الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصلٌ [في تعارض البينتين]
ادَّعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً .. سَقَطَتَا، وَفِي قَوْلٍ: تُسْتَعْمَلَانِ، فَفِي قَوْلٍ: تُقْسَمُ، وَقَوْلٍ: يُقْرَعُ،
===
هناك (1)، قال في "المهمات": وعليه الفتوى، فقد نصَّ عليه في "الأم"(2).
* * *
(فصل: ادعيا عينًا في يد ثالث) ولم ينسبها إلى أحدهما لا قبل البينة ولا بعدها، (وأقام كل منهما بينة .. سقطتا) لأنهما مثناقضتا الموجب؛ فأشبه الدليلين إذا تعارضا ولا مرجح؛ فعلى هذا كأنه لا بينة، ويصار إلى التحليف، قال الرافعي: وهذا منسوبٌ إلى القديم (3)؛ فالمسألة من المسائل التي رجح فيها القديم، واعترض: بأن الشافعي نصَّ عليه في "الأم" و"البويطي" كما أفاده البَنْدَنيجي؛ فليس قديمًا صرفًا.
(وفي قول: تستعملان) صيانةً لهما عن الإسقاط بقدر الإمكان؛ فعلى هذا: تنزع العين ممن هي؛ لاتفاق البينتين على أنها ليست له، (ففي قول: تقسم) بينهما نصفين؛ لما رواه ابن حبان في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلين ادعيا دابة، وأقام كلُّ واحد شاهدين بأنها له، فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم نصفين (4).
وأجيب عنه: بأنه يحتمل أن العين كانت في يديهما؛ فأبطل البينتين وقسمها بينهما.
(وقول: يقرع) ويرجح من خرجت قرعته؛ لحديث فيه في "مراسيل أبي داوود"، وذكر البيهقي له شاهدًا (5).
(1) روضة الطالبين (7/ 326)، الشرح الكبير (8/ 336).
(2)
المهمات (9/ 411).
(3)
الشرح الكبير (13/ 219).
(4)
صحيح ابن حبان (5068)، وأخرجه الحاكم (4/ 95)، وأبو داوود (3613) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(5)
مراسيل أبي داوود (388)، سنن البيهقي (10/ 259) عن عروة وسليمان بن يسار.
وَقَوْلٍ: تُوقَفُ حَتَّى يَتبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحَا. فَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِمَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ .. بَقِيَتْ كَمَا كَانَتْ، وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِهِ فَأَقَامَ غَيْرُهُ بِهَا: بَيِّنَةً وَهُوَ: بَيِّنَةً .. قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ، وَلَا تسمَعُ بَيِّنَتُهُ إِلَّا بَعْدَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي
===
وأجاب الأول عنه: بأنه يحتمل أن يكون ذلك الأمر، عتقًا أو قسمة.
(وقول: توقف حتى يتبين، أو يصطلحا) لأن إحداهما صادقة، والأخرى كاذبة فتوقف؛ كما لو زوج المرأة وليان مرتبان ونسي السابق.
ولم يرجح واحدًا من هذه الأقوال، وكأن عدم الاعتناء به؛ لتفريعها على الضعيف، وفي "المهمات": أن المصحح منها: الوقف، جزما به في أوائل التحالف (1).
(فلو كانت في يدهما وأقاما بينتين .. بقيت كما كانت) تفريعًا على الصحيح، وهو التساقط؛ إذ لا مستحق لها غيرهما، وليس أحدهما أولى من الآخر.
(ولو كانت بيده فأقام غيره بها بينة وهو بينة .. قُدِّم صاحب اليد) لما رواه أبو داوود عن جابر: أن رجلين تداعيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، وأقام كل واحد منهما بينة، فقضى به للذي هو في يده (2)، ولأنهما استويا في إقامة البينة، وترجحت بينته بيده فقدمت؛ كالخبرين مع أحدهما قياس، وسواء اليد الحكمية؛ كالتصرف، والحسيَّة؛ كالإمساك.
واقتضى إطلاقه: أنه لا يشترط في سماع بينة اليد أن يبيِّن سبب الملك؛ من شراء أو إرث ونحوهما؛ كبينة الخارج، وأنه لا يشترط أن يحلف مع بينته، وهو الأصح فيهما.
(ولا تسمع بينته إلا بعد) سماع (بينة المدعي) لأن الحجة إنما تقام على خصم، وقيل: تسمع بينته وإن لم يدع عليه لغرض التسجيل، قال الزنجاني في "شرح الوجيز": وعليه العمل في الآفاق، وتسمع بينته بعد بينة المدعي وإن لم تعدل على الأصح؛ لتعرض يده للزوال.
(1) المهمات (9/ 412).
(2)
أخرجه الدارقطني (4/ 209)، والبيهقي (10/ 256)، وانظر "التلخيص الحبير"(6/ 3253).
وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةٍ بِمِلْكِهِ مُسْتَنِدًا إِلَى مَا قَبْلَ إِزَالَةِ يَدِهِ وَاعْتَذَرَ بِغَيْبَةِ شُهُودِهِ .. سُمِعَتْ وَقُدِّمَتْ، وَقِيلَ: لَا. وَلَوْ قَالَ الْخَارِجُ: (هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ)، فَقَالَ:(بَلْ مِلْكِي)، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ .. قُدِّمَ الْخَارِجُ، وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ .. لَمْ تُسْمَعْ إِلَّا أَنْ يَذْكُرَ انْتِقَالًا، وَمَنْ أُخِذَ مِنْهُ مَالٌ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ .. لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ الانْتِقَالِ فِي الأَصَحِّ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ زِيَادَةَ عَدَدِ شُهُودِ أَحَدِهِمَا لَا تُرَجِّحُ،
===
(ولو أزيلت يده ببينة ثم أقام بينة بملكه مستندًا إلى ما قبل إزالة يده واعتذر بغيبة شهوده .. سمعت وقدمت) لأن يده أزيلت؛ لعدم الحجة، فإذا ظهرت .. حكم بها، (وقيل: لا) لأن تلك اليد قُضيَ بزوالها، فلا ينقض القضاء، قال القاضي: وقد أشكلت عليَّ هذه المسألة نيفًا وعشرين سنة؛ لما فيها من نقض الاجتهاد بالاجتهاد [وتردد جوابي فيها ثم استقر على أنه لا ينقض. انتهى، والقائل بالأول يمنع كونه من باب نقض الاجتهاد بالاجتهاد](1)؛ لأنه إنما قضى على تقدير ألا معارضة ولا حجة، فإذا ظهرت الحجة .. حكم بها، وكأنه لما حكم .. استثنى هذه الحالة.
(ولو قال الخارج: "هو ملكي اشتريته منك"، فقال: "بل ملكي"، وأقاما بينتين .. قدم الخارج) لزيادة علم بينته بالانتقال، وكذا لو أقام الخارج بينة أن المدعى به ملكه غصبه منه الداخل أو أجره له أو أودعه عنده، وأقام الداخل بينة بأنه ملكه؛ فإنه يقدم بينة الخارج على الأصح، ولو قال كل منهما لصاحبه:(اشتريته منك)، وأقام بذلك بينة، وخفي التاريخ .. قدم الداخل.
(ومن أقر لغيره بشيء ثم ادعاه .. لم تسمع إلا أن يذكر انتقالًا) من المقر له؛ لأن المقر مؤاخذ بإقراره في المستقبل، فيستصحب ما أقر به إلى أن يثبت الانتقال.
(ومن أخذ منه مال ببينة ثم ادعاه .. لم يشترط ذكر الانتقال في الأصح) كالأجنبي؛ فإنه لا خلاف أنه لو ادعى عليه أجنبي وأطلق أنه يسمع، والثاني: يشترط؛ كما لو أقَّر. (والمذهب: أن زيادة عدد شهود أحدهما لا ترجح) بل يتعارض؛ لكمال الحجة من الطرفين هذا هو الجديد، والقديم: يرجح؛ كالرواية،
(1) ما بين المعقوفين زيادة من (هـ) و (ز).
وَكَذَا لَوْ كَانَ لِأحَدِهِمَا رَجُلَانِ وَلِلآخَرِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، فَإِنْ كَانَ لِلآخَرِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ .. رُجِّحَ الشَّاهِدَانِ فِي الأَظْهَرِ، وَلَوْ شَهِدَتْ لِأحَدِهِمَا بِمِلْكٍ مِنْ سَنَةٍ وَلِآخَرَ مِنْ أَكْثَرَ .. فَالأَظْهَرُ: تَرْجِيحُ الأَكْثَرِ،
===
وفرق الجديد: بأن للشهادة نصابًا فيتبع، ولا ضبط في الرواية؛ فيعمل بأرجح الظنين، والطريق الثاني: القطع بالأول، وحمل الثاني: على حكاية مذهب الغير، ورجحها في "أصل الروضة"، وهو مخالف لترجيح "الشرح" طريقة القولين (1).
(وكذا لو كان لأحدهما رجلان، وللآخر رجل وامرأتان) فإنه لا يرجح على المذهب، لقيام الحجة بكل واحدة منهما بالاتفاق، وقيل: قولان، كما حكاه في "أصل الروضة"(2)، ووجه الترجيح: زيادة الوثوق بقولهما، ولذلك يثبت بهما ما لا يثبت برجل وامرأتين.
(فإن كان للآخر شاهد ويمين .. رجح الشاهدان في الأظهر) لأنهما حجة بالإجماع، والشاهد واليمين مختلف فيه، ومحله: ما إذا لم يكن لصاحب الشاهد واليمين يد، فإن كان .. قدم الشاهد واليمين على الأصح؛ لاعتضادهما باليد المحسوسة، والقول الثاني: يتعادلان؛ لأن كل واحد منهما حجة كافية في المال عند الانفراد.
(ولو شهدت لأحدهما بملك من سنة ولآخر من أكثر .. فالأظهر: ترجيح الأكثر) لأنها تثبت الملك في وقت لا تعارضها البينة الأخرى فيه، وفي وقت تعارضها الأخرى فيتساقطان في محل التعارض، ويثبت موجبها فيما قبل: محل التعارض، والأصل في الثابت دوامه، والثاني: لا ترجيح، ويتعارضان، لأن المقصود إثبات الملك في الحال، ولا تأثير للسبق؛ فإنه غير متنازع فيه.
وما رجحاه هنا خالفاه في (باب اللقيط) فقالا: إن البينتين على الالتقاط إذا قيدتا بتاريخين مختلفين .. قدم السابق، بخلاف المال، فإنه لا يقدم فيه بسبق التاريخ على
(1) روضة الطالبين (12/ 58)، الشرح الكبير (13/ 232).
(2)
روضة الطالبين (12/ 58).
وَلِصَاحِبِهَا الأُجْرَةُ وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ مِنْ يَوْمِئِذٍ. وَلَوْ أَطْلَقَتْ بَيِّنَةٌ وَأَرَّخَتْ بَيِّنَةٌ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِصَاحِبِ مُتَأَخِّرَةِ التَّارِيخِ يَدٌ .. قُدِّمَ،
===
الأظهر (1)، قال المنكت: والصواب: المذكور هنا، وكأن ما في (اللقيط) سبق قلم من الرافعي أو من ناسخ، فمشى عليه النووي من غير تأمل، ويؤيده: أن الذي في "الشرح الصغير" في (باب اللقيط) في أحد القولين لا في أصحهما. انتهى.
وصورة المسألة: أن تكون العين في يدهما أو في يد ثالث، فإن كانت في يد متقدم التاريخ .. رجح قطعًا أو في يد متأخر التاريخ .. فسيأتي.
(ولصاحبها الأجرة والزيادة الحادثة من يومئذ) أي: من يوم الأكثر؛ لأنها ثمرات ملكه، وإن قلنا بالقول الثاني .. ففيه الخلاف السابق في أصل تعارض البينتين.
(ولو أطلقت بينة وأرخت بينة .. فالمذهب: أنهما سواء) فيتعارضان؛ لأن المطلقة كالعامة بالنسبة إلى الأزمان، ولو فسرناها .. ربما أرخت بأكثر مما أرخت المؤرخة، وقيل: تقدم المؤرخة؛ لأنها تثبت الملك في وقت معين، والأخرى لا تقتضي إلا إثبات الملك في الحال.
(وأنه لو كان لصاحب متأخرة التاريخ يد .. قدم) لتساوي البينتين في إثبات الملك حالًا فتساقتطا فيه، ويبقى من أحد الطريقين اليد، والآخر إثبات الملك السابق، واليد أقوى من الشهادة على الملك السابق، ولهذا لا تزال بها اليد، والثاني: ترجيح السبق؛ لأن البينة مقدمة على اليد، والثالث: يتساويان؛ لتعارض المعنيين، وحكى الفوراني وابن الصباغ طريقة قاطعة بالأول، وبه يتم في المسألة طريقان؛ فيحسن العطف على المذهب.
وشمل إطلاق المصنف: ما لو كانت متقدمة التاريخ شاهدة بوقف، والمتأخرة صاحبة اليد شاهدة بملك أو وقف، وهو ما أفتى به المصنف، قال البُلْقيني: وعليه جرى العمل ما لم يظهر أن اليد عادية باعتبار ترتبها على بيع صدر من أهل الوقف أو بعضهم بغير سبب شرعي؛ فهناك يقدم العمل بالوقف. انتهى، وهو متعين، واعتمده شيخي ووالدي أمتع الله بحياته في الإفتاء.
(1) الشرح الكبير (6/ 419)، روضة الطالبين (5/ 442).
وَأَنَّهَا لَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكِهِ أَمْسِ وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ .. لَمْ تسمَعْ حَتَّى يَقُولُوا: (وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ)، أَوْ (لَا نَعْلَمُ مُزِيلًا لَهُ). وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِمِلْكِهِ الآنَ اسْتِصْحَابًا لِمَا سَبَقَ مِنْ إِرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا. وَلَوْ شَهِدَتْ بِإِقْرَارِهِ أَمْسِ بِالْمِلْكِ لَهُ .. اسْتُدِيمَ. وَلَوْ أَقَامَهَا بِمِلْكِ دَابَّةٍ أَوْ شَجَرَةٍ .. لَمْ يَسْتَحِقَّ ثَمَرَةً مَوْجُودَةً، وَلَا وَلَدًا مُنْفَصِلًا، وَيَسْتَحِقُّ حَمْلًا فِي الأَصَحِّ. وَلَوِ اشْتَرَى شَيْئًا فَأُخِذَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ .. رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ،
===
(وأنها لو شهدت بملكه أمس ولم تتعرض للحال .. لم تسمع حتى يقولوا: "ولم يزل ملكه"، أو "لا نعلم مزيلًا له") لأن دعوى الملك السابق لا تسمع، فكذلك البينة، والثاني: تسمع وإن لم يقولوه؛ لأنها تثبت الملك سابقًا، والشيء إذا ثبت .. فالأصل فيه الدوام والاستمرار، هذا أشهر الطريقين، والطريق الثاني: القطع بالأول.
(وتجوز الشهادة بملكه الآن استصحابًا لما سبق من إرث وشراء وغيرهما) وإن كان يجوز زواله، لكن ترك ذلك اعتمادًا على الاستصحاب لأجل الحاجة الداعية إليه؛ إذ لا يمكن استمرار الشاهد مع صاحبه دائمًا لا يفارقه لحظة؛ لأنه متى فارقه أمكن زوال ملكه عنه فتتعذر عليه الشهادة.
نعم؛ يشترط ألا يصرح في شهادته بأن معتمده الاستصحاب، فإن صرح .. لم يقبل على الأصح.
(ولو شهدت بإقراره أمس بالملك له .. استديم) حكم الإقرار وإن لم يصرح الشاهد بالملك في الحال؛ إذ لولاه .. لبطلت فائدة الأقارير.
(ولو أقامها بملك دابة أو شجره .. لم يستحق ثمرة موجودة، ولا ولدًا منفصلًا) عند الشهادة؛ لأن الثمرة والولد ليسا من أجزاء الدابة والشجرة، ولذلك لا يتبعهما في البيع المطلق، (ويستحق حملًا في الأصح) تبعًا للأم؛ كما لو اشتراها، ومقابله: احتمال للإمام بعدم استحقاقه؛ لجواز أن يكون الحمل لغير مالك الأم بوصية (1).
(ولو اشترى شيئًا فأخذ منه بحجة مطلقة .. رجع على بائعه بالثمن) وإن كان مقتضى الأصل السابق عدم الرجوع؛ لاحتمال انتقال الملك من المشتري إلى
(1) نهاية المطلب (19/ 150).