الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطبتان لصاحب المجلة
في اجتماع جمعية العلماء المسلمين بالعاصمة
ــ
في الجزء الماضي نشرنا، كما نشرت الزميلات الأخرى، المحضر الرسمي لجلسات الجمعية وقد لخص فيه أخي الأستاذ البشير الإبراهيمي الخطاب الرئيسي الذي ارتجلته أحسن تلخيص ثم رغب مني جماعة أن أنشر لهم نفس الخطاب فاعتذرت بأنني لم أكتبه قبل إلقائه فاكتفوا بنشر ما بقي بذهني منه، فأنا أنشر بغاية التحرير ما كنت ألقيته. وهذا نص الخطبة التي ألقيتها في الاجتماع الأخير الذي كان حفلة شاي دعي إليها الأعيان والنواب وعدة من طبقات الناس:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
باسم جمعية العلماء المسلمين أفتنح هذا الاجتماع وأقدم الشكر إلى أهل العاصمة أجمعين الذين أحسنوا وفادة الجمعية وأكرموا ضيافتها فبرهنوا على أنهم أهل لأن تكون العاصمة بهم رأس القطر وقلبه. وأنهم باعتنائهم بالعلم وإكرامهم للعلماء أحيوا لنا ذكرى عواصمنا العلمية الزاهرة في التاريخ مثل تلمسان وبجاية وتيهرت وقلعة بني حماد. ثم أقدم الشكر لرجال نادي الترقي الذين فتحوا أبواب ناديهم للجمعية وفسحوا لها مكانا رحبا فيه وجعلوه لها موئلا. فلله هذا النادي الذي هو في العاصمة كالعاصمة في القطر.
ثم أقدم الشكر للسادة الشيوخ الذين لبوا دعوة اللجنة المؤسسة وأقبلوا من جميع جهات القطر.
ثم أشكر السيد عمر إسماعيل الساعي في تأسيس الجمعية والعامل على تكوينها وأن شكري له شكر لجميع الذين أيدوه وآزروه من أعضاء اللجنة التأسيسية وغيرهم من رجال العاصمة.
ويجب أن أذكر بالشكر جميع الذين فكروا في هذه الجمعية ودعوا إليها. ولقد كان لجريدة الشهاب في سنتها الثانية والثالثة دعوة إلى مثل هذه الجمعية وكان كتاب الشهاب إذ ذاك قد كتبوا في هذا الموضوع وكانت تلك أفكاراً وأقوالاً تمهيداً للعمل حتى جاء السيد عمر إسماعيل بالأمر قولا وعملا، وقد سرنا أن يتم هذا في العاصمة وعلى يد رجالها.
ثم أقدم الشكر للسيد ميرانت لحسن قبوله لرئيس اللجنة المؤسسة السيد عمر اسماعيل يوم زاره ودعاه لحضور حفلتنا هذه ورياستها فاعتذر بغيابه وتلطف جنابه فطلب من السيد عمر اسماعيل أن ينوب عن جنابه في إبلاغ اعتذاره إلى الجمعية الموقرة. ولا عجب في هذه الأخلاق العالية والآداب اللطيفة من ذلك الرجل الإداري العظيم الذي يعرف أن المسلمين الذين برهنوا على حسن سلوكهم دائما في جميع المواطن يجب أن يعاملوا اليوم بغير ما كانوا يعاملون به أمس- وذلك المستشرق العالم بالعربية أنه لا شك أن ذلك يجعل له عطفا خاصا على أبنائها.
ثم أقدم الشكر لكم أيها السادة الذين لبيتهم الدعوة وشرفتهم الجمع.
ثم أعرفكم بما تم من أعمال الجمعية في جلساتها هذه الثلاثة الأيام فقد عرضت القانون الأساسي على الأعضاء الحاضرين كلهم فأقروه وعينت مجلس الإدارة على الصورة الآتية:
الأستاذ عبد الحميد بن باديس .......... رئيس
الأستاذ محمد البشير الإبراهيمي ........ نائبه
الأستاذ محمد أمين العمودي ........... كاتب
الأستاذ الطيب العقبي .................. معاونه
الأستاذ مبارك الميلي ................... أمين المال
الأستاذ إبراهيم بيوض .................. معاونه
الأستاذ المولود الحافظي ............... مستشار
الأستاذ مولاي ابن الشريف ............. مستشار
الأستاذ الطيب المهاجي ................ مستشار
الأستاذ السعيد اليجري ................ مستشار
الأستاذ حسني الطرابلسي .............. مستشار
الأستاذ عبد القادر القاسمي ............ مستشار
الأستاذ محمد الفضيل اليراتني .......... مستشار
كل أعضاء الجمعية في العضوية وفي حق الإشراف والمناقشة سواء وإنما عين هؤلاء الشيوخ ليتحملوا مسؤولية الإدارة.
ولما كان أعضاء مجلس الإدارة من جهات متفرقة والعمل بالمركز بالعاصمة لا بد أن يكون له من يباشره باستمرار لزم تعيين لجنة للعمل دائمة تكون من سكان العاصمة أو ضاحيتها فعينت على هذه الصورة:
السيد عمر إسماعيل ................ رئيس
" محمد المهدي ................... كاتب
" ايت سي أحمد عبد العزبز ......... امين مال
" محمد الزمرلي .................... عضو
" الحاج عمر العنق ................. عضو
أما غاية الجمعية فهي إصلاح الفاسد وتقويم المعوج وإرشاد الضال
بالهداية والحكمة في دائرة المحبة والوئام وإصلاح شؤون أهل العلم ولم شعثهم وتنظيم هدايتهم، فهي تسعى في إزالة كل شر يحرمه الشرع والقانون مما هو منتشر فينا ويضيق المقام عن تعداده ونشر كل قمع وخير.
هنا قد انتهيت من بيان ما يجب أن يعرف عن الجمعية، ثم أوجه الآن خطابي لإخواني من طلبة العلم:
أيها السادة: قد أنجزتم أمراً عظيما وأسستم مستقبلاً عظيما ولقد جئتم من أنحاء القطر ملبين داعي الاجتماع، ناسين كل أسباب الافتراق فبرهنتم على أن علماء الجزائر متصفون بما يجب أن يتصف به العالم الحقيقي الذي صار العلم له صفة روحية وحياة قلبية من سعة الصدو والتسامح ونسيان الفكر الخاص أمام الصالح العام، أن ما أسسناه لا يكفي فيه اجتماعنا هذا فعلينا أن نوالي الاجتماع مهما دعينا إليه وعلى كل واحد منا أن يكون داعية للجمعية بقوله وعمله وأن يكون ممثلاً لفكرتها في الاتفاق والتآخي ونشر الخير وأن يطرح كل واحد منا فكره الخاص عندما تجيء مصلحة الجمعية. حسبنا ما مضى، كفى ما تقاتلنا على الكلمات فكلمة "فرق" قد ماتت من بيننا، وما بقي إلا العمل على الوفاق والوئام لنبلغ غاية المرام.
إخواني إنني قد تخلفت عن جمعكم العظيم اليوم الأول والثاني فحرمت خيراً كثيراً وتحملت إثما كبيراً، ولعلكم تعذروني لما لحقت في اليوم الثالث. وأذكر لحضراتكم ما تحلمونه من قصة أبي خيثمة الأنصاري لما تخلف عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك ثم لحقه فقال الناس هذا راكب يرفعه الآل ويضعه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كن أبا خيثمة فقالوا هو أبو خيثمة فاعتذر إلى النبي- صلى الله عليه واله وسلم- فقبل عذره ودعا له
بخير. ومثلكم من كان له في رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم القدوة الحسنة ثم أعتذر لكم عن زميلي وصديقي الشيخ عبد الحفيظ ابن الهاشمي مدير النجاح فإنه ما تخلف إلا لعذر علمت أنه لا فسحة فيه.
والآن أيها الأساتذة نحمد الله الذي يسر لنا هذا الجمع المبارك ونسأله تعالى كما أذاقنا حلاوة هذا النعيم أن يديمه لنا ويتم لنا به والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم عقدنا اجتماعا بعد تمام الاحتفال من خصوص أعضاء مجلس الإدارة ولجنة العمل الدائمة فألقيت عليهم هذا الخطاب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه. إخواني إنني ما كنت أعد نفسي أهلاً للرئاسة لو كنت حاضراً يوم الاجتماع الأول فكيف تخطر لي بالبال وأنا غائب. لكنكم بتواضعكم وسلامة صدوركم وسمو أنظاركم جئتم بخلاف اعتقادي في الأمرين فانتخبتموني للرئاسة وأنا غائب. إخواني إنني كنت أعد نفسي ملكاً للجزائر، أما اليوم فقد زدتم في عنقي ملكية أخرى فالله أسأل أن يقدرني على القيام بالحق الواجب، إخواني إنني أراكم في علمكم واستقامة تفكيركم، لم تنتخبوني لشخصي وإنما أردتم أن تشيروا بانتخابي إلى وصفين عرف بهما أخوكم الضعيف هذا:
الأول: إنني قصرت وقتي على التعليم فلا شغل لي سواه فأردتم أن ترمزوا بانتخابي إلى تكريم التعليم إظهارا لقصد من أعظم مقاصد الجمعية وحثاً لجميع الأعضاء على العناية به كل بجهده.
الثاني: أن هذا العبد له فكرة معروفة وهو لن يحيد عنها ولكنه يبلغها بالتي هي أحسن فمن قبلها فهو أخ في الله ومن ردها فهو أخ في الله فالأخوة في الله فوق ما يقبل وما يرد فأردتم أن ترمزوا بانتخابي
إلى هذا الأصل: وهو أن الاختلاف في الشيء الخاص لا يمس روح الأخوة في الأمر العام، فماذا تقولون أيها الإخوان؟ فأجابوا كلهم بالوفاق والاستحسان، وقال أخي الأستاذ العقبي: أما الوصف الأول فإني أسلمه للأخ الرئيس وأما الوصف الثاني فهو لنا كلنا، فكلنا نقول أفكارنا مع المحافظة على الأخوة والوداد.
فقلت: بكلمة الأستاذ العقبي كان الختم الرسمي على هذا الكلام، ثم رفعت الأكف للدعاء والابتهال للكبير المتعال. حقق الله الآمال وسدد الأقوال والأعمال آمين.
هذا ما بقي بذهني مما قلته وقد ندت جمل عن الذاكرة لطول العهد (1).
(1) ب 6، م 7، ص 351 - 356 غرة صفر 1350ه - جوان 1931م.