الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّحِيحِ إِلَّا فِي مَسَافَةِ قَبُولِ شَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ.
فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]
ادَّعَى عَيْنًا غَائِبَةً عَنِ الْبَلَدِ يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهَا كَعَقَارٍ وَعَبْدٍ وَفَرَسٍ مَعْرُوفَاتٍ .. سَمِعَ بَيِّنَتَهُ وَحَكَمَ بِهَا، وَكَتَبَ إِلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ لِيُسَلِّمَهُ لِلْمُدَّعِي، وَيَعْتَمِدُ فِي الْعَقَارِ حُدُودَهُ،
===
الصحيح إلا في مسافة قبول شهادة على شهادة)، وهي مسافة العدوى لا القصر على ما رجحاه هناك (1)، وسيأتي ما فيه.
والفرق بينهما: أن الحكم هناك قديم، وليس بعده إلا الاستيفاء، وسماع البينة بخلافه؛ فإنه إذا لم تبعد المسافة .. لم يعسر إحضار الشهود عند القاضي الآخر، هذا ما أورده الجمهور، ومقابله لا يعرف.
* * *
(فصل: ادعى عينًا غائبةً عن البلد يؤمن اشتباهها؛ كعقار، وعبد، وفرس معروفات .. سمع بينته وحكم بها، وكتب إلى قاضي بلد المال ليسلمه للمدعي) كما يسمع البينة ويحكم على الغائب، ولا فرق في مسائل الفصل بين حضور المدعى عليه وغيبته، وإنما أدخله في الباب؛ نظرًا لغيبة المحكوم به.
وكان صواب العبارة أن يقول: (معروفِينَ) تغليبًا للعاقل، وهو العبد؛ كما عبرا به في "الشرح" و"المحرر" و"الروضة"(2)؛ فإن القاعدةَ عند اجتماع العاقل وغيرِه تغليبُ العاقل.
(ويعتمد في العقار حدوده) الأربعة، فلا يجوز الاقتصار على ثلاثة؛ كذا جزم به في "أصل الروضة" كـ"الشرح الصغير"، ونقله في "الكبير" عن ابن القاص، لكن نقل في آخر (الأقضية) عن "فتاوى القفال" وغيره الاكتفاءَ بثلاثة حدود إن عرفت بها (3)، ولا بدّ من ذكر البقعة والسكة.
(1) الشرح الكبير (13/ 120)، روضة الطالبين (11/ 295).
(2)
الشرح الكبير (12/ 527)، المحرر (ص 491)، روضة الطالبين (11/ 188).
(3)
روضة الطالبين (11/ 188)، الشرح الكبير (12/ 527، 13/ 286).
أَوْ لَا يُؤْمَنُ .. فَالأَظْهَرُ: سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ، وَيُبَالِغُ الْمُدَّعِي فِي الْوَصْفِ وَيَذْكُرُ الْقِيمَةَ، وَأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِهَا، بَلْ يَكْتُبُ إِلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ بمَا شَهِدَتْ بِهِ، فَيَأْخُذُهُ وَيَبْعَثُهُ إِلَى الْكَاتِبِ؛ لِيَشْهَدُوا عَلَى عَيْنِهِ، وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يُسَلِّمُهُ إِلَى الْمُدَّعِي بِكَفِيلٍ بِبَدَنِهِ؛ فَإِنْ شَهِدُوا بِعَيْنِهِ .. كَتَبَ بِبَرَاءَةِ الْكَفِيلِ، وَإِلَّا .. فَعَلَى الْمُدَّعِي مُؤْنَةُ الرَّدِّ
===
هذا كله إذا توقف التعريف على ذلك، فلو حصل التعريف باسمٍ وُضِعَ لها لا يشاركها فيه غيرها؛ كدار الندوة بمكة .. كفى؛ كما جزم به الماوردي في (الدعاوى)(1).
(أو لا يؤمن) اشتباهه؛ كغير المعروف من العبيد والدواب وغيرهما ( .. فالأظهر: سماع البينة) على عينها وهي غائبة؛ لأن الصفة تميزها عن غيرها؛ كما يسمع على الشخص الغائب؛ اعتمادًا على الحلية والصفة، ولأن الحاجة داعية إلى إقامة الحجة عليها؛ كالعقار، والثاني: المنع؛ لكثرة الاشتباه.
(ويبالغ المدعي في الوصف) بما يمكن من الاستقصاء؛ ليحصل التمييز به ويبعد التوافق معه، وذلك في الغالب يحصل بنهاية الوصف، (ويذكر القيمة) لأنه لا يصير معلومًا إلا بها.
(وأنه لا يحكم بها) أي: بما قامت البينة عليه؛ لأن الحكم مع خطر الاشتباه والجهالة بعيد، والحاجة تندفع بسماع البينة والمكاتبة بها.
وهذا معطوف على (الأظهر) أي: إذا قلنا بسماع البينة .. ففي الحكم بها قولان، فيتحصل من ذلك ثلاثة أقوال: أظهرها: تسمع البينة ولا يحكم، وثانيها: لا تسمع، ولا يحكم، وثالثها: تسمع ويحكم.
ثم فرّع المصنف على الأظهر فقال: (بل يكتب إلى قاضي بلد المال بما شهدت به، فيأخذه) القاضي المكتوب إليه إن وجده بالصفة التي تضمنها الكتاب (ويبعثه إلى) القاضي (الكاتب؛ ليشهدوا على عينه) ليحصل اليقين.
(والأظهر: أنه يسلمه إلى المدعي بكفيل ببدنه) احتياطًا للمدعى عليه، حتى إذا لم يعينه الشهود .. طولب بردّه، (فإن شهدوا بعينه .. كتب ببراءة الكفيل، وإلا .. فعلى المدعي مؤنة الرد) وأجرة تلك المدة إن كان له منفعة، والعين مضمونة عليه حتى
(1) الحاوي الكبير (21/ 315).
أَوْ غَائِبَةً عَنِ الْمَجْلِسِ لَا الْبَلَدِ .. أُمِرَ بِإِحْضَارِ مَا يُمْكِنُ إِحْضَارُهُ لِيَشْهَدُوا بعَيْنِهِ. وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِصِفَةٍ. وَإِذَا وَجَبَ إِحْضَارٌ فَقَالَ: (لَيْسَ بِيَدِي عَيْنٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ) .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ لِلْمُدَّعِي دَعْوَى الْقِيمَةِ، فَإِنْ نَكَلَ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي أَوْ أَقَامَ: بَيِّنَةً .. كُلِّفَ الإِحْضَارَ وَحُبِسَ عَلَيْهِ، وَلَا يُطْلَقُ إِلَّا بِإِحْضَارٍ أَوْ دَعْوَى تَلَفٍ
===
يردها إلى من قبضها منه، نقله ابن الرفعة عن البَنْدَنيجي وأقره، ومقابل الأظهر: أن القاضي بعد الانتزاع يبيعه للمدعي، ويقبض منه الثمن، ويضعه عند عدل، أو يكفله بالثمن، فإن سلم له بالشهادة على عينه عند القاضي الكاتب .. كتب برد الثمن أو براءة الكفيل، وبان بطلان البيع، وإلا .. فالبيع صحيح، ويسلم الثمن إلى المدعى عليه، وهذا بيع يتولاه القاضي للمصلحة؛ كما يبيع الضوال.
(أو غائبةً عن المجلس لا البلدِ .. أمر بإحضار ما يمكن إحضاره؛ ليشهدوا بعينه) لتيسر ذلك، والفرق بينه وبين الغائب: بُعْد الشُّقة (1)، وكثرة المشقة.
واحترز بقوله: (ما يمكن): عما لا يمكن إحضاره؛ كالعقار؛ فيحده المدعي ويقيم البينة عليه بتلك الحدود.
(ولا تسمع شهادة بصفة) لعين غائبة عن مجلس الحكم دون البلد؛ كما لا تسمع في غيبة المدعى عليه عن المجلس.
(وإذا وجب إحضار فقال: "ليس بيدي عين بهذه الصفة" .. صدق بيمينه) لأن الأصل عدم عين بيده بهذه الصفة، وتكون يمينه على حسب جوابه.
(ثم للمدعي) بعد حلف المدعى عليه (دعوى القيمة) إن كانت العين متقومة، وإلا .. دعوى المثل؛ لاحتمال أنها هلكت، (فإن نكل) المدعى عليه عن اليمين (فحلف المدعي أو أقام بينة) بأن العين الموصوفة كانت بيده ( .. كلف الإحضار) ليشهدوا على عينه، (وحبس عليه) إن امتنع من إحضاره بلا عذر؛ لأنه حق واجب عليه، (ولا يطلق إلا بإحضار أو دعوى تلف)، فيؤخذ منه البدل، وتقبل دعواه التلفَ وإن ناقض قوله الأول؛ للضرورة؛ لأنه قد يكون صادقًا، فلو لم يقبل قوله .. لخلد حبسه.
(1) في (ز): (بُعْد المسافة).
وَلَوْ شَكَّ الْمُدَّعِي هَلْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ فَيَدَّعِي قِيمَةً أَمْ لَا فَيَدَّعِيهَا؟ فَقَالَ: (غَصَبَ مِنِّي كَذَا، فَإِنْ بَقِيَ .. لَزِمَهُ رَدُّهُ، وَإِلَّا .. فَقِيمَتُهُ) .. سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، وَقِيلَ: لَا، بَلْ يَدَّعِيهَا وَيُحَلِّفُهُ ثُمَّ يَدَّعِي الْقِيمَةَ، وَيَجْرِيَانِ فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ لِدَلَّالٍ لِيَبيعَهُ فَجَحَدَهُ وَشَكَّ هَلْ بَاعَهُ فَيَطْلُبُ الثَّمَنَ، أَمْ أَتْلَفَهُ فَقِيمَتَهُ، أَمْ هُوَ بَاقٍ فَيَطْلُبُهُ؟ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الإِحْضَارَ فَثَبَتَ لِلْمُدَّعِي .. اسْتَقَرَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا .. فَهِيَ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُدَّعِي
===
(ولو شك المدعي هل تلفت العين فيدعي قيمة أم لا فيدعيها؟ فقال: "غصب مني كذا، فإن بقي .. لزمه رده، وإلا .. فقيمته") إن كان متقومًا ( .. سمعت دعواه) مع التردد، للحاجة، فعلى هذا: يحلف أنه لا يلزمه رد العين ولا قيمتها، (وقيل: لا) لأنها غير جازمة، (بل يدعيها ويحلفه) عليها (ثم يدعي القيمة) إن كانت متقومة، وإلا .. فالمثل.
(ويجريان فيمن دفع ثوبه لدلال ليبيعه فجحده وشك هل باعه فيطلب الثمن، أم أتلفه فقيمته، أم هو باق فيطلبه؟ )، فعلى الأصح: يدعي أن عليه ردَّ الثوب أو ثمنَه إن كان باعه وأخذ ثمنه، أو قيمته إن كان أتلفه، ويحلف الخصم يمينًا واحدة أنه لا يلزمه تسليم الثوب ولا ثمنه ولا قيمته، وعلى الثاني: يدعي العينَ في دعوى والثمنَ في أخرى والقيمةَ في أخرى.
فلو نكل المدعى عليه عن اليمين .. هل يحلف المدعي على التردد - كما في الدعوى - أم لا بدّ من التعيين في اليمين؟ حكى الرافعي في (الدعاوى) عن الإمام فيه وجهين (1).
(وحيث أوجبنا الإحضار فثبت للمدعي .. استقرت مؤنته) لأجل إحضاره (على المدعى عليه) لأنه المحوج إلى ذلك، (وإلا .. فهي) أي: مؤنة الإحضار (ومؤنة الرد على المدعي) لأنه المحوج إليه.
* * *
(1) الشرح الكبير (13/ 172).