الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا فضل بالمال
لمن كان ذا فضل فيه
ــ
الفضل هو الزيادة، والفاضل هو الذي زاد على غيره، والمفضول هو الذي زاد عليه سواه، والتفضيل هو الزيادة لغيرك أو اعتقادك الزيادة فيه.
والله تعالى قد فضل بين عباده- بحكمته- في العطاء: في الجسم، في العلم، في العمل، في المال، فزاد بعضهم على بعض في ذلك، وفضل بينهم- بعدله- في القدر والمنزلة دنيا وأخرى كذلك.
ومما يكون فيه التفضيل من أنواع العطاء ما جعله الله سببا للتفضيل في القدر والمنزلة، ومنه ما لم يجعله سبباً.
فالفضل في الجسم والفضل في العلم سببان في فضل القدر والمنزلة وبهما فضل طالوت على بني إسرائيل واختير عليهم ملكاً. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ} . وليس المراد هنا من الجسم كبره وضخامته بل المراد صحَّته وقوته بقوة فؤاده، فإن ضخامة الجسم مع السقم أو ضعف القلب بلاء على صاحبها.
وفضل القدر والمنزلة المتسبب عن فضل الجسم والعلم هو فضل يستحق به التقديم في هذه الدنيا، وأما نيل الفضل بهما في منازل الأخرى فمتوقف على العمل بهما.
والرجل فضل على المرأة في قوة العقل وقوة البدن وكانت قوتاه هاتان سببين في فضله في القدر والمنزلة والتقديم عليها في هذه الدنيا قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} وظاهو التسبب هنا من حرف الباء.
وأما الفضل في العمل فإنه سبب في فضل القدر والمنزلة دنيا وأخرى قال تعالى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} وتعليق الحكم هو التفضيل بالمشتق؛ وهو المجاهدين، مؤذن بعلية ما منه الاشتقاق وهو الجهاد فيستفاد من سببيته في الفضل و التقديم في القدر والمنزلة.
وأما المال فلم يكن- أبداً- سببا في فضل القدر والمنزلة ولذا قال تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} فجعل التفضيل فيه فيزيد فيه حظ بعض الناس على بعض ولم يقل "بالرزق" لأن الرزق ليس سبباً لتفاضل الناس في الأقدار والمنازل لا دنيا ولا أخرى لأن منازل الآخرة يتفاضلون فيها بما قدموا من صالح الأعمال ومنازل الدنيا يتفاضلون فيها- على الحق والعدل- بالكفاءات والأخلاق والأعمال.
وقدر الله تعالى على بني إسرائيل لما قالوا في طالوت: {وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ} منكرين استحقاقه للملك بأنه ليس من بيت الملك ولا بذي مال لاعتقادهم أن الفضل بمنزلة الملك إنما يتسبب عن النسب والمال. رد الله تعالى عليهم بقوله تعالى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} ليبين لهم أن منازل الفضل في هذه الدنيا بالكفاءات الشخصية لا بما هو خارج عنها من النسب والمال.
فالفضل في منازل الدنيا والآخرة إنما هو بما هو منك، من جسمك وأخلاقك وعلمك وعملك لا بما هو باين عنك ومباين لك من هذا الحطام.
حتى إذا حصلته من حله، وأنفقته في محله، كان لك الفضل العظيم بما كان لك فيه من أعمال.
(1) ش: ج 11، م 5، ص 4 - 6 غرة رجب 1348هـ - ديسمبر 1929م.