الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقِيلَ: لَا، إِلَّا إِذَا ادَّعَى مِلْكًا سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ. وَلَوِ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدُوا لَهُ مَعَ سَبَبهِ .. لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ ذَكَرَ سَبَبًا وَهُمْ سَبَبًا آخَرَ .. ضَرَّ.
فصلٌ [في اختلاف المتداعيين في العقود]
قَالَ: (آجَرْتُكَ الْبَيْتَ بِعَشَرَةٍ)، فَقَالَ:(بَلْ جَمِيعَ الدَّارِ بِالْعَشَرَةِ)، وَأقامَا بَيِّنَتَيْنِ .. تَعَارَضَتَا، وَفِي قَوْلٍ: يُقَدَّمُ الْمُسْتَأْجِرُ. وَلَوِ ادَّعَيَا شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَوَزَنَ لَهُ ثَمَنَهُ؛ فَإِنِ اخْتَلَفَ تَارِيخٌ .. حُكِمَ لِلأَسْبَقِ،
===
المدعي، وتكون المبايعة صحيحة مصادفة محلها؛ لمسيس الحاجة إليه في عهدة الحقود، (وقيل: لا، إلا إذا ادعى ملكًا سابقًا على الشراء) (1) وفاءً بالأصل المذكور، وقال البُلْقيني: إنه الصواب المتعين، والمذهب الذي لا يجوز غيره.
(ولو ادعى ملكًا مطلقًا فشهدوا له مع سببه .. لم يضر) لأن سبب الملك تابع للملك، وليس مقصودًا في نفسه، وإنما المقصود الملك، وقد وافقت البينة فيه الدعوى.
(وإن ذكر سببًا وهم سببًا آخر .. ضر) فترد شهادتهم؛ لمناقضتها الدعوى.
* * *
(فصل: قال: "آجرتك البيت بعشرة"، فقال: "بل جميع الدار بالعشرة"، وأقاما بينتين .. تعارضتا) فيتساقطان لتكاذبهما؛ لأن العقد واحد، وكل كيفية تنافي الأخرى، (وفي قول: يقدم المستأجر) لاشتمال بينته على زيادة، وهي اكتراء جميع الدار؛ كما لو شهدت بينة بألف وبينة بألفين .. ثبت الألفان.
وفرق الأول: بأن بينة الألف، وبينة الألفين لا يتنافيان؛ لأن التي شهدت بالألف لا تنافي الألفين، وههنا العقد واحد، وكل كيفية تنافي الكيفية الأخرى.
(ولو ادعيا شيئًا في يد ثالث، وأقام كل منهما بينة أنه اشتراه ووزن له ثمنه، فإن اختلف تاريخ .. حكم للأسبق) لأنه إذا باع من أحدهما .. لم يتمكن من البيع من الثاني.
(1) في (هـ): (إلا إذا ادعي ملك سابق).
وَإِلَّا .. تَعَارَضَتَا. وَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: (بِعْتُكَهُ بِكَذَا)، وَأَقَامَاهُمَا؛ فَإِنِ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا .. تَعَارَضَتَا، وَإِنِ اخْتَلَفَ .. لَزِمَهُ الَثَّمَنَانِ، وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَتَا أَوْ إِحْدَاهُمَا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ مَاتَ عَنِ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا:(مَاتَ عَلَى دِينِي)؛ فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا .. صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ .. قُدِّمَ الْمُسْلِمُ، وَإِنْ قَيَّدَتْ أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ إِسْلَامٌ وَعَكَسَتْهُ الأُخْرَى
===
(وإلا) أي: وإن لم يختلف تاريخهما ( .. تعارضتا) فعلى الصحيح: يتساقطان، ويحلف لكل واحد منهما، كما لو لم تكن بينة، ويرجعان عليه بالثمن؛ لثبوته بالبينة، هذا إذا لم تتعرض البينة لقبض المبيع، فإن فرض التعرض له .. فلا رجوع بالثمن؛ لأن العقد قد استقر بالقبض، وليس على البائع عهدة ما يحدث بعده.
(ولو قال كل منهما) أي: من المتداعيين لمن بيده ذلك الشيء ("بعتكه بكذا"، وأقاماهما؛ فإن اتحد تاريخهما) كأن أرختا بأول طلوع الشمس ( .. تعارضتا) لامتناع كونه ملكًا في وقت واحد لهذا وحده، ولذا وحده، فعلى التساقط كأن لا بينة.
(وان اختلف) تاريخهما ( .. لزمه الثمنان) لجواز أن يكون اشتراه من أحدهما في التاريخ الأول ثم باعه، واشتراه من الآخر في التاريخ الثاني.
نعم؛ يشترط في ذلك أن يكون الزمان متسعًا للعقد الأول، ثم الانتقال إلى البائع الثاني، ثم العقد الثاني؛ فإن لم يتسع لذلك .. لم يجب الثمنان.
(وكذا إن أطلقتا أو إحداهما) وأرخت الأخرى (في الأصح) لاحتمال أن يكونا في زمانين، وإذا أمكن الاستعمال .. لم يحكم بالإسقاط، والثاني: أنهما كمتحدي التاريخ؛ لأن الأصل براءة المشتري، فلا يؤاخذ إلا باليقين.
(ولو مات عن ابنين مسلم ونصراني، فقال كل منهما: "مات على ديني" فإن عرف أنه كان نصرانيًّا .. صدق النصراني) بيمينه؛ إذ الأصل بقاء كفره، والمسلم يدعي انتقالًا عنه، والأصل عدمه.
(وإن أقاما بينتين مطلقتين .. قدم المسلم) لأن مع بينته زيادة علم، وهو انتقاله إلى الإسلام، والأخرى استصحبت الأصل، والناقلة أولى من المستصحبة.
(وإن قيدت أن آخر كلامه إسلام، وعكسته الأخرى) فقيَّدت أن آخر كلامه
تَعَارَضَتَا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ دِينُهُ وَأَقَامَ كُلٌّ: بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِيِنِهِ .. تَعَارَضَتَا. وَلَوْ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ عَنِ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ الْمُسْلِمُ: (أَسْلَمْتُ بَعْدَ مَوْتهِ .. فَالْمِيرَاثُ بَيْنَنَا)، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ:(بَلْ قَبْلَهُ) .. صُدِّقَ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ أَقَامَاهُمَا .. قُدِّمَ النَّصْرَانِيُّ، فَلَوِ اتَّفَقَا عَلَى إِسْلَامِ الابْنِ فِي رَمَضَانَ، وَقَالَ الْمُسْلِمُ:(مَاتَ الأَبُ فِي شَعْبَانَ)، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ:(فِي شَوَّالٍ) .. صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ، وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى بَيِّنَتِهِ
===
النصرانية ( .. تعارضتا) لتناقضهما؛ إذ يستحيل موته عليهما فيسقطان، وكأن لا بينة، ويصدق النصراني بيمينه.
(وإن لم يعرف دينه وأقام كلٌّ بينة أنه مات على دينه .. تعارضتا) سواء أطلقتا أم قيدتا لفظه عند الموت؛ للتكاذب، وتسقطان على الصحيح، وكأن لا بينة، وحينئذ فإن كان المال في يد غيرهما .. فالقول قوله، وإن كان في يدهما .. فيحلف كل منهما لصاحبه وتجعل بينهما، وإن كان في يد أحدهما .. فقيل: إن القول قوله، والصحيح: أنه يجعل بينهما أيضًا، ولا أثر لليد بعد اعتراف صاحب اليد بأنه كان للميت، وأنه يأخذه إرثًا، والتعارض بالنسبة إلى الإرث خاصة، فيصلَّى على هذا الميت المشكوك في دينه، ويدفن في مقابر المسلمين، ويقول:(أصلي عليه إن كان مسلمًا)، وكذا يقيِّد الدعاء بذلك (1).
(ولو مات نصراني عن ابنين مسلم ونصراني، فقال المسلم: "أسلمت بعد موته؛ فالميراث بيننا"، وقال النصراني: "بل قبله") فلا ميراث لك ( .. صدق المسلم بيمينه) لأن الأصل استمراره على دينه، فيحلف ويشتركان في المال.
(وإن أقاماهما .. قدم النصراني) لأن بينته ناقلة، والأخرى مستصحبة لدينه؛ فمع الأولى زيادة علم.
(فلو اتفقا على إسلام الابن في رمضان، وقال المسلم: "مات الأب في شعبان"، وقال النصراني: "في شوال" .. صدق النصراني) لأن الأصل بقاء الحياة، (وتقدم بينة المسلم على بينته) لأنها تنقل من الحياة إلى الموت في شعبان،
(1) بلغ مقابلة على خط مؤلفه، عفا الله عنه. اهـ هامش (أ).
وَلَوْ مَاتَ عَنْ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ وَابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَقَالَ كُلٌّ: (مَاتَ عَلَى دِينِنَا) .. صُدِّقَ الأَبَوَانِ بِالْيَمِينِ، وَفِي قَوْلٍ: يُوقَفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحُوا. وَلَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سَالِمًا، وَأُخْرَي غَانِمًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ ثلُثُ مَالِهِ؛ فَإِنِ اخْتَلَفَ تَارِيخٌ .. قُدِّمَ الأَسْبَقُ، وَإِن اتَّحَدَ .. أُقْرِعَ، وَإِنْ أَطْلَقَتَا .. قِيلَ: يُقْرَعُ، وَقِيلَ: فِي قَوْلٍ: يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهُ. قُلْتُ: الْمَذْهَبُ: يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ
===
والأخرى تستصحب الحياة إلى شوال.
(ولو مات عن أبوين كافرين وابنين مسلمين، فقال كل: "مات على ديننا" .. صدق الأبوان باليمين) لأن الولد محكوم بكفره في الابتداء؛ تبعًا لهما فيستصحب حتى يعلم خلافه، (وفي قول: يوقف حتى يتبين أو يصطلحوا) لتساوي الحالين بعد بلوغه في إسلامه وكفره؛ لأنا إنما نحكم بالتبعية في صغره، فأما إذا بلغ .. فلا، قال في "زيادة الروضة": وهذا أرجح دليلًا، لكن الأصح عند الأصحاب: الأول (1).
(ولو شهدت أنه أعتق في مرضه) الذي مات منه (سالمًا، وأخرى غانمًا، وكل واحد ثلث ماله) ولم تجز الورثة، (فإن اختلف تاريخ .. قدم الأسبق) لأن التبرعات المنجزة في مرض الموت يقدم فيها الأسبق فالأسبق.
(وإن اتحد .. أقرع) لعدم المزية (وإن أطلقتا) أو إحداهما ( .. قيل: يقرع) لاحتمال المعية، (وقيل في قول: يعتق من كل نصفه) لاستوائهما، والقرعة ممتنعة؛ لأنا لو أقرعنا .. لم نأمل أن يخرج الرق على السابق، وللسابق حق الحرية .. فيلزم منه إرقاق حُرٍّ، وتحرير رقيق.
(قلت: المذهب: يعتق من كل نصفه) ونص عليه في "المختصر"(2)، (والله أعلم) لما قلناه، ونوقش المصنف في ترجيحه طريقة القطع بالقسمة، فإن البغوي جزم في "التهذيب" بالإقراع (3)، وهو الموافق للسنة، فإنها وردت بالقرعة، وجمع الحرية في واحد، وقال الشيخ أبو علي في "شرحه الكبير": إنه الصحيح، واختاره
(1) روضة الطالبين (12/ 80).
(2)
مختصر المزني (ص 315).
(3)
التهذيب (8/ 341).