الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطاب رئيس الجمعية
الذي ألقي في صباح اليوم الأول من أيام اجتماعها العام
ــ
الحمد لله العليم الحكيم، رب البرية، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي جاء بالتعلم والتعليم، لتكميل البشرية، وعلى آله وصحبه ذوي العقل الصحيح والخلق الكريم، والنفوس الأبية، وعلى التابعين لهم في هديهم الصالح وطريقهم المستقيم وسيرتهم الرضية.
أما بعد، فباسم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تمثل الجزائر المسلمة العالمة والمتعلمة، أرحب بكم أيها الأخوان وأحيي وفودكم الكريمة، وأشكر لكم ما تحملتم من تعب وانفقتم من مال حتى حضرتم هذا الاجتماع الذي ملأ العيون مهابة وجلالا، والقلوب محبة وسرورا، وأعطى من الجزائر صورة صادقة في جمعكم الحافل الكريم.
وأشكر معكم في ذلك الترحيب وذلك الشكر وتلك التحية الإخوان الكثيرين الذين تخلفوا واعتذروا بالبرقيات والكتب التي تلاها عليكم الأخ الكاتب العام آنفا.
ولا أفي بالشكر والتحية تلك النفوس الطاهرة، التي تحب الجمعية وتتعلق بالجمعية من العامة الأمية الكثيرة، التي شاهدت وشاهد غيري من رجال الجمعية جموعها الحاشدة في جميع القرى والمداشر عندما نرد عليها أو نقف فيها للوعظ والإرشاد. ولولا الفقر والأمية قعدا بها لكانت حضرت أو كاتبت واعتذرت.
أيها الأخوان، ها هي السنة الثالثة للجمعية قد مضت فماذا عملت
[صورة: أخذت أثناء خطبة الرئيس فى المأدبة التي أقامتها جماعة نادي الترقى لأعضاء جمعيه العلماء المسلمين الجزائريين]
…
الجمعية فيها وأين بلغ أثرها، وماذا لقيت فيها الجمعية من الله تعالى ومن الناس.
نشرت الجمعية صحيفة السنة، فصحيفة الشريعة فصحيفة الصراط فلقيت كلها من الأمة من الإقبال والرواج ما لم تلقه صحيفة قبلها، وما أحبها المؤمنون حتى أحبها الله، ولا يوضع الحب في الأرض حتى يوضع في السماء، ولكنها لقيت من ناحية إدارية خاصة البغض والتنكر والاضطهاد فسقطت الصحيفة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، وقرن تعطيل الثالثة بمنع الجمعية من إصدار أي صحيفة منعا سيبقى لطخة سوداء في جبين حرية القول والتفكير في تاريخ الصحافة في القرن
العشرين الذي يسمونه عصر الحرية والنور.
عزمت الجمعية على إرسال الوفود إلى الجهات من أول السنة ولكنها رأت لما أرادت أن تباشر ذلك ما كانت عليه الأمة من استياء واضطراب بما أصابها من ناحية المطالبة بحقوقها وإخفاق مساعيها فرأت الجمعية أن تتريث وأن تنتظر رجوع السكون والحالة الاعتيادية تباعدا عن كل ما ليس من خطتها وتفاديا من أن ترمى- وهي التي طالما رميت بالباطل- بما يخالف أعمالها ومقاصدها. واكتفت بما كان يقوم به كل ذي علم من رجالها من نشر الهداية في ناحيته وفي آخر السنة تنقل رئيس الجمعية في بلدان من عمالة قسنطينة ونائب الرئيس في بلدان
…
[صورة: أخرى لمأدبة العشاء التي أقامتها جماعة نادي الترقي لأعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وقد أخذت الصورة من الناحية المقابلة]
[صورة: الاجتماع العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي عقد بنادي الترقى سنة 1353ه - 1934م. وقد أخذت بعد انتخاب مجلس الإدارة]
…
من عمالة وهران فكان إقبال الناس بقدر ما كانوا فيه من تعطش للعلم وشوق لأهه.
أما الاعتناء بالتعليم فهذا هو الذي انقطعت إليه الجمعية وقامت به قيامها ففي قسنطينة وفي ميلة وفي الميلية وفي جيجل وفي بجاية وفي بسكرة وفي تبسة وفي بلدة الجزائر وفي بني ورتلاب وبني يعلى وفي تلمسان وفي غيرها في كثير من البلدان تجد رجال مجلس إدارة الجمعية وغيرهم من ذوي العالمية يقضون ليلهم ونهارهم في الدروس العلمية الفقهية والدروس العلمية الإرشادية وتلقين مبادئ الدين واللغة لمن استطاعوا
إليه سبيلا من النشء الصغير ولو أن التعليم كان حرا ولو أن الرخص كانت تعطى لمن يطلبها لكان التعليم اليوم قد عم القطر كله.
فأثر الجمعية العلمي والإرشادي قد بلغ من الأمة هذه السنة بحمد الله- رغم العراقيل- فوق ما كانت الجمعية تظن وتتوقع فكان إقبال الطلبة على مناهل العلم كثيرا وكان اهتداء الأمة عظيما.
نعم لقد لقيت الجمعية في سبيل ذلك ما لقيت فقد تضافرت قوى على مقاومتها، وصنعت بأيد خفية أشباح- كأشباح "القنيول" ولكنها من العجين- لمعاكستها وأنفقت أموالا لصدها والصرف عنها ولكن ما أتى العام ولا أكثر العام- أيها الإخوان- حتى انتكثت تلك القوى وانتفض غزلها، وزالت تلك الأشباح فلا هي ولا خيالها ولا
…
[صورة: أخذت هذه الصورة في الاجتماع العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي عقد بنادي الترقي. سنة 1353ه - 1934م]
[صورة: أخذت هذه الصورة في الاجتماع العام لجمعية العلماء المسلمين الذي عقد بنادي الترقي سنة 1353ه - 1934م.
الجالسون من اليمين الشيوخ: عبد القادر بن زيان، العربى التبسي، الأمين العمودي، عبد الحميد بن باديس، البشير الإبراهيمي، مبارك الميلي، الطيب العقبي
الواقفون من اليمين الشيوخ السعيد الزاهري، محمد خير الدين، يحيى حمودي، أبو اليقظة.
…
من كان يحركها وضاعت تلك الأموال وكانت حسرة وغلبا على أصحابها.
ووالله إنني لأعتقد أن هذا ليس من صنعنا، ولا مما كنا نبلغ إليه لكل ما نبذل من جهدنا، ولكنه من صنع الله ومن غلب الله، ليزداد الذين آمنوا إيمانا وليعلم الناس أن الله ناصر من ينصره وأن حزبه
هم الغالبون وليعلم كل ذي موسى ان موسى الله أحد، وكل ذي ساعد أن ساعد الله أشد وكل متريب ومتكبر أن لا إله إلا الله والله أكبر.
أيها الأخوان:
هذه حالة الجمعية في سنتها الثالثة عرضتها باختصار عليكم.
وهي في يومها الحاضر كما كانت في ماضيها وكما تكون إن شاء الله في مستقبلها سائرة في خطتها الإصلاحية الدينية العلمية المحضة تنشر العلم والفضيلة وتحارب الجهل والرذيلة عن نور القرآن العظيم والسنة النبوية، وهدي السلف الصالح من الأمة، تخدم بذلك الإسلام والمسلمين وجميع المساكين بالجزائر، وتؤدي بذلك واجبها نحو الإنسانية جمعاء.
والله نسأل دوام التوفيق في القصد والعمل والوصول إلى الخير العميم، على الصِّراط المستقيم.
عبد الجميد بن باديس
(1) ش: ج 9، م 10، ص 377 - 379 غرة جمادى الأولى 1353ه - 12 أوت 1934م.