الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنَّ مَا فِي السَّوَادِ مِنَ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَفُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا، فَدُورُهَا وَأَرْضُهَا الْمُحْيَاةُ مِلْكٌ يُبَاعُ.
فَصْلٌ [في أمان الكفار]
يَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ
===
(وأن ما في السواد من الدور والمساكن يجوز بيعه) أي: بيع الأبنية فقط، (والله أعلم) لأن أحدًا لم ينكر شراءها، ولأن وقفها يفضي إلى خرابها؛ كذا قيل، وفيه نظر، والثاني: المنع؛ كالمزارع.
كذا أطلقا الخلاف (1)، وينبغي أن يكون محله: في الأبنية التي كانت موجودة يوم ردها عمر رضي الله عنه إلى أهلها، أما ما أحدث بعد ذلك .. فيجوز بيعه قطعًا.
(وفتحت مكة صلحًا) لقوله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} ؛ يعني: أهل مكة، فدل على أنهم لم يقاتلوا، وقال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} ، فأخبر بكف الفريقين، وهو يمنع من العنوة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم، لم يقتل إلا أناسًا خصهم، ولم يسلب، ولا قسم عقارًا ولا منقولًا، ولو فتحت عنوة .. لكان الأمر بخلاف ذلك، وقولُ من قال: إنها فتحت عنوة محمولٌ على أنه عليه السلام دخلها متأهبًا للقتال خوفًا من غدر أهلها.
(فدورها وأرضها المحياة ملكٌ يباع) لقوله عليه الصلاة والسلام: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ؟ ! "(2)؛ يعني: أنه باعها.
وفتحت مصرُ عنوة، وكذا دمشقُ على المرجح عند السبكي، ولا ذكر لها عند الشيخين.
* * *
(فصل: يصح من كل مسلمٍ مكلفٍ مختارٍ) (ولو امرأةً، ومحجورًا عليه بفلس أو
(1) الشرح الكبير (11/ 451 - 452)، روضة الطالبين (10/ 275).
(2)
أخرجه البخاري (1588)، ومسلم (1351) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
أَمَانُ حَرْبِيٍّ وَعَدَدٍ مَحْصُورٍ فَقَطْ، وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ أَسِيرٍ لِمَنْ هُوَ مَعَهُمْ فِي الأَصحِّ، وَيَصِحُّ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ مَقْصُودَهُ، وَبِكِتَابَةٍ وَرِسَالَةٍ. وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْكَافِرِ بِالأَمَانِ، فَإِنْ رَدَّهُ .. بَطَلَ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَقْبَلْ فِي الأَصحِّ،
===
سفهٍ، ومريضًا، وهرمًا، وفاسقًا، وعبدًا ولو كان لكافر (أمانُ حربيٍّ وعددٍ محصور فقط) لحديث:"إِنَّ ذِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ" متفق عليه (1).
وخرج بالمسلم: الكافر؛ لأنه متهم، وبالمكلف: الصبي والمجنون؛ لأنه عقد وليسا من أهله؛ كسائر العقود لكن لا يقتل من أمّناه إن جهل فساد أمانهما، بل يعرّف أنه لا أمان له ليرجع إلى مأمنه، وبالمختار: المكره؛ لأنه لا قصد له، وبالمحصور: غير المحصور؛ كأهل قرية أو قبيلة؛ لأن هذا هدنة، وهي لا تليق بغير الإمام.
(ولا يصح أمان أسير لمن هو معهم في الأصح) لأنه مقهور في أيديهم فألحق بالمكره، والثاني: يصح؛ لأنه مسلم مكلف مختار أمن أمانًا ليس فيه إضرار.
(ويصح) الأمان (بكل لفظ يفيد مقصوده) صريحًا كان؛ كـ (أجَرْتك)، و (أمنتك)، أو كنايةً؛ كـ (أنت على ما تحب)، أو (كن كيف شئت)، (وبكتابة) لأثرٍ فيه عن عمر رضي الله عنه (2)، ولا بدّ من النية؛ لأنها كناية، (ورسالةٍ)، سواء أكان الرسول مسلمًا أم كافرًا؛ لأن بناء الباب على التوسعة في حقن الدم.
(ويشترط) في صحة الأمان: (علم الكافر بالأمان)، فإن لم يعلمه .. فلا أمان له، فتجوز المبادرة إلى قتله ولو من المؤمِّن له، (فإن ردّه .. بطل) لأنه عقد؛ كالهبة. (وكذا إن لم يقبل في الأصح) كغيره من العقود، والثاني: يكفي السكوت؛ لبناء الباب على التوسعة.
وتعبيره بـ (الأصح): يقتضي أن المسألة ذات وجهين، وليس كذلك، وإنما هو تردد للإمام، والترجيح بحث له (3)، والمنقول في "التهذيب" و"تعليق" الشيخ
(1) صحيح البخاري (3179)، صحيح مسلم (1370) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البيهقي (9/ 94).
(3)
نهاية المطلب (17/ 472).
وَتَكْفِي إِشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ لِلْقَبُولِ، وَيَجبُ أَلَّا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَفِي قَوْلٍ: تَجُوزُ مَا لَمْ تبلُغْ سَنَةً، وَلَا يَجُوزُ أِمَانٌ يَضرّ الْمُسْلِمِينَ كَجَاسُوسٍ. وَلَيْسَ لِلإِمَامِ نَبْذُ الأَمَانِ إِنْ لَمْ يَخَفْ خِيَانَةً، وَلَا يَدْخُلُ فِي الأَمَانِ مَالُهُ وَأَهْلُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَكَذَا مَا مَعَهُ مِنْهُمَا فِي الأَصَحِّ إِلَّا بِشَرْطٍ
===
إبراهيم المرُّوذي: الاكتفاء بالسكوت، وقال البُلْقيني: إنه قضية النص، وهو ما عليه السلف والخلف (1).
نعم؛ يشترط مع السكوت: ما يشعر بالقبول، وهو الكف عن القتال، صرّح به المرّوذي، وهو ظاهر (2).
(وتكفي إشارة مفهمة للقبول) (ولو من قادر على النطق؛ لبناء الباب على الاتساع.
ولو أسقط قوله: (للقبول) .. لكان أولى؛ ليشمل الإيجاب أيضًا.
(ويجب ألا تزيد مدته على أربعة أشهر، وفي قول: تجوز ما لم تبلغ سنة) لما سيأتي في الهدنة، أما السنة .. فممتنعة قطعًا، فلو زاد على الجائز .. فقولا تفريقِ الصفقة.
(ولا يجوز أمانٌ يضر المسلمين؛ كجاسوس)، وطليعة الكفار؛ لأنه إذا لم يجز تأمينهما بالجزية .. فدونها أولى.
(وليس للإمام نبذ الأمان إن لم يخف خيانة) لأن الأمان لازم من جهة المسلمين، فإن خافها .. نبذه؛ كالهدنة، وأولى.
(ولا يدخل في الأمان ماله وأهله بدار الحرب، وكذا ما معه منهما في الأصح إلا بشرط) لأن اللفظ لا يتناول ذلك، وإنما يتناول نفسه فقط، والثاني: يدخل؛ لاحتياجه إلى ذلك.
وما صححه من عدم دخول ما معه بلا شرط: كذا أطلق تصحيحه في "الروضة" في المسألة الخامسة، وقال في المسألة التاسعة: إذا دخل كافر دارنا بأمان أو ذمة ..
(1) التهذيب (7/ 480).
(2)
كذا في جميع النسخ، وفي "مغني المحتاج" (4/ 314):(كما صرح به الماوردي).
وَالْمُسْلِمُ بِدَارِ كُفْرٍ إِنْ أَمْكَنَهُ إِظْهَارُ دِينِهِ .. اسْتُحِبَّ لَهُ الْهِجْرَةُ، وَإِلَّا .. وَجَبَتْ إِنْ أَطَاقَهَا. وَلَوْ قَدَرَ أَسِيرٌ عَلَى هَرَبٍ .. لَزِمَهُ، وَلَوْ أَطْلَقُوهُ بِلَا شَرْطٍ .. فَلَهُ اغْتِيَالُهُمْ، أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ فِي أَمَانِهِ .. حَرُمَ، فَإِنْ تَبعَهُ قَوْمٌ .. فَلْيَدْفَعْهُمْ وَلَوْ بِقَتْلِهِمْ، وَلَوْ شَرَطُوا أَلَّا يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِمْ .. لَمْ يَجُزِ الْوَفَاءُ. وَلَوْ عَاقَدَ الإِمَامُ عِلْجًا يَدُلُّ عَلَى قَلْعَةٍ وَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ .. جَازَ،
===
فما معه من المال والأولاد في أمان، فإن شرط الأمان فيهما .. فهو تأكيد، والموضعان في "الشرح" كذلك، قال في "المهمات": والراجح: الدخول (1)، وحكاه البُلْقيني عن نصّ "البويطي"، وقال الأَذْرَعي: إنه المذهب، وعزاه إلى الجمهور.
(والمسلم بدار كفر إن أمكنه إظهار دينه) لقوته وعشيرته ( .. استحب له الهجرة) خوفًا من الميل إليهم، ولا تجب؛ لقدرته على إظهار دينه، (وإلا .. وجبت إن أطاقها) لقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآية، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لَا تنقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الكُفَّارُ"، صححه ابن حبان (2)، وسواء الرجل والمرأة وإن لم تجد محرمًا.
(ولو قدر أسير على هرب .. لزمه) تخليصًا لنفسه من رق الأسر.
(ولو أطلقوه بلا شرط .. فله اغتيالهم) قتلًا وسبيًا؛ لأنهم لم يستأمنوه، (أو على أنهم في أمانه .. حرم)(وفاءً بما التزمه، وكذا إذا أطلقوه على أنه في أمان منهم ولم يستأمنوه على الأصحِّ، (فإن تبعه قوم) بعدما خرج ( .. فليدفعهم ولو بقتلهم) كما في دفع الصائل.
(ولو شرطوا) عليه (ألا يخرج من دارهم .. لم يجز الوفاء) بالشرط، ولزمه الخروج عند المكنة؛ لأن الإقامة غير جائزة، والتزام ما لا يجوز لا يلزم.
(ولو عاقد الإمام عِلْجًا يدل على قلعة) مسماةٍ معينةٍ خَفِيَ طريقُها، أو ليدلهم على طريق إليها خالٍ من الكفار أو سهل أو كثير الماء والكلأ (وله منها جارية .. جاز) وهي
(1) روضة الطالبين (10/ 281، 289)، الشرح الكبير (11/ 463، 475)، المهمات (8/ 430).
(2)
صحيح ابن حبان (4866) وأخرجه النسائي في "الكبرى"(8654)، وأحمد (5/ 270) عن عبد الله بن السعدي رضي الله عنه.
فَإِنْ فُتِحَتْ بِدِلَالَتِهِ .. أُعْطِيَهَا، أَوْ بغَيْرِهَا .. فَلَا فِي الأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ تُفْتَحْ .. فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يُعَلِّقِ الْجُعْلَ بالْفَتح .. فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَارِيَةٌ أَوْ مَاتت قَبْلَ الْعَقْدِ .. فَلَا شَيْءَ لَهُ، أَوْ
===
جعالة بجعل مجهول غير مملوك احتملت للحاجة، وسواء أكانت الجارية معينة أم مبهمة، حرة أم أمة؛ لأن الحرة ترق بالأسر.
واحترز بالعلج -وهو الكافر الغليظ الشديد-: عما لو اتفق ذلك مع مسلم .. فإنه لا يجوز؛ كما نقلاه عن تصحيح الإمام، وجرى عليه في "الحاوي الصغير"(1)، لأن فيه أنواعَ غرر، فلا يحتمل مع المسلم، بخلاف الكافر؛ فإن الحاجة تدعو إليه؛ لأنه أعرف بقلاعهم وطرقهم، وقيل: يجوز مع المسلم أيضًا، ونقلاه عن العراقيين، قال الأَذْرَعي: وهو الأصحُّ المختار؛ كشرط النقل في البداءة والرجعة (2).
وبقوله: (وله منها جارية): عما إذا قال الإمام: (وله جارية مما عندي) .. فإنه لا يصح؛ للجهل بالجعل؛ كسائر الجعالات.
(فإن فتحت بدلالته) أي: فتحها من شارطه (أُعطيَها) إن ظفرنا بها، ولا حقّ فيها لغيره؛ لأنه استحقها بالشرط قبل الظفر، (أو بغيرها) أي: بغير دلالته ( .. فلا) شيء له (في الأصح) لأن الفتح لم يستند إلى دلالته (3)، والثاني: نعم؛ لاستحقاقه إياها قبل الظفر.
ومنشأ الخلاف: أن الاستحقاق يثبت بنفس الدلالة، أو بالفتح بدلالته.
(وإن لم تفتح .. فلا شيء له) لأنه شرط جارية منها، فتعلقت جعالته بشيئين؛ الدلالة، والفتح، (وقيل: إن لم يعلق الجعل بالفتح .. فله أجرة مثل) لوجود الدلالة، والأصحُّ: المنع؛ لأن تسليمها لا يمكن إلا بالفتح، فالشرط مقيّد بالفتح حقيقة وإن لم يجر لفظًا، أما إذا علق الجعل بالفتح .. فلا شيء له قطعًا.
(فإن لم يكن فيها جارية أو ماتت قبل العقد .. فلا شيء له) لفقد المشروط، (أو
(1) الشرح الكبير (11/ 469 - 470)، روضة الطالبين (10/ 285)، الحاوي الصغير (ص 613).
(2)
الشرح الكبير (11/ 469 - 470)، روضة الطالبين (10/ 285).
(3)
في (أ): (لأنه لم يجر معهم شرط).
بَعْدَ الظَّفَرِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ .. وَجَبَ بَدَلٌ، أَوْ قَبْلَ ظَفَرٍ .. فَلَا فِي الأَظْهَرِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ .. فَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُ بَدَلٍ، وَهُوَ أُجْرَةُ مِثْلٍ، وَقِيلَ: قِيمَتُهَا.
===
بعد الظفر وقبل التسليم) إليه ( .. وجب بدل) لأنها حصلت في قبضة الإمام، فالتلف من ضمانه، (أو قبل ظفر .. فلا في الأظهر) لأن الميتة غير مقدور عليها، فصار كما لو لم تكن فيها، والثاني: يجب له البدل؛ لأن العقد قد تعلق بها وهي حاصلة، ثم تعذر التسليم، فصار كما إذا قال:(من ردّ عبدي .. فله هذه الجارية)، فرده وقد ماتت الجارية .. يلزمه بدلها.
(وإن أسلمت) المعينة الحرة ( .. فالمذهب: وجوب بدل) قطعًا؛ لأنه يمتنع استرقاقها، كغيرها ممن أسلم، والطريق الثاني: طرد الخلاف في موتها.
وفرق الأول: بتعذر التسليم بالموت حسًّا، وههنا هو ممكن حسًّا، ولكن الإسلام حال بينه وبينها، فوجب البدل؛ للحيلولة.
(وهو) أي: البدل (أجرة مثل، وقيل: قيمتها)، الخلاف مبني: على أن الجعل مضمون ضمانَ عقد، أو ضمانَ يد؛ كما في الصداق؟ كذا قاله الإمام، والأظهر من قول الصداق: وجوب مهر المثل، لكن قال الرافعي: الموجود لعامة الأصحاب هنا: قيمة الجارية، قال: ولا يتعذر الفرق على من يحاوله. انتهى، ووحوب قيمة الجارية نصّ عليه في "الأم"، وقال في "المهمات": إنه المفتى به (1).
* * *
(1) نهاية المطلب (17/ 478)، الشرح الكبير (11/ 473)، الأم (5/ 701)، المهمات (8/ 433).