المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتابُ الزِّنا إِيلَاجُ الذَّكَرِ بفَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ خَالٍ عَنِ الشُّبْهَةِ مُشْتَهَىً - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجراح

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع مباشرتين]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القود]

- ‌فَصْلٌ [في تغير حال المجروح بحرية أو عصمة أو إهدار أو بمقدار للمضمون به]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني]

- ‌بابُ كيفيَّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فَصْلٌ [في اختلاف مستحق الدم والجاني]

- ‌فَصْلٌ [في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما]

- ‌فَصْلٌ [في موجب العمد وفي العفو]

- ‌كتابُ الدِّيات

- ‌فَصْلٌ [في موجب ما دون النفس من جرح أو نحوه]

- ‌فَرْعٌ [في موجب إزالة المنافع]

- ‌فَرْعٌ [في اجتماع جنايات على شخص]

- ‌فَصْلٌ [في الجناية التي لا تقدير لأرشها والجناية على الرقيق]

- ‌‌‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌فَصْلٌ [في الاصطدام ونحوه مما يوجب الاشتراك في الضمان وما يذكر مع ذلك]

- ‌فَصْلٌ [في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله]

- ‌فَصْلٌ [في جناية الرقيق]

- ‌فَصْلٌ [في الغرة]

- ‌فَصْلٌ [في كفارة القتل]

- ‌كتابُ دعوى الدَّم والقسامة

- ‌فَصْلٌ [فيما يثبت به موجب القود وموجب المال بسبب الجناية من إقرار وشهادة]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌فَصْلٌ [في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة]

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حد القذف

- ‌كتابُ قطع السرقة

- ‌فصلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌ باب

- ‌فصلٌ [في شروط السارق الذي يقطع]

- ‌بابُ قاطع الطريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع عقوبات على شخص واحد]

- ‌كتابُ الأشربة

- ‌فَصْلٌ [في التعزير]

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [في حكم إتلاف البهائم]

- ‌كتابُ السِّيَر

- ‌فَصْلٌ [في مكروهات ومحرمات ومندوبات في الجهاد وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الأسر وأموال أهل الحرب]

- ‌فَصْلٌ [في أمان الكفار]

- ‌كتابُ الِجزْيَة

- ‌فَصْلٌ [في مقدار الجزية]

- ‌باب

- ‌فَصْلٌ [في أحكام عقد الجزية]

- ‌بابُ الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيد والذَّبائح

- ‌فَصْلٌ [في آلة الذبح والصيد]

- ‌فَصْلٌ [فيما يملك به الصيد وما يذكر معه]

- ‌كتاب الأضحية

- ‌فَصْلٌ [في العقيقة]

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌كتابُ الأيمان

- ‌فصلٌ [في صفة الكفارة]

- ‌فصلٌ [في الحلف على السكنى والمساكنة وغيرهما]

- ‌فصلٌ [في الحلف على أكل وشرب مع بيان ما يتناوله]

- ‌فصلٌ [في مسائل منثورة ليقاس بها غيرها]

- ‌فصلٌ [في الحلف على ألا يفعل كذا]

- ‌كتاب النَّذر

- ‌فصلٌ [في نذر النسك والصدقة والصلاة وغيرها]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌(باب

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يعتبر فيه شهادة الرجال]

- ‌فصلٌ [في تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌فصلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فصلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فصلٌ [فيما يتعلق بجواب المدعى عليه]

- ‌فصلٌ [في كيفية الحلف والتغليظ فيه]

- ‌فصلٌ [في تعارض البينتين]

- ‌فصلٌ [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌فصلٌ [في شروط القائف]

- ‌كتابُ العتِق

- ‌فصلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصلٌ [في الإعتاق في مرض الموت وبيان القرعة في العتق]

- ‌فصلٌ [في الولاء]

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌فصلٌ [في حكم حمل المدبرة]

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان لزوم الكتابة وجوازها]

- ‌فَصْلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌أهمّ مصادر ومراجع التّحقيق

الفصل: ‌ ‌كتابُ الزِّنا إِيلَاجُ الذَّكَرِ بفَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ خَالٍ عَنِ الشُّبْهَةِ مُشْتَهَىً

‌كتابُ الزِّنا

إِيلَاجُ الذَّكَرِ بفَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ خَالٍ عَنِ الشُّبْهَةِ مُشْتَهَىً .. يُوجِبُ الْحَدَّ، وَدُبُرُ ذَكَرٍ وَأُنْثَى كَقُبُلٍ عَلَى الْمَذْهَبِ

===

(كتاب الزنا)

هو مقصور، وقد يمد، وهو من أفحش الكبائر، ولم يحل في ملة قط.

والأصل في الباب: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} الآية، ورجمه صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامدية (1)، وغير ذلك من الأدلة الشهيرة.

(إيلاج الذكر بفرج محرم لعينه خال عن الشبهة مشتهى .. يوجب الحد) هذا ضابط ما يوجب الحد، وهو الرجم على المحصن، والجلد والتغريب على غيره، وسيذكر المصنف ما احترز عنه قيدًا قيدًا، ولا بد من تقييد الذكر والفرج بالواضح؛ ليخرج الخنثى المشكل، وإطلاقه الذكر لا يقتضي إيلاج جميعه؛ لأن الذكر يطلق على البعض؛ بدليل:"مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ .. فَلْيَتَوَضَّأْ"(2).

نعم؛ كان ينبغي التقييد بالحشفة، وبقدرها من مقطوعها.

ويشترط: كونه متصلًا؛ ليخرج المبان.

(ودبر ذكر وأنثى كقبل على المذهب) لأنه فرج، وملخص ما يجب على الواطئ بإيلاجه في دبر الذكر طريقان: أحدهما: ثلاثة أقوال، أحدها: أن عقوبته القتل محصنًا كان أو غيره؛ لحديث فيه صحح الحاكم إسناده (3)، وعلى هذا: فهل يقتل بالسيف، أو بالرجم، أو بهدم جدارٍ، أو إلقائه من شاهق؟ وجوه صحح في "زوائد الروضة" الأول (4)، والقول الثاني: أن الواجب فيه: التعزير؛ كإتيان البهائم،

(1) أخرجه مسلم (1695) عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.

(2)

أخرجه أبو داوود (181)، والترمذي (82) عن بسرة بنت صفوان رضي الله عنها.

(3)

المستدرك (4/ 355)، وأخرجه أبو داوود (4462)، والترمذي (1456)، وأحمد (1/ 300) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

روضة الطالبين (10/ 91).

ص: 185

وَلَا حَدَّ بِمُفَاخَذَةٍ وَوَطْءِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ، وَكَذَا أَمَتُهُ الْمُزَوَّجَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ، وَكَذَا مَمْلُوكَتُهُ الْمَحْرَمُ، وَمُكْرَهٌ فِي الأَظْهَرِ، وَكَذَا كُلُّ جهَةٍ أَبَاحَ بِهَا عَالِمٌ كَنِكَاحٍ بِلَا شُهُودٍ عَلَى الصَّحِيحِ،

===

والثالث -وهو الأظهر-: أنه كالزاني يرجم المحصن، ويجلد غيره ويغرب، والطريق الثاني: إثبات القول الأول والثاني فقط.

وفي الإيلاج في دبر أنثى أجنبية طريقان، أصحهما: أنه كاللواط فتجيء الأقوال.

وفي دبر زوجته وأمته طريقان، أصحهما: القطع بالتعزير فقط، وقيل: في الحد قولان؛ وأما المفعول به؛ فإن كان صغيرًا، أو مجنونًا، أو مكرهًا .. فلا حد عليه ولا مهر له؛ لأن منفعة بضع الرجل غير متقومة، وإن كان مكلفًا طائعًا؛ فإن قلنا: يقتل الفاعل .. قتل المفعول به، وإن قلنا: حده حد الزاني .. جلد المفعول به وغرب، محصنًا كان أو غيره، سواء كان رجلًا أم امرأة؛ لأن المحل لا يتصور فيه إحصان.

(ولا حد بمفاخذة) ومقدمات وطء، لعدم الإيلاج، (ووطء زوجته وأمته في حيض وصوم وإحرام) لأن التحريم ليس لعينه، بل لأمور عارضة بالحيض؛ لملامسة الأذى، ومخامرة النجاسة، والصوم والإحرام؛ لإفساد العبادة، (وكذا أمته المزوجة والمعتدة) لشبهة المحل؛ لأن التحريم عارض، (وكذا مملوكته المحرم) بنسب أو رضاع؛ كأخته من الرضاع أو النسب، وموطوءة ابنه؛ لشبهة الملك، (ومكره في الأظهر) لشبهة الإكراه، والثاني: يجب فيهما، أما في الأولى .. فلأنه وطء لا يستباح بحال، فأشبه اللواط، وأما الثانية .. فلأن انتشار الآلة لا يكون إلا عن شهوة واختيار، ومأخذ الخلاف التردد في تصوير الإكراه في الزنا، والصحيح: تصويره؛ لأن الانتشار تقتضيه الطبيعة عند الملامسة.

(وكذا كل جهة أباح بها عالم؛ كنكاح بلا شهود على الصحيح) كمذهب مالك، أو بلا ولي كمذهب أبي حنيفة، ونكاح المتعة للاختلاف في الصحة، فانتفى الحد للشبهة؛ كما لو وطء في عقد وليه فاسق، وقيل: يجب في النكاح بلا ولي على من يعتقد تحريمه دون غيره، وقيل: يجب على من يعتقد الإباحة أيضًا؛ كما يحد الحنفي

ص: 186

وَلَا بِوَطْءِ مَيْتَةٍ فِي الأَصَحِّ، وَلَا بَهِيمَةٍ فِي الأَظْهَرِ. وَيُحَدُّ فِي مُسْتَأْجَرَةٍ وَمُبِيحَةٍ وَمَحْرَمٍ وَإِنْ كَانَ تزَوَّجَهَا

===

على شرب النبيذ، وفي قول: يجب في نكاح المتعة؛ لأنه ثبت نسخه قطعًا، وابن عباس رجع عنه؛ كما رواه الترمذي (1).

(ولا بوطء ميتة في الأصح) لأنه مما ينفر الطبع عنه، وما ينفر الطبع عنه لا يحتاج إلى الزجر عنه؛ كشرب البول.

نعم؛ يعزر.

والثاني: يحد؛ لأنه إيلاج في فرج لا شبهة فيه؛ كفرج الحية، والثالث: إن كانت ممن لا يحد بوطئها في الجملة؛ كالزوجة .. فلا حد، وإلا .. فيحد، حكاه في (باب الغسل) من "شرح المهذب"، وقال: إنه يحكى عن النص (2)، وصححه في "نكت الوسيط".

وهذه الصورة والتي بعدها محترز قوله: (مشتهى).

(ولا بهيمة في الأظهر) بل يعزر؛ لأن الطباع السليمة تأباه، فلم يحتج إلى زاجر، وروى أبو داوود والنسائي عن ابن عباس:(ليس على الذي يأتي البهيمة حد)(3)، والثاني: واجبه: القتل محصنًا كان أو غيره؛ لحديث فيه صحح الحاكم إسناده (4)، والثالث: واجبه: حد الزنا، فيفرق فيه بين المحصن وغيره.

(ويحد في مستأجرة) للزنا؛ لانتفاء الملك والعقد، ولأنه عقد باطل فلا يؤثر شبهة؛ كما لو اشترى خمرًا فشربها، (ومبيحة) لوطئها؛ لأن الأبضاع لا تباح بالإباحات، (ومحرم) بنسب أو رضاع أو مصاهرة (وإن كان تزوجها) لأنه وطء صادف محلًّا ليس فيه شبهة، وهو مقطوع بتحريمه، فيتعلق به الحد.

(1) سنن الترمذي (1122).

(2)

المجموع (2/ 152).

(3)

سنن أبي داوود (4465)، سنن النسائي الكبرى (7301)، وأخرجه الحاكم (4/ 356)، والترمذي (1455).

(4)

المستدرك (4/ 355)، وأخرجه أبو داوود (4462)، والترمذي (1456)، والنسائي في "الكبرى"(7300)، وابن ماجه (2564) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 187

وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ - إِلَّا السَّكْرَانَ - وَعِلْمُ تَحْرِيمِهِ. وَحَدُّ الْمُحْصَنِ: الرَّجْمُ، وَهُوَ: مُكَلَّفٌ حُرٌّ وَلَوْ ذِمِّيٌّ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ بِقُبُلٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا فَاسِدٍ فِي الأَظْهَرِ،

===

(وشرطه: التكليف) فلا حد على صبي ومجنون؛ لارتفاع القلم (إلا السكران) فإنه يحد وإن كان غير مكلف، وهذا الاستثناء زاده على "المحرر"؛ بناءً على اعتقاده أنه غير مكلف، والصحيح: أنه مكلف؛ كما تقدم التنبيه عليه في الطلاق، فلا حاجة لاستثنائه.

(وعلم تحريمه) فلا حد على من جهل تحريم الزنا؛ لقرب عهده بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة عن المسلمين؛ لرفع الإثم عنه، بخلاف من نشأ بين المسلمين، وادعى الجهل بالتحريم .. فلا يقبل منه، ولو علم التحريم وجهل وجوب الحد .. وجب عليه الحد جزمًا؛ كما صححه في "زيادة الروضة"(1).

(وحد المحصن: الرجم) بالإجماع، ولا يجلد معه خلافًا لابن المنذر.

(وهو) أي: المحصن (مكلف) فالصبي والمجنون ليسا بمحصنين، ولا معنى لاشتراط التكليف في الإحصان بعد اشتراطه في مطلق وجوب الحد، (حر) فالرقيق ليس بمحصن ولو مكاتبًا، ومبعضًا، ومستولدة؛ لأنه على النصف من الحر، والرجم لا نصف له، (ولو ذمي) أي: فليس من شرط الإحصان الإسلام؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رجم رجلًا وامرأة من اليهود زنيا، متفق عليه، زاد أبو داوود:(وكانا قد أحصنا)(2).

(غيب حشفته) أو قدرها من مقطوعها (بقبل في نكاح صحيح) فالواطئ في دبر، أو في ملك يمين ليس بمحصن، ويشترط كون الذكر: أصليًّا عاملًا، فالزائد والأشل لا يحصل به إحصان ولا تحليل، قاله البغوي في "فتاويه".

(لا فاسد في الأظهر) لأنه حرام، فلا يحصل به صفة كمال، والثاني: نعم؛ لأن الفاسد كالصحيح في العدة والنسب، فكذا في الإحصان.

(1) روضة الطالبين (10/ 95).

(2)

صحيح البخاري (3635)، صحيح مسلم (1699) عن ابن عمر رضي الله عنهما، سنن أبي داوود (4451) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 188

وَالأَصَحُّ: اشْتِرَاطُ التَّغْيِيبِ حَالَ حُرِّيَّتِهِ وَتكْلِيفِهِ، وَأَنَّ الْكَامِلَ الزَّانِيَ بِنَاقِصٍ مُحْصَنٌ. وَالْبِكْرِ الحُرِّ: مِئَةُ جَلْدَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ إِلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَمَا فَوْقَهَا، وَإِذَا عَيَّنَ الإِمَامُ جِهَةً .. فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ غَيْرِهَا فِي الأَصَحِّ، وَيُغَرَّبُ غَرِيبٌ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ،

===

(والأصح: اشتراط التغييب حال حريته وتكليفه) فلا رجم على من وطئ في نكاح صحيح وهو صبي، أو مجنون، أو رقيق، لأن شرطه الإصابة بأكمل الجهات، وهو النكاح الصحيح، فيشترط حصولها من كامل أيضًا، والثاني: لا يشترط ذلك؛ فإنه وطء يحصل به التحليل، فكذا الإحصان.

(وأن الكامل الزاني بناقص محصن) أي: إذا كان أحد الزوجين في حال إصابته كاملًا؛ أي: حرًّا مكلفًا، والآخر ناقصًا؛ كرقيق أو صغير .. حصل الإحصان للكامل وإن لم يحصل للناقص على الأظهر؛ لأنه حر مكلف وطئ في نكاح صحيح، فأشبه ما إذا كانا كاملين، والثاني: لا؛ لأنه وطء لا يصير أحد الواطئين محصنًا به، فكذلك الآخر؛ كالوطئ بالشبهة.

(والبكر) وهو غير المحصن (الحر: مئة جلدة وتغريب عام) أما الجلد .. فللآية، وسمي جلدًا؛ لوصوله إلى الجلد، وأما التغريب .. فلرواية مسلم:"وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ"(1)، (إلى مسافة قصر) لأن ما دونها في حكم الحضر، وتتواصل إليه الأخبار فيها، والمقصود: إيحاشه بالبعد عن أهله ووطنه (فما فوقها) إذا رأى الإمام التغريب إليه؛ لأن الصديق غرب إلى فدك، وعمر إلى الشام، وعثمان إلى مصر، وعليًّا إلى البصرة.

(وإذا عين الإمام جهة .. فليس له طلب غيرها في الأصح) لأنه أليق بالزجر والتعنيف، والثاني: له ذلك؛ لحصول مُسمَّى التغريب.

(ويغرب غريب من بلد الزنا) تنكيلًا وإبعادًا عن موضع الفاحشة (إلى غير بلده) لأن القصد إيحاشه وعقوبته، وذلك يأباه عوده إلى وطنه، وكما لا يغرب إلى بلده .. لا يغرب إلى بلد بينه وبين بلده دون مسافة القصر.

(1) صحيح مسلم (1690) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

ص: 189

فَإِنْ عَادَ إِلَى بَلَدِهِ .. مُنِعَ فِي الأَصَحِّ. وَلَا تُغَرَّبُ المَرْأَةُ وَحْدَهَا فِي الأَصَحِّ، بَلْ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، فَإِنِ امْتَنَعَ .. لَمْ يُجْبَرْ فِي الأَصَحِّ. وَالْعَبْدِ: خَمْسُونَ، وَيُغرَّبُ نِصْفَ سَنَةٍ، وَفِي قَوْلٍ: سَنَةً،

===

(فإن عاد إلى بلده .. منع في الأصح) معارضة له بنقيض قصده، ومقابل الأصحِّ: احتمال للغزالي لا وجه (1)، ثم هذا في غريب له وطن، فإن لم يكن بأن هاجر حربي إلى دار الإسلام ولم يتوطن بلدًا .. يتوقف الإمام حتى يتوطن بلدًا ثم يغربه، كذا نقلاه عن المتولي، وأقراه (2).

(ولا تغرب المرأة وحدها في الأصح، بل مع زوج أو محرم) لأنها إذا غربت وحدها .. لم يؤمن عليها من التهتك، والتاني: تغرب وحدها؛ لأنه سفر واجب فأشبه الهجرة؛ فإنها إذا كانت تخاف الفتنة .. كان عليها أن تسافر وحدها.

وقضية كلامه: أنه لا يكتفى بالنسوة الثقات، والأصحُّ في "الشرحين": الاكتفاء بهن عند أمن الطريق، ولم يرجح في "الروضة" شيئًا؛ لإغفال بعض نسخ "الشرح" الترجيح، قالا: وربما اكتفى بعضهم بالواحدة الثقة، وهو الأصحُّ في "الكفاية"(3).

(ولو بأجرة) لأنه مما يتم به الواجب، وهي في مالها لا في بيت المال على الأصحِّ في "أصل الروضة"(4).

(فإن امتنع) من الخروج بأجرة ( .. لم يجبر في الأصح) كما في الحج، ولأن فيه تعذيب من لم يذنب، والثاني: يجبر؛ للحاجة إليه في إقامة الواجب.

(والعبد: خمسون) لما في "الموطأ" عن عمر رضي الله عنه: (أنه عليه السلام أمر بجلد أمة خمسين)(5)، ولا فرق بين الذكر والأنثى، ولأنه ناقص بالرق، فليكن على النصف من الحر؛ كالنكاح والعدة، (ويغرب نصف سنة) لأنه حد يتبعض فأشبه الجلد، (وفي قول: سنة) لأن ما يتعلق بالطبع لا يفرق فيه بين الحر والرقيق؛ كمدة

(1) الوسيط (6/ 438).

(2)

الشرح الكبير (11/ 137)، روضة الطالبين (10/ 89).

(3)

الشرح الكبير (11/ 136)، روضة الطالبين (10/ 87)، كفاية النبيه (17/ 182).

(4)

روضة الطالبين (10/ 87 - 88)

(5)

الموطأ (2/ 827) وفيه أن الآمر هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ص: 190

وَفِي قَوْلٍ: لَا يُغَرَّبُ. وَيَثْبُتُ بِبيِّنَةٍ، أَوْ إِقْرَارٍ مَرَّةً، وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ .. سَقَطَ، وَلَوْ قَالَ: لَا تَحُدُّونِي أَوْ هَرَبَ .. فَلَا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهَا وَأَرْبَعٌ أَنَّهَا عَذْرَاءُ .. لَمْ تُحَدَّ هِيَ

===

الإيلاء والعنة، (وفي قول: لا يغرب) لأن فيه تفويتًا لحق السيد.

(ويثبت) حد الزنا (ببينة) لقوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} ، (أو إقرار مرة) لأنه عليه السلام علق الرجم بمطلق الاعتراف، حيث قال:"اُغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ .. فَارْجُمْهَا"(1)، وترديده صلى الله عليه وسلم ماعزًا .. كان لأنه ارتاب في أمره، فاستثبته؛ ليعرف أنه جنون، أو شربُ خمر، أم لا؟

ويشترط في الإقرار بالزنا: التفسير؛ كالشهادة كما صححه في "الروضة" في (كتاب السرقة)، وقال هنا: إنه الأقوى (2).

(ولو أقر ثم رجع .. سقط) لأنه صلى الله عليه وسلم قال في قصة ماعز: "لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ"(3)، فعرض له بالرجوع، فلو لم يسقط به الحد .. لما كان له معنى.

واحترز بالإقرار: عن البينة؛ فإنه لا أثر لرجوعه.

(ولو قال) المقر: (لا تحدوني أو هرب) عند إرادة إقامة الحد عليه ( .. فلا في الأصح) لأنه صرح بالإقرار، ولم يصرح بالرجوع.

نعم؛ يخلى في الحال ولا يتبع؛ فإن رجع .. فذاك، وإلا .. أقيم عليه؛ لقوله عليه السلام في قصة ماعز:"هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ الله عَلَيْهِ"(4)، فإن اتبع فرجم .. فلا ضمان؛ لأنه عليه السلام لم يوجب عليهم في قصة ماعز شيئًا.

والثاني: يسقط؛ لإشعاره بالرجوع.

(ولو شهد أربعة بزناها وأربع) نسوة (أنها عذراء) أي: لم تفتض (لم تحد هي)

(1) أخرجه البخاري (2725)، ومسلم (1698) عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما.

(2)

روضة الطالبين (10/ 97، 10/ 147).

(3)

أخرجه البخاري (6824) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

أخرجه أبو داوود (4419) وأحمد (5/ 217) عن نُعيم بن هَزَّال رضي الله عنه.

ص: 191

وَلَا قَاذِفُهَا، وَلَوْ عَيَّنَ شَاهِدٌ زَاوِيَةً لِزِنَاهُ وَالْبَاقُونَ غَيْرَهَا .. لَمْ يَثْبُتْ. وَيَسْتَوْفِيهِ الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ حُرٍّ وَمُبَعَّضٍ، وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُ الإِمَامِ وَشُهُودِهِ. وَيَحُدُّ الرَّقِيقَ سَيِّدُهُ أَوِ الإِمَامُ، فَإِنْ تَنَازَعَا .. فَالأَصَحُّ: الإِمَامُ،

===

لشبهة بقاء العذرة (ولا قاذفها) لوجود الشهادة على الزنا، واحتمال عود البكارة؛ لترك المبالغة في الافتضاض، (ولو عين شاهد زاوية لزناه، والباقون غيرها .. لم يثبت) لأنهم لم يتفقوا على زنية واحدة فأشبه ما لو قال بعضهم: زنا بالغداة، وبعضهم: زنا بالعشي.

(ويستوفيه) أي: الحد (الإمام أو نائبه من حر) للاتباع (ومبعض) لأنه لا ولاية للسيد على الحر منه، والحد متعلق بجملته، وكذا من العبد الموقوف؛ بناء على أن الملك فيه لله تعالى، ومستولدة الكافر، وعبد بيت المال، ويستوفيه من الإمام من يلي الحكم من تحت يده؛ كما لو توجهت عليه حكومة، كذا قاله القفال في "فتاويه".

(ويستحب حضور الإمام وشهوده) أي: شهود الزنا، وجماعة من المؤمنين؛ لقوله تعالى:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، ولا يجب ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رجم الغامدية وماعزًا ولم يحضرهما.

(ويحد الرقيق سيده) لحديث: "إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ .. فَلْيَجْلِدْهَا" رواه مسلم (1)، وفي "النسائي" مرفوعًا:"أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"(2)، (أو الإمام) أيهما فعله وقع الموقع لمحل ولايته، والأولى للسيد إقامته بنفسه، ولا يفوضه للإمام على الأصحِّ في "زيادة الروضة"(3).

(فإن تنازعا) أي: السيد والإمام في إقامته ( .. فالأصح: الإمام) لأجل ولايته العامة، والثاني: السيد، لغرض إصلاح ملكه، وهما احتمالان للإمام، لا وجهان للأصحاب (4).

(1) صحيح مسلم (1703)، وهو عند البخاري برقم (2152) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

سنن النسائي الكبرى (7201)، وأخرجه أبو داوود (4473) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(3)

روضة الطالبين (10/ 103).

(4)

نهاية المطلب (17/ 211 - 212).

ص: 192

وَأَنَّ السَّيِّدَ يُغَرَّبُهُ، وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَحُرٍّ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ وَالْكَافِرَ وَالْمُكَاتَبَ يَحُدُّونَ عَبِيدَهُمْ، وَأَنَّ السَّيِّدَ يُعَزِّرُ وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بِالْعُقُوبَةِ. وَالرَّجْمُ بِمَدَرٍ وَحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ،

===

(وأن السيد يغربه) كما يجلده، ولاندراجه في:"أَقِيمُوا الْحُدُود عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"، والثاني: المنع؛ لقوله عليه السلام في الحديث المار: "فَلْيَجْلِدْهَا"(1)، ولم يذكر التغريب، وضُعِّف بأن عمر غرب أمته إلى فَدَك.

(وأن المكاتب كحر) فلا يستوفيه غير الإمام؛ لخروجه عن قبضة السيد، والثاني: أنه كالقن؛ لحديث: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ"(2).

(وأن الفاسق، والكافر، والمكاتب يحدون عبيدهم) الخلاف مبني على الخلاف في أن السيد يقيم الحد على عبده بطريق الملك، أو الولاية؟ والأصحُّ: أنه بالملك، فلهذا صحح أن للمذكورين الحد؛ كما لهم الاستصلاح بالفصد والحجامة، ولعموم الحديث السالف.

(وأن السيد يعزر) كما يؤدبه لحق نفسه، والثاني: لا؛ لأنه غير مضبوط، ويفتقر إلى اجتهاد فاختص بالأئمة.

(ويسمع البينة بالعقوبة) لأنه يملك إقامة الحد، فملَك سماع البينة؛ كالإمام، والثاني: المنع؛ لأن منصب سماعها مختص بالحكام، فلا يزاحمهم فيه، بخلاف الضرب في الحد فهو تأديب.

(والرجم بمدر وحجارة معتدلة) فلا يجوز بالصخور المذففة، ولا بحصيات خفيفة؛ لئلا يطول تعذيبه، والمدر: الطين اليابس، (ولا يحفر للرجل) عند رجمه سواء ثبت زناه بالبينة أو الإقرار.

وظاهر كلامه: امتناع الحفر، واستشكله الإسنوي في "التنقيح" بما في "صحيح مسلم" من حديث بريدة: أن ماعزًا حفر له مع أن زناه ثبت بالإقرار (3).

(1) في (ص 192).

(2)

أخرجه أبو داوود (3926)، والترمذي (1260) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

(3)

صحيح مسلم (1695).

ص: 193

وَالأَصَحُّ: اسْتِحْبَابُهُ لِلْمَرْأَةِ إِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، وَلَا يُؤَخَّرُ لِمَرَضٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ، وَقِيلَ: يُؤَخَّرُ إِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ. وَيُؤَخَّرُ الْجَلْدُ للِمَرَضِ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ .. جُلِدَ لَا بِسَوْطٍ، بَلْ بِعَثْكَالٍ عَلَيْهِ مِئَةُ غُصْنٍ،

===

وأجيب: بأنه معارض بما في "مسلم" عن أبي سعيد الخدري: أنه لم يحفر له (1)، ولهذا مال المصنف في "شرح مسلم" إلى التخيير مطلقًا (2)، واختاره البُلْقيني، وجمع بين الروايتين المذكورتين بأنه حُفر لماعز حفيرة صغيرة، فلما رجم .. هرب منها.

(والأصح: استحبابه للمرأة إن ثبت ببينة) لئلا تنكشف، والظاهر من الشهود عدم الرجوع، فيكون الرجم في الحفرة أسهل، وإن ثبت بالإقرار .. فلا؛ لأنه ربما عنّ لها الرجوع والهرب فلا تتمكن منه إذا كانت في حفرة، والثاني: يحفر لها مطلقًا، واختاره جمع، وصححه البُلْقيني؛ لما في "مسلم": أنه عليه السلام حفر للغامدية وكانت مقرة (3)، والثالث: الأمر فيه إلى خيرة الإمام، ولا استحباب؛ لأنه عليه السلام حفر للغامدية، ولم يحفر للجهنية (4)، وزناهما ثبت بالإقرار.

(ولا يؤخر) الرجم (لمرض وحر وبرد مفرطين) لأن نفسه مستوفاة، (وقيل: يؤخر إن ثبت بإقرار) لأنه ربما رجع في أثناء الرمي فيُعين ذلك على قتله، وهذا قول منصوص عليه في "الأم"، وصححه القاضي الحسين، وصاحب "التنبيه"، وغيرهما (5).

(ويؤخر الجلد للمرض) المرجو برؤه؛ لأن القصد الردع لا القتل، والحد حينئذ معين على القتل، (فإن لم يرج برؤه .. جلد) ولا يؤخر؛ إذ لا غاية تنتظر (لا بسوط) لئلا يهلك (بل بعثكال) وهو العرجون (عليه مئة غصن) أي: شِمْراخ، ويضرب به مرة واحدة إذا كان حرًّا؛ للنص فيه في "سنن أبي داوود"(6).

(1) صحيح مسلم (1694).

(2)

شرح صحيح مسلم (11/ 198).

(3)

صحيح مسلم (1695) عن بريدة رضي الله عنه.

(4)

أخرجه مسلم (1696) عن عمران بن حصين رضي الله عنه.

(5)

الأم (7/ 344)، التنبيه (ص 148).

(6)

سنن أبي داوود (4472).

ص: 194

فَإِنْ كَانَ خَمْسُونَ ضُرِبَ بِهِ مَرَّتينِ، وَتَمَسُّهُ الأَغْصَانُ أَوْ يَنْكَبِسُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِيَنَالَهُ بَعْضُ الأَلَمِ، فَإِنْ بَرِئَ .. أَجْزَأَهُ. وَلَا جَلْدَ فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ، وَإِذَا جَلَدَ الإِمَامُ فِي مَرَضٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ .. فَلَا ضَمَانَ عَلَى النَّصِّ فَيَقْتَضِي أَنَّ التّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ.

===

(فإن كان خمسون .. ضرب به مرتين) إن كان حرًّا، ليكون المجموع مئة، فإن كان عبدًا .. ضرب به مرة، ولا يتعين العثكال، بل يضرب به، أو بالنعال، أو بأطراف الثياب؛ كما قاله في "أصل الروضة"(1).

(وتمسه الأغصان) جميعها (أو ينكبس بعضها على بعض ليناله بعض الألم) لئلا تبطل حكمة الحد؛ فإن لم تمسه، ولم ينكبس بعضها على بعض، أو شك فيه .. لم يسقط الحد.

(فإن برئ) بعد أن ضُرب بما ذكرنا ( .. أجزأه) ولا يعاد بخلاف المغصوب إذا حج عنه، ثم اتفق برؤه؛ لأن الحدود مبنية على الدرء، أما إذا برئ قبل ذلك .. حد حد الأصحاء قطعًا.

(ولا جلد في حر وبرد مفرطين) خشية الهلاك، بل يؤخر إلى اعتدال الوقت، وكذا القطع في السرقة، بخلاف القصاص وحد القذف.

(وإذا جلد الإمام في مرض أو حر أو برد .. فلا ضمان على النص) في "الأم"(2)؛ لأن التلف حصل من واجب أقيم عليه، لكن نص في "المختصر": على أن ختنه في حر أو برد يضمن بالدية (3)، فقيل: قولان فيهما، والمذهب: تقرير النصين، والفرق: أن الجلد ثبت بالنص، والختان بالاجتهاد، فأشبه التعزير، (فيمتضي) هذا النص (أن التأخير مستحب) وهو ما قاله الإمام، لكن صحح في "زيادة الروضة" وجوب التأخير سواء قلنا بالضمان، أم لا (4).

* * *

(1) روضة الطالبين (10/ 100).

(2)

الأم (7/ 215).

(3)

مختصر المزني (ص 267).

(4)

نهاية المطلب (17/ 194 - 195)، روضة الطالبين (10/ 102).

ص: 195