الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في الغرة]
فِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ إِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَوْتهَا، وَكَذَا إِنْ ظَهَرَ بِلَا انْفِصَالٍ فِي الأَصَحِّ، وَإِلَّا .. فَلَا، أَوْ حَيًّا وَبَقِيَ زَمَانًا بِلَا أَلَمٍ ثمَّ مَاتَ .. فَلَا ضَمَانَ،
===
(فصل: في الجنين) الحر المسلم (غرة إن انفصل ميتًا بجناية) تؤثر في الجنين من ضرب وإيجار دواء ونحوهما (في حياتها أو موتها) لحديث أبي هريرة الثابت في "الصحيحين": (اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى أن دية جنينهما غرة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها)(1).
وسميت النسمة من الرقيق غرة؛ لأنها غرة ما يملكه؛ أي: أفضله، وغرة كل شيء: خياره.
وقوله: (في حياتها أو موتها) متعلق بـ (انفصل) أي: انفصل في حياتها بجناية، أو انفصل بعد موتها بجناية في حياتها.
(وكذا إن ظهر بلا انفصال في الأصح) لتحقق وجوده، والثاني: لا بد من تمام انفصاله، لأن ما لم ينفصل كالعضو منها، وقياسا على انقضاء العدة، وسائر الأحكام.
ويتفرع على الوجهين: ما إذا ضرب بطنها، فخرج رأس الجنين مثلًا، وماتت الأم بذلك، ولم ينفصل أو خرج رأسه ثم جنى عليها فماتت، فعلى الأصحِّ: تجب الغرة؛ لتيقن وجوده، والثاني: لا تجب؛ لعدم الانفصال.
(وإلا) أي: وإن ماتت الأم ولم ينفصل الولد ولم يظهر ( .. فلا) غرة، لأنا لا نتيقن وجود الجنين، فلا نوجب شيئًا بالشك.
(أو حيًّا) أي: أو انفصل حيًّا (وبقي زمانًا بلا ألم، ثم مات .. فلا ضمان) لأن الظاهر: أنه مات بسبب آخر.
(1) صحيح البخاري (5760)، صحيح مسلم (1681/ 34).
وَإِنْ مَاتَ حِينَ خَرَجَ أَوْ دَامَ أَلَمُهُ وَمَاتَ .. فَدِيَةُ نَفْسٍ. وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ .. فَغُرَّتَانِ، أَوْ يَدًا .. فَغُرَّةٌ، وَكَذَا لَحْم قَالَ الْقَوَابِلُ:(فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّة)، قِيلَ: أَوْ قُلْنَ: (لَوْ بَقِيَ .. لَتَصَوَّرَ). وَهِيَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، مُمَيِّزٌ سَلِيمٌ مِنْ عَيْبِ مَبِيعٍ، وَالأَصَحُّ: قَبُولُ كَبِيرٍ لَمْ يَعْجَزْ بِهَرَمٍ، وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهَا نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ،
===
(وإن مات حين خرج) وتم انفصاله (أو دام المه، ومات) منه ( .. فدية نفس) لأنا تيقنا حياته، وقد هلك بالجناية فأشبه سائر الأحياء.
(ولو ألقت جنينين .. فغرتان) أو ثلاثة فثلاثة؛ لأن الغرة متعلقة باسم الجنين فتعدد بتعدده.
(أو يدًا) أو رجلًا ولم ينفصل ( .. فغرة) لأن العلم حصل بوجود الجنين، والغالب على الظن أن يده بانت بالجناية، واليدان كاليد، وكذا الثلاث والأربع على الأصحِّ.
(وكذا لحم قال القوابل: "فيه صوره خفية") لا يعرفها إلا أهل الخبرة بوجوده، (قيل: أو قلن: "لو بقي .. لتصور") أي: لم تكن فيه صورة ظاهرة ولا خفية فعرفها القوابل، لكن قلن:(إنه أصل آدمي، ولو بقي .. لتصور وتخلق)، فتجب الغرة؛ كما تنقضي به العدة، والمذهب: لا غرة، كما لا تصير أم ولد، وقد سبق إيضاح ذلك في (باب العدد).
(وهي) أي: الغرة الواجبة (عبد أو أمة) كما نطق به الخبر (مميز) فلا يقبل من لا تمييز له؛ لأن الغرة الخيار، وغير المميز ليس بخيار؛ لأنه يحتاج إلى من يكفله، (سليم من عيب مبيع) لأن المعيب ليس من الخيار؛ فإن رضي به .. جاز.
(والأصح: قبول كبير لم يعجز بهرم) لأنه من الخيار ما لم تنقص منافعه، وهذا ما نص عليه في "الأم"، والثاني: لا يقبل بعد عشرين سنة؛ لأنه ينقص ثمنه حينئذ.
(ويشترط بلوغها) أي: بلوغ قيمة الغرة (نصف عشر الدية) أي: دية الأب، وهو خمس من الإبل، روي ذلك عن عمر، وعلي، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، قال الماوردي: ولم يخالفهم فيه أحد، فكان إجماعًا (1).
(1) الحاوي الكبير (16/ 218).
فَإِنْ فُقِدَتْ .. فَخَمْسَةُ أَبْعِرَة، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ، فَلِلْفَقْدِ قِيمَتُهَا، وَهِيَ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي، وَقِيلَ: إِنْ تَعَمَّدَ .. فَعَلَيْهِ. وَالْجَنِينُ الْيَهُودِيُّ أَوِ النَّصْرَانِيُّ قِيلَ: كَمُسْلِمٍ، وَقِيلَ: هَدَرٌ، وَالأَصَحُّ: غُرَّةٌ كَثُلُثِ غُرَّةِ مُسْلِمٍ
===
(فإن فقدت) الغرة أو وجدت بأكثر من ثمن المثل ( .. فخمسة أبعرة) لأنها مقدرة بالخمس عند وجودها، فعند عدمها يأخذ ما كانت مقدرة به، وإذا انتقل إلى الإبل عند فقد الغرة .. غلظنا إن كانت الجناية شبه عمد؛ بأن يؤخذ حقة ونصف، وجذعة ونصف، وخلفتان، ولم يتكلموا في التغليظ عند وجود الغرة، لكن قال الروياني: ينبغي أن يقال: تجب غرة قيمتها نصف عشر الدية المغلظة، قال الرافعي: وهذا حسن (1).
(وقيل: لا يشترط) إن تبلغ الغرة نصف عشر الدية؛ لإطلاق لفظ العبد والأمة في الخبر (فللفقد قيمتها) على هذا الوجه بالغة ما بلغت؛ كما لو غصب عبدًا فمات.
(وهي) أي: الغرة (لورثة الجنين) لو انفصل حيًّا ثم مات؛ لأنها دية نفس، ولو جنت الحامل بشرب دواء أو غيره .. فلا شيء لها منها؛ لأنها قاتلة.
(وعلى عاقلة الجاني) لحديث أبي هريرة السالف أول الفصل (2)، (وقيل: إن تعمد) بأن قصدها بما يلقي غالبًا ( .. فعليه) أي: على الجاني؛ بناءً على أنه يتصور في ذلك العمد المحض، والأصحُّ: أنها على العاقلة؛ بناءً على المذهب من كونه لا يتصور العمد في ذلك، وإنما يكون خطأ أو عمد خطأ؛ لأنه لا يتحقق وجوده وحياته حتى يقصد.
(والجنين اليهودي أو النصراني) الذي لأمه حرمة ذمة، أو عهد، أو رق (قيل: كمسلم) فتجب غرة؛ لأنه لا سبيل إلى الإهدار، ولا إلى تجزئة الغرة، (وقيل: هدر) إذ لا سبيل إلى التسوية بينهما، والتجزئة ممتنعة.
(والأصح: غرة؛ كثلث غرة مسلم) قياسًا على الدية، وقد بسط الأَذْرَعي الكلام في هذه المسألة، وذكر ما ملخصه: أن المذكور في "النهاية" في المسألة ثلاثة
(1) الشرح الكبير (10/ 525).
(2)
في (ص 141).
وَالرَّقِيقُ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ - وَقِيلَ: الإِجْهَاضِ -
===
أوجه: أحدها: أنه لا تجب فيه شيء من الغرة أصلًا، وإنما الواجب فيه عشر دية الأم، والثاني: أنه يجب جزء من الغرة، نسبته من الغرة كنسبة دية أهل الجنين من الدية الكاملة، ففي الجنين النصراني ثلث الغرة، وفي المجوسي جزء منسوب إلى ديته، والثالث: أنه يجب عبد كامل؛ لأن التبعيض محذور، والتسوية بين المسلم والكافر ممتنعة، فيجب عبد نسبة قيمته من دية النصراني مثلًا خمس من الإبل من دية المسلم؛ فالواجب على هذا: غرة كاملة بالشخص ناقصة بالقيمة.
ثم قال: إذا علمت هذا .. علمت أن الوجه الأول في "المنهاج": هو الثالث فيه لا غيره، وأنه ليس لنا وجه محقق أنه تجب فيه غرة كالغرة الواجبة في المسلم من غير فرق؛ كما هو ظاهر عبارة الشيخين، وأنه ليس لنا وجه بالإهدار، وأن القول به وهم قطعًا، ولم أر من صرح بالإهدار غير "المنهاج"، وهو خلاف نصوص الشافعي في كتبه، وخلاف ما عرف من مذهبه ضرورة.
(والرقيق عشر قيمة أمه) قياسًا على الجنين الحر؛ فإن الغرة فيه معتبرة بعشر ما ضمن به الأم، وسواء فيه القنة، والمدبرة، والمكاتبة، والمستولدة، والذكر والأنثى؛ لاستوائهما فيما ورد في النص، وهو الحر (يوم الجناية) عليها؛ لأنه وقت الوجوب.
(وقيل: الإجهاض) لأن الجناية صارت نفسًا اعتبر بدلها وقت استقرارها؛ كالجناية على العبد إذا عتق، والكافر إذا أسلم.
وإطلاقه اعتبار يوم الجناية يقتضي: أنه سواء كانت القيمة فيه أكثر من وقت الإلقاء أو أقل، وبه صرح القاضي حسين وغيره، لكن الرافعي لما حكى أن الأصح: اعتبار يوم الجناية .. علله بأن قيمته حينئذ أكمل غالبًا، قال: فإن فرضت زيادة القيمة مع تواصل الآلام .. اعتبرت تلك الزيادة، قال الرافعي: وحقيقة هذا الوجه النظر إلى أقصى القيم (1)، ولهذا عبر في "أصل الروضة" بأن الأصح المنصوص: أنه تعتبر
(1) الشرح الكبير (10/ 515 - 516).
لِسَيِّدِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً، وَالْجَنِينُ سَلِيمٌ .. قُوِّمَتْ سَلِيمَةً فِي الأَصَحِّ، وَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي الأَظْهَرِ.
===
القيمة أكثر ما كانت من الجناية إلى الإجهاض (1).
ويستثنى من إطلاق المصنف: ما إذا انفصل الجنين حيًّا، ومات من أثر الجناية .. فإن فيه قيمته يوم الانفصال وإن نقصت عن عشر قيمة الأم.
(لسيدها) أي: تكون الغرة لسيد الأمة؛ لأنه المالك.
وعبارة "المحرر" كـ "الشرح": للسيد (2)؛ يعني: سيد الجنين، وهو الصواب؛ لأن الجنين قد يكون لشخص وُصِّيَ له به، وتكون الأم لآخر، فالبدل لسيده لا لسيدها.
(فإن كانت) الأم (مقطوعة) الأطراف (والجنين سليم .. قومت سليمة في الأصح) كما لو كانت كافرة والجنين مسلم؛ فإنه يقدر فيها الإسلام وتقوم مسلمة، والثاني: لا تقدر فيها السلامة؛ لأن نقصان الأغضاء أمر خلقي، وفي تقدير خلافه بعدٌ، بخلاف صفة الإسلام وغيره، كذا علله الرافعي (3)، وهو يفهم أن صورة المسألة في نقص الأم من أصل الخلقة، وهو مخالف لتعبيرهم بالمقطوعة.
وقد يوهم كلام المصنف: أنه لو كان الجنين مقطوعًا، والأم سليمة .. قومت مقطوعة، وليس كذلك، بل تقوم سليمة أيضًا على الأصحِّ؛ لأن نقصان الجنين قد يكون من أثر الجناية، واللائق التغليظ على الجاني لا التخفيف.
فلو قال: (وعكسه) .. لشمل هذه الصورة.
(وتحمله) أي: بدل الجنين (العاقلة في الأظهر) هذا هو الخلاف في أن الرقيق هل تحمله العاقلة؟ وقد سبق.
* * *
(1) روضة الطالبين (9/ 372).
(2)
المحرر (ص 416)، الشرح الكبير (15/ 526).
(3)
الشرح الكبير (10/ 516).