الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطبة منبرية
سر الضحية
ــ
الحمد لله الواحد الأحد في ربوبيته وألوهيته، مبتديء الخلق برحمته الداعي إليه بنعمته وحجته، شرع الشرائع بالحكمة والعدل لسعادة الإنسان، وأودعها أسراراً وفوائد يعظم منها النفع ويزداد بها الإيمان.
وأرسل إلينا محمداً- صلى الله عليه وآله وسلم شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأنزل عليه القرآن آية بينة، وحجته (1) باقية، وهداية شاملة، وعلمه ما لم يعلم وكان فضله عليه عظيماً.
وأيده بروح منه حتى أدَّى الرسالة، وبلغ الأمانة، وأقام الحجة، وأوضح المحجة، وأبقى لنا من بعده كتاب الله وسنته هداية للمهتدين وتذكرة للذاكرين وتبصرة للناظرين.
ووفقنا إلى تلبية دعوته، واتباع شريعته، والتزام سنته. لا غلو الغالين- إن شاء الله- ولا تقصير المقصرين.
فالحمد لله على جميع نعمه وعلى هذه النعمة، والصلاة والسلام على جميع رسله، وعلى إمامهم وخاتمهم محمد رسول الرحمة، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا يوم الحج الأكبر، والموسم الأشهر، جعله الله عيداً للمسلمين وشرع فيه ما شرع من شعائر الدين، تزكية للنفوس وتبصرة
(1) كذا في الأصل والصواب حجة.
للعقول، وتحسيناً للأعمال، وتذكيراً بعهد إمام الموحدين وشيخ الأنبياء والمرسلين، إبراهيم الخليل عليه وعليهم الصلاة والسلام أجمعين.
فقد كسر الأصنام وحارب الوثنية وحاجَّ قومه وما كانوا يدعون من دون الله، وقام يدعو ربه وحده طارحا ما سواه، وحاج الملك الجبار حتى بهت الذي كفر، وقذفوا به في النار، فما بالى بهم ولا بها وثبت وصبر، حتى نجاه الله وجعل الذين أرادوا به كيداً هم الأخسرين.
وأوحى الله إليه بذبح ابنه فامتثل، واستشار ابنه إسماعيل فأجاب وقبل، فطرحه للذبح وأسلما لله في القصد والعمل، ففداه الله بذبح عظيم، وترك عليه في الآخرين سلام على إبراهيم، وأبقى سنة الضحية في الملة الإبراهيمية، والشريعة المحمدية، تذكاراً بهذا العمل العظيم، والإسلام الصادق لرب العالين، ليتعلم المسلمون التضحية لله بالنفس والنفيس، وليعلموا أن المسلم من صدق قوله فعله، ومن إذا جاء أمر الله كان لله كله.
فتدبروا أيها المسلمون في هذا السر العظيم ومرنوا أنفسكم على التضحية في كل وقت في سبيل الخير العام بما تستطيعون ولا تقطعوا عن التضحية ولو ببذل القليل، حتى تصير التضحية خلقا فيكم في كل حين واجعلوا قصة هذا النبي الجليل نصب أعينكم، وتدبروا دائما ما قصه الله منها في القرآن العظيم عليكم، وأحيوا هذه السنة ما استطعتم، وأسلموا لله رب العالمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ
فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}.
طلب منا كثير من إخواننا خطبة لعيد الأضحى ليخطبوا بها فلعل هذه الخطبة تقبل لديهم فيخطبون بها على الناس.
(ابن باديس)
(1) ش: ج 4، م 10، ص 139 - 141 غرة ذي الحجة 1352ه الموافق لمارس 1934م.