الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الصَّيد والذَّبائح
ذَكَاةُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِذَبْحِهِ فِي حَلْقٍ أَوْ لَبَّةٍ إِنْ قُدِرَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا .. فَبِعَقْرٍ مُزْهِقٍ حَيْثُ كَانَ. وَشَرْطُ ذَابِحٍ وَصَائِدٍ حِلُّ مُنَاكَحَتِهِ،
===
(كتاب الصيد والذبائح)
أفرد الصيد؛ لأنه مصدر، وجمع الذبائح؛ لأنها تكون بالسكين وبالسهم وبالجوارح.
وأصل الباب: قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} ، وقوله:{قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} ، والمذكى من الطيبات، ومن السنة ما سيأتي، والإجماع قائم على ذلك.
(ذكاة الحيوان المأكول) البري (بذبحه في حلق أو لبة) بفتح اللام (إن قدر عليه) لقول عمر وابن عباس رضي الله عنهم: (الذكاة في الحلق واللبة) رواه الشافعي، وروي مرفوعا بضعف (1)، وحكي فيه الإجماع.
وتعريفه الذكاة بالذبح غير مستقيم؛ لأن الذكاة في اللغة: الذبح فإن فيه تعريف الشيء بنفسه، إلا أن يقال: المراد بالذبح: التام المفيد للأكل، وهو ما في الحلق واللبة لا مطلق الذبح، قاله أهل اللغة.
وأورد: الجنين الموجود في بطن الأم؛ فإنه لم يذبح وهو حلال، وأجيب: بأن الكلام في الذكاة استقلالًا، والحل للجنين بطريق التبعية.
(وإلا) أي: وإن لم يقدر عليه (فبعقر مزهق حيث كان) لما سيأتي (وشرط ذابح وصائد حل مناكحته) للمسلمين فتحل ذبيحة الكتابي؛ لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} والمراد بالطعام: الذبائح، وبأهل الكتاب: اليهود والنصارى، فلا تحل ذبائح من عداهم؛ كالمجوس، وعباد الأوثان.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب النحر والذبح تعليقًا، والبيهقي (9/ 278)، وابن أبي شيبة (20189) عن ابن عباس رضي الله عنهما، والدارقطني (4/ 283) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وَتَحِلُّ ذَكَاةُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ، وَلَوْ شَارَكَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا فِي ذَبْحٍ أَوِ اصْطِيَادٍ .. حَرُمَ، وَلَوْ أَرْسَلَا كَلْبَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ؛ فَإِنْ سَبَقَ آلَةُ الْمُسْلِمِ فَقَتلَ أَوْ أَنْهَاهُ إِلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ .. حَلَّ، وَلَوِ انْعَكَسَ أَوْ جَرَحَاهُ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَوْ مُرَتّبًا وَلَمْ يُذَفِّفْ أَحَدُهُمَا .. حَرُمَ. وَيَحِلُّ ذَبْحُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ، وَكَذَا غَيْرُ مُمَيِّزٍ، وَمَجْنُونٌ وَسَكْرَانُ فِي الأَظْهَرِ
===
وكان ينبغي أن يزيد في شروط الصائد كونه بصيرًا، فالأعمى لا يحل صيده؛ كما سيأتي.
(وتحل ذكاة أمة كتابية) هذا مستثنى مما قبله؛ فإنها لا تحل مناكحتها وتحل ذبيحتها، والفرق تأثير كل من الرق والكفر في النكاح فيتعاضدان، ولا أثر للرق في الذبح؛ فلهذا جاز ذكاتها.
(ولو شارك مجوسي مسلمًا في ذبح، أو اصطياد .. حرم) تغليبًا للتحريم، ولا بد من تقييد الاصطياد بالذي فيه تذكية، فلو شاركه في اصطياد لا تذكية فيه .. لم يحرم.
(ولو أرسلا كلبين أو سهمين) أو أحدهما سهمًا، والآخر كلبًا (فإن سبق آلة المسلم فقتل أو أنهاه إلى حركة مذبوح .. حل) ولا يقدح فيه ما وجد من المجوسي؛ كما لو ذبح مسلم شاة، ثم قدها المجوسي، فلو أدركه كلب المجوسي، أو سهمه وفيه حياة مستقرة، فقتله .. حرم، وضمنه المجوسي للمسلم؛ لأنه أفسد ملكه بجعله ميتة.
(ولو انعكس) بأن سبق إليه المجوسي، فقتل أو أنهاه إلى حركة المذبوح (أو جرحاه معًا) وحصل الهلاك بهما (أو جهل) فلم يعلم أن كلب المجوسي قتله، أو كلب المسلم (أو مرتبًا ولم يذفف أحدهما .. حرم) تغليبًا للتحريم.
ومسألة ما إذا جهل من زياداته على "المحرر"(1).
(ويحل ذبح صبي مميز) لصحة قصده، (وكذا غير مميز ومجنون وسكران في الأظهر) لأن لهم قصدًا وإرادة في الجملة، وهذا ما رجحه في "المحرر"، وفي
(1) قال في "العجالة"[4/ 1724]: (وعلى "الشرح")، وليس كما قال، وعبارة "الشرح" [12/ 6]:(ولو لم يعلم أقتله كلب المسلم أو كلب المجوسي؟ فهو حرام). اهـ هامش (أ).
وَتُكْرَهُ ذَكَاةُ أَعْمَى، وَيَحْرُمُ صَيْدُهُ بِرَمْيٍ وَكَلْبٍ فِي الأَصَحِّ. وَتَحِلُّ مَيْتَةٌ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَلَوْ صَادَهُمَا مَجُوسِيٌّ،
===
"زيادة الروضة" ونص عليه في "الأم"(1)، والثاني: المنع؛ لفساد قصدهم، ورجحه جمع، واقتضاء كلام "الشرح الصغير" ترجيحه، ولا ترجيح في "الكبير"، وجعل البغوي موضع الخلاف في المجنون والسكران إذا لم يكن له تمييز أصلًا، فإن كان له أدنى تمييز .. حل قطعًا، وعكسه الإمام تبعا للفوراني، وتوسط في "البحر" فقال: الصحيح: إن كان له تمييز .. حل، وإلا .. فلا (2).
(وتكره ذكاة أعمى) لأنه قد يخطئ المذبح، (ويحرم صيده برمي وكلب)(وغيره من الجوارح (في الأصح) لعدم صحة قصده؛ لأنه لا يرى الصيد، فصار كما لو استرسل الكلب بنفسه، والثاني: يحل؛ كذبحه، قال الرافعي: والأشبه: أن الخلاف مخصوص بما إذا دله بصير على أن بحذائه صيدًا فرمى، أو أرسل الكلب عليه بدلالته، فإن لم يكن .. لم يحل قطعًا.
والخلاف المذكور جارٍ في اصطياد الصبي والمجنون، كذا في "الروضة" و"أصلها"، ومقتضاه: استواء الترجيح، لكن صحح في "شرح المهذب" حل اصطيادهما (3).
(وتحل ميتة السمك والجراد) بالإجماع، وسواء مات طافيًا أو راسيًا، خلافًا لأبي حنيفة في الطافي، لنا حديث العنبر، وأنهم وجدوه بشاطئ البحر فأكلوا منه، ثم قدموا بشيء منه على النبي صلى الله عليه وسلم فأكل منه (4).
(ولو صادهما مجوسي) لأن أكثر ما فيه أن يجعل ميتة، وميتتهما حلال، ولا اعتبار بفعله، قال في "زيادة الروضة": ولو ذبح مجوسي سمكة .. حلت أيضًا (5).
(1) المحرر (ص 461)، روضة الطالبين (3/ 238)، الأم (3/ 626).
(2)
الشرح الكبير (12/ 6 - 7)، التهذيب (8/ 6)، نهاية المطلب (18/ 129).
(3)
الشرح الكبير (12/ 7)، روضة الطالبين (3/ 239)، المجموع (9/ 73).
(4)
أخرجه البخاري (4361 - 4362)، ومسلم (1935) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(5)
روضة الطالبين (3/ 239).
وَكَذَا الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الطَّعَامِ كَخَلٍّ وَفَاكِهَةٍ إِذَا أُكِلَ مَعَهُ فِي الأَصَحِّ. وَلَا يُقْطَعُ بَعْضُ سَمَكَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ أَوْ بَلَعَ سَمَكَةً حَيَّةً .. حَلَّ فِي الأَصَحِّ. وَإِذَا رَمَى صَيْدًا مُتَوَحِّشًا، أَوْ بَعِيرًا نَدَّ، أَوْ شَاةً شَرَدَتْ بِسَهْمٍ، أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَةً فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ وَمَاتَ فِي الْحَالِ .. حَلَّ،
===
(وكذا الدود المتولد من الطعام؛ كخل وفاكهة إذا أكل معه في الأصح) لعسر فصله، أما إذا أكل منفردًا .. فيحرم لنجاسته، أو استقذاره، والثاني: يحل مطلقًا؛ لأنه كجزء منه طبعًا وطعمًا والثالث: يحرم مطلقا؛ لأنه ميتة.
وهذه المسألة من زيادة "المنهاج" على "المحرر"، وذكراها في "الشرحين" و"الروضة" في (اباب الطهارة)(1)، واللائق ذكرها في (باب الأطعمة).
(ولا يقطع بعض سمكة) حية لما فيه من التعذيب (فإن فعل أو بلع سمكة حية .. حل في الأصح) أما في الأولى .. فلأن المبان كالميتة، وميتة هذا الحيوان حلال، ووجه مقابله: عموم قوله عليه السلام: "مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ .. فَهُوَ مَيِّتٌ"(2)، وأما في الثانية: فلأنه ليس فيه أكثر من قتلها وهو جائز، ووجه مقابله: التعذيب من غير حاجة، ولما في جوفها من الرجيع، والخلاف جار في الجراد أيضًا.
(وإذا رمى صيدًا متوحشًا، أو بعيرًا ند) أي: هرب (أو شاة شردت بسهم، أو أرسل عليه جارحة، فأصاب شيئًا من بدنه، ومات في الحال .. حل) ولا يختص بالحلق واللبة، أما في المتوحش .. فإجماع، وأما في الإنسي إذا هرب .. فلحديث رافع بن خديج رضي الله عنه: أن بعيرًا ند فرماه رجل بسهم فحبسه؛ أي: قتله، فقال عليه السلام:"إِن لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ (3) كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا .. فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا" متفق عليه (4)، والشاة بالقياس عليه.
(1) الشرح الكبير (1/ 33)، روضة الطالبين (1/ 14).
(2)
أخرجه الحاكم (4/ 123 - 124)، وأبو داوود (2858)، والترمذي (1480) عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه.
(3)
الأوابد: المتوحشات. اهـ هامش (1).
(4)
صحيح البخاري (5498)، صحيح مسلم (1968).
وَلَوْ تَرَدَّى بَعِير وَنَحْوُهُ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ حُلْقُومِهِ .. فَكَنَادٍّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: لَا يَحِلُّ بإِرْسَالِ الْكَلْبِ، وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمَتَى تيَسَّرَ لُحُوقُهُ بِعَدْوٍ أَوِ اسْتِغَاثَةٍ بِمَنْ يَسْتَقْبِلُهُ .. فَمَقْدُورٌ عَلَيْهِ، وَيَكْفِي فِي النَّادِّ وَالْمُتَرَدِّي جُرْحٌ يُفْضِي إِلَى الزُّهُوقِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مُذَفِّفٌ. وَإِذَا أَرْسَلَ سَهْما أَوْ كَلْبًا أَوْ طَائِرًا عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ؛ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، أَوْ أَدْرَكَهَا وَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ بِلَا تَقْصِيرٍ؛ بِأَنْ سَلَّ السِّكِّينَ فَمَاتَ قَبْلَ إِمْكَانٍ أَوِ امْتَنَعَ بِقُوَّتهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ .. حَلَّ،
===
(ولو تردى بعير ونحوه في بئر، ولم يمكن قطع حلقومه .. فكناد) في حله بالرمي، وفي "السنن الأربعة" من حديث أبي العُشَراء الدارمي عن أبيه أنه قال: يا رسول الله؛ أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة، فقال عليه السلام:"لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا .. لأَجْزَأَكَ" قال أبو داوود: هذا لا يصح إلا في المتردية والمتوحش (1).
(قلت: الأصح: لا يحل) المتردي (بإرسال الكلب، وصححه الروياني والشاشي، والله أعلم) والفرق بينه وبين السهم: أن الحديد تستباح به الذكاة مع القدرة، بخلاف عقر الكلب، ووجه الحل: القياس على البعير الناد.
(ومتى تيسر لحوقه) أي: الناد أو الصيد (بعدو، أو استغاثة بمن يستقبله .. فمقدور عليه) فلا يحل إلا بالذبح في المذبح.
(ويكفي في الناد والمتردي جرح يفضي إلى الزهوق) كيف كان؛ لما تقدم في الحديث من ذكر الفخذ، وهي ليست محلًّا لجرح يذفف، فدل على أن القصد جراحة تفضي إلى الموت غالبًا، (وقيل: يشترط مذفف) لينزل منزلة قطع الحلقوم والمريء في المقدور عليه.
(وإذا أرسل سهمًا، أو كلبًا، أو طائرًا على صيد فأصابه ومات؛ فإن لم يدرك فيه حياة مستقرة، أو أدركها وتعذر ذبحه بلا تقصير؛ بأن سل السكين فمات قبل إمكان، أو امتنع بقوته ومات قبل القدرة) عليه ( .. حل) كما لو مات ولم يدرك حياته.
نعم؛ يستحب فيما إذا أدرك فيه حياة غير مستقرة إمرار السكين على مذبحه
(1) سنن أبي داوود (2825)، سنن الترمذي (1481)، سنن النسائي (7/ 228)، سنن ابن ماجه (3184).
وَإِنْ مَاتَ لِتَقْصِيرِهِ؛ بِأَلَّا يَكُونَ مَعَهُ سِكِّينٌ أَوْ غُصِبَتْ أَوْ نَشِبَتْ فِي الْغِمْدِ .. حَرُمَ. وَلَوْ رَمَاهُ فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ .. حَلَّا، وَلَوْ أَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا بِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ وَمَاتَ .. حَلَّ الْعُضْوُ وَالْبَدَنُ، أَوْ بِغَيْرِ مُذَفِّفٍ ثُمَّ ذَبَحَهُ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ مُذَفِّفًا .. حَرُمَ الْعُضْوُ وَحَلَّ الْبَاقِي، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذبْحِهِ وَمَاتَ بِالْجُرْحِ .. حَلَّ الْجَمِيعُ،
===
ليذبحه؛ فإن لم يفعل وتركه حتى مات .. فهو حلال؛ لأنه قدر عليه في حالة لا يحتاج فيها إلى تذكية، ولو اشتغل بطلب المذبح، أو وقع منكسًا فاحتاج إلى قلبه أو اشتغل بتوجيهه إلى القبلة فمات .. حل.
وقول المصنف: (فأصابه ومات) لا يستقيم جعله موردًا للتقسيم؛ فإن منها إدراكه بالحياة المستقرة، والميت لا حياة فيه، وعبارة "المحرر" و"الشرح" و"الروضة": فأصابه، ثم أدرك الصيد حيًّا (1).
(وإن مات لتقصيره؛ بألا يكون معه سكين، أو غصبت، أو نشبت في الغمد) أي: علقت به ( .. حرم) للتقصير؛ لأن حق من يعاني الصيد أن يستصحب الآلة في غمد يوافق، وسقوطها منه وسرقتها تقصير.
(ولو رماه فقده نصفين .. حلا) لحصول الجرح المذفف، وكذا الحكم لو قطعه قطعتين متفاوتتين.
(ولو أبان منه عضوًا) كيد أو رجل (بجرح مذفف) بسيف أو غيره (ومات) في الحال ( .. حل العضو والبدن) لأن محل ذكاة الصيد كل البدن، (أو بغير مذفف ثم ذبحه، أو جرحه جرحًا آخر مذففًا .. حرم العضو) لأنه أبين من حي (وحل الباقي) لوجود الذكاة في الصورة الأولى، وقيام الجرح المذفف مقامها في الصورة الثانية، ومحله في الصورة الثانية: ما إذا لم يثبته (2) بالجراحة الأولى، فإن أثبته (3) بها .. فقد صار مقدورًا عليه، فيتعين ذبحه ولا تجزئ سائر الجراحات.
(فإن لم يتمكن من ذبحه ومات بالجرح) الأول ( .. حل الجميع) لأن الجرح
(1) المحرر (ص 462)، الشرح الكبير (12/ 12)، روضة الطالبين (3/ 241).
(2)
في (ز): (يبنه).
(3)
في (ز): (أبانه).
وَقِيلَ: يَحْرُمُ الْعُضْوُ. وَذَكَاةُ كُلِّ حَيَوَانٍ قَدَرَ عَلَيْهِ: بِقَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ -وَهُوَ مَخْرَجُ النَّفَسِ- وَالْمَرِيءِ؛ وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَيُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ، وَهُمَا: عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيِ الْعُنُقِ. وَلَوْ ذَبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ .. عَصَى، فَإِنْ أَسْرَعَ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ .. حَلَّ، وَإِلَّا .. فَلَا، وَكَذَا إِدْخَالُ سِكِّينٍ بِأُذُنِ ثَعْلَبٍ
===
السابق كالذبح للجملة فيتبعها العضو، (وقيل: يحرم العضو) لأنه أبين من حي، فأشبه ما إذا قطع ألية شاة ثم ذبحها .. لا تحل الألية، وهذا هو المصحح في "الشرحين" و"الروضة"، و"شرح المهذب"(1)، وترجيح الأول تبع فيه "المحرر".
(وذكاة كل حيوان قدر عليه: بقطع كلل الحلقوم -وهو مخرج النفس- والمريء؛ وهو مجرى الطعام) والشراب؛ لأن الحياة توجد بهما وتفقد بفقدهما.
وخرج بالقطع: ما لو اختطف رأس عصفور أو غيره بيده أو ببندقة .. فإنه ميتة، وبقوله:(قدر عليه): ما لا يقدر عليه، وقد سلف، وبقوله:(كل الحلقوم): ما إذا قطع البعض وانتهى إلى حركة المذبوح، ثم قطع الباقي .. فلا يحل.
(ويستحب قطع الودجين، وهما: عرقان في صفحتي العنق) لأنه أوحى وأسهل لخروج الروح؛ فهو من الإحسان في الذبح.
(ولو ذبحه من قفاه) أو من صفحة عنقه ( .. عصى) للعدول عن محل الذبح؛ لما فيه من التعذيب.
(فإن أسرع فقطع الحلقوم والمريء وبه حياة مستقرة .. حل) لأن الذكاة صادفته وهو حي؛ كما لو قطع يد الحيوان ثم ذكاه، (وإلا) أي: وإن لم تبق فيه حياة مستقرة، بل وصل إلى حركة المذبوح لما انتهى إلى قطع المريء ( .. فلا) تحل؛ لأنه صار ميتة، فلا يفيد الذبح بعد ذلك.
(وكذا إدخال السكين بأذن ثعلب) ليقطع الحلقوم والمريء داخل الجلد؛ لأجل جلده ففيه التفصيل المذكور في المسألة قبلها، وفعله حرام للتعذيب.
(1) الشرح الكبير (12/ 13 - 14)، روضة الطالبين (3/ 243)، المجموع (9/ 110).
ويُسَنُّ نَحْرُ إِبل وَذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُ، وَأَنْ يَكُونَ الْبَعِيرُ قَائِما مَعْقُولَ رُكْبَةٍ وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ مُضْجَعَةً لِجَنْبِهَا الأَيْسَرِ، وَتترَكُ رِجْلُهَا الْيُمْنَى، وَتشُدُّ بَاقِي الْقَوَائِمِ، وَأَنْ يُحِدَّ شَفْرَتَهُ،
===
(ويسن نحر إبل) وهو قطع اللبة أسفل العنق، (وذبح بقر وغنم) للاتباع (1)، والمعنى في نحر الإبل: أنه أسرع لخروج الروح منها لطول عنقها، قال ابن الرفعة: وقياس هذا إلحاق الزرافة إذا أبحنا أكلها، والنعامة، والإوز والبط، وكل ما طال عنقه بالإبل (2)، ولا بد في نحر الإبل من قطع الحلقوم، والمريء؛ كما جزم به في "شرح المهذب"(3).
(ويجوز عكسه) أي: ذبح الإبل ونحر غيرها من غير كراهة؛ لعدم ورود نهي فيه، والخيل كالبقر، وكذا حمار الوحش وبقره.
(وأن يكون البعير قائمًا معقول ركبة) يسرى؛ للاتباع (4).
(والبقرة والشاة مضجعة لجنبها الأيسر) للاتباع في الشاة (5)، وقيس البقر عليها، واستحب على اليسار؛ لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين، وإمساك رأسها باليسار.
(وتترك رجلها اليمنى) لتستريح بتحريكها (وتشد باقي القوائم) كيلا تضطرب حالة الذبح، فيتضرر الذابح.
(وأن يحد شفرته) لما في "مسلم": "وَلْيُحِدَّ شَفْرَتَهُ"(6)، فلو ذبح بسكين كال .. حل بشرطين: ألا يحصل القطع بقوة الذابح وشدة تحامله، وأن يقطع الحلقوم والمريء قبل انتهائه إلى حركة المذبوح.
(1) أما ذبح البقر .. فأخرجه مسلم (1211/ 119) عن عائشة رضي الله عنها، وأما ذبح الشاة .. فأخرجه البخاري (5558)، ومسلم (1966) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
كفاية النبيه (8/ 158).
(3)
المجموع (9/ 82).
(4)
أخرجه أبو داوود (1767) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(5)
أخرجه البخاري (5558)، ومسلم (1966) عن أنس بن مالك ضي الله عنه.
(6)
صحيح مسلم (1955) عن شداد بن أوس رضي الله عنه.
وَيُوَجِّهَ لِلْقِبْلَةِ ذَبِيحَتَهُ، وَأَنْ يَقُولَ:(بِاسْمِ اللهِ)، ويُصلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا يَقُولُ:(بِاسْمِ اللهِ، وَاسْمِ مُحَمَّدٍ).
===
(ويوجه للقبلة ذبيحته) وفي الأضحية ونحوها آكد؛ لأنه عليه السلام وجه كبشه إلى القبلة، والأصح: أنه يوجه مذبحها، والمعنى فيه كونها أفضل الجهات، لا وجهها؛ ليمكنه هو الاستقبال أيضًا، فإنه مندوب.
(وأن يقول: "باسم الله") أو الرحمن أو الرحيم، ويكره تعمد ترك ذلك، لقوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ولا تجب، فلو تركها ولو عمدًا .. حل؛ لأن الله تعالى أباح ذبائح أهل الكتاب بقوله:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} وهم لا يذكرونها، خلافًا لأبي حنيفة.
وأما قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْه} فالمراد: ما ذكر عليه غير اسم الله؛ يعني: ما ذبح للأصنام؛ بدليل قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} وسياق الآية دال عليه؛ فإنه قال: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} ، والحالة التي يكون فيها فسقًا هي الإهلال لغير الله، قال تعالى:{أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} ، والإجماع على أن من أكل ذبيحة مسلم لم يسم عليها .. ليس بفاسق.
(ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه موطن شرع فيه ذكر الله، فشرع ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم؛ كالأذان، والصلاة.
(ولا يقول: "باسم الله واسم محمد")(1) فإن قاله: حرم؛ للتشريك؛ لأن من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه، واليمين باسمه، والسجود له لا يشاركه في ذلك مخلوق.
* * *
(1) فائدة: (باسم الله) تكتب بالألف، فإن أضيف إليه الرحمن الرحيم .. حذفت، حكاه المصنف في "شرح مسلم"[13/ 110] في باب الأضاحي. اهـ هامش (1).