الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول قانون 8 مادس المشؤوم
كيف فهمت الأمة
معاكسته لتعليم الدين والعريية؟
ــ
يزعم المتكلمون بلسان الحكومة في منشوراتهم وإذاعاتهم أننا نحن الذين أفهموا الأمة أن غاية قرار 8 مارس هي معاكسة تعليم الدين واللغة العربية.
فلأجل أن نعرف كيف فهت الأمة نفسها كلها هذه المعاكسة الصريحة يجب أن نعرف الظروف التي صدر فيها هذا القرار المشؤوم وما تقدمها- سنوات- من النهضة العلمية الدينية للأمة الجزائرية العربية المسلمة.
من المعلوم أن الأمة الجزائرية هبت بعد قرن من الاحتلال لتأخذ قسطها- من الحياة من نواح عديدة وخصوصا الناحية الدينية والعلمية ولا شك أن هبتها هذه كانت طبيعية منبعثة عن عوامل مختلفة منها المحلي ومنها العالمي ومنها الذاتي ومنها الجواري. ومما لا ريب فيه أن الاحتفالات القرنية الهائلة التي أقامتها الحكومة كانت من أسباب تلك الهبة فقد سمعت الأمة وعودا وثناء كثيرين من أعلى رجال الحكومة بباريس ومن ممثلي الأمة الفرنسية بالبرلمان، وشاهدت وأحست وتوقعت فتأثرت، بذلك كله فيما تأثرت به في نهضتها.
كانت من مظاهر هذه النهضة الدينية العلمية أن تأسست مساجد في نواحي الوطن بمال الأمة وكان منها أن ازداد عدد الراغبين في تعلم اللغة الفرنسية زيادة واضحة- وتعالت أصوات النواب والكتاب بمطالبة الحكومة بتأسيس المكاتب وإحداث الطبقات لتعليم أبناء المسلمين الفرنسية- ولا ينسى الناس هنا ما أحدث لهم من قانون تجديد السن
بثلاث عشرة سنة وما نشأ عنه من حرمان عدد غفير من تكميل التعليم مثلما أحدث هذا القرار المشؤوم- وكان من مظاهر النهضة ازدياد عدد الراغبين في دخول المدارس الثلاث الإسلامية الحكومية ولكنهم كانوا يردون لأن عدد تلاميذها محدود وكان من مظاهرها فتح المكاتب لتعليم أبناء المسلمين الذين لا يجدون مقاعد في المكاتب الفرنسية أو الذين وجدوا لكن من غير أوقات المكتب- لتعليم هؤلاء- قواعد وعقائد وآداب الدين ولغة الدين إلى جانب القرآن العظيم، وكان من مظاهرها تأسيس النوادي حتى أسست في رؤوس الجبال.
لم ترق هذه النهضة الدينية العلمية في نظر الحكومة فأخذت في مقاومتها وابتدأ ذلك بالامتناع من إعطاء الرخص ثم بغلق المكاتب في نواح عديدة ثم بسوق المعلمين للمحاكمة.
ضجت الأمة من هذا واستاءت وتألمت فرفعت صوتها بالشكوى بلسان نوابها وأقلام كتابها، وبلسان مؤتمرها العام وبلسان وفد ذلك المؤتمر فسمعت الوعود من حكومة باريس ومن ولاية الجزائر.
ثم بينما الأمة تنتظر الوفاء بتلكم الوعود رغم ما تشاهده من ازدياد الإدارة في الشدة إذا هي تفاجأ بقرار 8 مارس الذي كان مطبقا بفرنسا منذ أكثر من نصف قرن دون أن يكون له ذكر في الجزائر فلما انبعثت الأمة في نهضتها الدينية العلمية بعث لها هذا القرار المشؤوم وأخذ في تطبيقه بكل شدة وصرامة، فلم يبق أحد إلا فهم القصد من بعث هذا القرار المشؤوم في هذه الظروف وما سبقها وما لحقها وما زال مستمرا إلى اليوم- إلا وهو معاكسة تعليم الدين ولغة الدين، وجاء قبله قرار منع النوادي الإسلامية من بيع المشروبات وهي مشروبات حلالية طبعا، فانفضح القصد حتى لدى حمار توما وراكبه (1).
(1) قال حمار الحكيم توما
…
لو أنصفوني ما كنت أركب
لأنني جاهل بسيط
…
وراكبي جاهل مركب
هكذا فهمت الأمة كلها من نفسها، والحكومة نفسها هي التي أفهمتها بأعمالها والأمة هي التي قالت وما زالت تقول:(إن قرار 8 مارس المشؤوم ضربة قاضية على تعلم الإسلام ولغة الإسلام)، وما سمعته الحكومة في النيابة المالية من النواب المسلمين مما سننشره، كاف في دحض مزاعم منشوراتها وإذاعاتها (1).
وكيف يصح في الأذهان شيء
…
إذا احتاج النهار إلى دليلٍ (2)
عبد الحميد بن باريس
(1) فى الأصل: وذاتها.
(2)
البصائر قسنطينة يوم الجمعة 5 جمادى الأولى 1358 الموافق ليوم 21 جوان 1358م، ص 1.