الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ جَرَحَهُ وَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتًا .. حَرُمَ فِي الأَظْهَرِ.
فَصْلٌ [فيما يملك به الصيد وما يذكر معه]
يُمْلَكُ الصَّيْدُ بِضَبْطِهِ بِيَدِهِ، وَبِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ، وَبِإِزْمَانٍ وَكَسْرِ جَنَاحٍ، وَبِوُقُوعِهِ فِي شَبَكَةٍ نَصَبَهَا، وَبِإِلْجَائِهِ إِلَى مَضِيقٍ لَا يُفْلِتُ مِنْهُ
===
(وإن جرحه) الكلب، أو أصابه سهم فجرحه (وغاب، ثم وجده ميتًا
…
حرم في الأظهر) لاحتمال موته بسبب آخر، والتحريم يحتاط له، والثاني: يحل، واختاره الغزالي (1)، وقال في "الروضة": إنه أصح دليلًا، وثبت فيه أحاديث صحيحة، ولم يثبت في التحريم شيء (2).
واعترضه البُلْقيني بما في "سنن البيهقي" بطرق حسنة في حديث عدي بن حاتم: "إِذَا رَأَيْتَ سَهْمَكَ فِيهِ، وَلَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَهُ، وَتَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ"(3)، قال: فهذا تقييد لبقية الروايات المطلقة، وهو دال على التحريم في محل النزاع. انتهى
ومحل الخلاف: ما إذا لم يكن قد أنهاه بالجرح إلى حركة المذبوح، فإن أنهاه .. حل قطعًا، وما إذا لم يجد فيه غير جرحه، فإن وجد فيه جراحة أخرى، أو وجده في ماء .. حرم قطعًا.
* * *
(فصل: يملك الصيد بضبطه بيده) لأنه مباح فيملك بوضع اليد عليه؛ كسائر المباحات، (وبجرح مذفف، وبإزمان وكسر جناح) أو قصه بحيث يعجز عن الطيران والعدو جميعًا، (وبوقوعه في شبكة نصبها) للصيد (وبإلجائه إلى مضيق لا يفلت منه) كبيت ونحوه؛ لأنه صار مقدورًا عليه.
واحترز بقوله: (نصبها): عما لو وقعت الشكبة من يده فتعلق بها صيد .. فإنه لا يملكه على الأصح.
(1) إحياء علوم الدين (2/ 101).
(2)
روضة الطالبين (3/ 253).
(3)
سنن البيهقي (9/ 242).
وَلَوْ وَقَعَ صَيْدٌ فِي مِلْكِهِ وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ بِتَوَحُّلٍ وَغَيْرِهِ .. لَمْ يَمْلِكْهُ فِي الأَصَحِّ، وَمَتَى مَلَكَهُ .. لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ بِانْفِلَاتِهِ، وَكَذَا بِإرْسَالِ الْمَالِكِ لَهُ فِي الأَصَحِّ
===
وكان ينبغي أن يقول: (نصبها له) كـ "المحرر"(1) فإن مجرد نصبها لا يكفي حتى يقصد نصبها للصيد، وكذا إذا أرسل كلبا على صيد فأثبته.
والضابط الجامع لذلك: إبطال الامتناع، وحصول الاستيلاء عليه، هذا إذا لم يكن عليه أثر ملك، كوسم، وقص جناح، وقرط، ونحوه، فإن كان كذلك .. لم يملكه، بل هو ضالة أو لقطة.
(ولو وقع صيد في ملكه وصار مقدورًا عليه بتوحل وغيره .. لم يملكه في الأصح) لأن مثل هذا لا يقصد به الاصطياد، والقصد مرعي في التمليك، والثاني: يملكه كالشبكة.
قال الإمام: ومحل الخلاف: فيما إذا لم يكن سقيُ الأرض مما يقصد به توحل اورب فإن كان .. فكنصب الشبكة، وكلام الروياني يقتضيه، كذا نقلاه في "الشرح" و"الروضة" عنهما وأقراه، لكن حكيا في (إحياء الموات) عن الإمام: أن توحل الصيد في أرضه التي سقاها لا يقتضي الملك وإن قصده، وأقراه، كذا في "المهمات"(2)، وقال البُلْقيني: لا تناقض بينهما، فالمذكور في (الإحياء) قصد التملك، والمذكور هنا أن يكون التوحل مما يقصد به في العادة الاصطياد.
(ومتى ملكه .. لم يزل ملكه بانفلاته) كما لو أبق العبد.
نعم؛ لو انفلت من الشبكة المنصوبة لقطعه إياها .. زال ملكه عنه، وعاد إلى الإباحة، وتملكه من يصطاده؛ كما نقله في "أصل الروضة" عن الماوردي، وقال في "شرح المهذب": إنه المذهب (3).
(وكذا بإرسال المالك له في الأصح) لأن رفع اليد عنه لا يقتضي زوال الملك؛ كما لو سيب دابته، بل لا يجوز ذلك؛ لأنه يشبه السوائب، قال القفال: والعوام
(1) المحرر (ص 464).
(2)
المهمات (9/ 15).
(3)
روضة الطالبين (3/ 254)، المجموع (9/ 121).
وَلَوْ تَحَوَّلَ حَمَامُهُ إِلَى بُرْجِ غَيْرِهِ .. لَزِمَهُ رَدُّهُ، فَإِنِ اخْتَلَطَ وَعَسُرَ التَّمْيِيزُ .. لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا وَهِبَتُهُ شَيْئًا مِنْهُ لِثَالِثٍ، وَيَجُوزُ لِصَاحِبهِ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ بَاعَاهُمَا وَالْعَدَدُ مَعْلُومٌ وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ .. صَحَّ، وَإِلَّا .. فَلَا
===
يحتسبون به، ويسمونه إعتاقًا، ومن حقه أن يحترز عنه؛ لأن الطائر المخلى يختلط بالطيور المباحة، فيأخذه الآخذ، ويظن أنه قد ملكه، وهو لا يملكه، والثاني: يزول؛ كعتق عبده، والثالث: إن قصد بإرساله التقرب إلى الله تعالى .. زال، وإلا .. فلا.
ومحل كلام المصنف: في غير المحرم، أما لو أحرم وفي ملكه صيد .. فإنه يجب إرساله، ويزول ملكه عنه.
(ولو تحول حمامه إلى برج غيره .. لزمه رده) إن تميز؛ لبقاء ملكه؛ كالضالة، فإن حصل بينهما بيض، أو فرخ .. فهو لمالك الأنثى دون الذكر.
(فإن اختلط وعسر التمييز .. لم يصح بيع أحدهما وهبته شيئًا منه لثالث) لأنه لا يتحقق الملك فيه؛ فإنه كما يحتمل كون ذلك المبيع ملكه يحتمل أن يكون ملكًا للآخر.
(ويجوز لصاحبه في الأصح) للضرورة؛ لأن الشروط ترتفع عند التعذر، ولذلك صحت الجعالة والقراض مع اشتمالهما على الجهالة، والثاني: المنع؛ لعدم تحقق الملك.
وينبغي تخصيص الخلاف بما إذا جهلا العدد والقيمة؛ فإن علماهما .. فيظهر القطع بالصحة، كذا قاله ابن الملقن، والأَذْرَعي وغيرهما (1).
(فإن باعاهما) أي: باعا الحمام المختلط لثالث، ولا يدري أحدهما عين ماله (والعدد معلوم والقيمة سواء .. صح) لصحة التوزيع على أعدادها، وتحتمل الجهالة في المبيع للضرورة، فإن كان للواحد مئة وللآخر مئتان .. كان الثمن أثلاثًا.
(وإلا) أي: وإن كان العدد مجهولًا والقيمة متفاوتة ( .. فلا) يصح؛ لأنه لا يعرف كل واحد ما يستحقه من الثمن، قال الرافعي تبعًا للإمام: (والطريق: أن
(1) عجالة المحتاج (4/ 1734 - 1735).
وَلَوْ جَرَحَ الصَّيْدَ اثنانِ مُتَعَاقِبَانِ؛ فَإِنْ ذَفَّفَ الثَّانِي أَوْ أَزْمَنَ دُونَ الأَوَّلِ .. فَهُوَ لِلثَّانِي، وَإِنْ ذَفَّفَ الأَوَّلُ .. فَلَهُ، وَإِنْ أَزْمَنَ .. فَلَهُ، ثُمَّ إِنْ ذَفَّفَ الثَّانِي بِقَطْع حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ .. فَهُوَ حَلَالٌ، وَعَلَيْهِ لِلأَوَّلِ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ، وَإِنْ ذَفَّفَ لَا بِقَطْعِهِمَا أَوْ لَمْ يُذفِّفْ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ .. فَحَرَامٌ، وَيَضْمَنُهُ الثَّانِي لِلأَوَّلِ. وَإِنْ جَرَحَا مَعًا وَذَفَّفَا أَوْ أَزْمَنَا .. فَلَهُمَا، وَإِنْ ذَفَّفَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَزْمَنَ دُونَ الآخَرِ .. فَلَهُ، وَإِنْ ذَفَّفَ وَاحِدٌ وَأَزْمَنَ آخَرُ وَجُهِلَ السَّابِقُ .. حَرُمَ عَلَى
===
يقول كل واحد منهما: "بعتك الحمام الذي في هذا البرج بكذا" فيكون الثمن معلومًا، ويحتمل الجهل في المبيع للضرورة) (1).
(ولو جرح الصيد اثنان متعاقبان؛ فإن ذفف الثاني، أو أزمن دون الأول) أي: لم يوجد منه تذفيف ولا إزمان ( .. فهو للثاني) لأن جرحه هو المؤثر في امتناعه، ولا شيء على الأول بجراحته؛ لأنه كان مباحًا حينئذ.
(وإن ذفف الأول .. فله) لما سبق، وعلى الثانى أرش ما نقص من لحمه وجلده؛ لأنه جنى على ملك الغير، (وإن أزمن) الأول ( .. فله) لإزمانه إياه.
(ثم إن ذفف الثاني بقطع حلقوم ومريء .. فهو حلال، وعليه للأول ما نقص بالذبح) وهو ما بين قيمته زمنًا ومذبوحا، كما لو ذبح شاة غيره بغير إذنه.
(وإن ذفف لا بقطعهما، أو لم يذفف ومات بالجرحين .. فحرام) أما الأولى .. فلأن المقدور عليه لا يحل إلا بذبحه، وأما الثانية .. فلاجتماع المبيح والمحرم؛ كما لو اشترك في الذبح مسلم ومجوسي، (ويضمنه الثاني للأول) لأنه أفسد ملكه، وفيما يضمنه تفصيل يطول ذكره.
(وإن جرحا معًا وذففا أو أزمنا .. فلهما) لاشتراكهما في سبب الملك، ولا مزية لأحدهما على الآخر.
(وإن ذفف أحدهما أو أزمن دون الآخر .. فله) لانفراده بسبب الملك، ولا ضمان على الآخر؛ لوقوع جراحته حين كان مباحًا.
(وإن ذفف واحد) لا بقطع الحلقوم (وأزمن آخر وجهل السابق .. حرم على
(1) الشرح الكبير (12/ 44).
المذهب) لاجتماع الحظر والإباحة؛ فإنه يحتمل سبق التذفيف .. فيحل، أو تأخره .. فلا يحل إلا بقطع الحلقوم ولم يوجد، والطريق الثاني: حكاية قولين؛ كما لو جرح الصيد وغاب ثم وجده ميتًا، ومن قال بالأول فرق بأن هناك جرحًا سابقًا يحال عليه الموت (1)، وهو معهود في القصاص وغيره، وهنا بخلافه، والاعتبار في الترتيب والمعية بالإصابة لا بابتداء الرمي.
* * *
(1) في جميع النسخ: (بأن هناك جرح سابق)، وهذا مخالف للقواعد المعروفة، ولعله لغة غريبة؛ كما استعملت (كان) في كتاب "الرسالة" للإمام الشافعي غير قليل مخالفة للقواعد المعلومة لدينا؛ مثل قول الشافعي رحمه الله تعالى فيه (ص 174):(ثم كان لرسول الله في بيوع سوى هذا سننًا)، وانظر أيضًا (ص 516) منه، والله تعالى أعلم.