الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسيادة حق طبيعي وشرعي لها ولكل فرد من أفرادها. وهذا الأصل مأخوذ من قوله: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم". فهم لا يطيعونه هو لذاته وإنما يطيعون الله باتباع الشرع الذي وضعه لهم ورضوا به لأنفسهم وإنما هو مكلف منهم بتنفيذه عليه وعليهم فلهذا إذا عصى وخالف لم تبق له طاعة عليهم.
الأصل العاشر:
الناس كلهم أمام القانون سواء لا فرق بين قويهم وضعيفهم فبطبق على القوي دون رهبة لقوته، وعلى الضعيف دون رقة لضعفه.
الأصل الحادي عشر:
صون الحقوق حقوق الأفراد وحقوق الجماعات فلا يضيع حق ضعيف لضعفه ولا يذهب قوي بحق أحد لقوته عليه.
الأصل الثاني عشر:
حفظ التوازن بين طبقات الأمة عند صون الحقوق. فيؤخذ الحق من القوي دون أن يقسى عليه لقوته فيتعدى عليه حتى يضعف وينكسر. ويعطي الضعيف حقه دون أن يدلل لضعفه فيطغى عليه وينقلب معتديا على غيره. وهذا الأصل واللذان قبله مأخوذة من قوله: "ألا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له، وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه".
الأصل الثالث عشر:
شعور الراعي والرعية بالمسؤولية المشتركة بينهما في صلاح المجتمع، وشعورهما- دائما- بالتقصير في القيام بها ليستمرا على العمل بجد واجتهاد، فيتوجهان بطلب المغفرة من الله الرقيب عليهما وهذا مأخوذ من قوله:"أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم".
هذا ما قاله ونفذه أول خليفة في الإسلام منذ أربعة عشر قرنا، فأين منه الأمم المتمدنة اليوم؟ فهل كان أبو بكر ينطق بهذا من تفكيره الخاص وفيض نفسه الشخصي؟ كلا! بل كان يستمد ذلك من الإسلام ويخاطب المسلمين يوم ذاك بما علموه وما لا يخضعون إلا له ولا ينقادون إلا به. وهل كانت هذه الأصول معروفة عند الأمم فضلا عن العمل بها؟ كلا! بل كانت الأمم غارقة في ظلمات من الجهل والانحطاط ترسف في قيود الذل والاستعباد تحت نير الملك ونير الكهنوت فما كانت هذه الأصول - والله إذن- من وضع البشر وإنما كانت من أمر الله الحكيم الخبير. نسأله- جل جلاله أن يتداركنا ويتدارك البشرية كلها بالتوفيق للرجوع إلى هذه الأصول التي لا نجاة من تعاسة العالم اليوم إلا بها (1).
عبد الحميد بن باديس
(1) ش: ج 11، م 13، ص 468 - 471 غرة ذي القعدة ه - جانفي 1938م.