المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجراح

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع مباشرتين]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القود]

- ‌فَصْلٌ [في تغير حال المجروح بحرية أو عصمة أو إهدار أو بمقدار للمضمون به]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني]

- ‌بابُ كيفيَّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فَصْلٌ [في اختلاف مستحق الدم والجاني]

- ‌فَصْلٌ [في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما]

- ‌فَصْلٌ [في موجب العمد وفي العفو]

- ‌كتابُ الدِّيات

- ‌فَصْلٌ [في موجب ما دون النفس من جرح أو نحوه]

- ‌فَرْعٌ [في موجب إزالة المنافع]

- ‌فَرْعٌ [في اجتماع جنايات على شخص]

- ‌فَصْلٌ [في الجناية التي لا تقدير لأرشها والجناية على الرقيق]

- ‌‌‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌فَصْلٌ [في الاصطدام ونحوه مما يوجب الاشتراك في الضمان وما يذكر مع ذلك]

- ‌فَصْلٌ [في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله]

- ‌فَصْلٌ [في جناية الرقيق]

- ‌فَصْلٌ [في الغرة]

- ‌فَصْلٌ [في كفارة القتل]

- ‌كتابُ دعوى الدَّم والقسامة

- ‌فَصْلٌ [فيما يثبت به موجب القود وموجب المال بسبب الجناية من إقرار وشهادة]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌فَصْلٌ [في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة]

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حد القذف

- ‌كتابُ قطع السرقة

- ‌فصلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌ باب

- ‌فصلٌ [في شروط السارق الذي يقطع]

- ‌بابُ قاطع الطريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع عقوبات على شخص واحد]

- ‌كتابُ الأشربة

- ‌فَصْلٌ [في التعزير]

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [في حكم إتلاف البهائم]

- ‌كتابُ السِّيَر

- ‌فَصْلٌ [في مكروهات ومحرمات ومندوبات في الجهاد وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الأسر وأموال أهل الحرب]

- ‌فَصْلٌ [في أمان الكفار]

- ‌كتابُ الِجزْيَة

- ‌فَصْلٌ [في مقدار الجزية]

- ‌باب

- ‌فَصْلٌ [في أحكام عقد الجزية]

- ‌بابُ الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيد والذَّبائح

- ‌فَصْلٌ [في آلة الذبح والصيد]

- ‌فَصْلٌ [فيما يملك به الصيد وما يذكر معه]

- ‌كتاب الأضحية

- ‌فَصْلٌ [في العقيقة]

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌كتابُ الأيمان

- ‌فصلٌ [في صفة الكفارة]

- ‌فصلٌ [في الحلف على السكنى والمساكنة وغيرهما]

- ‌فصلٌ [في الحلف على أكل وشرب مع بيان ما يتناوله]

- ‌فصلٌ [في مسائل منثورة ليقاس بها غيرها]

- ‌فصلٌ [في الحلف على ألا يفعل كذا]

- ‌كتاب النَّذر

- ‌فصلٌ [في نذر النسك والصدقة والصلاة وغيرها]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌(باب

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يعتبر فيه شهادة الرجال]

- ‌فصلٌ [في تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌فصلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فصلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فصلٌ [فيما يتعلق بجواب المدعى عليه]

- ‌فصلٌ [في كيفية الحلف والتغليظ فيه]

- ‌فصلٌ [في تعارض البينتين]

- ‌فصلٌ [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌فصلٌ [في شروط القائف]

- ‌كتابُ العتِق

- ‌فصلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصلٌ [في الإعتاق في مرض الموت وبيان القرعة في العتق]

- ‌فصلٌ [في الولاء]

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌فصلٌ [في حكم حمل المدبرة]

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان لزوم الكتابة وجوازها]

- ‌فَصْلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌أهمّ مصادر ومراجع التّحقيق

الفصل: ‌كتاب قطع السرقة

‌كتابُ قطع السرقة

يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهِ فِي الْمَسْرُوقِ أُمُورٌ: كَوْنُهُ رُبُعَ دِينَارٍ

===

(كتاب قطع السرقة)

لو قال: (كتاب السرقة) كما فعل في (الزنا) .. لكان أخصر وأعم؛ لتناوله أحكام نفس السرقة.

والسرقة: بفتح السين وكسر الراء، ويجوز إسكان الراء مع فتح السين وكسرها، وهي لغة: أخذ الشيء خفية، ومنه استرق السمع؛ أي: استمع مستخفيًا، وشرعًا: أخذ مال الغير خفية، وإخراجه من حرز.

وأصل الباب: الإجماع، وقوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} الآية، والأخبار الشهيرة فيه.

ولمَّا نظم أبو العلاء المعري البيت الذي شكك به على الشريعة في الفرق بين الدية، والقطع في السرقة، وهو:[من البيسط]

يَدٌ بِخَمْسِ مِئِينَ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ

مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبْعِ دِينَارِ

أجابه القاضي عبد الوهاب المالكي بقوله: [من البيسط]

وِقَايَةُ النَّفْسِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصهَا

وِقَايَةُ الْمَالِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي

وهو جواب بديع مع اختصار، ومعناه: أن اليد لو كانت تودى بما تقطع فيه أو بما يقاربه .. لكثرت الجنايات على الأطراف؛ لسهولة الغرم في مقابلها، فغلظ الغرم؛ حفظًا لها، ولو كانت لا تقطع إلا في سرقة ما تودى به .. لكثرت الجنايات على الأموال، فحفظ ذلك بالتقليل؛ حفظًا لها.

وقال ابن الجوزي لما سئل هذا السؤال: لمَّا كانت أمينة .. كانت ثمينة، فلما خانت .. هانت.

(يشترط لوجوبه في المسروق أمور: كونه ربع دينار) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا" متفق عليه، واللفظ لمسلم (1)،

(1) صحيح البخاري (6790)، صحيح مسلم (1684) عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 201

خَالِصًا أَوْ قِيمَتَهُ، وَلَوْ سَرَقَ رُبُعًا سَبيكَةً لَا يُسَاوِي رُبُعًا مَضْرُوبًا .. فَلَا قَطْعَ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ سَرَقَ دَنَانِيرَ ظَنَّهَا فُلُوسًا لَا تُسَاوِي رُبُعًا .. قُطِعَ، وَكَذَا ثَوْبٌ رَبٌّ فِي جَيْبِهِ تَمَامُ رُبُعٍ جَهِلَهُ فِي الأَصَحِّ

===

(خالصًا) لأن الربع المغشوش ليس بربع دينار حقيقة، فلو كان في المغشوش ربع خالصًا .. وجب القطع، (أو قيمته) لأنه صلى الله عليه وسلم قطع في مِجَنٍّ قيمته ثلاثة دراهم (1).

وكانت قيمة الدينار ذلك الوقت اثني عشر درهمًا، والتقويم يكون بالذهب المضروب الخالص، فلو سرق دراهم أو غيرها .. قومت به، وتعتبر في كل زمان ومكان قيمته بالغة ما بلغت، ويعتبر النصاب وقت إخراجه من الحرز.

(ولو سرق ربعًا سبيكة لا يساوي ربعًا مضروبًا .. فلا قطع في الأصح) لأن المذكور في الخبر لفظ الدينار، وهو اسم للمضروب، والثاني: يقطع، ولا حاجة لتقويمه؛ لبلوغ عين الذهب قدر النصاب؛ كما في الزكاة.

وما رجحه تبع فيه "المحرر"، وجرى عليه في "الروضة"، ولم يصرح في "الشرحين" بترجيح (2)، قال الأَذْرَعي: والثاني هو قول الجمهور، والخلاف راجع إلى أن الاعتبار بالوزن أو القيمة، ويتفرع عليه ما لو سرق خاتمًا وزنه دون ربع، وقيمته بالصنعة تبلغ ربعًا، وقضية ترجيح ما في "الكتاب": وجوب القطع هنا.

وقد وقع في "الروضة" خلل؛ فإنه رجح عدم وجوب القطع في الصورتين، ثم عقبه بقوله: والخلاف في المسألتين راجع إلى الاعتبار بالوزن أو القيمة (3)، وهو لا يستقيم.

(ولو سرق دنانير ظنها فلوسًا لا تساوي ربعًا .. قطع) لأنه قصد سرقة عينها، وهي تساوي ربعًا، (وكذا ثوب رث في جيبه تمام ربع جهله في الأصح) لأنه أخرج نصابًا من حرزه على قصد السرقة، والجهل بجنس المسروق لا يؤثر كالجهل بصفته،

(1) أخرجه البخاري (6795)، ومسلم (1686) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(2)

المحرر (ص 432)، روضة الطالبين (10/ 110)، الشرح الكبير (11/ 175).

(3)

روضة الطالبين (10/ 110).

ص: 202

وَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مَرَّتَيْنِ؛ فَإِنْ تَخَلَّلَ عِلْمُ الْمَالِكِ وَإِعَادَةُ الْحِرْزِ .. فَالإِخْرَاجُ الثَّانِي سَرِقَةٌ أُخْرَى، وَإِلَّا .. قُطِعَ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ نَقَبَ وِعَاءَ حِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا فَانْصَبَّ نِصَابٌ .. قُطِعَ فِي الأَصَحِّ. وَلَوِ اشْتَرَكَا فِي إِخْرَاجِ نِصَابَيْنِ .. قُطِعَا، وَإِلَّا .. فَلَا

===

والثاني: لا يقطع؟ لأنه لم يقصد سرقة نصاب، ويخالف ما لو سرق دنانير ظنها فلوسًا .. فإنه قصد سرقة عينها.

(ولو أخرج نصابًا من حرز مرتين) فصاعدًا؛ بأن أخرج مرةً بعضه ومرةً باقيه لا غير، (فإن تخلل علم المالك وإعادة الحرز .. فالإخراج الثاني سرقة أخرى) فلا قطع؛ لأن كلَّ واحدة منفصلة عن الأخرى ولم تبلغ نصابًا، وكذا لو علم المالك وأهمله .. لا قطع أيضًا؛ لأنه مضيع.

ولو حذف قوله: (علم المالك) .. لم يحتج إليه؛ لأن العبرة بالإعادة، والعلم يلازمها.

(وإلا) أي: وإن لم يتخلل علم المالك وإعادة الحرز ( .. قطع في الأصح) لأنه أخرج نصابًا كاملًا من حرز مثله؛ فأشبه ما إذا أخرجه دفعة واحدة؛ لأن فعل الشخص ينبني على فعله، والثاني: لا قطع؛ لأنه أخذ النصاب من حرز مهتوك.

(ولو نقب وعاء حنطة ونحوها فانصب نصاب .. قطع في الأصح) ولا يشترط في السرقة الأخذ باليد؛ لأنه يعد سارقًا، والثاني: لا يقطع؛ لأنه خرج بسببه لا بمباشرته، والسبب ضعيف فلا يقطع به.

وظاهر إطلاقه: أنه لا فرق بين الانصباب دفعةً واحدة أو تدريجًا، وقال في "الروضة": إن انصب دفعةً .. قطع، أو شيئًا فشيئًا .. فكذلك على المذهب، وقيل: وجهان، ومن صور المسألة: طرّ الجيب والكم (1).

(ولو اشتركا في إخراج نصابين .. قطعا) لأن كل واحدٍ منهما سرق نصابًا، (وإلا) أي: وإن كان ما أخرجاه دون نصابين ( .. فلا) قطع على واحد منهما؛ لأن كل واحد منهما لم يسرق نصابًا، وليس هذا كالشركة في القتل حيث يجب القصاص عليهما؛ لأن مقصود القصاص وقاية الروح والعضو، فلو سقط .. لأدى إلى

(1) روضة الطالبين (10/ 111).

ص: 203

وَلَوْ سَرَقَ خَمْرًا وَخِنْزِيرًا أَوْ كَلْبًا وَجِلْدَ مَيْتَةٍ بِلَا دَبْغٍ .. فَلَا قَطْعَ، فَإِنْ بَلَغَ إِنَاءُ الْخَمْرِ نِصَابًا .. قُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَا قَطْعَ فِي طُنْبُورٍ وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: إِنْ بَلَغَ مُكَسَّرُهُ نِصَابًا .. قُطِعَ. قُلْتُ: الثَّانِي أَصَحُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. الثَّانِي: كَوْنُهُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ؛

===

التواطئ؛ فيفوت مقصوده، ومقصود السرقة: الاستكثار من المال، والتواطؤ لذلك لا يحصله.

(ولو سرق خمرًا وخنزيرًا، أو كلبًا وجلد ميتة، بلا دبغ .. فلا قطع) سواء سرقه مسلم أو ذمي؛ لأنه ليس بمال، وأفهم كلامه: أنه لو دبغ السارق الجلد في الحرز، وصار يساوي نصاب سرقة، ثم أخرجه .. أنه يقطع؛ لأنه سرقه مدبوغًا؛ إذ السرقة شرعا أخذ مال الغير خفية وإخراجه من الحرز، وهو الأصحُّ.

وكان ينبغي أن يقول: (ولو أخرج) بدل (سرق) إذ لو كان سارقًا .. لقطع، وقد نازع الرافعي "الوجيز" في تعبيره بذلك في غير هذه المسألة، ووقع فيه هنا (1).

(فإن بلغ إناء الخمر نصابًا .. قطع على الصحيح) لأنه سرق نصابًا لا شبهة له فيه من حرزه، والثاني: المنع؛ لأن ما فيه مستحق الإزالة؛ فيصير شبهة في دفعه.

(ولا قطع في طنبور ونحوه) لأنه من آلات الملاهي فأشبه الخمر، وكذا كل آلة معصية؛ كصليب وصنم، (وقيل: إن بلغ مكسره نصابًا .. قطع) لأنه سرق نصابًا من حرزه، (قلت: الثاني أصح، والله أعلم) ونقل تصحيحه في "الروضة" عن الأكثرين (2).

ومحل الخلاف: ما إذا قصد السرقة، فأما إذا قصد بإخراجها تيسر إفسادها .. فلا قطع قطعًا؛ كما جزم به في "أصل الروضة"(3)، وفي "الشرح الصغير" وجعل ابن داوود محل الخلاف أيضًا: إذا كان لمسلم؛ فإن كان لذمي .. قطع قطعًا.

الشرط (الثاني: كونه ملكا لغيره) فلا قطع على من سرق ملك نفسه من يد غيره؛ كيد المرتهن والمستأجر ونحوهما، وكذا المبيع من يد بائعه في زمن الخيار، ولو

(1) الشرح الكبير (11/ 183).

(2)

روضة الطالبين (10/ 116).

(3)

روضة الطالبين (10/ 116).

ص: 204

فَلَوْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ نَقَصَ فِيهِ عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلٍ وَغَيْرِهِ .. لَمْ يُقْطَعْ، وَكَذَا لَوِ ادَّعَى مِلْكَهُ عَلَى النَّصِّ

===

سرق ما وهب له بعد القبول وقبل القبض .. لم يقطع على الأصحِّ وإن قلنا: إن الملك موقوف على القبض.

(فلو ملكه بإرث أو غيره) كشراء أو هبة (قبل إخراجه من الحرز، أو نقص فيه عن نصاب بأكل وغيره) كإحراق ( .. لم يقطع) أما في الأولى .. فلأنه ما أخرج إلا ملكه، وأما في الثانية .. فلأنه لم يخرج من الحرز نصابًا.

واحترز بقوله: (قبل إخراجه) عمَّا لو طرأ ذلك بعد إخراجه؛ فإنه لا يسقط القطع.

نعم؛ يستثنى: ما لو طرأ الملك بعد الإخراج وقبل الرفع إلى الحاكم .. فإنه لا يمكن استيفاء القطع؛ بناءً على أن استيفاءه يتوقف على الدعوى بالمسروق والمطالبة به، وهو الصحيح كما سيأتي.

(وكذا لو ادعى) السارق (ملكه على النص) بأن قال: (كان غصبه مني) أو (من مورثي)، أو (كان وديعة عنده) أو (عارية) لأن ما يدعيه محتمل فصار شبهة في القطع، ويروى عن الشافعي أنه سمَّاه: السارق الظريف.

قال القفال في "فتاويه": والفرق بين هذا وبين ما إذا قامت بينة على زناه بامرأة معيَّنة، فقال:(كنت نكحتها حين وطئتها) .. فلا يسقط عنه الحد بهذه الدعوى، سواء كانت حرة أو أمة، وفي الأمة وجه إذا ادَّعى أن مولاها وهبها منه وأقبضها: أن المال يجري فيه التخفيف، كذا نقله ابن الملقن وأقره (1)، ونقله الإمام عن النص، وقال: إنه ظاهر المذهب، وأقره الشيخان، لكن نقل الماوردي في دعوى الزوجية اتفاق الأصحاب على أنه لا يحد، وجعله حجة على أبي إسحاق في قوله: في مسألة "الكتاب"، وفي وجه أو قول مخرج أنه لا يسقط القطع بذلك؛ لئلا يتخذ الناس ذلك ذريعة لدفع الحد، وحمل النص على ما إذا أقام بينة بما ادعاه، قال الروياني في

(1) عجالة المحتاج (4/ 1636).

ص: 205

وَلَوْ سَرَقَاه وَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا لَهُ أَوْ لَهُمَا وَكَذَّبَهُ الآخَرُ .. لَمْ يُقْطَعِ الْمُدَّعِي وَقُطِعَ الآخَرُ فِي الأَصحِّ. وَإِنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزِ شَرِيكِهِ مُشْتَرَكًا .. فَلَا قَطْعَ فِي الأَظْهَرِ وَاِنْ قَلَّ نَصِيبُهُ. الثَّالِثُ: عَدَمُ شُبْهَةٍ فِيهِ؛ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِ أَصْلٍ وَفَرْعٍ

===

"الحلية": وله وجه عند فساد الزمان، ومحل هذا الوجه أو القول: ما إذا حلف مدعي السرقة على نفي ما ادعاه، فلو لم يحلف وحلف السارق .. فلا قطع قطعًا، ولو أقر المسروق منه: أن المال كان ملك السارق .. فلا قطع قطعًا، ومحله أيضًا في سقوط القطع؛ كما فرضه المصنف، أما المال .. فلا يقبل قوله فيه، بل القول قول المأخوذ منه بيمينه.

ويجري الخلاف فيما لو ادعى أن المسروق ملك ابنه أو ملك سيده، أو أن المسروق منه عبده وهو مجهول النسب، أو أن الحرز ملكه غصبه المسروق منه.

(لو سرقاه وادعاه أحدهما له أو لهما وكذبه الآخر .. لم يقطع المدعي) لاحتمال صدقه (وقطع الآخر في الأصح) لأنه مقرٌّ بسرقة نصاب بلا شبهة، والثاني: لا يقطع؛ لأنه ادعى ما لو صدق فيه .. لسقط القطع؛ فصار كما لو قال المسروق منه: إنه ملكه؛ فيسقط القطع.

(وإن سرق من حرز شريكه مشتركًا .. فلا قطع في الأظهر وإن قلَّ نصيبه) لأن له في كل جزء حقًّا شائعًا؛ فأشبه وطء الجارية المشتركة، والثاني: يقطع إن خلص له من نصيب شريكه نصاب سرقة؛ إذ لا حقَّ له في نصيب الشريك.

(الثالث: عدم شبهة فيه) لحديث: "ادْرَؤُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" صحح الحاكم إسناده (1)، (فلا قطع بسرقة مال أصل) وإن علا (وفرع) وإن سفل؛ لما بينهما من البعضية، وفي الحديث:"أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ"(2).

وخرج بالأصل والفرع: ما عداهما؛ كالإخوة، وغيرهم فإنه يقطع؛ لانتفاء ما ذكرناه.

(1) المستدرك (4/ 384)، وأخرجه البيهقي (8/ 238)، عن عائشة رضي الله عنها.

(2)

أخرجه ابن حبان (410)، وأبو داوود (3530)، وابن ماجه (2292)، والبيهقي (7/ 480)، وأحمد (2/ 204) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

ص: 206

وَسَيِّدٍ، وَالأَظْهَرُ: قَطْعُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بالآخَرِ. وَمَنْ سَرَقَ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ؛ إِنْ فُرِزَ لِطَائِفَةٍ لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ .. قُطِعَ، وَإِلَّا .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي الْمَسْرُوقِ كَمَالِ مَصَالِحَ وَكَصَدَقَةٍ وَهُوَ فَقِيرٌ .. فَلَا، وَإِلَّا .. قُطِعَ،

===

(وسيد) بالإجماع؛ لشبهة استحقاق النفقة، ويده كيد سيده، والمبعض كالقن، وكذا المكاتب على الأصحِّ.

(والأظهر: قطع أحد الزوجين بالآخر) أي: سرقة مال الآخر من حرز؛ لعموم الأدلة، والثاني: لا قطع؛ للشبهة، فإنها تستحق النفقة في ماله، وهو يملك الحجر عليها، ومنعها من التصرف فيه عند مالك، والثالث: وصححه ابن أبي عصرون تبعًا للفارقي: يقطع الزوج دونها؛ لأن لها حقوقًا في ماله بخلافه، قال الأَذْرَعي: وهو أعدلها، والخلاف في الزوجة إذا لم تستحق شيئًا حين السرقة، أما إذا كانت تستحق النفقة والكسوة في تلك الحالة .. فالمتجه كما قاله في "المطلب": أن لا قطع إذا أخذت بقصد الاستيفاء؛ كما في حق رب الدين إذا سرق نصابًا من مال المديون.

(ومن سرق مال بيت المال؛ إن فرز لطائفة ليس هو منهم .. قطع) إذ لا شبهة له فيه قال الإمام: وكذا الفيء المعدُّ للمرتزقة؛ تفريعًا على أنه ملكهم، (وإلا) أي: وإن لم يفرز ( .. فالأصح: أنه إن كان له حق في المسروق، كمال مصالح، وكصدقة وهو فقير .. فلا) للشبهة المذكورة، (وإلا) أي: وإن لم يكن له فيه حق؛ كالغني من الصدقات ( .. قطع) لانتفاء الشبهة، والثاني: يقطع مطلقًا كما في سائر الأموال، والثالث: لا قطع مطلقًا؛ سواء كان غنيًّا أو فقيرًا، سواء سرف من مال الصدقات أو من مال المصالح؛ لأنه مرصد للحاجة.

ومحل منع القطع في مال المصالح: إذا كان مسلمًا، أما الذمي إذا سرق منها نصابًا .. فالصحيح .. قطعه، وقيل: لا يقطع، واختاره البغوي ثم قال: هذا في مال المصالح، أما لو سرق من مال من مات ولم يخلف وارثًا .. فعليه القطع؛ لأن إرثه للمسلمين خاصة وأقراه (1).

(1) التهذيب (7/ 397) الشرح الكبير (11/ 187)، روضة الطالبين (10/ 118).

ص: 207

وَالْمَذْهَبُ: قَطْعُهُ بِبَابِ مَسْجِدٍ وَجِذْعِهِ لَا حُصُرِهِ وَقَنَادِيلَ تُسْرَجُ. وَالأَصَحُّ: قَطْعُهُ بِمَوْقُوفٍ،

===

ويستثنى من قطع الغني بالصدقة: ما لو كان غارمًا وأخذه لإصلاح ذات البين أو كان غازيًا.

(والمذهب: قطعه بباب مسجد، وجذعه) ونحوهما من متصلاته؛ كسواريه وسقفه ومنبره؛ لأنه مال يضمن باليد والإتلاف كسائر الأموال، وخرج الإمام وجهًا في الأبواب والسقوف؛ لأنها أجزاء المسجد، والمساجد يشترك فيها المسلمون، ويتعلق بها حقوقهم؛ كمال بيت المال، كذا نقلاه عنه (1)، وقد حكاه الماوردي عن ابن أبي هريرة (2).

(لا حصره) المعدة للاستعمال، (وقناديل تسرج) لأن ذلك لمصلحة المسلمين، فله فيه حق؛ كمال بيت المال، وهذا ما قطع به جماعة، بل ادعى القاضي الحسين الإجماع فيه ثم نقل فيما يعد للزينة وجهين، قال ابن الرفعة: ويخرج منه أوجه: ثالثها: التفصيل بين المعدة للزينة وما ينتفع به. انتهى (3)، وقد صرح الإمام بالأوجه الثلاثة؛ كما نقلاه عنه في "الشرح" و"الروضة"(4).

والفرق بين الباب والجذع وما نحن فيه: أن الحصر أعدت لينتفع بها الناس، والقناديل ليستضيؤوا بها، والأبواب والسقوف والجذوع لتحصين المسجد وعمارته لا الانتفاع، وكل هذا في المسلم، أما الذمي إذا سرق الباب أو الحصير أو غيرهما .. فيقطع قطعًا؛ كما في "الروضة" و"أصلها"(5).

(والأصح قطعه بموقوف) كما في أستار الكعبة؛ لأنه مال محرز، وسواء قلنا الملك لله أو للموقوف عليه، والثاني: المنع؛ أما إذا قلنا: إن الملك فيه لله تعالى .. فلأنه ينفك عن ملك الآدميين؛ كالمباحات، وأما على غير هذا القول .. فلضعف الملك.

(1) نهاية المطلب (17/ 294) الشرح الكبير (11/ 187)، روضة الطالبين (10/ 118).

(2)

الحاوي الكبير (17/ 174).

(3)

كفاية النبيه (17/ 340).

(4)

نهاية المطلب (17/ 294)، الشرح الكبير (11/ 187)، روضة الطالبين (10/ 118).

(5)

الشرح الكبير (11/ 188)، روضة الطالبين (10/ 119).

ص: 208

وَأُمِّ وَلَدٍ سَرَقَهَا نَائِمَةً أَوْ مَجْنُونَةً. الرَّابِعُ: كَوْنُهُ مُحْرَزًا بِمُلَاحَظَةٍ أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ

===

ومحل الخلاف: إذا لم يكن له فيه استحقاق ولا شبهة استحقاق؛ فإن كان كمن سرق من وقف على جماعة هو منهم، أو كان أصلًا أو فرعًا لأحد الموقوف عليهم .. فلا قطع قطعًا، وقد علم هذا من قول المصنف أولًا:(الثالث: عدم شبهة فيه).

وصوَّر الماوردي وغيره المسألة: بما إذا كان الوقف على معين (1)، فأما الوقف على الجهات العامة أو على وجوه الخير .. فلا قطع فيه؛ لأنه في حكم بيت المال، قال الروياني: وإن كان ذميًّا؛ لأنه تبع للمسلمين في المصالح (2).

واحترز بالموقوف: عمَّا لو سرق من غلة الموقوف .. فيقطع قطعًا.

(وأم ولد سرقها نائمةً أو مجنونةً) لأنها مملوكة مضمونة بالقيمة؛ كالقن، والثاني: لا؛ لنقصان الملك.

واحترز بهذا القيد: عما لو كانت عاقلة يقظانة .. فلا قطع؛ لقدرتها على الامتناع.

وخرج بأم الولد: المكاتب والمبعض؛ فلا قطع بسرقتهما.

(الرابع: كونه محرزًا) فلا قطع بما ليس بمحرز بالإجماع؛ كما حكاه ابن المنذر (3)(بملاحظة أو حصانة موضعه) هذا تفسير للحرز؛ فإن الشرع أطلقه ولم يبينه، فرجع فيه إلى العرف؛ كما في القبض والتفرق وغيرهما؛ فإن السارق حينئذ يكون على خطر من أن يطلع عليه، وتعظم جرأته عند فقد ذلك؛ فعد المالك مضيعًا، ولا شك أن الأشياء تختلف فيختلف حرزها على ما سيأتي.

وتعبيره بـ (أو) يقتضي: الاكتفاء بالحصانة من غير ملاحظة، وليس كذلك، وسيصرح بخلافه في قوله:(وإن كان بحصن .. كفى لحاظٌ معتادٌ) وقال الرافعي: لا يكفي حصانة الموضع عن أصل الملاحظة حتى إن الدار البعيدة عن البلد لا تكون حرزًا وإن تناهت في الحصانة (4).

(1) الحاوي الكبير (17/ 176).

(2)

بحر المذهب (13/ 77).

(3)

الإجماع (ص 157).

(4)

الشرح الكبير (11/ 198).

ص: 209

فَإِنْ كَانَ بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ .. اشْتُرِطَ دَوَامُ لِحَاظٍ، وَإِنْ كَانَ بِحِصْنٍ .. كَفَى لِحَاظٌ مُعْتَادٌ. وَإِصْطَبْلٌ حِرْزُ دَوَابَّ لَا آنِيَةٍ وَثِيَابٍ، وَعَرْصَةُ دَارٍ وَصُفَّتُهَا حِرْزُ آنِيَةٍ وَثِيَابِ بِذْلَةٍ، لَا حُلِيٍّ وَنَقْدٍ. وَلَوْ نَامَ بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ تَوَسَّدَ مَتَاعًا .. فَمُحْرَزٌ، فَلَوِ انْقَلَبَ فَزَالَ عَنْهُ .. فَلَا، وَثَوْبٌ وَمَتَاعٌ وَضَعَهُ بِقُرْبِهِ بِصَحْرَاءَ إِنْ لَاحَظَهُ .. مُحْرَزٌ، وَإِلَّا .. فَلَا

===

(فإن كان بصحراء أو مسجد .. اشترط دوام لحاظ) بكسر اللام (وإن كان بحصن .. كفى لحاظ معتاد) ولا يشترط دوامه؛ عملًا بالعرف.

(وإصطبل حرز دواب) وإن كانت نفيسة (لا آنية وثياب) لأن إخراج الدواب مما يظهر ويبعد الاجتراء عليه، بخلاف ما يخف ويسهل حمله وإخراجه، واستثنى البُلْقيني من ذلك: آنية الإصطبل؛ كالسطل وثياب الغلام وآلات الدواب من سروج وبراذع ولجم ورحال جمال وقربة السقاء والراوية؛ للعرف.

(وعرصة دار وصفَّتها حرز آنية، وثياب بذلة) كالبسط والأواني (لا حلي ونقد) لأن العادة فيها الإحراز في البيوت المغلقة في الدور، والثياب النفيسة والآنية النفيسة في معنى الحُلِيِّ.

(ولو نام بصحراء أو مسجد على ثوب أو توسد متاعًا .. فمحرز) لقضاء العرف بذلك، فيقطع من أخذ الثوب من تحته، والمتاع من تحت رأسه، وهكذا إذا أخذ العمامة من على رأسه، والمداس من رجله، والخاتم من إصبعه، (فلو انقلب فزال عنه .. فلا) لأنه لم يبق حرزًا، وكذا لو قلبه السارق ثم أخذه.

(وثوب ومتاع وضعه بقربه بصحراء إن لاحظه .. محرز) لقضاء العرف بذلك، ويشترط مع الملاحظة: ألَّا يكون في الموضع ازدحام للطارقين.

نعم؛ إن كثر الملاحظون .. عادل كثرة الطارقين؛ كما نقلاه عن الإمام، وأقراه (1).

(وإلا) أي: وإن لم يلاحظه؛ بأن نام أو ولَّاه ظهره ( .. فلا) قطع؛ لأنه غير محرز.

(1) الشرح الكبير (11/ 197)، روضة الطالبين (10/ 122).

ص: 210

وَشَرْطُ الْمُلَاحِظِ: قُدْرَتُهُ عَلَى مَنْعِ سَارِقٍ بِقُوَّةٍ أَوِ اسْتِغَاثَةٍ. وَدَارٌ مُنْفَصلَةٌ عَنِ الْعِمَارَةِ إِنْ كَانَ بِهَا قَوِيٌّ يَقظَانُ .. حِرْزٌ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ وَإِغلَاقِهِ، وَإِلَّا .. فَلَا، وَمُتَّصِلةُ حِرْزٌ مَعَ إِغْلَاقِهِ وَحَافِظٍ وَلَوْ نَائِمٌ، وَمَعَ فَتْحِهِ وَنَوْمِهِ غيْرُ حِرْزٍ لَيْلًا، وَكَذَا نَهَارًا فِي الأَصَحِّ،

===

(وشرط الملاحظ: قدرته على منع سارق بقوة أو استغاثة) فالضعيف الذي لا يبالي السارق به في الموضع البعيد عن العمران ضائعٌ مع ماله.

(ودار منفصله عن العمارة إن كان بها قويٌّ يقظان .. حرزٌ مع فتح الباب وإغلاقه) لاقتضاء العرف ذلك، (وإلا) أي: وإن لم يكن فيها أحد ( .. فلا) تكون محرزة، سواء كان الباب مفتوحًا أم مغلقًا، وكذا إن كان فيها أحد وهو غير قوي، أو قويًّا لكنه نائم والباب مفتوح؛ فإن كان مغلقًا .. فوجهان: أحدهما: إنها ليست محرزة، وهو ظاهر كلام "الكتاب"، و"أصله"(1)، والثاني: إنها محرزة، وهو الأدرب في "الشرح الصغير"، والأقوى في "زيادة الروضة"(2).

(ومتصلة) بدور آهلة (حرز مع إغلاقه، وحافظ ولو نائم) سواء الليل والنهار؛ لأن السارق على خطر من اطلاعه، وتنبهه بحركاته، واستغاثته بالجيران، (ومع فتحه) أي: الباب (ونومه) أي: الحافظ (غير حرز ليلًا) لأنه المضيع بالفتح مع النوم.

(وكذا نهارًا في الأصح) كما لو لم يكن فيها أحد والباب مفتوح، والثاني: يكون حرزًا؛ اعتمادًا على نظر الجيران ومراقبتهم.

ومحل الخلاف: في زمن الأمن من النهب وغيره، وإلا .. فالأيام كالليالي؛ كما ذكره في "أصل الروضة"(3)، ومحله أيضًا: إذا كان الباب مطروقًا تمر به الجيران؛ قاله الرافعي وأغفلته "الروضة"(4).

(1) المحرر (ص 434).

(2)

روضة الطالبين (10/ 124).

(3)

روضة الطالبين (10/ 124).

(4)

الشرح الكبير (11/ 199).

ص: 211

وَكَذَا يَقْظَانُ تغفَّلَهُ سَارِقٌ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ خَلَتْ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا حِرْزٌ نَهَارًا زَمَنَ أَمْنٍ وَإِغْلَاقِهِ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ .. فَلَا. وَخَيْمَةٌ بِصَحْرَاءَ إِنْ لَمْ تُشَدَّ أَطْنَابُهَا وَتُرْخَى أَذْيَالُهَا .. فَهِيَ وَمَا فِيهَا كَمَتَاعٍ بِصَحْرَاءَ، وَإِلَّا .. فَحِرْزٌ بِشَرْطِ حَافِظٍ قَوِيٍّ فِيهَا وَلَوْ نَائِمٌ

===

(وكذا) إذا كان بها (يقظان تغفله سارق) فليست محرزة (في الأصح) فلا يجب القطع؛ لتقصيره بإهمال المراقبة مع فتح الباب، والثاني: إنها حرز؛ لعسر المراقبة دائمًا.

ومحل الخلاف: ما إذا لم يبالغ في الملاحظة، فإن بالغ فيها بحيث يحصل الإحراز بمثلها في الصحراء، وانتهز السارق الفرصة .. فيقطع قطعًا؛ كما في "أصل الروضة"(1).

(فإن خلت) أي: الدار فلم يكن فيها أحد ( .. فالمذهب: أنها حرز نهارًا زمن أمن وإغلاقه، فإن فقد شرط) من هذه الثلاثة ( .. فلا) يكون حرزًا في وقت الخوف، ولا في الليالي وإن كان الباب مغلقًا، وإن كان مفتوحًا .. لم يكن حرزًا أصلًا، قال الرافعي: هذا هو الظاهر، وهو الجواب في "التهذيب"، ومن جعل الدار المنفصلة عن العمارة حرزًا عند إغلاق الباب .. فأولى أن يجعل المتصلة بها عند الإغلاق حرزًا. انتهى (2)، فعبر المصنف هنا وفي "الروضة" بالمذهب (3)؛ لأجل هذا البحث، وهو بحث عجيب من الرافعي؛ فإن الكلام هنا في المغلقة الخالية، والخلاف السابق في المنفصلة محله: إذا كان فيها نائم قوي، ولم يقل أحد إن المنفصلة إذا كانت مغلقة خالية تكون حرزًا، ذكره الأَذْرَعي.

(وخيمة بصحراء إن لم تشد أطنابها وترخى أذيالها .. فهي وما فيها كمتاع بصحراء) وقد مرَّ حكمه، (وإلا) أي: وإن شدت أطنابها وأرخي أذيالها ( .. فحرز بشرط حافظ قوي فيها ولو نائم) لحصول الإحراز عادة.

(1) روضة الطالبين (10/ 124).

(2)

الشرح الكبير (11/ 199).

(3)

روضة الطالبين (10/ 124).

ص: 212

وَمَاشِيَةٌ بِأَبْنِيَةٍ مُغْلَقَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْعِمَارَةِ مُحْرَزَةٌ بِلَا حَافِظٍ، وَبِبَرِّيَّةٍ يُشْتَرَطُ حَافِظ وَلَوْ نَائِمٌ، وَإبِلٌ بِصَحْرَاءَ مُحْرَزَةٌ بِحَافِظٍ يَرَاهَا، وَمَقْطُورَةٌ يُشْتَرَطُ الْتِفَاتُ قَائِدِهَا إِلَيْهَا كُلَّ سَاعَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهَا،

===

وقوله: (فيها) ليس بقيد بل لو كان بقربها .. كان كذلك.

واعتبار شد الأطناب وإرخاء الأذيال إنما هو بالنسبة لما فيها، فأما بالنسبة إليها .. فهي محرزة بدون إرخاء الأذيال؛ كما في "الروضة" و"أصلها"(1)، وما اعتبره في كون الحافظ قويًّا عبارة "الروضة" و"أصلها" يقتضي: أنه يشترط: إما القوة وإما إمكان الاستغاثة؛ حيث قالا: قال الأئمة: والشرط: أن يكون هناك من يتقوى به، فأما إذا كان في مفازة بعيدة عن الغوث وهو ممن لا يبالى به .. فلا إحراز (2).

(وماشية بأبنية مغلقة متصلة بالعمارة محرزة بلا حافظ) للعادة.

واحترز بمغلقة: عمَّا لو كان الباب مفتوحًا .. فلا بُدَّ من الحافظ، (وببرية) أي: وإن كانت بأبنية منفردة ببرية، (يشترط حافظ ولو نائم) إذا كان الباب مغلقًا، فإن كان مفتوحًا .. اشترط يقظته، وهذا يفهم من قوله أولًا:(مغلقة).

(وإبل بصحراء) ترعى (محرزة بحافظ يراها) كلها؛ فإن لم ير بعضها؛ لكونه في وهدة أو خلف جبل أو حائط .. فذلك البعض غير محرز.

واقتصاره على الرؤية يقتضي: أنه لا يشترط بلوغها صوته، وهو الأشبه في "الشرح الصغير"، ونسبه في "المطلب" إلى الأكثرين، لكن عبارة "الروضة" و"أصلها" يقتضي: أن المرجح: اشتراط بلوغها صوته.

وحكم الخيل والبغال والحمير وهي ترعى: حكم الإبل، وكذا الغنم إذا كان الراعي على نَشَز من الأرض يراها جميعها .. فهي محرزة إذا بلغها صوته وإن كانت متفرقة (3).

(ومقطورة يشترط التفات قائدها إليها كل ساعة بحيث يراها) جميعها؛ فإن كان

(1) روضة الطالبين (10/ 127)، الشرح الكبير (11/ 202).

(2)

روضة الطالبين (10/ 127)، الشرح الكبير (11/ 202).

(3)

الشرح الكبير (11/ 203)، روضة الطالبين (10/ 128).

ص: 213

وَأَلَّا يَزِيدَ قِطَارٌ عَلَى تِسْعَةٍ، وَغَيْرُ مَقْطُورَةٍ لَيْسَتْ مُحْرَزَةً فِي الأَصَحِّ،

===

لا يرى البعض لحائل جبل أو بناء .. فذلك البعض ليس محرزًا، قالا: وقد يستغنى بنظر المارة عن نظره إذا كان يُسيِّرها في السوق مثلًا (1)؛ فعلى هذا: تستثنى هذه الصورة من إطلاق "الكتاب".

(وألا يزيد قطار على تسعة) للعادة الغالبة، فإن زاد .. فكغير المقطورة، هذا ما صدَّر به الرافعي كلامه، ثم قال: والأحسن - في "الروضة": والأصح - توسط أورده السَّرَخْسي فقال: في الصحراء لا يتقيد القطار بعدد، وفي العمران يتقيد بالعادة، وهو من سبعة إلى عشرة، فإن زاد .. لم تكن الزيادة محرزة (2)، قال في "المطلب": وهو ما أورده القاضي الحسين في "التعليق"، قال الرافعي: ومنهم من أطلق التقطير ولم يقيده بعدد (3)، قال الأَذْرَعي: وهم الجمهور، وكذا أطلقه الشافعي في "الأم" و"المختصر"(4).

وقوله (تسعة)، كذا هو في "الشرحين" و"الروضة"(5)، وقال ابن الصلاح: إن ذلك وقع في بعض نسخ "الوسيط" وهو تصحيف، والصحيح (سبعة) بالموحدة بعد السين، وعليه العرف، انتهى (6).

واعترضه الأَذْرَعي: بأن المنقول (تسعة) بالمثناة في أوله؛ كما ذكراه، وهو ما ذكره الفوراني في كتابيه، ونقله عن العمراني، وكذا قاله البغوي، والغزالي في "الوجيز" و"الوسيط"(7)، ونسبه في "البسيط" إلى الأصحاب.

(وغير مقطورة) بأن كانت تساق أو تقاد (ليست محرزة في الأصح) لأن الإبل لا تسير كذلك غالبًا، والثاني: أن المرسلة كالمقطرة، والمعتبر: أن تقرب منه،

(1) الشرح الكبير (11/ 203)، روضة الطالبين (10/ 128).

(2)

الشرح الكبير (11/ 203)، روضة الطالبين (10/ 128).

(3)

الشرح الكبير (11/ 203).

(4)

الأم (7/ 378)، مختصر المزني (ص 263).

(5)

الشرح الكبير (11/ 203)، روضة الطالبين (10/ 128).

(6)

الوسيط (6/ 469).

(7)

التهذيب (7/ 364)، الوجيز (ص 497)، الوسيط (6/ 469).

ص: 214

وَكَفَنٌ فِي قَبْير بِبَيْتٍ مُحْرَزٍ مُحْرَزٌ،

===

ويقع نظره عليها، ولا تعتبر صورة التقطير، وتصحيح الأول تبع فيه "المحرر"؛ فإنه قال: إنه الأشبه (1)، ولم يصرحا في "الروضة" و"أصلها" بترجيح، ورجح في "الشرح الصغير": الثاني، وقال: إنه أولى، وقال الأَذْرَعي: إنه المذهب، ونقله عن الأكثرين، وقال في "المهمات": الفتوى على أنها ليست بمحرزة، فقد نصَّ عليه في "الأم"(2).

(وكفن في قبر ببيت محرز محرز) فيقطع بسرقته الكفن منه، لما رواه البيهقي عن البراء يرفعه:"مَنْ نَبَشَ .. قَطَعْنَاهُ"(3)، ولأنه سارق وإن اختص باسم النبش فاندرج في الآية.

والمقبرة المحفوفة بالعمارة التي يندر تخلف الطارقين عنها في زمن يتأتى فيه النبش، أو كان عليها حُرَّاس مرتبون .. بمثابة البيت المحرز؛ نقلاه عن الإمام، وأقراه (4)، وسواء قلنا: الملك في الكفن لله تعالى أو للميت أو للوارث على الأصحِّ؛ لأجل اختصاص الميت به.

نعم؛ لو سرقه بعض الورثة أو ولد بعضهم .. فلا قطع، وسواء الكفن المشروع، وهو خمسة أثواب أو ثلاثة أو غيره؛ وهو الزائد على ذلك.

وما وقع في "العجالة" هنا من كونه لا يقطع بالزائد على ذلك على الأصحِّ غلط، ومحله: في الصورة التي تليها (5).

(1) المحرر (ص 434).

(2)

المهمات (8/ 335).

(3)

معرفة السنن والآثار (12/ 409).

(4)

الشرح الكبير (11/ 205)، روضة الطالبين (10/ 130).

(5)

عجالة المحتاج (4/ 1641)، قال في "العجالة" هذا في هذه الصورة:(هذا في الكفن المشروع، وهو خمسة أثواب أو ثلاثة؛ فإن كفن في الزائد .. لم يقطع سارقه في الأصح). انتهى، وهو غلط، هانما هو في الصورة الآتية؛ وهي: ما إذا كان الدفن في المقبرة، أما إذا كان ببيت مغلق .. فإنه يقطع، بل لا يختص ذلك بالكفن، فغيره من الثياب والدراهم والجواهر وغيرها محرزٌ فيه أيضًا؛ كما نقلاه عن الإمام، وأقراه. اهـ هامش (1).

ص: 215