الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الأَعْضَاءِ إِلَّا الْمَقَاتِلَ وَالْوَجْهَ، قِيلَ: وَالرَّأْسَ، وَلَا تشُدُّ يَدُهُ، وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ، وَيُوَالِي الضَّرْبَ بحَيثُ يَحْصُلُ زَجْرٌ وَتنكِيلٌ.
فَصْلٌ [في التعزير]
يُعَزَّرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ لَهَا وَلَا كَفَّارَةَ
===
(ويفرّقه على الأعضاء) لئلا يعظم ألمه بالموالاة في موضع واحد، (إلا المقاتل) كثغرة النحر والفرج ونحوهما؛ لأن المقصود تأديبه وزجره، لا إهلاكه، (والوجه) لقول علي رضي الله عنه للجلاد:(اتق الوجه)(1)، (قيل: والرأس) لأنه موضع شريف، وفيه مقتل، والأصحُّ: المنع؛ لقول أبي بكر رضي الله عنه للجلاد: (اضرب الرأس؛ فإن الشيطان في الرأس)(2)، ولأنه مستور بالشعر غالبًا، فلا يخاف من ضربه ما يخاف من ضرب الوجه.
(ولا تشد يده)، بل تترك؛ ليتقي بها إن شاء، ولا يلقى على وجهه ولا يمد، بل يجلد الرجل قائمًا والمرأةُ جالسة.
(ولا تجرد ثيابه) كلُّها، بل يترك عليه قميص أو قميصان، لا ما يمنع الألم؛ من جبة محشوة، وفروة؛ ملاحظةً لمقصود الحد، ويترك على المرأة ما يسترها، وتشد عليها ثيابها.
(ويوالي الضرب بحيث يحصل زجر وتنكيل)، فلا يجوز أن يفرق فيضرب في كل يوم سوطًا أو سوطين، لفوات مقصود الحد.
* * *
(فصل: يعزر في كل معصيه لا حد لها ولا كفارة).
واستثني من منطوق الكتاب صور كثيرة: منها: ذوو الهيئات، قال الشافعي: وهم الذين لا يعرفون بالشر، فيزل أحدهم الزلة، فلا يعزرون، بل تقال عثرتهم
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(29268)، والبيهقي (8/ 327)
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(29641).
بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ أَوْ تَوْبِيخٍ،
===
وتستر زلتهم (1)، للحديث المشهور:"أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ، إِلَّا الْحُدُودَ"(2)، ومنها: إذا رأى من يزني بأهله وهو محصن، فقتله في تلك الحالة. . فلا تعزير عليه وإن افتات على الإمام؛ لأجل الحمية والغيظ؛ حكاه ابن الرفعة عن ابن داوود، ومنها: الأصل لا يعزر لحق الفرع؛ كما لا يحد بقذفه، صرح به الماوردي (3).
واستثني من مفهومه أيضًا صور كثيرة: منها: الجماع في نهار رمضان، فإنه يجب فيه التعزير مع الكفارة؛ كما نقله البغوي في "شرح السنة" عن إجماع الأمة (4)، ومنها: الزيادة على أربعين في الشرب إلى ثمانين تعزير على الصحيح؛ كما مر، ومنها: ما ذكره الشيخ عز الدين في "القواعد الصغرى": أنه لو زنى بأمه في جوف الكعبة في رمضان، وهو صائم معتكف محرم. . لزمه العتق والبدنة، ويحد للزنا، ويعزر لقطع رحمه وانتهاك حرمة الكعبة (5)، ومنها: الصبي والمجنون يعزران إذا فعلا ما يعزر عليه البالغ وإن لم يكن فعلهما معصية، نصّ عليه في الصبي، وذكره القاضي الحسين في المجنون.
(بحبس، أو ضرب، أو صفع، أو توبيخ)، أو نفي؛ كما ذكراه في (باب حد الزنا)، ونص عليه في "الأم"، أو إعراض؛ كما ذكره الماوردي؛ لأنها تفيد الردع والزجر عن الجريمة (6).
وله إشهاره في الناس إذا أدى اجتهاده إليه، ويجوز حلق رأسه دون لحيته، وله الجمع بين الحبس والضرب إن رآه، نص عليه في "الأم"، وصرح به الماوردي،
(1) الأم (7/ 368).
(2)
أخرجه ابن حبان (94)، وأبو داوود (4375)، والنسائي (7254) عن عائشة رضي الله عنها.
(3)
الحاوي الكبير (17/ 335).
(4)
شرح السنة (4/ 165).
(5)
القواعد الصغرى (ص 72).
(6)
الشرح الكبير (11/ 130)، روضة الطالبين (10/ 86)، الأم (7/ 369 - 370)، الحاوي الكبير (17/ 331).
وَيَجْتَهِدُ الإِمَامُ فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ، وَقِيلَ: إِنْ تَعَلَّقَ بِآدَمِيٍّ. . لَمْ يَكْفِ تَوْبِيخ، فَإِنْ جُلِدَ. . وَجَبَ أَنْ يَنْقُصَ فِي عَبْدٍ عَنْ عِشْرِينَ جَلْدَةً، وَحُرٍّ عَنْ أَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: عِشْرِينَ، وَيَسْتَوِي فِي هَذَا جَمِيعُ الْمَعَاصِي فِي الأَصَحِّ.
===
والقاضي أبو الطيب، والشيخان (1).
وعلى الإمام في إقامة التعزير مراعاة الترتيب والتوبيخ اللائق بالحال في القدر والنوع؛ كما يراعيه في دفع الصائل، ويشترط: أن ينقص مدة الحبس عن سنة، نص عليه في "الأم" في (قتل المؤمن بالكافر)، فقال: ولا يبلغ بحبسه سنة (2).
(ويجتهد الإمام في جنسه وقدره) لأنه غير مقدر، فوكل إلى رأيه يجتهد في سلوك الأصلح؛ لاختلاف ذلك باختلاف مراتب الناس، (وقيل: إن تعلق بآدمي. . لم يكف توبيخ) لتأكد حق الآدمي، والأصحُّ: الاكتفاء؛ كما في حق الله تعالى.
(فإن جلد. . وجب أن ينقص في عبد عن عشرين جلدة، وحرٍّ عن أربعين) لأن جناية العبد دون جناية الحر، فتعزير الحر يعتبر بحده، وتعزير العبد يعتبر بحده، (وقيل: عشرين) لأنها حد العبد، فهو داخل في المنع في قوله عليه السلام:"مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ. . فَهُوَ مِنَ الْمُعْتَدِينَ"، رواه البيهقي وقال: المحفوظ إرساله (3).
وقيل: لا يزاد في تعزيرهما على عشرة أسواط، وهو قوي مختار؛ لما في "الصحيحين":"لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ، إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ تَعَالَى"(4)، قال صاحب "التقريب": ولو بلغ الخبر للشافعي. . لقال به.
وأجاب من قال بالأول: إن الخبر منسوخ أو مؤول.
(ويستوي في هذا جميع المعاصي في الأصح)، ويلحق ما هو من مقدمات موجبات الحدود بما ليس من مقدماتها؛ إذ لا دليل على التفرقة، والثاني: لا، بل
(1) الحاوي الكبير (20/ 99)، الشرح الكبير (11/ 289)، روضة الطالبين (10/ 174).
(2)
الأم (7/ 99).
(3)
سنن البيهقي (8/ 327) من النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
(4)
صحيح البخاري (6850)، صحيح مسلم (1708) عن أبي بردة الأنصاري رضي الله عنه.
وَلَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ حَدٍّ. . فَلَا تَعْزِيرَ لِلإِمَامِ فِي الأَصَحِّ، أَوْ تَعْزِيرٍ. . فَلَهُ فِي الأَصَحِّ.
===
تقاس كل معصية بما يناسبها مما يوجب الحد، فلا يبلغ بتعزير مقدمات الزنا حدَّ الزنا، وله أن يزيد على حد القذف، ولا يبلغ بتعزير السب حدَّ القذف، وله أن يزيد على حد الشرب، ولا يبلغ بتعزير إدارة كأس الماء على الشرب تشبيهًا بشارب الخمر حدَّ الشرب؛ اعتبارًا لكل نوع بغاية الزاجر المشروع في جنسه، وقرُب هذا من قولهم: إن حكومة الجناية الواردة على عضو تعتبر بأرش ذلك العضو.
(ولو عفا مستحق حد. . فلا تعزير للإمام في الأصح، أو تعزير. . فله في الأصح) لأن الحد لازم مقدر لا نظر للإمام فيه، فلا سبيل إلى العدول إلى غيره بعد سقوطه، والتعزير يتعلق أصله بنظره، فجاز ألا يؤثر فيه إسقاط غيره، والثاني: له ذلك مطلقًا، واختاره الشيخ عز الدين (1)؛ لأنه لا يخلو عن حق لله تعالى، ولأنه قد يحتاج إلى زجره وزجر غيره عن مثل ذلك، والثالث: لا مطلقًا؛ لأن مستحقه أسقطه (2).
* * *
(1) القواعد الكبرى (1/ 294).
(2)
فائدة: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: التعزير بمثل الفعل المتعدى به إذا لم يكن محرمًا، وهو قول عائشة: لَدَدْنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه، فأشار:"أنْ لَا تَلُدُّونِي"، فقلنا: كراهة بالمريض للدواء، فلما أفاق. . قال:"لا يَبْقى أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا لُدَّ غَيْرَ الْعَبَّاسِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ"، وهذا لم يذكره أصحابنا، إلا أن المصنف في "شرح مسلم "[14/ 199 - 200] فسر به الحديث، واللدد: ما صب تحت اللسان، وقيل: ما صب في جانب الفم، ذكره القاضي عياض في "تنبيهاته"، حكاه عنه في "العجالة"[4/ 1664]. اهـ هامش (أ).