المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الصيال وضمان الولاة - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجراح

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع مباشرتين]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القود]

- ‌فَصْلٌ [في تغير حال المجروح بحرية أو عصمة أو إهدار أو بمقدار للمضمون به]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني]

- ‌بابُ كيفيَّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فَصْلٌ [في اختلاف مستحق الدم والجاني]

- ‌فَصْلٌ [في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما]

- ‌فَصْلٌ [في موجب العمد وفي العفو]

- ‌كتابُ الدِّيات

- ‌فَصْلٌ [في موجب ما دون النفس من جرح أو نحوه]

- ‌فَرْعٌ [في موجب إزالة المنافع]

- ‌فَرْعٌ [في اجتماع جنايات على شخص]

- ‌فَصْلٌ [في الجناية التي لا تقدير لأرشها والجناية على الرقيق]

- ‌‌‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌فَصْلٌ [في الاصطدام ونحوه مما يوجب الاشتراك في الضمان وما يذكر مع ذلك]

- ‌فَصْلٌ [في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله]

- ‌فَصْلٌ [في جناية الرقيق]

- ‌فَصْلٌ [في الغرة]

- ‌فَصْلٌ [في كفارة القتل]

- ‌كتابُ دعوى الدَّم والقسامة

- ‌فَصْلٌ [فيما يثبت به موجب القود وموجب المال بسبب الجناية من إقرار وشهادة]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌فَصْلٌ [في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة]

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حد القذف

- ‌كتابُ قطع السرقة

- ‌فصلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌ باب

- ‌فصلٌ [في شروط السارق الذي يقطع]

- ‌بابُ قاطع الطريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع عقوبات على شخص واحد]

- ‌كتابُ الأشربة

- ‌فَصْلٌ [في التعزير]

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [في حكم إتلاف البهائم]

- ‌كتابُ السِّيَر

- ‌فَصْلٌ [في مكروهات ومحرمات ومندوبات في الجهاد وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الأسر وأموال أهل الحرب]

- ‌فَصْلٌ [في أمان الكفار]

- ‌كتابُ الِجزْيَة

- ‌فَصْلٌ [في مقدار الجزية]

- ‌باب

- ‌فَصْلٌ [في أحكام عقد الجزية]

- ‌بابُ الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيد والذَّبائح

- ‌فَصْلٌ [في آلة الذبح والصيد]

- ‌فَصْلٌ [فيما يملك به الصيد وما يذكر معه]

- ‌كتاب الأضحية

- ‌فَصْلٌ [في العقيقة]

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌كتابُ الأيمان

- ‌فصلٌ [في صفة الكفارة]

- ‌فصلٌ [في الحلف على السكنى والمساكنة وغيرهما]

- ‌فصلٌ [في الحلف على أكل وشرب مع بيان ما يتناوله]

- ‌فصلٌ [في مسائل منثورة ليقاس بها غيرها]

- ‌فصلٌ [في الحلف على ألا يفعل كذا]

- ‌كتاب النَّذر

- ‌فصلٌ [في نذر النسك والصدقة والصلاة وغيرها]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌(باب

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يعتبر فيه شهادة الرجال]

- ‌فصلٌ [في تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌فصلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فصلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فصلٌ [فيما يتعلق بجواب المدعى عليه]

- ‌فصلٌ [في كيفية الحلف والتغليظ فيه]

- ‌فصلٌ [في تعارض البينتين]

- ‌فصلٌ [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌فصلٌ [في شروط القائف]

- ‌كتابُ العتِق

- ‌فصلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصلٌ [في الإعتاق في مرض الموت وبيان القرعة في العتق]

- ‌فصلٌ [في الولاء]

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌فصلٌ [في حكم حمل المدبرة]

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان لزوم الكتابة وجوازها]

- ‌فَصْلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌أهمّ مصادر ومراجع التّحقيق

الفصل: ‌كتاب الصيال وضمان الولاة

‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

لَهُ دَفْعُ كُلِّ صائِلٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ مَالٍ، فَإِنْ قَتَلَهُ. . فَلَا ضَمَانَ، وَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالٍ،

===

(كتاب الصيال وضمان الولاة) والختان وإتلاف البهائم

والأصل في الباب: ما سيأتي، وافتتحه في "المحرر" بقوله صلى الله عليه وسلم:"انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا" الحديث، وهو في "صحيح البخاري"(1)، واستأنسوا له أيضًا بقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} ، الآية.

(له دفع كل صائل على نفس أو طرف أو بضع أو مال) وإن قل؛ لحديث: "مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ. . فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ. . فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ. . فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ. . فَهُوَ شَهِيدٌ"، رواه أبو داوود والترمذي، وصححه (2).

وجه الدلالة: أنه لما جعله شهيدًا. . دل على أن له القتلَ والقتالَ؛ كما أن من قتله أهلُ الحرب لما كان شهيدًا. . كان له القتل والقتال.

وفي معنى البضع: من قصد الاستمتاع بأهله فيما دون الفرج.

وسواء في المال كان له أو لغيره، حتى لو رأى من يحرق مال نفسه أو يفرقه عبثًا. . فله دفعه عنه.

(فإن قتله) في الدفع (. . فلا ضمان) لأنه مأمور بدفعه، وفي الأمر بالقتال والضمان منافاة.

واستثنى الدبيلي في "أدب القضاء": المضطر، فإذا قتله صاحب الطعام دفعًا. . وجب عليه القود؛ لأن المضطر أبيح له تناول ذلك، فكأنه قتله بغير حق.

(ولا يجب الدفع عن مال) لأنه يجوز إباحته للغير، وهذا في غير ذي الروح، أما

(1) المحرر (ص 443)، صحيح البخاري (2443) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

سنن أبي داوود (4772)، سنن الترمذي (1421) عن سعيد بن زيد رضي الله عنه.

ص: 247

وَيَجِبُ عَنْ بُضعٍ، وَكَذَا نَفْسٌ قَصَدَهَا كَافِرٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، لَا مُسْلِمٌ فِي الأَظْهَرِ. وَالدَّفْعُ عَنْ غَيْرِهِ كَهُوَ عَنْ نفْسِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ قَطْعًا

===

الحيوان. . فيجب الدفع عنه إذا قصد إتلافه ما لم يخش على نفسه؛ لحرمة الروح.

(ويجب عن بضع) لأنه لا مجال للإباحة فيه، وسواء بضع أهله وغيرهم، وشرطه: ألا يخاف على نفسه، (وكذا نفس قصدها كافر) لأن الاستسلام لهم ذل في الدين، (أو بهيمة) لأنها مذبوحة؛ لاستبقاء المهجة، فكيف يؤثرها ويستسلم لها؟ !

(لا مسلم في الأظهر) لحديث: "كُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ"، صححه ابن حبان (1)، والثاني: يجب؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، وكما يجب على المضطر إحياءُ نفسه بالأكل.

وأجاب الأول: بأن في القتل شهادة، بخلاف ترك الأكل، وحكى القاضي الحسين تصحيح الأول عن الأصحاب، وجريا عليه (2)، لكن قال القاضي أبو الطيب: إن الذي قال به سائر الأصحاب الثاني، وإنه المشهور، وقال القاضي: إن أمكنه دفعه بغير قتله. . وجب، وإلا. . فلا.

ومحل الخلاف: في المحقون الدم؛ كما قيده القاضي الحسين والإمام (3)؛ ليخرج المهدر؛ كالزاني المحصن وقاطع الطريق؛ فإن حكمهما حكم الكافر؛ كما صرح به صاحب "الترغيب".

(والدفع عن غيره كهو عن نفسه)، فحيث تجب هناك تجب هنا، وإلا. . فلا؛ إذ لا يزيد حق غيره على حق نفسه.

نعم؛ لو صال حربي على حربي. . لم يجب الدفع على المسلم وإن وجب دفعه عن نفسه.

(وقيل: يجب قطعًا) لأن له الإيثار بحق نفسه دون حق غيره، وقيل: لا يجب

(1) صحيح ابن حبان (5962)، وأخرجه أبو داوود (4259) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، والترمذي (2194) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

(2)

الشرح الكبير (11/ 314)، روضة الطالبين (10/ 188).

(3)

نهاية المطلب (17/ 367).

ص: 248

وَلَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ وَلَمْ تندَفِعْ عَنْهُ إِلَّا بِكَسْرِهَا. . ضَمِنَهَا فِي الأَصَحِّ. وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ بالأَخَفِّ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِكَلَامٍ أَوِ اسْتِغَاثَةٍ. . حَرُمَ الضَّرْبُ، أَوْ بِضَرْبِ يَدٍ. . حَرُمَ سَوْطٌ، أَوْ بِسَوْطٍ. . حَرُمَ عَصًا، أوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ. . حَرُمَ قَتْلٌ،

===

قطعًا، ونسبه الإمام إلى معظم الأصوليين؛ لأن شهر السلاح يحرك الفتن، وليس ذلك من شأن آحاد الناس، وإنما هو من وظيفة الإمام (1).

ومحل القول بالوجوب: ما إذا لم يخف على نفسه؛ كما جزم به الرافعي هنا، لكن كلامه في "السير" يقتضي جريانه عند الخوف أيضًا (2).

ويستثنى من محل الخلاف: ما إذا كان المقصود نبيًّا. . فإنه يجب الدفع عنه قطعًا؛ كما قاله الفوراني في (كتاب النكاح) من "العمد".

(ولو سقطت جرة ولم تندفع عنه إلا بكسرها. . ضمثها في الأصح) لأنه لا قصد لها ولا اختيار حتى يحال عليها، فصار كالمضطر إلى طعام الغير؛ يأكله ويضمن؛ لأنه لمصلحة نفسه، والثاني: لا؛ تنزيلًا لها منزلة البهيمة.

وفرق الأول: بأن البهيمة لها نوع اختيار.

وصحح البُلْقيني الثاني، وقال: إن الأول لم يسبق الرافعيَّ إلى تصحيحه أحدٌ، وبسط ذلك.

(ويدفع الصائل بالأخف، فإن أمكن بكلام أو استغاثة. . حرم الضرب، أو بضرب يدٍ. . حرم سوط، أو بسوط. . حرم عصًا، أو بقطع عضو. . حرم قتل) لأنه جوز للضرورة، ولا ضرورة في الأغلظ مع إمكان الأسهل، والمعتبر في ذلك: غلبة الظن.

وفائدة هذا الترتيب: أنه متى خالف وعدل إلى رتبة مع إمكان الاكتفاء بما دونها. . ضمن.

ويستثنى من مراعاة الترتيب صور: إحداها: الفاحشة، فلو رآه أولج في أهله. .

(1) نهاية المطلب (17/ 370).

(2)

الشرح الكبير (11/ 316).

ص: 249

فَإِنْ أَمْكَنَ هَرَبٌ. . فَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُهُ وَتَحْرِيمُ قِتَالٍ. وَلَوْ عُضَّتْ يَدُهُ. . خَلَّصَهَا بِالأَسْهَلِ مِنْ فَكِّ لَحْيَيْهِ

===

قال الماوردي: فليعجل الدفع بالأعلى، فيجوز أن يبدأ بالقتل (1)، وفي هذا القتل وجهان: أحدهما: قتل دفع، فيختص بالرجل دون المرأة، ويستوي فيه البكر والثيب، والثاني: قتل حد، وله أن ينفرد به دون السلطان.

فعلى هذا: له قتلها إن كانت ثيبًا مطاوعة، وتجلد البكر المطاوعة، وأما الرجل. . ففيه وجهان: أحدهما: يفرق فيه بين البكر والثيب، وأظهرهما: أنه لا فرق.

الثانية: لو كان الصائل يندفع بالضرب والعصا، والمصول عليه لا يجد إلا السيف. . فالصحيح: أن له الضربَ؛ لأنه لا يمكنه الدفع إلا به، وليس بمقصر في ترك استصحاب السوط.

الثالثة: ما سيأتي في الناظر للحُرَم؛ أنه يرمى بالحصا قبل الإنذار.

وإذا قصد إنسان قطع طرفه وكان لا يمتنع عنه إلا بقتال ربما يؤدي إلى قتل. . هل يقاتل عليه؟ قال في "الإحياء" قيل: فإن قلتم: نعم. . فهو محال؛ لأنه هلاك نفس خوفًا من إهلاك طرف، [و] في إهلاكها إهلاكه أيضًا، قلنا: يمنعه ويقاتله؛ إذ ليس الغرض حفظ طرفه، بل حفظ سبيل المنكرات (2).

(فإن أمكن هرب. . فالمذهب: وجوبه وتحريم قتال)، اختلف نص الشافعي رضي الله عنه في هذه المسألة، وللأصحاب طريقان: أصحهما: على قولين: أظهرهما: أنه يجب الهرب؛ لأن الإنسان مأمور بتخليص نفسه بالأهون فالأهون، والهرب أهون، والثاني: لا يجب؛ لأن إقامته في ذلك الموضع جائزة، فلا يكلف الانصراف، والطريق الثاني: حمل نص الهرب على من تيقن النجاة بالهرب، والآخر على من لا يتيقن.

(ولو عضت يده. . خلصها بالأسهل من فك لحييه) أي: رفع أحدهما عن الآخر

(1) الحاوي الكبير (17/ 372).

(2)

إحياء علوم الدين (2/ 323).

ص: 250

وَضَرْبِ شِدْقَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ فَسَلَّهَا فَنَدَرَتْ أَسْنَانُهُ. . فَهَدَر. وَمَنْ نَظَرَ إِلَى حُرَمِهِ فِي دَارِهِ مِنْ كَوَّةٍ أَوْ ثَقْبٍ عَمْدًا فَرَمَاهُ بِخَفِيفٍ؛ كَحَصَاةٍ فَأَعْمَاهُ، أَوْ أَصَابَ قُرْبَ عَيْنِهِ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ. . فَهَدَرٌ،

===

بلا جرح، (وضرب شدقيه، فإن عجز فسلها فندرت أسنانه) أي: سقطت (. . فهدر) لما في "الصحيحين": أن رجلًا عض يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثناياه، فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ! لَا دِيَةَ لَكَ"(1).

ولأن النفس لا تضمن بالدفع، فالأطراف أولى، سواء كان العاض ظالمًا أو مظلومًا، لأن العض لا يجوز بحال.

واقتضى كلامه شيئين: الأول: التخيير بين الفك والضرب، وليس كذلك؛ فالفك مقدم على الضرب، كما في "أصل الروضة"؛ لأنه أسهل (2)، الثاني: الحصر فيما ذكره، وليس كذلك أيضًا؛ فالصحيح في "أصل الروضة": أنه إذا لم يمكنه التخلص إلا ببعج بطنه أو فقء عينيه. . جاز (3).

(ومن نظر إلى حرمه في داره من كوّة أو ثقب عمدًا فرماه بخفيف، كحصاة، فأعماه، أو أصاب قرب عينه فجرحه فمات. . فهدر) للحديث الصحيح فيه (4).

وشمل كلامه: ما لو كان الناظر امرأة أو مراهقًا، وهو كذلك، واستشكل في المراهق؛ لأنه غير مكلف، ولا يستوفى منه الحدود، وأجيب: بأن الرمي ليس للتكليف، بل لدفع مفسدة النظر، فلا فرق بين المكلف وغيره ممن تحصل به المفسدة، وشمل أيضًا: غير المراهق، مع أنه لا يجوز رميه ولو كان مميزًا.

وخرج بقوله: (نظر): الأعمى؛ فلا يرميه، لفوات الاطلاع على العورات، ومن استرق السمع؛ فإنه لا يجوز رمي أذنه؛ إذ ليس السمع كالبصر في الاطلاع على العورات.

(1) صحيح البخاري (6892)، صحيح مسلم (1673) عن عمران بن حصين رضي الله عنه.

(2)

روضة الطالبين (10/ 188).

(3)

روضة الطالبين (10/ 188).

(4)

أخرجه البخاري (6888) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 251

بِشَرْطِ عَدَمِ مَحْرَمٍ وَزَوْجَةٍ لِلنَّاظِرِ،

===

والمراد بالحرم: الإناث؛ من زوجات، وإماء، ومحارم.

ويرد على مفهومه: ما لو كان فيها رجل مكشوف العورة ولم يكن هناك حرم. . فإنه يرميه، فإن لم يكن مكشوف العورة. . لم يرمه على الأصحِّ.

والمراد بـ (داره): المختصة به ولو بإعارة أو إجارة أو وقف عليه، بخلاف الجالس بأهله في المسجد وإن أغلق بابه.

وقضية كلام المصنف: أن المستعير يرمي المعير إذا نظر، وفي المسألة وجهان في "أصل الروضة" بلا ترجيح (1)، ورجح الأَذْرَعي وغيره: أنه يرميه.

واحترز بالكَوّة والثقب: عما لو نظر من الباب المفتوح. . فلا يرميه؛ لتفريط صاحب الدار بفتحه، ولا بدّ من تقييد الكَوّة بالصغيرة، أما الكبيرة. . فكالباب المفتوح.

نعم؛ حكم النظر من سطح نفسه والمؤذن من المنارة. . كالكَوّة على الأصحِّ؛ إذ لا تفريط من صاحب الدار.

وقوله: (عمدًا): خرج به ما إذا كان مخطئًا أو وقع بصره اتفاقًا. . فإنه لا يرميه إذا علم بذلك صاحب الدار.

وقوله: (بخفيف) خرج به الثقيل؛ كالحجر، والنُّشاب، ويضمن حينئذ بالقصاص أو الدية.

(بشرط عدم محرم وزوجة للناظر)، فإن كان. . لم يجز رميه، لأن له في النظر شبهةً.

وكان ينبغي أن يقول: (محرم أو زوجة)؛ فإن أحدهما كافٍ.

وأورد على طرده: ما لو كان له هناك متاع. . فإنه لا يجوز رميه؛ كما جزما به (2)، وفيه نظر، وعلى عكسه: ما لو كان له محرم، لكن متجردة. . فإنه يجوز رميه؛ إذ ليس له النظر إلى ما بين السرة والركبة.

(1) روضة الطالبين (10/ 194).

(2)

الشرح الكبير (11/ 324)، روضة الطالبين (10/ 192 - 193).

ص: 252

قِيلَ: وَاسْتِتَارِ الْحُرَمِ، قِيلَ: وَإِنْذَارٍ قَبْلَ رَمْيِهِ. وَلَوْ عَزَّرَ وَلِيٌّ وَوَالٍ وَزَوْجٌ وَمُعَلِّمٌ. . فَمَضْمُونٌ، وَلَوْ حَدَّ مُقَدَّرًا. . فَلَا ضَمَانَ. وَلَوْ ضُرِبَ شَارِبٌ بِنِعَالٍ وَثِيَابٍ. . فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّحِيحِ،

===

(قيل: و) بشرط عدم (استتار الحرم)، فإن كن متسترات بالثياب أو في منعطف لا يراهن الناظر. . لم يجز رميه؛ لعدم اطلاعه، والأصحُّ: جواز الرمي مطلقًا؛ حسمًا للباب، وقد يريد ستر حُرَمه عن الناس وإن كن مستترات.

(قيل: و) يشترط في جواز رميه (إنذار قبل رميه) بأن يقول له: (انصرف؛ فإن ههنا عورةً)، فإن لم ينصرف. . جاز رميه حينئذ؛ طردًا لقاعدة الباب في البداءة بالأخف فالأخف، والأصحُّ: أنه لا يشترط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ. . فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَؤُوا عَيْنَهُ" متفق عليه (1)، ولم يذكر الإنذار.

(ولو عزر ولي ووال وزوج ومعلم. . فمضمون) إذا سرى التعزير إلى التلف؛ لأنه تبين بالهلاك أنه جاوز الحد المشروع.

نعم؛ لو كان مملوكًا فضربه بإذن السيد. . فلا ضمان؛ لأنه لو أذن له في قتله فقتله. . لم يضمنه، قاله البغوي، وأقراه، وحكاه الإمام في (كتاب الرهن) عن العراقيين (2).

واستثنى البُلْقيني من الضمان: ما إذا اعترف بما يقتضي التعزير وطلب بنفسه من الوالي تعزيره فعزره. . فإنه لا يضمنه؛ لإذنه، وينبغي أن يقيد بما إذا عين له نوع التعزير وقدره.

(ولو حد مقدرًا. . فلا ضمان) لأن الحق قتله، وسواء جلده في حَرٍّ أو برد، أو في غيرهما؛ كما تقدم في آخر حد الزنا.

ولا معنى لوصف الحد بالتقدير؛ فإن الحد لا يكون إلا مقدرًا.

(ولو ضرب شارب بنعال وثياب) ومات (. . فلا ضمان على الصحيح) المنصوص (3).

(1) صحيح البخاري (6888)، صحيح مسلم (2158) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

الشرح الكبير (11/ 296)، روضة الطالبين (10/ 177)، نهاية المطلب (6/ 120 - 121).

(3)

الأم (7/ 213 - 214).

ص: 253

وَكَذَا أَرْبَعُونَ سَوْطًا عَلَى الْمَشْهُورِ، أَوْ أَكْثَرُ. . وَجَبَ قِسْطُهُ بِالْعَدَدِ، وَفِي قَوْلٍ: نِصْفُ دِيَةٍ، وَيَجْرِيَانِ فِي قَاذِفٍ جُلِدَ أَحَدًا وَثَمَانِينَ. وَلِمُسْتَقِلٍّ قَطْعُ سِلْعَةٍ إِلَّا مَخُوفَةً لَا خَطَرَ فِي تَرْكِهَا، أَوِ الْخَطَرُ فِي قَطْعِهَا

===

الخلاف مبني على أنه هل يجوز جلده هكذا؟ إن قلنا: نعم -وهو الأصحُّ-. . لم يضمن، وإلا. . ضمن؛ لأنه عدل إلى غير الجنس الواجب، كذا قاله الرافعي (1)، قال الأَذْرَعي: وكأن المراد: إذا قلنا: لا يكتفى بذلك ويتعين السوط، قال البُلْقيني: ولا يجوز إثبات وجه الضمان عندي؛ لأنه مخالف للسنة الصحيحة، وادعاء نسخه بالجلد باطل، ولو صح. . لكان عدولًا إلى الأخف، وذلك لا يقتضي الضمان.

(وكذا أربعون سوطًا على المشهور) لأنه جلد يسقط به الحد، فلا يتعلق به ضمان؛ كالحد في الزنا والقذف، والثاني: أنه يضمن؛ لأن تقديره كان بالاجتهاد؛ كذا علله الرافعي (2)، واعترض: بأن في "صحيح مسلم" عن علي رضي الله عنه قال: (جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين)(3)، فهو ثابت بالنص.

(أو أكثر) من أربعين في صورتي النعال والسياط فمات (. . وجب قسطه بالعدد) نظرًا للزائد فقط، فإذا ضربه أحدًا وأربعين. . لزمه جزء واحد من أحد وأربعين جزءًا من الدية، ويسقط الباقي، (وفي قول: نصف دية) لأنه مات من مضمون وغير مضمون، وفي قول: تجب جميع الدية.

(ويجريان في قاذف جلد أحدًا وثمانين) فمات، ففي قول: تجب نصف دية، والأظهر: جزء من أحد وثمانين جزءًا.

(ولمستقل) بأمر نفسه، [وهو الحر المكلف وإن كان سفيهًا](4)(قطع سلعة) من نفسه ولغيره بإذنه؛ لأن فيه مصلحةَ إزالة الشين، والسِّلْعة -بكسر السين-: خُرَاج كالغدد يخرج بين الجلد واللحم، (إلا مخوفة لا خطر في تركها، أو الخطر في قطعها

(1) الشرح الكبير (11/ 297).

(2)

الشرح الكبير (11/ 297).

(3)

صحيح مسلم (1707).

(4)

ما بين المعقوفين في (أ) بعد قوله: (ولغيره بإذنه).

ص: 254

أَكْثَرُ، وَلِأبٍ وَجَدٍّ قَطْعُهَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَعَ الْخَطَرِ إِنْ زَادَ خَطَرُ التَّرْكِ، لَا لِسُلْطَانٍ، وَلَهُ وَلِسُلْطَانٍ قَطْعُهَا بِلَا خَطَرٍ، وَفَصْدٌ وَحِجَامَةٌ، فَلَوْ مَاتَ بِجَائِزٍ مِنْ هَذَا. . فَلَا ضَمَانَ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ فَعَلَ سُلْطَانٌ بِصَبِيٍّ مَا مُنِعَ. . فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ،

===

أكثر) أي: يمتنع القطع في هاتين الصورتين؛ لأنه يؤدي إلى إهلاك النفس.

وأفهم: الجواز فيما إذا لم يكن خطر أصلًا، أو كان الخطر في إبقائها أكثر من القطع، أو استوى الأمران، وفي الأخيرة وجه؛ إذ لا فائدة، ورُدّ: بفائدة إزالة الشين، والرجوعُ في ذلك لأهل الخبرة.

وتآكل بعض الأعضاء حكمُه حكمُ السِّلْعة.

(ولأب وجد قطعها) أي: السلعة (من صبي ومجنون مع الخطر إن زاد خطر الترك) لأنهما يليان ماله، ويصونانه من الضياع، فصيانة بدنه بالمعالجة أولى.

وأفهم: المنع عند استواء خطر القطع والترك، وهو ما صححه الإمام، وأقراه (1)، ويحتاج إلى الفرق بينه وبين المستقل؛ حيث جاز في هذه الحالة على الأصحِّ.

(لا لسلطان) لأن القطع يحتاج إلى نظر دقيق وفراغ تام وشفقة كاملة، ولهذا لم يجبر البكر كما يجبرها الأب والجد والوصي.

والقيّمُ في هذا كالسلطان، فلو قال:(لا لغيرهما). . لكان أحسن.

(وله) أي: للأب والجد، ولا وجه لإفراده الضميرَ، وأعاده في "العجالة" على الولي، ولم يتقدم له ذكر (2)، (ولسلطان قطعها) أي: السلعة (بلا خطر) لعدم الضرر، (وفصد وحجامة) عند إشارة الأطباء بذلك؛ لصيانة بدنه.

(فلو مات بجائز من هذا) أي: من قطع سلعة وفصد وحجامة (. . فلا ضمان في الأصح) لأن الضمان يمنعه من المعالجة، فيتضرر الصغير، والثاني: يضمن؛ كما في التعزير إذا أفضى إلى التلف.

(ولو فعل سلطان بصبي ما منع. . فدية مغلظة في ماله) لتعدّيه، ولا معنى للتقييد

(1) نهاية المطلب (17/ 353)، الشرح الكبير (11/ 301)، روضة الطالبين (10/ 179 - 180).

(2)

عجالة المحتاج (4/ 1670).

ص: 255

وَمَا وَجَبَ بِخَطَأِ إِمَامٍ فِي حَدٍّ أَوْ حُكْمٍ. . فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ: فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَلَوْ حَدَّ بِشَاهِدَيْنِ فبَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مُرَاهِقَيْنِ؛ فَإِنْ قَصَّرَ فِي اخْتِبَارِهِمَا. . فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا. . فَالْقَوْلَانِ،

===

بالسلطان؛ فإن الأب والجد كذلك؛ كما صرحا به في "الروضة" و"أصلها"(1).

(وما وجب بخطأ إمام في حد أو حكم. . فعلى عاقلته) كغيره، (وفي قول: في بيت المال) لأن خطأه يكثر؛ لكثرة الوقائع، فإيجابه على العاقلة إجحاف بهم، فكان بيت المال أحق به؛ فإنه لزمه بالحكم بين المسلمين.

ومحل الخلاف: فيما إذا لم يظهر منه تقصير، فإن ظهر؛ كما لو أقام الحد على الحامل وهو عالم به فألقت جنينًا. . فالغرة على العاقلة قطعًا.

واحترز بقوله: (في حد أو حكم): عن خطئه فيما لا يتعلق بذلك؛ فإنه فيه كآحاد الناس بالإجماع.

ويرد على المصنف: الكفارة؛ فإنها في ماله على الأول قطعًا، وعلى الثاني وجهان في "الروضة" بلا ترجيح (2).

(ولو حد بشاهدين) ومات منه، (فبانا عبدين أو ذميين أو مراهقين؛ فإن قصر في اختبارهما) بأن تركه جملة (. . فالضمان عليه) لا في بيت المال، ولا على عاقلته إن تعمد، فإن لم يتعمد. . تعلق بالعاقلة لا ببيت المال.

وقضيته: أن المراد بالضمان الدية لا القود، وبه أجاب صاحب "الحاوي الصغير"، لكن قال الإمام بعد جزمه بالضمان: وإنما يتردد الفقيه في وجوب القصاص، والأظهر: الوجوب (3)؛ يعني: حيث يكون الجلد يجب بمثله القود، وسكتا عليه.

(وإلا) أي: وإن لم يقصر في اختبارهما، بل بحث وبذل وسعه (. . فالقولان) في أن الضمان على عاقلته، أو في بيت المال، وقد تقدم توجيههما.

(1) روضة الطالبين (10/ 180)، الشرح الكبير (11/ 302).

(2)

روضة الطالبين (10/ 183).

(3)

الحاوي الصغير (ص 597 - 598)، نهاية المطلب (17/ 340).

ص: 256

فَإِنْ ضَمَّنَا عَاقِلَةً أَوْ بَيْتَ مَالٍ. . فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْعَبْدَيْنِ وَالذِّمِّيَّيْنِ فِي الأَصَحِّ، وَمَنْ حَجَمَ أَوْ فَصَدَ بِإِذْنٍ. . لَمْ يَضْمَنْ، وَقَتْلُ جَلَّادٍ وَضَرْبُهُ بِأَمْرِ الإِمَامِ كَمُبَاشَرَةِ الإِمَامِ إِنْ جَهِلَ ظُلْمَهُ وَخَطَأَهُ، وَإِلَّا. . فَالْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ عَلَى الْجَلَّادِ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِكرَاهٌ. وَيَجِبُ خِتَانُ الْمَرْأَةِ بِجُزْءٍ مِنَ اللَّحْمِ بِأَعْلَى الْفَرْجِ، وَالرَّجُلِ بِقَطْعِ مَا يُغَطِّي حَشَفته بَعْدَ الْبُلُوغِ،

===

(فإن ضمنا عاقلة أو بيت مال. . فلا رجوع على العبدين والذميين في الأصح) لأنهما يزعمان أنهما صادقان، ولم يوجد منهما تعدٍّ فيما أتيا به، والثاني: نعم؛ لأنهما غرّا القاضي، وعلى هذا: يتعلق الغرم بذمة العبدين، وقيل: برقبتهما، والثالث: يثبت الرجوع للعاقلة دون بيت المال.

(ومن حجم أو فصد بإذن) معتبرة (. . لم يضمن) ما تولد منه؛ لأنا لو ضمناهما. . لأحجما عنهما.

(وقتل جلاد وضربه بأمر الإمام كمباشرة الإمام إن جهل ظلمه وخطأه)، فيتعلق الضمان به لا بالجلاد؛ لأنه آلته، ولو ضمناه. . لم يتول الجلدَ أحدٌ، قال الإمام: وهذا من النوادر؛ فإنه قاتل باشر مختارًا، ولا يتعلق به في القتل بغير حق حكم (1)، (وإلا) أي: وإن علم ظلم الإمام وخطأه (. . فالقصاص والضمان على الجلاد إن لم يكن إكراه) من جهة الإمام؛ لتعدّيه، فإن أكرهه. . فالضمان عليهما.

(ويجب ختان المرأة بجزء من اللحم بأعلى الفرج، والرجل بقطع ما يغطي حشفته بعد البلوغ).

أما وجوبه. . فلقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} ، وكان من ملته الختان، قال الخطابي: وكان واجبًا، وفي "الصحيحين":"الْفِطْرَةُ خَمْسٌ"(2)، وعد منها الختان، ولأنه قطع جزء من البدن لا يستخلف؛ تعبدًا، فكان واجبًا؛ كالقطع في السرقة.

واحترز بالقيد الأول: عن الظفر والشعر، وبالثاني: عن القطع للأكلة.

(1) نهاية المطلب (17/ 344).

(2)

صحيح البخاري (6297)، صحيح مسلم (257) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 257

وَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهُ فِي سَابِعِهِ،

===

وأول من اختتن من الرجال إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ومن النساء هاجر رضي الله عنها (1).

وقيل: الختان سنة، وقيل: واجب للرجال، وسنة للنساء.

وأما كيفيته: فكما ذكره المصنف، وهو في المرأة قطع اللحمة التي فوق أعلى الفرج وفوق ثقبة البول، وتشبه عرف الديك، فإذا قطعت. . بقي أصلها؛ كالنواة، ويكفي قطع ما يقع عليه الاسم، قال في "التحقيق": وتقليله أفضل (2).

وخرج بالرجل والمرأة: الخنثى المشكل، فلا يجب ختانه، بل لا يجوز على الأصحِّ في "زيادة الروضة"؛ لأن الجرح مع الإشكال ممتنع (3).

والوجوب منوط بالبلوغ؛ لأنه وقت التكليف.

ويستثنى: ما لو كان الشخص ضعيفًا؛ بحيث لو ختن خيف عليه. . فإنه لا يجب ختانه، فلو مات قبل إمكانه. . سقط فرضه، ولو خُلِق لشخص ذكران عاملان ولم يتميز الأصلي منهما. . ختنا جميعًا.

(ويندب تعجيله في سابعه) لما رواه الحاكم: أنه صلى الله عليه وسلم ختن الحسن والحسين يوم السابع من ولادتهما (4)، ويكره قبل السابع؛ كما جزم به في "التحقيق"(5).

وقضية إطلاق المصنف: أن هذا في الغلام والجارية، وهو ما نقله في "شرح

(1) أما كون سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أولَ الرجال اختتانًا. . فأخرجه البخاري في "الأدب المفرد"(1250) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه مالك في "الموطأ"(ص 922)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(26997) مرسلًا عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى، وأما كون هاجر أولَ النساء اختتانًا. . فأخرجه البيهقي في "الشعب"(8277)، وابن عبد البر في"التمهيد"(21/ 59) عن علي رضي الله عنه، وانظر "البداية والنهاية"(1/ 228).

(2)

التحقيق (ص 52).

(3)

روضة الطالبين (10/ 181).

(4)

المستدرك (4/ 237) وفيه عن عائشة رضي الله عنها، وفيه أيضًا ذكر العقيقة والتسمية وإماطة الأذى عن الرأس، دون الختان، وأخرجه البيهقي (8/ 324) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(5)

التحقيق (ص 52).

ص: 258

فَإِنْ ضَعُفَ عَنِ احْتِمَالِهِ. . أُخِّرَ، وَمَنْ خَتَنَهُ فِي سِنٍّ لَا يَحْتَمِلُهُ. . لَزِمَهُ الْقِصَاصُ إِلَّا وَالِدًا، فَإِنِ احْتَمَلَهُ وَخَتَنَهُ وَلِيٌّ. . فَلَا ضمَانَ فِي الأَصَحِّ، وَأُجْرَتُهُ فِي مَالِ الْمَخْتُونِ.

===

المهذب" عن الماوردي، وأقره، لكن في "المحرر" قيده بالطفل (1).

ولا يدخل يوم الولادة في العدد على الأصحِّ في "زيادة الروضة"، ونقلاه في "شرح المهذب" و"الكفاية" عن الأكثرين، لكن صحح المصنف في (العقيقة) حسبانه من العدد (2)، وقضيته: أن يكون الختان كذلك؛ فإنه يختن في السابع ويعق عنه فيه، قال في "المهمات": والفتوى على أنه لا يحسب؛ فإنه المنصوص في "البويطي"(3).

(فإن ضعف عن احتماله) في السابع (. . آخر) إلى أن يحتمله.

(ومن ختنه في سن لا يحتمله) فمات (. . لزمه القصاص) لتعديه بالجرح، (إلا والدًا) وإن علا؛ للبعضية.

نعم؛ تجب عليه الدية، ويستثنى: السيد أيضًا.

(فإن احتمله وختنه ولي. . فلا ضمان في الأصح) لأنه لا بدّ منه، والتقديم أسهل من التأخير؛ لأن القطعَ -والبدنُ غض رَخْصٌ، والمقطوعُ قدرٌ يسير-. . أسهل عليه، والثاني: يضمن؛ لأنه غير واجب في الحال، فلم يبح إلا بشرط سلامة العاقبة.

وخرج بقوله: (ولي): ما لو ختنه أجنبي. . فإنه يضمن؛ كما نصّ عليه في "الأم"، وبه صرح الماوردي وغيره (4).

(وأجرته) أي: الخاتن (في مال المختون) لأنه لمصلحته، فأشبه تعليم الفاتحة (5).

* * *

(1) المجموع (1/ 367)، المحرر (ص 445).

(2)

روضة الطالبين (10/ 181)، المجموع (1/ 367)، كفاية النبيه (1/ 259)، منهاج الطالبين (ص 538).

(3)

المهمات (8/ 369).

(4)

الأم (7/ 153)، الحاوي الكبير (17/ 343).

(5)

فائدة: قال ابن الحاج المالكي في كتابه: السنة في ختان الذكور إظهاره، وفي ختان النساء إخفاؤه. اهـ هامش (أ).

ص: 259