المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صلاح التعليم أساس الإصلاح - آثار ابن باديس - جـ ٣

[ابن باديس، عبد الحميد]

فهرس الكتاب

- ‌قسم الإصلاح والثورة ضد البدع

- ‌يتكلمون بما لا يعلمون

- ‌الجهة الأولى:

- ‌الجهة الثانية:

- ‌الجهة الثالثة:

- ‌ما هكذا عهدنا أدب صروف

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌تمهيد:

- ‌ماذا كان يدبر للاستيلاء على الجمعية:

- ‌نكتة المسألة:

- ‌كيف كنا وكيف كانوا:

- ‌صبيحة يوم الإثنين وما صبيحة الإثنين:

- ‌لوازم واستاجابات:

- ‌مساء الإثنين:

- ‌يوم الثلاثاء:

- ‌كيف كان الترشيح للإنتخاب:

- ‌عناصر مجلس الإدارة:

- ‌رئاسة الجمعية:

- ‌بواعثنا - عملنا- خطتنا- غايتنا

- ‌((عبداويون))! ثم ((وهابيون))

- ‌الدعاء منه عادة ومنه عبادة

- ‌لا يجوز دعاء غير الله ولا أحد مع لله

- ‌من دعا غير الله فقد عبده

- ‌التوسل بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم غير دعائه

- ‌نصيحة بنصيحة

- ‌كلمة كفر لو دري قائلها

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌إنكار العلماء المتقدمين على المدعين المبتدعين

- ‌إنكار الإمام القشيري، صاحب الرسالة القشيربة، من أهل القرن الخامس:

- ‌إنكار الإمام أبي بكر الطرطوشي المالكي، من أهل القرن الخامس والسادس:

- ‌إنكار الإمام أبي حيان الأندلسي، من أهل القرن السابع والثامن:

- ‌إنكار الإمام أبي إسحاق الشاطبي المالكي، من أهل القرن الثامن:

- ‌إنكار الإمام القلصادي المالكي، من أهل القرن التاسع:

- ‌إنكار الشيخ عبد الرحمن الأخضري الجزائري، من أهل القرن العاشر:

- ‌إنكار الشيخ عبد الكريم الفكون القسنطيني، من أهل القرن الحادي عشر:

- ‌إنكار الشيخ مصطفى لعروسي، من أهل القرن الثالث عشر:

- ‌الصوفي السنيبين الحكومة السنية والحكومة الطرقية

- ‌الإسلام دين علم خالد

- ‌طلب الآخرة وحدها مذموم فى الإسلام

- ‌بيان عن هلال شوال

- ‌المجتنيات من الجرائد والمجلات

- ‌التقرير الأدبي

- ‌العناية بهلال رمضان وثبوته

- ‌العناية بهلال رمضان

- ‌إدارة البريد:

- ‌(الهيئة الشرعية بالعاصمة):

- ‌(رجاء من أصحاب الفضيلة القضاة والمفاتي):

- ‌(رجاء من الأمة):

- ‌(إلى رؤساء شعب الجمعية):

- ‌الإصلاح أمس واليوم

- ‌إحتفال جمعية التربية والتعليم الإسلامية بالحجاج

- ‌شيخ الإسلام بتونس

- ‌حول فتوى القراءة على الأموات

- ‌خبز وزيتون ومغفرة من الله:

- ‌جمعية أصوات وأنواع قراءات:

- ‌ حديث قراءة يس

- ‌إلى علماء جامع الزيتونة:

- ‌معاذ الله:

- ‌من آثار جمعية العلماء في تهدئة الأفكار

- ‌المجلة الزيتونية

- ‌المجلة التونسية

- ‌دعوة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأصولها

- ‌لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة

- ‌نص الخطبة

- ‌جواب صريح

- ‌تمهيد:

- ‌تلخيص السؤال:

- ‌الجواب:

- ‌((كلمة إلى العلماء))

- ‌رسالة جواب‌‌ سؤالعن سوء مقال

- ‌ سؤال

- ‌الجواب:

- ‌الفصل الأول: في بيان خروج كلامه عن دائرة الأدب المرعية وتهجمه على الحضرة النبوية

- ‌الفصل الثاني: في بيان حرمة مخاطبة النبي- صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الخطاب

- ‌الفصل الثالث: في أن هذا المقال لا يصدر من العارفين

- ‌الفصل الرابع: في بطلان عذره بعجمة ألسن المحبين

- ‌الخاتمة: في نصيحة نافعة ووصية جامعة

- ‌التقاريظ

- ‌تقريظ محمد النخلي:

- ‌تقريظ بلحسن النجار:

- ‌تقريظ محمد الطاهر بن عاشور:

- ‌تقريظ محمد الصادق النيفر:

- ‌تقريظ معاوية التميمي:

- ‌تقريظ شعيب بن علي بن عبد الله:

- ‌تقريظ محمد المولود بن الموهوب:

- ‌تقريظ العابد بن أحمد بن سودة:

- ‌تقريظ محمد بن العربي:

- ‌تقريظ عبد القادر بن محمد بن عبد القادر:

- ‌المقرظون، أسماؤهم ووظائفهم وبلدانهم:

- ‌تبيان:

- ‌قسم التربية والتعليم

- ‌أيها المسلم الجزائري

- ‌إصلاح التعليم بجامع الزيتونة، عمره الله

- ‌جمعية التربية والتعليم الإسلامية

- ‌منع التعليم الديني بالمساجد

- ‌إبطال الجمعية الدينية بالجزائر:

- ‌بعد عشرين سنة في التعليم

- ‌الدروس العلمية الإسلامية بقسنطينة

- ‌مقررات المجلس الإداري

- ‌المطلب الأول:

- ‌المطلب الثاني:

- ‌الدروس العلمية بالجامع الأخضر بقسنطينة

- ‌رجاء

- ‌صلاح التعليم أساس الإصلاح

- ‌ختم الدروس العلمية بالجامع الأخضر

- ‌تحية وشكر: إلى أبنائي الطلبة:

- ‌تقرير في التعليم المسجدي

- ‌نوع التعليم المسجدي:

- ‌الحاجة إليه:

- ‌وجوب القيام به:

- ‌الحالة التي هو عليها:

- ‌كيف ينبغي أن يكون:

- ‌بيان عن الحركة العلمية بالجامع الأخضر ونفقاتها

- ‌الطبقات: أربعة

- ‌النفقة:

- ‌نداء وبيان إلى الأمة المسلمة الجزائرية

- ‌لمن أعيش

- ‌مؤتمر المعلمين الأحرار

- ‌الإسلام الذاتي والإسلام الوراثي

- ‌يا لله! للإسلام والعربية في الجزائر

- ‌للدفاع عن الإسلام والقرآن ولغتهما:

- ‌بمناسبة قانون 8 مارس 1938م

- ‌الغرض من الجمعية:

- ‌في سبيل التعلم والتقدم

- ‌بماذا نعود:

- ‌حول قانون 8 مادس المشؤوم

- ‌النص التقريبي لكامل التقرير الأدبي

- ‌الحركة التعليمية

- ‌أصل الجمعية:

- ‌القانون الأساسي للجمعية:

- ‌تأسيس قسم الشبان:

- ‌أعمال الشبان:

- ‌لجنة الطلبة:

- ‌تعميم فكرة الجمعية:

- ‌قسم السياسة

- ‌خطتنا

- ‌مبدؤنا السياسي:

- ‌مبدؤنا التهذيبي:

- ‌مبدؤنا الانتقادي:

- ‌تعطيل (السنة) وإصدار (الشريعة)

- ‌رد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌حول تصريحات الوالي العام

- ‌في الشمال الأفريقي:

- ‌كلمات حكيمة

- ‌في الشمال الإفريقي:

- ‌اللجنة الوزارية:

- ‌الإضراب التونسي:

- ‌حول كلمتنا الصريحة

- ‌إنتهاء الأزمة التونسية:

- ‌حقوق الأمة الجزائرية

- ‌مقدمة:

- ‌الأوضاع والمعاملات الخاصة:

- ‌النيابات:

- ‌اللغة العربية:

- ‌الدين:

- ‌1 - المساجد:

- ‌2 - التعليم الديني:

- ‌3 - القضاء:

- ‌نص المطالب التي قدمها لمكتب المؤتمر

- ‌المؤتمر الجزائري الإسلامي العام

- ‌كلمة قالها ابن باديس

- ‌مع الوفد الإسلامي الجزائري:

- ‌تمهيد:

- ‌على ظهر الباخرة:

- ‌الأستاذ العقبي:

- ‌الأستاذ الإبراهيمي:

- ‌الأستاذ عبد الحميد:

- ‌المقابلات الرسمية:

- ‌عند م. فيوليط:

- ‌عند وزير الداخلية:

- ‌عند وزير الحربية:

- ‌عند رئيس الوزراء:

- ‌كلمة لكبير الوزراء:

- ‌مقابلات الأحزاب الشعبية:

- ‌مقابلة الصحافة:

- ‌النتيجة المحققة:

- ‌العودة إلى الوطن:

- ‌واليوم

- ‌نحن مسلمون وكفى

- ‌النمسا- الدعاية الهتلرية في إفريقيا الشمالية وفلسطين:

- ‌الدعاية الألمانية في إفريقيا الشمالية:

- ‌ليست الزردة وحدها

- ‌تمهيد:

- ‌كيف كنا معا:

- ‌كيف افترقنا:

- ‌طعنة من الخلف في أخطر الأوقات:

- ‌آلة في يد الظلم:

- ‌وافق شن طبقة:

- ‌الأمة حكمت وأبرمت:

- ‌الجنسية القومية والجنسية السياسية

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌فصل الجزائر عن فرانسا:

- ‌نظرنا في إصلاح الحالة:

- ‌بروجي فيوليط والحالة الشخصية:

- ‌رأينا في إلزام الحكومة المسلمين برفض الأحكام الشرعية:

- ‌‌‌تجزئة الأحكام الشرعية:

- ‌تجزئة الأحكام الشرعية:

- ‌جبر البكر:

- ‌مجلة (الشهاب) ومقاومة الاندماج:

- ‌تقييد في محله:

- ‌وعود نرجو أن تتحقق:

- ‌دعوة وبيان

- ‌نداء

- ‌هل آن أوان اليأس من فرنسا

- ‌الوطن والوطنية

- ‌في الشمال الإفريقي:

- ‌نداء إلى الأمة الجزائرية ونوابها

- ‌صدى منشورنا على الأمة والنواب

- ‌إجرام الاستعمار

- ‌الاستعمار يحاول قطع الصلة بين الإخوان

- ‌كلمات صريحة:

- ‌نحن الجزائر:

- ‌كلمة مرة

- ‌نحن والواجهة الشعبية

- ‌على هامش (السانطونير)

- ‌مسألة عظيمة

- ‌قال سعادة الباشا:

- ‌الوحدة العربية

- ‌أصول الولاية في الإسلام

- ‌الأصل الأول:

- ‌الأصل الثاني:

- ‌الأصل الثالث:

- ‌الأصل الرابع:

- ‌الأصل الخامس:

- ‌الأصل السادس:

- ‌الأصل السابع:

- ‌الأصل الثامن:

- ‌الأصل التاسع:

- ‌الأصل العاشر:

- ‌الأصل الحادي عشر:

- ‌الأصل الثاني عشر:

- ‌الأصل الثالث عشر:

- ‌توضيح

- ‌الجزائر المسلمة

- ‌الخلافة أم جماعة المسلمين

- ‌فلسطين الشهيدة

- ‌حول مساجين العلماء

- ‌أولو الأمر

- ‌قسم البرقيات والاحتجاجات

- ‌شكر عام للإحساس العام

- ‌احتجاج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌إحتجاجنا لدى الأمة:

- ‌إحتججنا لدى الحكومة:

- ‌إحتجاجنا إلى ممثل الحكومة في ذلك المجلس:

- ‌تلغراف الاحتجاج

- ‌رفع قضية ضد التعطيل

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائربينوصولاتها الجدد

- ‌وداع وشكر:

- ‌براءة:

- ‌إحتجاج ديني إنساني:

- ‌برقية تألم:

- ‌تلغراف مرسل إلى السيد الوالى العام

- ‌حول مقال نشرته جريدة الطان

- ‌(ترجمة ما يتعلق بالجزائر من مقال لطان)

- ‌إحتجاج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌رسلة جمعية العلماء إلى الطان

- ‌عريضة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌الاحتجاجات

- ‌شكر ووداع

- ‌الشقيقة الجزائرية

- ‌سير الجمعية وأعمالها:

- ‌وزير الخارجية بباريس والمقيم العام بتونس

- ‌وزير الخارجية بباريس والقيم العام بالرباط

- ‌إحتجاج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌إحتجاج جمعية العلماء

- ‌إحتجاج رئيس جمعية العلماء

- ‌برقية تهنئة ورجاء

- ‌برقية شكر وتهنئة

- ‌عيد الفطر المبارك

- ‌شكر على تعزية

- ‌برقية جمعية العلماء

- ‌قسم الإجتماعيات

- ‌سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ

- ‌رسائل ومقلات:

- ‌الرجل المسلم الجزائري

- ‌سبب اختياري للموضوع:

- ‌ الرجل

- ‌المراد من الموضوع:

- ‌المسلم:

- ‌الجزائري:

- ‌طريق العلم بهذا والعمل به:

- ‌شقيقة رجل وشريكه:

- ‌هو الأول، وهي الثانية:

- ‌المرأة المسلمة الجزائرية:

- ‌المرأة:

- ‌المسلمة:

- ‌الجزائرية:

- ‌الطريق الموصل إلى هذا:

- ‌لا فضل بالمال

- ‌ذكرى المولد النبوي الشريف

- ‌كتاب: "امرأتنا

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌على ذكرى المولد النبوي الشريف

- ‌عيد الحرية

- ‌ما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان

- ‌نصيحة وإرشاد

- ‌التسامح الإسلامي:

- ‌عن الصدى الكنسي لقسنطينة وبونة

- ‌الصلاة اليومية:

- ‌التسامح الإسلامي- 2

- ‌سيرة الإصلاح الإسلامي:

- ‌جواب عن كتاب

- ‌نص الكتاب بعد الافتتاح:

- ‌إحياء ليلة المعراج النبوي الشريف

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تقوم بواجبها الديني وشعورها الإنساني:

- ‌بيان ما أرسل للمنكوبين:

- ‌تنبيه

- ‌غرداية

- ‌بين المسلمين في غرداية

- ‌للحق والنصفة

- ‌قسم الخطب

- ‌ذكرى المولد النبوي الكريم

- ‌بقية الخطاب الذي ألقاه صاحب المجلة في النادي

- ‌مبدأ رحمته:

- ‌مبدأ قوته:

- ‌مظاهر رحمته:

- ‌مظاهر قوته:

- ‌آثار القوة والرحمة في أخلاقه:

- ‌الأمانة:

- ‌الصدق:

- ‌العدل:

- ‌إهتمامه بالخلق:

- ‌إنقباضه عنهم:

- ‌نبوءته:

- ‌الرحمة والقوة في شريعته:

- ‌خطبتان لصاحب المجلة

- ‌خطاب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌خطبة منبرية

- ‌ذكرى الشاعرين:

- ‌((خطبة صاحب هذه المجلة))

- ‌خطاب رئيس الجمعية

- ‌خطاب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌ غاية الجمعية

- ‌ثمرة هذه الغاية:

- ‌دعوة الجمعية:

- ‌ثمرة هذه الدعوة:

- ‌ما حصلنا من الثمرتين:

- ‌الجمعية وأنواع من يتصل بها:

- ‌الجمعية والأمة:

- ‌الجمعية وأهل الطرق:

- ‌الجمعية والحكومة:

- ‌الجمعية والأحزاب:

- ‌الجمعية والمؤتمر الإسلامي الجزائري العام:

- ‌الجمعية وخصومها:

- ‌خطبة رئيس الجمعية

- ‌خطاب الرئيس الجليل

- ‌خطاب الرئيس في الاجتماع العام

- ‌قسم الشعر

- ‌السياسة في نظر العلماء

- ‌تحية المولد الكريم

- ‌القومية والإنسانية

الفصل: ‌صلاح التعليم أساس الإصلاح

‌صلاح التعليم أساس الإصلاح

-1 -

لن يصلح المسلمون حتى يصلح علماؤهم فإنّما العلماء من الأمّة بمثابة القلب إذا صلح صلح الجسد كلّه وإذا فسد فسد الجسد كلّه، وصلاح المسلمين إنّما هو بفقههم الإسلام وعملهم به وإنّما يصل إليهم هذا على يد علمائهم، فإذا كان علماؤهم أهل جمود في العلم وابتداع في العمل فكذلك المسلمون يكونون. فإذا أردنا إصلاح المسلمين فلنصلح علماءهم.

ولن يصلح العلماء إلاّ إذا صلح تعليمهم. فالتعليم هو الذي يطبع المتعلم بالطابع الذي يكون عليه في مستقبل حياته وما يستقبل من علمه لنفسه وغيره فإذا أردنا أن نصلح العلماء فلنصلح التعليم ونعني بالتعليم التعليم الذي يكون به المسلم عالماً من علماء الإسلام يأخذ عنه الناس دينهم ويقتدون به فيه.

ولن يصلح هذا التعليم إلاّ إذا رجعنا به للتعليم النبوي في شكله وموضوعه في مادته وصورته فيما كان يعلم صلى الله عليه وآله وسلم وفي صورة تعليمه، فقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه مسلم أنّه قال:«إنّما بعثت معلما» (2)، فماذا كان يعلم وكيف كان يعلم.

كان صلى الله عليه وآله وسلم يعلم الناس دينهم من الإيمان والإسلام والإحسان كما قال صلى الله عليه وآله وسلم في جبريل في الحديث المشهور: «هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم»

ص: 217

وكان يعلمهم هذا الدين بتلاوة القرآن عليهم كما قال تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} . وبما بيَّنه لهم من قوله وفعله وسيرته وسلوكه في مجالس تعليمه وفي جميع أحواله فكان الناس يتعلمون دينهم بما يسمعون من كلام ربهم وما يتلقون من بيان نبيهم، وتنفيذه لما أوحى الله إليه وذلك البيان هو سنته التي كان عليها أصحابه والخلفاء الراشدون من بعده وبقية القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية من التابعين وأتباع التابعين.

وإذا رجعت إلى موطأ مالك سيد أتباع التابعين فإنّك تجده في بيان الدين قد بنى أمره على الآيات القرآنية وما صح عنده من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله، وما كان من عمل أصحابه الذي يأخذ منه ما استقر عليه الحال آخر حياته. لأنّهم كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمره. وكذلك إذا رجعت إلى كتاب الأمّ لتلميذ مالك الإمام الشافعي فإنّك تجده قد بنى فقهه على الكتاب وما ثبت عنده من السنة.

وهكذا كان التعلم والتعليم في القرون الفضلى مبناها على التفقه في القرآن والسنة، روى ابن عبد البر في الجامع عن الضحاك في قوله تعالى:{كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} ، قال الضحاك:"حق على كلّ من تعلم القرآن أن يكون فقيها". وروى عن عمر رضي الله عنه أنّه كتب إلى أبي موسى رضي الله عنه: "أمّا بعد فتفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية". وقال الإمام ابن حزم في كتاب الإحكام، وهو يتحدث عن السلف الصالح كيف كانوا يتعلمون

ص: 218

الدين: "كان أهل هذه القرون الفاضلة المحمودة -يعني القرون الثلاثة- يطلبون حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم والفقه في القرآن، ويرحلون في ذلك إلى البلاد فإن وجدوا حديثا عنه عليه السلام عملوا به واعتقدوه". ومن راجع كتاب العلم من صحيح البخاري ووقف على كتاب جامع العلم للإمام ابن عبد البر عصري ابن حزم وبلديه وصديقه، عرف من الشواهد على سيرتهم تلك شيئا كثيرا.

هذا هو التعليم الديني السني السلفي، فأين منه تعليمنا نحن اليوم وقبل اليوم، بل منذ قرون وقرون؟ فقد حصلنا على شهادة العالمية من جامع الزيتونة ونحن لم ندرس آية واحدة من كتاب الله، ولم يكن عندنا أي شوق أو أدنى رغبة في ذلك. ومن أين يكون لنا هذا ونحن لم نسمع من شيوخنا يوما منزلة القرآن من تعلم الدين والتفقه فيه، ولا منزلة السنة النبوية من ذلك. هذا في جامع الزيتونة فدع عنك الحديث عن غيره ممّا هو دونه بعديد المراحل.

فالعلماء -إلَاّ قليل منهم- أجانب أو كالأجانب من الكتاب والسنة من العلم فهما والتفقه فيهما. ومن فطن منهم لهذا الفساد التعليمي الذي باعد بينهم وبين العلم بالدين وحملهم وزرهم ووزر من في رعايتهم لا يستطيع -إذا كانت له همة ورغبة- أن يتدارك ذلك إلا في نفسه. أمّا تعليمه لغيره فإنّه لا يستطيع أن يخرج فيه عن المعتاد، الذي توارثه عن الآباء والأجداد رغم ما يعلم فيه من فساد وإفساد.

ونحن بعد أن بينَّا تعليم الدين من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن عمل السلف الصالح من أهل القرون الفاضلة المحمودة، ومنهم إمامنا إمام دار الهجرة مالك، فإنّنا عقدنا العزم على

ص: 219

إصلاح التعليم الديني في دروسنا حسب ما تبلغ إليه طاقتنا إن شاء الله تعالى. وسننشر ما يكون من ذلك في الجزء الآتي إن شاء الله عليه توكلنا وعليه فليتوكل المؤمنون (1).

-2 -

قد ذكرنا في المقال السابق ما كان عليه التعليم الديني في عهد السلف الصالح من التفقه في الدين بالتفقه في القرآن والأحاديث النبوية، وذكرنا الحالة التي انتهى إليها في عصرنا من هجر القرآن والسنة، والاقتصار على الفروع العلمية المنشرة دون استدلال، ولا تعليل، واستشهدنا على ذلك بحالتنا نحن أنفسنا لما أخذنا شهادة العالية من جامع الزيتونة- عمره الله- بدوام ذكره. ونريد أن نذكر اليوم أن هذا الإعراض عن ربط الفروع بأصولها ومعرفة مآخذها، هو داء قديم في هذا المغرب من أقصاه إلى أدناه، بل كان داء عضالا فيما هو أرقى من المغارب الثلاث وهو الأندلس. ونحن ننقل فيما يلي كلام إمامين عظيمين من أئمة الأندلس المتبعين لمالك رحمه الله.

قال الإمام عمر بن عبد البر المتوفى سنة 493هـ في (جامع بيان العلم وفضله): "واعلم أنه لم تكن مناظرة بين اثنين أو جماعة من السلف إلا لتفهم وجه الصواب، فيصار إليه ويعرف أصول القول وعلته، فيجري عليه أمثلته ونظائره، وعلى هذا الناس في كل بلد إلا عندنا كما شاء الله ربنا، وعند من سلك سبيلنا من أهل المغرب فإنهم لا يقيمون علة ولا يعرفون للقول وجها، وحسب أحدهم أن يقول فيها رواية لفلان، ورواية لفلان، ومن خالف عندهم الرواية التي لا يقف على

(1) ش: ج 11، م 10، ص 478 - 481 رجب 1353هـ - 10 أكتوبر 1934م.

ص: 220

معناها، وأصلها، وصحة وجهها، فكأنه خالف نص الكتاب وثابت السنة ويجيزون حمل الروايات المتضادة في الحلال والحرام، وذلك خلاف أصل مالك. وكم وكم لهم من خلاف في أصول مذهبه مما لو ذكرناه لطال الكتاب بذكره ولتقصيرهم في علم أصول مذهبهم، صار أحدهم إذا لقي مخالفا ممن يقول بقول أبي حنيفة أو الشافعي أو داوود ابن علي، أو غيرهم من الفقهاء وخالفه في أصل قوله بقي متحيرا ولم يكن عنده أكثر من حكاية قول صاحبه فقال: هكذا قال فلان، وهكذا روينا، ولجأ إلى أن يذكر فضل مالك ومنزلته، فإن عأرضه الآخر بذكر فضل إمامه أيضا صار في المثل كما قال الأول:

شكونا إليهم خراب العراق

فعابوا علينا شحوم البقر

فكانوا كما قيل فيما مضى

أريها السُّها وتريني القمر

وفي مثل ذلك يقول منذر بن سعيد البلوطي:

عذيري من قوم يقولون كلما

طلبت دليلا، هكذا قال مالك

فان عدت قالوا: هكذا قال أشهب

وقد كان لا تخفى عليه اسمالك

فان زدت قالوا: قال سحنون مثله

ومن لم يقل ما قاله فهو آفك

فإن قلت قال الله ضجوا وأكثروا

وقالوا جميعا: أنت قرن مماحك

وإن قلت قد قال الرسول فقولهم

أتت مالكا في ترك ذاك المسالك

هذا إمام من أئمة الإسلام العظام المجمع على إمامتهم وعدالتهم، ومن أعظم المتبعين لمالك الآخذين بمذهبه، وها هو يشكو مرَّ الشكوى مما كان عليه أهل بلدة الأندلس في القرن الخامس وينعي عليهم ما انفردوا به هم، وأهل الغرب من الجمود والتقليد، وحملهم للروايات المختلفة دون معرفة وجوهها، ومخالفتهم لأصل مذهب الإمام الذي ينتسبون إليه، وعدولهم عن النظر والاستدلال المأمور بهما كتابا وسنة المعمول بهما عند جميع الأئمة إلى الاحتجاج بفضل القائل

ص: 221

وعلمه، والاجماع على أنه قد يصيب المفضول، ويخطى الأفضل، ورحم الله عمر بن الخطاب في قوله:"امرأة أصابت ورجل أخطأ" واستشهد ابن عبد البر بأبيات القاضي منذر بن سعيد البلوطي المولود سنة 265 المتوفي سنة 355 - لتبيين قدم هذا الداء في الأندلس وشكوى العلماء الأعلام منه وإنكارهم على أهله.

وقال الإمام ابن العربي الأندلسي المتوفي سنة 543هـ في (العواصم) وهو يتحدث عن فقهاء عصره: "ثم حدثت حوادث لم يلقوها في منصوصات المالكية فنظروا فيها بغير علم فتاهوا: وجعل الخلف منهم يتبع في ذلك السلف، حتى آل المئال أن لا ينظر إلى قول مالك وكبراء أصحابه، ويقال قد قال في هذه المسألة أهل قرطبة وأهل طلمنكة وأهل طلبيرة وأهل طليطلة: فانتقلوا من المدينة وفقائها إلى طلبيرة وطريقها".

فهذا الإمام العظيم قد عاب عليهم نظرهم في الحوادث بغير علم لأن ما عندهم من الفروع المقطوعة عن الأصول لا يسمى علما ولما لم تكن عندهم الأصول تاهوا في الفروع المنتشرة ومحال أن يضبط الفروع من لم يعرف أصولها، وذكر ما أدَّاهم إليه إهمال النظر، من الانقطاع عن أقوال مالك نمسه، وأمثاله إلى أمثالهم من الفروعيين التائهين الناظرين بغير علم.

فإذا كان الحال هكذا من تلك الأيام في تلك الديار وقد مضت عليه القرون في هذه البلاد وغيرها فإن قلْعه عسير، والرجوع بالتعليم إلى التفقه في الكتاب والسنة وربط الفروع بالمآخذ والأدلة أعسر وأعسر، غير أن ذلك لا يمنعنا من السعي والعمل بصدق الرجاء وقوة الأمل، وسننفذه في دروسنا هذا العام والله المستعان (1).

(1) ش: ج12، م10، ص 518 - 521 غرة شعبان 1353هـ - نوفمبر 1934م.

ص: 222