المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله] - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجراح

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع مباشرتين]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القود]

- ‌فَصْلٌ [في تغير حال المجروح بحرية أو عصمة أو إهدار أو بمقدار للمضمون به]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني]

- ‌بابُ كيفيَّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فَصْلٌ [في اختلاف مستحق الدم والجاني]

- ‌فَصْلٌ [في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما]

- ‌فَصْلٌ [في موجب العمد وفي العفو]

- ‌كتابُ الدِّيات

- ‌فَصْلٌ [في موجب ما دون النفس من جرح أو نحوه]

- ‌فَرْعٌ [في موجب إزالة المنافع]

- ‌فَرْعٌ [في اجتماع جنايات على شخص]

- ‌فَصْلٌ [في الجناية التي لا تقدير لأرشها والجناية على الرقيق]

- ‌‌‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌فَصْلٌ [في الاصطدام ونحوه مما يوجب الاشتراك في الضمان وما يذكر مع ذلك]

- ‌فَصْلٌ [في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله]

- ‌فَصْلٌ [في جناية الرقيق]

- ‌فَصْلٌ [في الغرة]

- ‌فَصْلٌ [في كفارة القتل]

- ‌كتابُ دعوى الدَّم والقسامة

- ‌فَصْلٌ [فيما يثبت به موجب القود وموجب المال بسبب الجناية من إقرار وشهادة]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌فَصْلٌ [في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة]

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حد القذف

- ‌كتابُ قطع السرقة

- ‌فصلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌ باب

- ‌فصلٌ [في شروط السارق الذي يقطع]

- ‌بابُ قاطع الطريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع عقوبات على شخص واحد]

- ‌كتابُ الأشربة

- ‌فَصْلٌ [في التعزير]

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [في حكم إتلاف البهائم]

- ‌كتابُ السِّيَر

- ‌فَصْلٌ [في مكروهات ومحرمات ومندوبات في الجهاد وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الأسر وأموال أهل الحرب]

- ‌فَصْلٌ [في أمان الكفار]

- ‌كتابُ الِجزْيَة

- ‌فَصْلٌ [في مقدار الجزية]

- ‌باب

- ‌فَصْلٌ [في أحكام عقد الجزية]

- ‌بابُ الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيد والذَّبائح

- ‌فَصْلٌ [في آلة الذبح والصيد]

- ‌فَصْلٌ [فيما يملك به الصيد وما يذكر معه]

- ‌كتاب الأضحية

- ‌فَصْلٌ [في العقيقة]

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌كتابُ الأيمان

- ‌فصلٌ [في صفة الكفارة]

- ‌فصلٌ [في الحلف على السكنى والمساكنة وغيرهما]

- ‌فصلٌ [في الحلف على أكل وشرب مع بيان ما يتناوله]

- ‌فصلٌ [في مسائل منثورة ليقاس بها غيرها]

- ‌فصلٌ [في الحلف على ألا يفعل كذا]

- ‌كتاب النَّذر

- ‌فصلٌ [في نذر النسك والصدقة والصلاة وغيرها]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌(باب

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يعتبر فيه شهادة الرجال]

- ‌فصلٌ [في تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌فصلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فصلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فصلٌ [فيما يتعلق بجواب المدعى عليه]

- ‌فصلٌ [في كيفية الحلف والتغليظ فيه]

- ‌فصلٌ [في تعارض البينتين]

- ‌فصلٌ [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌فصلٌ [في شروط القائف]

- ‌كتابُ العتِق

- ‌فصلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصلٌ [في الإعتاق في مرض الموت وبيان القرعة في العتق]

- ‌فصلٌ [في الولاء]

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌فصلٌ [في حكم حمل المدبرة]

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان لزوم الكتابة وجوازها]

- ‌فَصْلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌أهمّ مصادر ومراجع التّحقيق

الفصل: ‌فصل [في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله]

الْبَاقِي، أَوْ غَيْرَهُمْ وَلَمْ يَقْصِدُوهُ .. فَخَطَأٌ، أَوْ قَصَدُوهُ .. فَعَمْدٌ فِي الأَصحِّ إِنْ غَلَبَتِ الإِصَابَةُ.

‌فَصْلٌ [في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله]

دِيَةُ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ تلزَمُ الْعَاقِلَةَ، وَهُمْ عَصَبَتُهُ إِلَّا الأَصْلَ وَالْفَرْعَ،

===

الباقي) لأنه مات بفعله وفعلهم، فسقط ما قابل فعله؛ لأنه غير مضمون، (أو غيرهم) أي: قتل غير رماته (ولم يقصدوه .. فخطأ) يوجب الدية المخففة، (أو قصدوه .. فعمد في الأصح إن غلبت الإصابة) لانطباقه على حد العمد، والثاني: إنه شبه عمد؛ لأنه لا يتحقق قصد معين بالمنجنيق.

والمنجنيق: بفتح الميم وكسرها، يذكر ويؤنث، وحكي منجنوق بـ (الواو)، ومنجليق بـ (اللام).

* * *

(فصل: دية الخطأ وشبه العمد تلزم العاقلة) بالإجماع، كما نقله الإمام (1)، لكن حكى الرافعي في أوائل (الديات) وجهًا أنها لا تتحمل شبه العمد (2)، وهو شاذ.

وخرج بـ (الخطأ وشبه العمد): دية العمد، فإنها على الجاني، وقد مضت السنة بذلك، كما قاله الزهري (3).

(وهم عصبته) الذين يرثونه بالنسب أو الولاء إذا كانوا ذكورًا مكلفين، قال الشافعي: لا أعلم مخالفًا أن العاقلة العصبة، وهم القرابة من قبل الأب، وعصبات المولى (4).

(إلا الأصل) وإن علا (والفرع) وإن سفل؛ لأنهم أبعاضه، فكما لا يتحمل الجاني لا يتحمل أبعاضه، وقد برأ صلى الله عليه وسلم زوج القاتلة وولدها؛ كما رواه

(1) نهاية المطلب (6/ 503).

(2)

الشرح الكبير (10/ 319).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (28003).

(4)

الأم (7/ 284 - 285).

ص: 131

وَقِيلَ: يَعْقِلُ ابْنٌ هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا. وَيُقَدَّمُ الأَقْرَبُ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ .. فَمَنْ يَلِيهِ، وَمُدْلٍ بأَبَوَيْنِ - وَالْقَدِيمُ: التَّسْوِيَةُ - ثُمَّ مُعْتِقٌ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُهُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ، وَإِلَّا .. فَمُعْتِقُ أَبِي الْجَانِي ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِ الأَبِ وَعَصَبَتُهُ، وَكَذَا أَبَدًا. وَعَتِيقُهَا يَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهَا،

===

أبو داوود وابن ماجة (1)، (وقيل: يعقل ابن هو ابن ابن عمها) أو معتقها؛ كما يلي أمر نكاحها، والأصحُّ: المنع؛ لعموم الأخبار؛ ولأن البعضية موجودة وهي مانعة، بخلاف النكاح فإنها غير مقتضية، ولا مانعة، فإذا وجد المقتضي .. عمل عمله.

(ويقدم الأقرب) من العاقلة في التحمل على الأبعد؛ لأنه حق ثبت بالتعصيب فأشبه الإرث، (فإن بقي شيء) من الواجب في آخر الحول ( .. فمن يليه) أي: فعلى من يلي الأقرب ثم الذين يلونهم، وهكذا.

(و) يقدم (مدل بأبوين) على مدل بأب في الجديد كالإرث (والقديم: التسوية) لأن الأنوثة لا مدخل لها في تحمل العاقلة فلا تصلح للترجيح، (ثم معتق) إذا لم يوجد أحد من عصبات النسب، أو لم يفوا بالواجب؛ لحديث:"الْوَلَاءُ لُحْمَة كَلُحْمَةِ النَّسَبِ"(2).

(ثم عصبته) أي: المعتق من النسب عند فقده، أو مع وجوده إذا بقي من الواجب شيء خلا أصوله وفروعه على الأصحِّ كما سبق في الجاني، (ثم معتقه) أي: معتق المعتق، (ثم عصبته) كالإرث.

(وإلا) أي: وإن لم يوجد من له نعمة الولاء على الجاني، ولا أحد من عصابته ( .. فمعتق أبي الجاني ثم عصبته، ثم معتق معتق الأب، وعصبته)(3) خلا أصولهم وفروعهم، (وكذا أبدًا) أي: وإن لم يوجد من له نعمة الولاء على الأب .. تحمل معتق الجد ثم عصابته كذلك إلى حيث ينتهي.

(وعتيقها) أي: المرأة (يعقله عاقلتها) ولا يضرب عليها؛ لأن المرأة لا تحمل

(1) سنن أبي داوود (4575)، سنن ابن ماجة (2648) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه ابن حبان (4950)، والحاكم (4/ 341) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(3)

كذا في جميع النسخ، وفي "المنهاج" (ص 492) المطبوع:(ثم عصبته).

ص: 132

وَمُعْتِقُونَ كَمُعْتِقٍ، وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْ عَصَبَةِ كُلِّ مُعْتِقٍ يَحْمِلُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ الْمُعْتِقُ. وَلَا يَعْقِلُ عَتِيقٌ فِي الأَظْهَرِ. فَإِنْ فُقِدَ الْعَاقِلُ أَوْ لَمْ يَفِ .. عَقَلَ بَيْتُ الْمَالِ عَنِ الْمُسْلِمِ،

===

العقل بالإجماع؛ فيتحمله عنها من يتحمل جنايتها من عصباتها؛ كما يزوج عتيقها من يزوجها؛ إلحاقًا، للعقل بالتزويج؛ لعجزها عن الأمرين.

(ومعتقون كمعتق) في تحمل الدية عن العتيق؛ لأن الولاء لجميعهم لا لكل واحد منهم، فيضرب على جميعهم نصف دينار إن كانوا أغنياء، وربعه إن كانوا متوسطين، فإن اختلف حالهم .. فعلى الغني حصته من النصف، وعلى المتوسط حصته من الربع.

(وكل شخص من عصبة كل معتق يحمل ما كان يحمله ذلك المعتق) في حياته، وهو حصته من الربع أو النصف؛ لأن غايته نزوله منزلة ذلك الشريك، ولا يوزع عليهم ما كان الميت يحمله؛ لأن الولاء لا يتوزع عليهم توزعه على الشركاء؛ لأنهم لا يرثون الولاء بل يرثون به.

وهذا لا يختص بما إذا كان المعتق جماعة كما يوهمه كلامه، بل لو كان المعتق واحدًا، ومات عن إخوة مثلًا .. فيضرب على كل واحد حصته تامة، وهو الذي كان الميت يحمله، وهو نصف دينار أو ربعه.

(ولا يعقل عتيق في الأظهر) لأنه لا يرث، والثاني: يعقل؛ لأنه للنصرة، وهو أولى بذلك، وخالف الإرث فإنه في مقابلة إنعام المعتق، وليس للعتيق على سيده نعمة، وقال البُلْقيني: إن هذا هو المذهب المنصوص في "الأم" و"المختصر" و"البويطي" وإن الأول لا يعرف في شيء من كتبه.

(فإن فقد العاقل، أو لم يف .. عقل بيت المال عن المسلم) لحديث: "أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارثَ لَهُ، أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرثُهُ" أخرجه أبو داوود والنسائي، وصححه ابن حبان (1).

والمسلم يرثه المسلمون، بخلاف الذمي؛ فإن ماله ينتقل إليهم فيئًا لا إرثًا.

(1) سنن أبي داوود (2899)، سنن النسائي الكبرى (6321)، صحيح ابن حبان (6035)، وأخرجه الحاكم (4/ 344) عن المقدام الكندي رضي الله عنه.

ص: 133

فَإِنْ فُقِدَ .. فَكُلُّهُ عَلَى الْجَانِي فِي الأَظْهَرِ. وَتُؤَجَّلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ دِيَةُ نَفْسٍ كَامِلَةٍ ثَلَاثَ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ، وَذِمِّيٍّ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلَاثًا، وَامْرَأَةٍ سَنَتَيْنِ فِي الأُولَى ثُلُثٌ، وَقِيلَ: ثَلَاثًا. وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَبْدَ فِي الأَظْهَرِ، فَفِي كُلِّ سَنةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ، وَقِيلَ: فِي ثَلَاثٍ،

===

(فإن فقد) بيت المال ( .. فكله على الجاني في الأظهر) بناءً على أنها تلزم الجاني ابتداءً، ثم يتحملها العاقلة، فيجب عليه تمام القسط كل سنة، والثاني: لا؛ بناءً على أنها تجب عليهم ابتداءً.

(وتؤجل على العاقلة دية نفس كاملة) وهي دية الرجل المسلم الحر (ثلاث سنين في كل سنة ثلث) بالإجماع؛ كما حكاه الشافعي والترمذي (1).

واختلفوا في المعنى الذي لأجله كانت في ثلاث سنين، فقيل: لأنها بدل نفس محترمة، وقيل: لأنها دية كاملة، وهو الأصحُّ.

وتظهر فائدة الخلاف في دية النفس الناقصة؛ كالذمي والمرأة كما سيذكره، والتقييد بالعاقلة يخرج بيت المال والجاني مع أنهما كذلك.

(وذمي سنة) بناءً على الأصحِّ؛ فإنها قدر دية المسلم، (وقيل: ثلاثًا) بناءً على أنها بدل نفس.

(وامرأة) مسلمة حرة (سنتين في الأولى ثلث) أي: ثلث الدية الكاملة، والباقي في السنة الثانية، (وقيل: ثلاثًا) أي: في ثلاث سنين؛ لأنها بدل نفس.

(وتحمل العاقلة العبد في الأظهر) لأنه بدل آدمي فأشبه الحر، والثاني: لا، بل هي حالة على الجاني؛ لأنه مضمون بالقيمة فأشبه البهيمة، (ففي كل سنة قدر ثلث دية، وقيل: في ثلاث) فإن كانت قيمته قدر دية حر مسلم .. ضربت في ثلاث سنين لا محالة، وإن كانت قدر ديتين .. ضربت في ست في كل سنة قدر ثلث دية كاملة؛ نظرًا إلى المقدر، وقيل: في ثلاث؛ لأنها بدل نفس، وإن كانت قدر ثلث الدية الكاملة .. ضربت في سنة لا غير.

(1) الأم (7/ 275)، سنن الترمذي (4/ 11).

ص: 134

وَلَوْ قَتلَ رَجُلَيْنِ .. فَفِي ثَلَاثٍ، وَقِيلَ: سِتٍّ، وَالأَطْرَافُ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ، وَقِيلَ: كُلُّهَا فِي سَنَةٍ. وَأَجَلُ النَّفْسِ مِنَ الزُّهُوقِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْجِنَايَةِ، وَمَنْ مَاتَ بِبَعْضِ سَنَةٍ .. سَقَطَ

===

(ولو قتل رجلين) مسلمين ( .. ففي ثلاث) لأن الواجب ديتان مختلفتان، والمستحق مختلف؛ فلا يؤخر حق بعضهم باستحقاق غيره، وهذا كالديون المختلفة إذا اتفق انقضاء آجالها، (وقيل: ست) لأن بدل النفس الواحدة يضرب في ثلاث سنين، ويزاد للأخرى مثلها، ولو قتل ثلاثة واحدًا .. فعلى عاقلة كل واحد ثلث دية مؤجلة عليه في ثلاث سنين، وقيل: في سنة.

(والأطراف) وأرش الجرح، والحكومة (في كل سنة قدر ثلث دية) فإن كانت أكثر من ثلث الدية، ولم تزد على ثلثين .. ففي سنتين، فيؤخذ قدر ثلث الدية في آخر السنة الأولى، والباقي في آخر السنة الثانية، وإن زاد على الثلثين ولم يزد على دية النفس .. ففي ثلاث سنين، وإن زادت على دية النفس .. فنعتبر المقدار، (وقيل: كلها في سنة) بالغة ما بلغت؛ لأنها ليست بدل نفس حتى تؤجل.

(وأجل النفس من الزهوق) أي: ابتداء المدة منه؛ لأنه وقت استقرار الوجوب (وغيرها) أي: وابتداء مدة ما دون النفس (من الجناية) لأنها حالة الوجوب فأنيط الابتداء بها كما أنيط بحالة الزهوق في النفس؛ لأنها حالة وجوب ديتها.

ومحل هذا: إذا لم تسر فإن سرت من عضو إلى عضو؛ بأن قطع إصبعه فسرت إلى كفه .. ففي ابتداء المدة ثلاثة أوجه في "أصل الروضة": أحدها: من سقوط الكف، وهو ما أورده البغوي، وثانيها: من الاندمال، وهو ما أورده الشيخ أبو حامد وأصحابه، وثالثها: ابتداء أرش الإصبع من يوم القطع، وأرش الكف من يوم سقوطها، وهو ما اختاره القفال، والروياني، والإمام، والغزالي، ومال في "الشرح الصغير" إلى ترجيحه (1).

(ومن مات) من العاقلة (ببعض سنة .. سقط) الذي عليه من حصة تلك السنة،

(1) روضة الطالبين (9/ 361 - 362).

ص: 135

وَلَا يَعْقِلُ فَقِيرٌ وَرَقِيقٌ وَصَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَمُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ وَعَكْسُهُ، وَيَعْقِلُ يَهُودِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيٍّ وَعَكْسُهُ فِي الأَظْهَرِ. وَعَلَى الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ، وَالْمُتَوَسِّطِ رُبُعٌ

===

ولا يؤخذ من تركته؛ لأنها مواساة؛ كالزكاة، بخلاف الجزية على الأصحِّ؛ لأنها كالأجرة لدار الإسلام.

(ولا يعقل فقير) ولو مكتسبًا؛ لأن العقل مواساة، والفقير ليس من أهلها؛ كنفقة القريب، بخلاف الجزية؛ لأنها موضوعة لحقن الدم، وإقراره في دار الإسلام فصارت عوضًا.

(ورقيق) ولو مكاتبًا؛ إذ لا ملك له .. فلا مواساة، والمكاتب وإن ملك فملكه ضعيف، وليس من أهل المواساة، ولهذا لا تجب عليه الزكاة.

(وصبي ومجنون) لأن مبناه على النصرة ولا نصرة فيهما، لا بالفعل ولا بالرأي، بخلاف الزمن، والشيخ الهم، والمريض، والبالغ حد الزمانة، والأعمى؛ فإنهم يتحملون على الصحيح؛ لأنهم ينصرون بالقول والرأي.

وقضية إطلاقهم: أنه لا فرق بين الجنون المتقطع والمطبق، قال الأَذْرَعي: وقد يقال: ينظر إلى الأغلب عليه، ويحتمل أن لو كان في العام يومًا واحدًا، وليس هو آخر السنة فلا عبرة به.

(ومسلم عن كافر، وعكسه) لأنه لا موالاة بينهما، ولا توارث فلا مناصرة.

(ويعقل يهودي عن نصراني، وعكسه في الأظهر) كالإرث؛ إذ الكفر ملة واحدة، والثاني: لا؛ لانقطاع الموالاة بينهما.

وسكت عن اشتراط الذكورة في العاقلة؛ اكتفاء بذكر العصوبة أول الباب، فلا تعقل امرأة ولا خنثى.

(وعلى الغني نصف دينار) لأنه أول درجات المواساة في الزكاة، والزيادة إجحاف لا ضابط لها.

(والمتوسط ربع) لأنه واسطة بين الفقير الذي لا شيء عليه، والغني الذي عليه نصف دينار، ولم يجز إلحاقه بأحد الطرفين؛ لأنه إفراط أو تفريط، فتوسط فيه بربع دينار قال الرافعي: ويشبه أن يكون المرعي في وجوب النصف أو الربع قدرهما،

ص: 136

كُلَّ سَنَةٍ مِنَ الثَّلَاثِ، وَقِيلَ: هُوَ وَاجِبُ الثَّلَاثِ، وَيُعْتبَرَانِ آخِرَ الْحَوْلِ، وَمَنْ أَعْسَرَ فِيهِ .. سَقَطَ

===

لا أنه يلزم العاقلة عين الذهب؛ لأن الإبل هي الواجبة في الدية، وما يؤخذ يصرف في الإبل، وللمستحق ألا يقبل غيرها، ويوضحه: أن المتولي قال: عليه نصف دينار أو ستة دراهم (1)، قال البغوي: ويضبط الغني والمتوسط بالعادة، ويختلف باختلاف البلدان والأزمان (2).

ورأى الإمام: أن الأقرب: اعتبار ذلك بالزكاة، فإن ملك عشرين دينارًا آخر الحول .. فغني، وإن ملك دون ذلك فاضلًا عن حاجاته .. فمتوسط، قال: ويشترط: أن يملك شيئًا فوق المأخوذ، وهو الربع، لئلا يصير فقيرًا، وشرطهما: أن يكون ما يملكانه فاضلًا عن مسكن، وثياب، وسائر ما لا يكلف بيعه في الكفارة. انتهى (3)، ومال في "الشرح الصغير" إلى كلام الإمام، واستنبط ابن الرفعة من كلامهم: أن المراد بالفقير هنا: من لا يملك كفايته على الدوام، وصرح به صاحب "البيان"(4).

(كل سنة من الثلاث) لأنها مواساة تتعلق بالحول، فتكررت بتكرره؛ كالزكاة، فجميع ما يلزم الغني في السنين الثلاث دينار ونصف والمتوسط نصف وربع، (وقيل: هو) أي: النصف، أو الربع (واجب الثلاث) لأن الأصل عدم الضرب، فلا يخالفه إلا في هذا القدر، فعلى هذا: يؤدي الغني كل سنة سدس دينار، والمتوسط نصف سدسه.

(ويعتبران) أي: الغني والمتوسط (آخر الحول) لأنه حق مالي متعلق بالحول على جهة المواساة، فاعتبر بآخره، كالزكاة.

(ومن أعسر فيه) أي: في آخر الحول ( .. سقط) أي: لا يلزمه شيء من واجب

(1) الشرح الكبير (10/ 479).

(2)

التهذيب (7/ 197).

(3)

نهاية المطلب (16/ 516 - 517).

(4)

البيان (11/ 604).

ص: 137