المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما] - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجراح

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع مباشرتين]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القود]

- ‌فَصْلٌ [في تغير حال المجروح بحرية أو عصمة أو إهدار أو بمقدار للمضمون به]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني]

- ‌بابُ كيفيَّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فَصْلٌ [في اختلاف مستحق الدم والجاني]

- ‌فَصْلٌ [في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما]

- ‌فَصْلٌ [في موجب العمد وفي العفو]

- ‌كتابُ الدِّيات

- ‌فَصْلٌ [في موجب ما دون النفس من جرح أو نحوه]

- ‌فَرْعٌ [في موجب إزالة المنافع]

- ‌فَرْعٌ [في اجتماع جنايات على شخص]

- ‌فَصْلٌ [في الجناية التي لا تقدير لأرشها والجناية على الرقيق]

- ‌‌‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌فَصْلٌ [في الاصطدام ونحوه مما يوجب الاشتراك في الضمان وما يذكر مع ذلك]

- ‌فَصْلٌ [في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله]

- ‌فَصْلٌ [في جناية الرقيق]

- ‌فَصْلٌ [في الغرة]

- ‌فَصْلٌ [في كفارة القتل]

- ‌كتابُ دعوى الدَّم والقسامة

- ‌فَصْلٌ [فيما يثبت به موجب القود وموجب المال بسبب الجناية من إقرار وشهادة]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌فَصْلٌ [في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة]

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حد القذف

- ‌كتابُ قطع السرقة

- ‌فصلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌ باب

- ‌فصلٌ [في شروط السارق الذي يقطع]

- ‌بابُ قاطع الطريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع عقوبات على شخص واحد]

- ‌كتابُ الأشربة

- ‌فَصْلٌ [في التعزير]

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [في حكم إتلاف البهائم]

- ‌كتابُ السِّيَر

- ‌فَصْلٌ [في مكروهات ومحرمات ومندوبات في الجهاد وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الأسر وأموال أهل الحرب]

- ‌فَصْلٌ [في أمان الكفار]

- ‌كتابُ الِجزْيَة

- ‌فَصْلٌ [في مقدار الجزية]

- ‌باب

- ‌فَصْلٌ [في أحكام عقد الجزية]

- ‌بابُ الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيد والذَّبائح

- ‌فَصْلٌ [في آلة الذبح والصيد]

- ‌فَصْلٌ [فيما يملك به الصيد وما يذكر معه]

- ‌كتاب الأضحية

- ‌فَصْلٌ [في العقيقة]

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌كتابُ الأيمان

- ‌فصلٌ [في صفة الكفارة]

- ‌فصلٌ [في الحلف على السكنى والمساكنة وغيرهما]

- ‌فصلٌ [في الحلف على أكل وشرب مع بيان ما يتناوله]

- ‌فصلٌ [في مسائل منثورة ليقاس بها غيرها]

- ‌فصلٌ [في الحلف على ألا يفعل كذا]

- ‌كتاب النَّذر

- ‌فصلٌ [في نذر النسك والصدقة والصلاة وغيرها]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌(باب

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يعتبر فيه شهادة الرجال]

- ‌فصلٌ [في تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌فصلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فصلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فصلٌ [فيما يتعلق بجواب المدعى عليه]

- ‌فصلٌ [في كيفية الحلف والتغليظ فيه]

- ‌فصلٌ [في تعارض البينتين]

- ‌فصلٌ [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌فصلٌ [في شروط القائف]

- ‌كتابُ العتِق

- ‌فصلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصلٌ [في الإعتاق في مرض الموت وبيان القرعة في العتق]

- ‌فصلٌ [في الولاء]

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌فصلٌ [في حكم حمل المدبرة]

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان لزوم الكتابة وجوازها]

- ‌فَصْلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌أهمّ مصادر ومراجع التّحقيق

الفصل: ‌فصل [في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما]

وَلَوْ أَوْضَحَ مُوضِحَتَيْنِ وَرَفَعَ الْحَاجِزَ وَزَعَمَهُ قَبْلَ انْدِمَالِهِ .. صُدِّقَ إِنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا .. حُلِّفَ الْجَريحُ وَثَبَتَ أَرْشَانِ، وَقِيلَ: وَثَالِثٌ.

‌فَصْلٌ [في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما]

الصَّحِيحُ: ثبُوتُهُ لِكُلِّ وَارِثٍ، وَيُنْتَظَرُ غَائِبُهُمْ وَكَمَالُ صَبِيِّهِمْ وَمَجْنُونِهِمْ،

===

(ولو أوضح موضحتين ورفع الحاجز) بينهما، والجميع عمدٌ أو خطأ ونحوه، (وزعمه قبل اندماله) فليس عليه إلا أرش موضحة واحدة، وقال المجني عليه:(بل بعده؛ فعليك أرش ثلاث موضحات ( .. صدق) الجاني بيمينه (إن أمكن) عدم الاندمال، بأن قصر الزمان، (وإلا) أي: وإن لم يمكن، بأن طال الزمان) .. حُلِّف الجريح وثبت أرشان) عملًا بالظاهر في الحالين، (وقيل: وثالث) (1) لأنه ثبت رفع الحاجز باعترافه، وثبت الاندمال بيمين المجني عليه، فقد حصلت موضحة ثالثة، والأصحُّ: لا يثبت ويصدق فيه الجاني؛ لأنه يقول: (رفعت الحاجز حتى لا يلزمني أرشان)، بل يعود الأولان إلى واحد، فإذا لم يقبل قوله في الاتحاد .. وجب ألا يقبل في الثالث الذي لم يثبت موجبه.

قال الغزي: وعبارة المصنف مستدركة؛ لأن قوله: (وإلا) أي: وإن لم يمكن أن يكون رفع الحاجز قبل الاندمال، وحينئذ: فيصدق المجني عليه، ويجب أرش ثالث قطعًا؛ لأنه إذا كان الفرض أن ذلك عند عدم إمكان ذلك قبل الاندمال .. تعين أن يكون بعده انتهى وأصله للأَذْرَعي.

* * *

(فصل: الصحيح: ثبوته) يعني: القصاص (لكلّ وارث) على حسب الميراث؛ لأنه حق موروث، فكان على الفرائض؛ كالمال، والثاني: يثبت للعصبة خاصة؛ لأن القصاص لدفع العار، فاختص بهم؛ كولاية النكاح، والثالث: يستحقه الوارثون بالنسب دون السبب؛ لانقطاعه بالموت؛ فلا حاجة إلى التشفي.

(وينتظر غائبهم) إلى أن يحضر أو يراجع (وكمال صبيهم ومجنونهم) لأن

(1) في (ز)(و (و): (قيل: وثالث).

ص: 61

وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ وَلَا يُخَلَّى بِكَفِيلٍ، وَلْيَتَّفِقُوا عَلَى مُسْتَوْفٍ، وَإِلَّا .. فَقُرْعَةٌ يَدْخُلُهَا الْعَاجِزُ وَيَسْتَنِيبُ، وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُ

===

القصاص للتشفي، فحقه التفويض إلى خيرة المستحق، ولا يحصل ذلك باستيفاء الولي.

(ويحبس القاتل) إلى أن يحضر الغائب، ويكمل الصبي والمجنون؛ لأنه استحق قتله، وفيه إتلاف نفس ومنفعة، فإذا تعذر استيفاء نفسه .. أتلفنا منفعته بالحبس، ومحل الحبس: في غير قاطع الطريق، أما فيه .. فالقصاص متحتم بشرطه؛ فلا يؤخر.

(ولا يخلى بكفيل) لأنه قد يهرب فيفوت الحق، ويحبسه الحاكم إذا ثبت عنده القتل من غير توقف على طلب الولي. قاله الماوردي (1).

(وليتفقوا على مستوف) إذا كان القصاص لجماعة حاضرين مكلفين؛ لأن في اجتماعهم على قتله تعذيبًا له، فلا بد من اتفاقهم على مستوف ولو أجنبيًّا، (وإلا) أي: وإن لم يتفقوا ورام كل منهم الاستيفاء ( .. فقرعة) لعدم المزية، فمن خرجت قرعته .. تولاه بإذن الباقين، فلو منعه غيره .. امتنع؛ لأن حقه من الاستيفاء لا يسقط بخروجها لغيره، بدليل صحة إبرائه منه والعفو عنه على مال، قال الروياني: وهذا الإقراع واجب على المذهب.

قال شيخنا: ومحل الإقراع: ما إذا كان القصاص بجارح أو مثقل يحصل باجتماعهم عليه زيادة تعذيبه، فإن كان بإغراق أو تحريق أو رمي صخرة .. فللورثة الاجتماع عليه ولا حاجة للقرعة.

(يدخلها العاجز) عن الاستيفاء؛ كالشيخ والمرأة؛ لأنه صاحب حق، (ويستنيب) إذا خرجت القرعة له من يصلح للاستيفاء، (وقيل: لا يدخل) لأنه ليس أهلًا للاستيفاء، والقرعة إنما تجري بين المستويين في الأهلية، وهذا هو الأصحُّ عند الأكثرين؛ كما في "أصل الروضة"، ونقل الرافعي في "الشرح الكبير" تصحيحه عن

(1) الحاوي الكبير (15/ 254).

ص: 62

وَلَوْ بَدَرَ أَحَدُهُمْ بِقَتْلِهِ .. فَالأَظْهَرُ: لَا قِصَاصَ، وَللْبَاقِينَ قِسْطُ الدِّيَةِ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ: مِنَ الْمُبَادِرِ، وَإِنْ بَادَرَ بَعْدَ عَفْوِ غَيْرِهِ .. لَزِمَهُ الْقِصَاصُ. وَقِيلَ: لَا إِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَيحْكُمْ قَاضٍ بِهِ

===

ابن كَجٍّ وأبي الفرج والإمام، ونقل تصحيح مقابله عن البغوي فقط، وصحح في "الشرح الصغير": أنه لا يدخل، وبه قطع بعضهم، ونص عليه في "الأم"(1).

(ولو بدر أحدهم) أي: الورثة (بقتله (2) بغير إذن الباقين ( .. فالأظهر: لا قصاص) لأن له حقًّا في قتله، فصار شبهة دارئة للقصاص، ولأن من علماء المدينة أو أكثرهم من ذهب إلى أنه يجوز لكل منهم الانفراد وإن عفا الباقون، ويقال: إنه رواية عن مالك، واختلاف العلماء شبهة في الإباحة، والثاني: يجب؛ لأنه استوفى أكثر من حقه، فلزمه القصاص فيه؛ كما لو استحق طرفًا فاستوفى نفسًا.

ومحل القولين: ما إذا قتله عالمًا بالتحريم، فإن جهل .. فلا قصاص قطعًا، وكذا فيما إذا كان قبل حكم الحاكم، فإن كان بعد حكمه بالمنع منه .. وجب القود قطعًا، وإن كان بعد حكم الحاكم باستقلاله بالقود .. فلا قود قطعًا، قاله البُلْقيني، قال: وفي كلام الماوردي ما يقتضي طرد وجه فيهما.

(وللباقين قسط الدية) لفوات القصاص بغير اختيارهم (من تركته) أي: تركة الجاني؛ لأن القاتل فيما وراء حقه كالأجنبي، ولو قتله أجنبي .. أخذت الورثة الدية من تركة الجاني لا من الأجنبي، فكذا هنا، (وفي قول: من المبادر) (وهو الأخ المبادر مثلًا؛ لأنه أتلف ما يستحقه هو وأخوه، فلزمه ضمان حق أخيه؛ كما لو كانت لهما وديعة فأتلفها أحدهما.

وفرق الأول: بأن الوديعة غير مضمونة، والنفس هنا مضمونة؛ فإنها لو تلفت بآفة سماوية .. وجبت الدية.

(وإن بادر بعد عفو غيره .. لزمه القصاص) لارتفاع الشبهة؛ لأن حقه يسقط بعفو غيره، (وقيل: لا إن لم يعلم ويحكم قاض به) أي: بالعفو؛ لشبهة اختلاف العلماء

(1) روضة الطالبين (9/ 215)، الشرح الكبير (10/ 257)، الأم (7/ 50).

(2)

في (و) و (ز): (فقتله).

ص: 63

وَلَا يُسْتَوْفَى قِصَاصٌ إِلَّا بِإِذْنِ الإِمَامِ، فَإِنِ اسْتَقَلَّ .. عُزِّرَ، وَيَأْذَنُ لِأهْلٍ فِي نَفْسٍ،

===

فيه، أما إذا حكم القاضي به وعلمه .. فيلزمه القصاص قطعًا، وإن علم العفو ولم يحكم به .. لزمه أيضًا على المذهب، وإن جهله؛ فإن قلنا: لا قصاص إذا علمه .. فهنا أولى، هذه عبارة "الروضة"(1)، ولا يؤخذ منها ترجيح في حالة الجهل بالعفو إذا لم يحكم به، وإطلاق "الكتاب" يقتضي: أن الأصحَّ: وجوب القصاص (2).

(ولا يستوفى قصاص إلا بإذن الإمام) أو نائبه لخطره، وظاهر كلامه: أنه لا يشترط حضوره، بل يكفي إذنه، لكن كلام "الأم" يقتضي حضوره، وبه جزم في "التنبيه" و"البيان"(3).

ويستثنى من اعتبار الإذن صور: إحداها: السيد؛ فإنه يقيم القصاص على عبده؛ كما هو مقتضى تصحيح الشيخين من أنه يقيم عليه حد السرقة والمحاربة، ثم قالا: وأجرى جماعة منهم ابن الصباغ الخلاف المذكور في القتل والقطع قصاصًا (4)، ثانيها: إذا كان المستحق مضطرًّا .. فله قتله قصاصًا وأكله، قاله الرافعي في بابه (5)، ثالثها: إذا انفرد بحيث لا يرى .. قال الشيخ عز الدين في آخر "قواعده": ينبغي ألَّا يمنع منه ولا سيما إذا عجز عن إثباته (6)، رابعها: القاتل في الحرابة لكل من الإمام والولي الانفراد بقتله ذكره الماوردي، وفيه نظر.

(فإن استقل) باستيفائه ( .. عزر) لافتئاته على الإمام، (ويأذن لأهل) في الاستيفاء بنفسه (في نفس) ليكمل التشفي، وخرج بالأهل: الشيخ والزمن والمرأة؛ فإن الإمام يأمره أن يستنيب، ويخرج أيضًا: ما لو قتل ذمي ذميًّا ثم أسلم القاتل .. فإنه لا يمكن الوارث الذمي من الاقتصاص؛ لئلا يتسلط الكافر على المسلم، ومنه يعلم

(1) روضة الطالبين (9/ 216).

(2)

قال الرافعي: وهذه المسألة توصف بالإشكال والاعتياص، حتى حكى السَّرَخْسي أنه قال: سمعت أبا بكر الضبعي يقول: كررتها في نفسي ألف مرة حتى تحققتها. اهـ هامش (أ).

(3)

التنبيه (ص 134)، البيان (11/ 405).

(4)

الشرح الكبير (11/ 165)، روضة الطالبين (10/ 103).

(5)

الشرح الكبير (12/ 161).

(6)

القواعد الكبرى (2/ 327).

ص: 64

لَا طَرَفٍ فِي الأَصحِّ، فَإِنْ أَذِنَ فِي ضَرْبِ رَقَبَةٍ فَأَصَابَ غَيْرَهَا عَمْدًا .. عُزِّرَ وَلَمْ يَعْزِلْهُ، وَإِنْ قَالَ:(أَخْطَأْتُ) (وَأَمْكَنَ .. عَزَلَهُ وَلَمْ يُعَزَّرْ. وَأُجْرَةُ الْجَلَّادِ عَلَى الْجَانِي عَلَى الصَّحِيحِ،

===

امتناع توكيل المسلم ذميًّا في الاستيفاء من المسلم، وبه صرح الرافعي في (كتاب البغاة)، والحق به الشيخ عز الدين عدو الجاني؛ لما يخشى منه من الحيف (1).

وخالف ما نحن فيه الجلد في القذف؛ فإنه لا يفوض إلى المقذوف؛ لأن تفويت النفس مضبوط، والجلدات يختلف موقعها، والتعزير كحد القذف.

(لا طرف في الأصح) لأنه لا يؤمن أن يردد الحديدة، ويزيد في الإيلام، والثاني: يأذن له كالنفس؛ لأن إبانة الطرف مضبوطة.

(فإن أذن) الإمام للولي (في ضرب رقبة فأصاب غيرها عمدًا .. عُزِّر) لتعديه، وتعرف العمدية باعترافه، أو بادعاء الخطأ فيما لا يخطئ بمثله؛ كضرب رجليه أو وسطه، (ولم يعزله) لوجود الأهلية وإن تعدى بفعله؛ كما لو جرحه قبل الارتفاع إلى الحاكم .. لا يمنع من الاستيفاء.

(وإن قال: "أخطأت" وأمكن) الخطأ؛ بأن ضرب كتفه أو رأسه مما يلي الرقبة ( .. عزله) لأن حاله يشعر بعجزه وخوفه، قال الإمام: وينبغي تخصيص هذا بمن لم يعرف مهارته في ضرب الرقاب، فأما الماهر .. فينبغي ألّا يعزل لخطأ اتفق له، وأقرّاه، وكلام الماوردي يفهمه (2)، وجزم به صاحب"الكافي"، (ولم يعزر) والحالة هذه، وذلك إذا حلف؛ كما قيداه في "الروضة" و"أصلها"(3).

(وأجرة الجلاد على الجاني على الصحيح) إذا لم ينصب الإمام جلادًا؛ لأن الحق عليه، فيلزمه أجرة الاستيفاء؛ كما يلزم البائع أجرة الكيال، والمشتري أجرة الوزان، والثاني: أنها على المقتص، والواجب عليه التمكين لا التسليم؛ كما أن أجرة نقل الطعام المشترى على المشتري.

(1) الشرح الكبير (11/ 93)، القواعد الكبرى (2/ 327).

(2)

الشرح الكبير (10/ 267)، روضة الطالبين (9/ 222)، الحاوي الكبير (15/ 261).

(3)

روضة الطالبين (9/ 222)، الشرح الكبير (10/ 267).

ص: 65

وَيَقْتَصُّ عَلَى الْفَوْرِ، وَفِي الْحَرَمِ وَالْحَرِّ وَالْبَردِ وَالْمَرَضِ. وَتُحْبَسُ الْحَامِلُ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ أَوِ الطَّرَفِ حَتَّى تُرْضِعَهُ اللِّبَأَ وَيَسْتَغْنِيَ بِغيْرِهَا، أَوْ فِطَامٍ لِحَوْلَيْنِ،

===

وكلامه قد يفهم: أنه لو قال الجاني: (أنا أقتص من نفسي ولا أؤدي الأجرة) .. لا يقبل منه، وهو الأصحُّ، لفقد التشفي، وقيل: يقبل، كما في قطع السارق.

وفرق الأول: بأن الغرض من القطع التنكيل، وهو يحصل بذلك، بخلاف القصاص؛ فإن الغرض فيه التشفي.

(ويقتص على الفور) قتلًا وقطعًا؛ لأن القصاص موجب الإتلاف فيتعجل؛ كقيم المتلفات (وفي الحرم) لأنه قتل لو وقع في الحرم .. لم يوجب ضمانًا، فلم يمنع منه؛ كقتل الحية والعقرب.

نعم؛ لو التجأ إلى المسجد الحرام أو غيره من المساجد .. لا يقتل فيه على الأصحِّ، بل يخرج ويقتل؛ لأنه تأخير يسير؛ صيانة للمسجد، وقيل: تبسط الأنطاع ويقتل فيه، ولو التجأ إلى الكعبة أو إلى ملك إنسان .. أخرج قطعًا؛ كما قاله في "زيادة الروضة"(1).

(والحرِّ والبرد والمرض) وإن كان مخطرًا، وإطلاقه: يتناول قصاص النفس والطرف، وبه قطع الغزالي والبغوي وغيرهما، ونقل الروياني في "جمع الجوامع": أنه نص في "الأم" على أنه يؤخر قطع الطرف لهذه الأسباب؛ كذا قالاه في "الشرح" و"الروضة"(2)، قال الأَذْرَعي: فهو المذهب إلا أن يثبت للشافعي نص يخالفه، وقال البُلْقيني: ما نقله الروياني موجود في "الأم" وهو المعتمد.

قالا: وكذا لا يؤخر الجلد في القذف، بخلاف القطع والجلد في حدود الله تعالى، لبنائها على المساهلة، بخلاف حق الآدمي (3).

(وتحبس الحامل في قصاص النفس، أو الطرف حتى ترضعه اللبأ ويستغني بغيرها، أو فطام لحولين) هذا كالمستثنى من فورية القصاص؛ أما تأخيرها إلى

(1) روضة الطالبين (9/ 224).

(2)

الشرح الكبير (10/ 270)، روضة الطالبين (9/ 225).

(3)

الشرح الكبير (10/ 270)، روضة الطالبين (9/ 225).

ص: 66

وَالصَّحِيحُ: تَصْدِيقُهَا فِي حَمْلِهَا بِغَيْرِ مَخِيلَةٍ. وَمَنْ قَتَلَ بِمُحَدَّدٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ تَجْوِيعٍ وَنَحْوِهِ .. اقْتُصَّ بِهِ،

===

الوضع .. فهو إجماع في النفس، وأما في الطرف .. فلأن فيه إجهاض الجنين وهو متلف له، وأما تأخيرها؛ لإرضاع اللبأ -وهو اللبن أول النتاج- .. فلأن الولد لا يعيش إلا به غالبًا أو محققًا، وأما التأخير للاستغناء بغيرها .. فلأجل حياة الولد أيضًا، فإن لم يوجد ذلك الغير ولو بهيمة .. يحل له تناول لبنها حتى ترضعه حولين؛ كما قاله المصنف.

وأفهم كلام "الكتاب": أن ما ذكره مختص بالقصاص، وهو كذلك؛ فالرجم وسائر حدود الله تعالى لا تحبس فيها على الصحيح، ولا تستوفى وإن وجدت مرضعة، بل ترضعه إلى أن يوجد كافل بعد انقضاء الإرضاع؛ لأنها مبنية على المساهلة والتخفيف.

نعم؛ الجلد في القذف كالقصاص، وسواء في ذلك الحامل من زنًا أو غيره [وسواء وجبت العقوبة قبل الحمل أو بعده، حتى إن المرتدة لو حملت من زنًا أو غيره، (1) بعد الردة لا تقتل حتى تضع.

(والصحيح: تصديقها في حملها بغير مخيلة) مع اليمين؛ كما صرح به الماوردي (2)؛ لأنها مؤتمنة على ما في رحمها، وقد رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول الغامدية (3)، والثاني: المنع؛ لأن الأصل عدمه وهي متهمة.

(ومن قتل بمحدد أو خنق أو تجويع ونحوه) كتغريق أو تحريق أو إلقاء من شاهق أو قتل بمثقل ( .. اقتص به) أي: بمثله؛ فإن المماثلة معتبرة في الاستيفاء؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} ، وقوله:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ، ولأنه صلى الله عليه وسلم رضّ رأس يهودي بين حجرين

(1) ما بين المعقوفين زيادة من غير (أ).

(2)

الحاوي الكبير (15/ 266).

(3)

أخرجه مسلم (1695) عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.

ص: 67

أَوْ بِسِحْرٍ .. فَبِسَيْفٍ، وَكَذَا خَمْرٌ وَلِوَاطٌ فِي الأَصَحِّ،

===

وكان قد قتل جاريته بذلك، متفق عليه (1)، وروى البيهقي مرفوعًا:"مَنْ حَرَّقَ .. حرَّقْنَاهُ، وَمَنْ غَرَّقَ .. غَرَّقْنَاهُ"(2).

وحديث النهي عن المثلة محمول على من وجب قتله (3)، لا على وجه المكافأة، ولأن مقصود القصاص التشفي، وإنما يكمل إذا قُتل الفاعل بمثل ما قَتَل.

(أو بسحر .. فبسيف) لأن عمل السحر محرم، ولا شيء مباح يشبهه على أنه لا ينضبط ويختلف تأثيره، وفي الحديث:"حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ" رواه الترمذي لكن صحح وقفه.

نعم؛ صححه الحاكم مع الغرابة (4).

(وكذا خمر) بأن أَوْجره به حتى مات، (ولواط) يقتل منه غالبًا؛ بأن لاط بصغير (في الأصح) لأن ما قتل به محرم الفعل، فتعين السيف، والثاني: أنه في الأولى: يوجَر مائعًا؛ كخل أو ماء، وفي الثانية: يدس في دبره خشبة قريبة من الله، ويقتل بها؛ لقربه من فعله، كذا قالاه (5)، وقال ابن الرفعة: ظاهر كلام الجمهور: أنها لا تتقيد بآلته، بل تعمل خشبة تقتل مثل القاتل.

هذا إن توقع موته بالخشبة، أما إذا لم يتوقع وكان يموت به المجني عليه؛ لطفولية ونحوها .. فلا؛ لأن فيه ارتكاب محظور بلا فائدة، فتعين السيف، كذا نقلاه عن المتولي وأقراه، وفي كلام الإمام ما يدل عليه (6)، وهذا إنما يجيء على ما قالاه من كون الخشبة قريبة من آلته، أما على ما قاله ابن الرفعة .. فلا فرق.

وفي معنى الخمر: ما لو سقاه بولًا على الأصحِّ في "أصل الروضة"، ولو أوجره ماءً نجسًا .. أوجر ماءً طاهرًا (7).

(1) صحيح البخاري (6876)، صحيح مسلم (1672) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

سننن البيهقي (8/ 43) عن عازب بن الحارث رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاري (4192) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(4)

سنن الترمذي (1460)، المستدرك (4/ 360) عن جندب رضي الله عنه.

(5)

الشرح الكبير (10/ 276)، روضة الطالبين (9/ 229).

(6)

الشرح الكبير (10/ 276)، روضة الطالبين (9/ 229)، نهاية المطلب (16/ 182).

(7)

روضة الطالبين (9/ 229).

ص: 68

وَلَوْ جُوِّعَ كَتَجْوِيعِهِ فَلَمْ يَمُتْ زِيدَ، وَفِي قَوْلٍ: السَّيْفُ، وَمَنْ عَدَلَ إِلَى سَيْفٍ .. فَلَهُ. وَلَوْ قَطَعَ فَسَرَى .. فَلِلْوَليِّ حَزُّ رَقَبَتِهِ، وَلَهُ الْقَطْعُ ثُمَّ الْحَزُّ، وَإِنْ شَاءَ .. انْتَظَرَ السِّرَايَةَ. وَلَوْ مَاتَ بِجَائِفَةٍ أَوْ كَسْرِ عَضُدٍ .. فَالْحَزُّ. وَفِي قَوْلٍ: كَفِعْلِهِ،

===

(ولو جوع كتجويعه فلم يمت .. زيد) في التجويع حتى يموت؛ ليكون قتله بالطريق الذي قتل به، ولا يبالى بزيادة الإيلام؛ كما لو ضرب رقبة إنسان ضربة واحدة ولم تنحز رقبته إلا بضربتين، (وفي قول: السيف) لأن المماثلة قد حصلت، ولم يبق إلَّا تفويت الروح؛ فيجب تفويتها بالأسهل، وهذا ما نص عليه في "الأم" و"المختصر"(1)، وقال القاضي: إن الشافعي لم يقل بخلافه، ولم يختلف مذهبه فيه، وجرى عليه جمع من الأصحاب، وصوّبه البُلْقيني وغيره.

(ومن عدل إلى سيف) فيما يجوز فيه التماثل ( .. فله) رضي الجاني أم لا؛ لأنه أوحى وأسهل، بل هو أولى؛ للخروج من الخلاف.

(ولو قطع فسرى) إلى النفس ( .. فللولي حزّ رقبته) لأنه أسهل على الجاني من القطع ثم الحز، (وله القطع ثم الحز) طلبًا للمماثلة، (وإن شاء .. انتظر السراية) بعد القطع، وليس للجاني أن يقول:(أمهلوني مدة بقاء المجني عليه بعد جنايتي) لثبوت حق القصاص ناجزًا.

(ولو مات بجائفة أو كسر عضد .. فالحز) لأن المماثلة لا تتحقق في هذه الحالة؛ بدليل عدم إيجاب القصاص في ذلك عند الاندمال، فتعيّن السيف، (وفي قول: كفعله) تحقيقا للمماثلة، وهذا ما عليه الأكثرون؛ كما في "الروضة" و"أصلها"، وصححه المصنف في "تصحيح التنبيه"(2).

وما رجحه المصنف تبع فيه "المحرر"؛ فإنه قال: (فهل يستوفى القصاص بمثل ذلك أو بالسيف؟ فيه قولان: رجح كثيرون الثاني)(3).

(1) الأم (7/ 18)، مختصر المزني (ص 241).

(2)

روضة الطالبين (9/ 231)، الشرح الكبير (11/ 279)، تصحيح التنبيه (2/ 164).

(3)

المحرر (ص 399).

ص: 69

فَإِنْ لَمْ يَمُتْ .. لَمْ تُزَدِ الْجَوَائِفُ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوِ اقْتَصَّ مَقْطُوعٌ ثُمَّ مَاتَ سِرَايَةً .. فَلِوَليِّهِ حَزٌّ وَلَهُ عَفْوٌ بِنِصْفِ دِيَةٍ،

===

والظاهر: أنه سبق قلم؛ كما قاله الأَذْرَعي وغيره، وكأنه أراد أن يقول: الأول، فقال: الثاني.

وأفهم كلام الفارقي: أن محل الخلاف عند الإطلاق، أما إذا قال:(أجيفه ثم أقتله إن لم يمت) .. فله ذلك قطعًا، ولو أجافه ثم عفا عنه .. عزر على ما فعل، ولم يجبر على قتله، فإن مات .. بأن بطلان العفو له، قاله البغوي، وأقراه (1).

(فإن لم يمت) بعد أن فعل به كفعله ( .. لم تزد الجوائف في الأظهر) لاختلاف تأثير الجوائف باختلاف محالها؛ فهي كقطع الأطراف المختلفة، والثاني: نعم؛ ليكون إزهاق الروح قصاصًا بطريق إزهاقه عدوانًا، وهو مخرج من مسألة التجويع والإلقاء في النار ونحوهما.

(ولو اقتص مقطوع) عضو فيه نصف الدية من قاطعه (ثم مات) المقطوع الأول (سراية .. فلوليه حزٌّ) لرقبة الجاني في مقابلة نفس مورثه، (وله عفو بنصف دية) والعضو المستوفى مقابل بالنصف.

وقضية إطلاقه: أنه لو قطعت امرأة يد رجل فاقتص منها ثم مات الرجل فعفا وليه على مال .. أن له نصف الدية، وهو وجه، والأصحُّ: أن له ثلاثة أرباع الدية؛ لأنه استحق دية رجل سقط منها ما استوفاه، وهو يد امرأة ربع دية رجل، كذا صححاه في "الشرح" و"الروضة" في أواخر (باب العفو عن القصاص) وهو مقيد لما أطلقاه هنا (2).

قال المنكت: (وقياس ذلك في عكس المسألة: إذا قطع رجل يد امرأة، فاقتصت ثم ماتت سراية، وعفا وليها على مال .. فعلى الأصحِّ: لا شيء له، وعلى الثاني:

(1) التهذيب (7/ 94)، الشرح الكبير (10/ 279)، روضة الطالبين (9/ 231)، وفي هامش (أ):(وينتظم من هذا لغز، فيقال: رجل مطلق التصرف وارث للقصاص في غير المحاربة، ومتى عفا .. عزر).

(2)

الشرح الكبير (10/ 304)، روضة الطالبين (9/ 247).

ص: 70

وَلَوْ قُطِعَتْ يَدَاهُ فَاقْتَصَّ ثُمَّ مَاتَ .. فَلِوَليِّهِ الْحَزُّ، فَإِنْ عَفَا .. فَلَا شَيْءَ. وَلَوْ مَاتَ جَانٍ مِنْ قَطْعِ قِصَاصٍ .. فَهَدَرٌ، وَإِنْ مَاتَا سِرَايَةً مَعًا أَوْ سَبَقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ .. فَقَدِ اقْتَصَّ،

===

نصف ديتها، قال: ولم أر ذلك مسطورًا) (1).

(ولو قُطِعت يداه فاقتص ثم مات) المجني عليه بالسراية ( .. فلوليِّه الحزُّ) بنفس مورثه، (فإن عفا .. فلا شيء) له؛ لأنه استوفى ما يقابل الدية وهو اليدان، فلو قلنا بأخذ الدية .. لجمعنا له بين الدية وبين ما قيمته الدية، وهو لا يجوز، قال الرافعي: وهذه صورة يجب فيها القصاص ولا يستحق الدية بالعفو (2).

ومحله أيضًا: إذا استوت الديتان، أما لو كان الجاني امرأة على رجل .. وجب نصف دية رجل على الأصحِّ.

(ولو مات جان) بالسراية (من قطع قصاص .. فهدر) لأنه مات من قطع مستحق، فلا يتعلق بسرايته ضمان؛ كقطع السارق، (وإن ماتا سراية) بعد الاقتصاص في اليد (معًا أو سبق المجنيّ عليه .. فقد اقتص) أي: حصل قصاص اليد باليد، والسراية بالسراية، ولا شيء على الجاني؛ لأن السراية لمّا كانت كالمباشرة في الجناية .. وجب أن تكون كذلك في الاستيفاء. قال الرافعي: وهذا هو المشهور، ونسبه ابن كَجٍّ إلى أبي علي الطبري، وحكى عن عامة الأصحاب: أن لولي المجني عليه نصف الدية في تركة الجاني؛ لأن سراية الجاني مهدرة، وسراية المجني عليه مضمونة. انتهى (3).

وما نقله عن عامة الأصحاب معارض بنقل الماوردي الأول عن الجمهور (4)، وصحح البُلْقيني في صورة ما إذا ماتا معًا: أنه لا يقع قصاصًا؛ لأن القصاص إنما يقع بعد وجوبه، فإذا ماتا معًا .. فقد مات الجاني قبل وجوب قصاص نفسه، فالحكم بأنه اقتص منه بعيدٌ.

(1) السراج (7/ 205).

(2)

الشرح الكبير (10/ 281).

(3)

الشرح الكبير (10/ 281).

(4)

الحاوي الكبير (15/ 280).

ص: 71

وَإِنْ تَأَخَّرَ .. فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ مُسْتَحِقُّ يَمِينٍ: (أَخْرِجْهَا)، فَأَخْرَجَ يَسَارًا وَقَصدَ إِبَاحَتَهَا .. فَمُهْدَرَةٌ، وَإِنْ قَالَ:(جَعَلْتُهَا عَنِ الْيَمِينِ وَظَنَنْتُ إِجْزَاءَهَا) فَكَذَّبَهُ .. فَالأَصَحُّ: لَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ، وَتَجِبُ دِيَةٌ، وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ،

===

(وإن تأخر) موت المجني عليه عن موت الجاني ( .. فله نصف الدية) في تركة الجاني (في الأصح) إذا استوت الديتان، لأن القصاص لا يسبق الجناية؛ فإن ذلك يكون في معنى السلم في القصاص، وهو لا يتصور، والثاني: لا شيء له، ويحصل القصاص بذلك؛ لأنه مات بسراية فعل المجني عليه، فحصلت المقابلة.

ومحل الخلاف: في قطع يد مثلًا، فإن كانت الصورة في قطع يدين .. فلا شيء جزمًا.

(ولو قال مستحق يمين: "أخرجها"، فأخرج يسارًا وقصد إباحتها) وهو عاقل حرّ عالم بأنها لا تجزئ عن اليمين ( .. فمهدرة) أي: لا قصاص ولا دية وإن علم القاطع بالحال على الأصحِّ، لأن صاحبها بذلها مجانًا.

نعم؛ يعزر العالم، ويبقى قصاص اليمين كما كان، صرح به في "المحرر"(1)، واستغنى عنه المصنف بقوله بعدُ:(ويبقى قصاص اليمين) فجعله عائدًا إلى المسألتين، وهو محمول على ما إذا لم يظن القاطع إجزائها، فإن ظن ذلك .. فالأصحُّ: سقوط قصاصها، ويعدل إلى ديتها.

(وإن قال: "جعلتها عن اليمين وظننت إجزاءها"، فكذّبه) القاطع، وقال:(عرفتَ أنها اليسار، وأنها لا تجزئ عن اليمين)( .. فالأصح: لا قصاص في اليسار) لأنا أقمنا ذلك مقام إذنه في القطع، والثاني: نعم؛ لأنه قطع ما لا يستحقه.

(وتجب دية) لليسار؛ لأن الباذل بذلها على أن تكون عوضًا عن اليمين، والقاطع قطعها على اعتقاد ذلك، فإذا لم يصح العفو وتلف العضو .. وجب بدله؛ كمن اشترى سلعة بثمن فاسد وتلفت عنده.

(ويبقى قصاص اليمين) كما كان على الوجهين؛ لأنه لم يستوفه ولم يعف عنه،

(1) المحرر (ص 399).

ص: 72