الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى علماء جامع الزيتونة:
إن مسؤولية العلماء عند الله فيما أصاب المسلمين في دينهم لعظيمة، وأن حسابهم على ذلك لشديد طويل، ذلك بما كتموا من دين الله، وبما خافوا في نصرة الحق سواه، وبما حافظوا على منزلتهم عند العامة وسادة العامَّة، ولم يحافظوا على درجاتهم عنده، وبما شحوا ببذل القليل من دنياهم في ما يرضيه، وبما بذلوا وأسرفوا في الكثير من دينهم فيما يغضبه، اللهم إلا نفرا منهم بينوا وما كتموا، ونصحوا لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المسلمين وخاصتهم فقامت بهم حجة الله، وتداولت بهم أجيال المسلمين إرث النبوة، واتصل بهم سند الحق وانفضحت بهم شبهة الباطل، أولئك هم الطائفة التي لن تزل ظاهرة على الحق لا يضر بها من خذلها حتى تقوم الساعة.
وإنَّا راجعنا تاريخ المسلمين في سعادتهم وشقائهم وارتفاعهم وانحطاطهم وجدنا ذلك يرتبط ارتباطا متينا بقيام العلماء بواجبهم أو قعودهم عما فرضه الله وأخذ به الميثاق عليهم. ولهذا فنحن ندعو العلماء كلهم إلى أن يذكروا هذا الميثاق وأن لا ينبذوه وراء ظهورهم، وأن يبادر كل ساكت وقاعد إلى التوبة والإصلاح والبيان، فقد علموا قول الله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ
اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
ونحن نحمد الله فقد تجاوبت أصوات العلماء بالإصلاح الإسلامي من كل ناحية، وقد كان من أعظم ذلك ارتفاع صوت الأزهر كما نشرنا، في الجزء الماضي من مجلة (الشهاب) وقد كنا نشرنا في جزء ربيع الثاني من العام الماضي الفتوى التي أصدرها عشرون عالما من علماء طرابلس الغرب في وجوب إلغاء ما يستعمله أصحاب الطرق من المشي على الفحم المصهور وابتلاع العقارب والأفاعي والحشرات السامة وطعن أجسادهم وثقبها بالالات الحادة. وقدموا في ذلك مطلبا لحكومة البلاد وعملت على تنفيذه، ثم اطلعنا على عريضة مؤرخة بربيع الأول من العام الماضي قدمها نحو الثلاثين عالما من علماء المغرب الأقصى من مدرسين بجامع القرويين وغيرهم إلى جلالة مولانا السلطان (سيدي محمد) أيده الله يشتكون إليه ما كان من مخالفة ما تقدم من أمره بمنع بدع كل الطوائف المبتدعة كطائفة العيسيوية وغيرهم، ويرغبون من جلالته إصدار أوامره بزجر المجرمين المخالفين فصوت العلماء بالإصلاح الإسلامي والحمد لله قد ارتفع من مصر وطرابلس والجزائر والغرب الأقصى وما بقي ساكنا إلا جامع الزيتونة، فلا تسمع له همسا.
لقد ارتفعت الشكوى في الصحف التونسية هذه المدة الأخيرة من بلدان عديدة من القطر التونسي الشقيق بالبدع والمناكر التي يأتيها الطرقيون به. والفضائح التي ارتكبها بعضهم وسيق من أجلها إلى العدلية كما يساق المجرمون، ووجهت سؤالات صريحة إلى العلماء في حكم الإسلام في ذلك كله. وعلماء جامع الزيتونة وشيوخ الفتوى فيه وشيخا الإسلام منهم- وأجمون ساكتون كأن الأمر لا يعنيهم وكأن آيات الله لم تطرق آذانهم، فأين أنتم أيها الشيوخ، وأين إيمانكم؟ لقد سئلتم عن رفض الشريعة الإسلامية بسبب التجنس ذلك الرفض
المخرج عن الإسلام فسكتم، وقال الناس إنكم خفتم على مناصبكم وها أنتم أولاء تسألون اليوم عن البدع والمنكرات الفاشية في المسلمين باسم الدين، تنكر البدع التي أماتت ضمائرهم وخدرت عقولهم، وجمدت أفكارهم وأفسدت أخلاقهم وأضاعت أموالهم، وسلبتهم حقيقة دينهم، وتركتهم بلاء على أنفسهم، وفتنة لغيرهم، فهل أنتم اليوم أيضا ساكتون، وبالتخويف على مناصبكم معتذرون؟
إننا ندعوكم بكلمة الله إلى الصدع بالحق وإنقاذ المسلمين، فإن أجبتم فذلك الظن بكم، والله معكم ولن يتركم أعمالكم، وإن أبيتم فعليكم إثم الهالكين وحسب المسلمين رب العالمين (1).
عبد الحميد بن باديس
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
"المتخرج من جامع الزيتونة" عمره الله
البصائر: السنة الأولى العدد الأول الجزائر في يوم الجمعة 26 ذي الحجة 1354هـ الموافق لـ: 20 مارس 1936م، ص1، ع1 و2 و3 ونشر هذا المقال بنفسه في الشهاب، ص 1، م 12، ص 4 - 6 بتاريخ غرة محرم 1355هـ - أفريل 1936م.