثَا عُشْرِ مُسْلِمٍ،
===
(بنقد بلده) الغالب؛ لأنه بدل متلف، وتراعى صفتها في التغليظ إن كانت مغلظة هذا هو المشهور، وفي "فتاوى القفال": الدنانير في أرش الجناية يجب أن تكون ذهبًا خالصًا دون نقد البلد، بخلاف العوض في العقد؛ لأن تقدير الأرش من الشارع، وقد كان الذهب خالصًا، فينصرف إليه أرش كل جناية.
(وإن وجد بعض) من الإبل ( .. أخذ) الموجود (وقيمة الباقي) كما لو وجب له على إنسان مثل، ووجد بعض المثل .. فإنه يأخذه وقيمة الباقي.
(والمرأة والخنثى كنصف رجل نفسًا وجرحًا) أما النفس .. فاحتج الشافعي فيه بالإجماع، وأما الأطراف والجراحات .. فبالقياس على النفس، وروي عن عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ" كذا رواه الرافعي، قال ابن جماعة: وهو غريب، ورواه البيهقي مرفوعًا من حديث معاذ، وضعفه (1)، وأما الخنثى المشكل .. فلأن الزيادة مشكوك فيها، والمحقق النصف.
(ويهودي ونصراني ثلث) دية (مسلم) نفسًا وجرحًا؛ اتباعًا لقضاء عمر وعثمان رضي الله عنهما بذلك (2)، هذا فيمن تحل مناكحته، فمن لا يعرف دخول أصوله في ذلك الدين قبل النسخ أو بعده، أو قبل التحريف أو بعده .. ففيه دية مجوسي.
(ومجوسي) له أمان (ثلثا عشر) دية (مسلم)(وهي: ستة أبعرة، وثلثا بعير؛ لأثر عمر رضي الله عنه (3)، والمعنى فيه: أن لليهودي والنصراني خمس فضائل: حصول كتاب، ودين كان حقًّا بالإجماع، وتحل مناكحتهم وذبائحهم، ويقرون بالجزية، وليس للمجوسي من هذه الخمسة إلا التقرير بالجزية، فكانت ديته خمس دية اليهود والنصارى.
(1) السنن الكبرى (8/ 95).
(2)
أخرجه الشافعي في "المسند"(ص 453)، والبيهقي (8/ 100) عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى.
(3)
أخرجه الشافعي في "المسند"(ص 453)، والبيهقي (8/ 100) عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى.