الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للحق والنصفة
حول منع الإباضية إخوانهم المالكية من الأذان بغرداية
ــ
كنا من أول من كتب في هذه المسألة بأسف وحسرة، وأحلنا بإصلاح ذات البين فيها على الأدباء والفضلاء من إخواننا الإباضيين الذين نعرفهم بقسنطينة وبالعاصمة وبميزاب، ثم رأينا الأمر لا يزداد إلا تفاقما والفتنة لا تزداد إلا اتقادا رغم سعي بعض الفضلاء بالعاصمة في إصلاح ذات البين ورغم كتابة كاتب الشرق والإسلام التي تؤثر في الصم الصلاب. فلما رأينا ذلك لزمنا السكوت لعلمنا أن الكلام بعدئذ لا يرتق الفتق بل يزيده وسعا. فسكتنا منتظرين لطف الله في إلهام الفئتين رشدهما وتنزيل أسباب الرحمة والأخوة بينهما، غير أن هذا السكوت لم يرض واحدة من الفئتين.
فأما إخواننا الإباضية فإننا التقينا بالشيخ إبراهيم أطفيش بقالمة فوجدناه يحمل حنقا شديدا على"الشهاب" وصاحبه لأنه علم أن المالكية جعلوا "مؤتمرات في الأغواط" وأن صاحب، الشهاب، حضرها ولأن الشهاب لم ينشر ما يبين به الحق في المسألة، فأقنعناه أن مسألة المؤتمرات وحضورنا لها اختلاق محض كان على حضرته أن يتثبت في نقله قبل أن يسيء مقابلتنا به وأن "الشهاب" لا يتوخى فيما ينشر إلا إصلاح ذات البين ووعدناه بأن نقول كلمة خير للجميع إذا وجدنا لها مناسبة.
وأما إخواننا المالكية فقد جاءنا كتاب منهم من العاصمة من جماعة كثيرة يعتبون ويلومون على " الشهاب" في سكوته، وبلغ بهم الحمق
"وشيء آخر" أن عرضوا بأن "الشهاب" يراعي الإباضيين لأجل اشتراكاتهم فأجبتهم بأننا دعاة إصلاح واتحاد بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم وإننا ندين- قولا وعملا واعتقادا- بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} حسب جهدنا وطاقتنا، ونستغفر الله تعالى مما يكون منا في ذلك من تقصير. وأما اشتراكات الإباضيين التي عرضوا بها فإنها لا تتجاوز الثلاثين، وأن "الشهاب" لو كان يراعي الخواطر في سبيل المال لكان له وفر ولكنه- علم الله والناس- أنه ليس كذلك وإننا لو كنا نريد المال لكان لنا- بحمد الله- فيما قسمه الله لنا من فضله لأسرتنا فوق الكفاية أو لكان لنا في أبواب التجارة والفلاحة المعرضة لنا- بإذن الله- أسباب إليه متينة ونعوذ بالله من تعريض سيِّء يؤدينا إلى مثل هذا الكلام.
واليوم- وقد اتفق الجانبان على إنكار سكوتنا وحمل الحنق علينا وسوء الظن فينا- فإننا نقول كلمتنا للحق والنصفة غير منحازين بها إلى إحدى الفئتين بالغة ما بلغت في إرضاء من رضي وإسخاط من سخط حيث كنا نعتقد أننا أرضينا بها- الحق والوجدان فنقول:
قد ثبت عندنا أن بعض الإباضية بغرداية منذ زمان بعيد بنى مسجدا وجعل له مأذنة واحدث فيه أذانا ثانيا فاتفقت كلمة جماعة الإباضيين على منعه وهدم مأذنته. فعلمنا بهذا أن الإباضية لم يمنعوا مالكية غرداية من الأذان تعصبا عليهم لأنهم مالكية- كيف وقد منعوا قبل ذلك الإباضية مثلهم وهدموا الصومعة- وإنما منعوهم لأنهم يرون الاكتفاء في البلد بأذان واحد.
فنحن بهذا قد برأنا الإباضية من تعصبهم على المالكية لأنهم مالكية. ولكننا من ناحية أخرى نرى أنه حق عليهم أن يرجعوا في
هذه المسألة عن رأيهم ويسمحوا لإخوانهم المالكية بالأذان.
أولا- إصلاحا لذات البين بين المسلمين، وهي من الإسلام من أول ما تجب وتتأكد المحافظة عليه والقيام به.
ثانيا- حفظا للوحدة الإسلامية بحفظ القلوب غير متصدعة بداء الفرقة القَتَّال المعدود في الإسلام من أكبر المحرمات المهلكات.
ثالثا- مجاملة لبقية إخهوانهم المالكية بالقطر الذين تربطهم بهم رابطة الدين والوطن والمصلحة.
هذه كلمتنا نقولها بعهد الله لا نقصد بها إلا القيام بواحب الصدع بالحق والدعوة إليه والإصلاح بين المسلمين فإن كانت صوابا فمن الله الكريم الرحيم وإن كانت خطأً فمنا وإلينا وليست بالأولى من خطئنا (1).
(1) ش: ج 12م 6 غرة شعبان 1349هـ جانفي 1931م. ص 768 - 770.