الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول فتوى القراءة على الأموات
لماذا التذييل، بدل التدليل والتأصيل؟
ــ
-1 -
وعد الشيخ الطاهر بن عاشور في آخر فتواه التي فرغنا من نقضها أنه سيتبعها بأدلتها فقال: "هذا حاصل هذا الجواب بما تضمنه البعض من أقوال أهل المذهب أتيت به واقتصرت فيه على ذلك دون تطويل ولا تأصيل، لقصد إحاطة أصناف المستفتين بحكم هذه المسألة. وسأتبعه ببيان تأصيل أحكامه ليزداد أهل النظر فإنهم يحبون أن يلحقوا الفروع بأصولها، ويميزوا عن خليط ثفالها خالص منخولها".
ومعنى هذا أنه ذكر الأقوال مجردة ولم يذكر أدلتها من الكتاب والسنة وأنه سيذكر أدلة تلك الأقوال ليتميز القوي منها بقوة مدركة من الضعيف لضعف مدركه. وقد قلنا في آخر نقضنا لفتواه: "وعد فضيلته بأنه سيتبع فتواه ببيان تأصيل أحكامها، ونحن لبيانه هذا من المنتظرين؟ ".
وكنا ننتظر منه أمرين أحدهما دفاعه عن فتواه إن كان له عنها من دفاع، وثانيهما وفاؤه بما وعد. فأما الثاني فإنه لم يكتب فيه حرفا إلى الآن وأنى له أن يأتي بأدلة من الكتاب والسنة لما يعترف هو نفسه أنه خلاف السنة. وإننا نتحداه ونقول له إنه لن يستطيع أن يأتي على بدعة القراءة على الأموات في المواطن الثلاثة بسنة ثابتة من قول أو عمل أو تقرير فليأت بشيء من ذلك إن كان من الصادقين.
وأما الأول فإنه حاد فيه عن صريح الدفاع واكتفى فيه بمثال نشرته جريدة الزهرة تحت عنوان (تذييل للفتوى في قراءة القرآن في الجنازة) ولعله اكتفى أيضا بما كتبه أولئك المجاهيل الذين قمشوا مسائل وأقاويل من غير فهم ولا تطبيق، وبعثروها في مقالات طويلة حالكة سداها البغض والبذاء ولحمتها الخبط والمهاترة، ثم أمضوها بإمضاءات مستعارة جبنا عن منازلة من يصارحهم باسمه أو لبقية ما من حياء من المجاهرة بذلك السقط والهذر.
فأما إذا كان فضيلته اكتفى بهؤلاء فإنه لمزر به أن يكون هؤلاء الذين لا يستطيعون الظهور في كتابة علمية دينية انصاره، ثم كيف يكونون انصاره وهم يستحون- إن كانوا يستحون- من التظاهر بنصرته؟ لا يامولانا ان في الدنيا علماء وانه يعز علينا- والله- أن لا يكون من ينصرك إلا بمثل ذلك الجهل الظاهر من جاهل مختف وإنك ترتاح له وتكتفي به، ونحن من ناحيتنا نربأ بأنفسنا عن تضييع الوقت في مطالعة ما لا يساوي نظرة إليه فضلا عن الاشتغال بالرد عليه ومن ذا يرضى بمخاطبة من يتستر في موضوع ديني معروف فيه الراد والمردود عليه، فما دين هؤلاء الجبناء المجاهيل وما قيمتهم وما هي النواحي التي تحركهم؟
أما قيمتهم العلمية والأخلاقية فقد عرفناها من كتابتهم وأما غيرها فإننا منه مستريبون، وإذا كانوا مسلمين حقيقة ومستقلين في إرادتهم فليصرحوا بأسمائهم إن كانوا من أنفسهم واثقين.
وأما إذا كان فضيلته يكتفي بذلك التذييل فها نحن نعرض لنقضه وإبطال ما زاده من الباطل فيه بعد بيان ما كان دفعه إليه بدل التدليل الذي عجز عنه بعدما كان وعد به.
***
بينما كانت الأمة التونسية- كسائر الأمم الإسلامية- تتألم من المضار التي تلحقها من بدع المآتم التي أساسها بدعة القراءة على الأموات التي تجمع الناس فتنفق على أكلهم وشربهم الأموال وتبذر الثروات وتثقل الكواهل بالديون ويتعدى على أموال الأيتام ويتحمل الضعيف المحال ما يتركه على أسوأ حال.
بينما الأمة التونسية هكذا والمصلحون منها يعالجون حالتها إذا بشيخ الإسلام ورئيس مجلس الشورى المالكي يطلع عليها بفتوى غريبة تقرر تلك البدعة وتؤيدها وتتلمس التأويلات البعيدة لتسويغ ويلاتها، فأعظمت ذلك الأمة التونسية، واستنكرته مثلما أعظمناه نحن واستنكرناه فبادر الصحافي الكبير السياسي المحنك الأستاذ محمد الجعائبي في جريدته (الصواب) ذات الثلاثين سنة في خدمة الأمة التونسية بصدق وثبات وتضحية فكتب مقالا تحت عنوان "فتوى ضد البدع والضلالات والقراءة على الميت وفي الجنائز" ونشر فتوى (1) لشيخنا أبي الفضل المالكي شيخ الجامع الأزهر سابقا رحمه الله مؤرخة بـ 4 ربيع الثاني 1334هـ، وكانت هذه الفتوى ردا مفحما على فتوى الشيخ ابن عاشور وكتب الأستاذ العجائبي تصديرا عليها قال فيه:"فكان جواب الشيخ محررا على أبدع أسلوب قد اقتصر فيه على السؤال دون أن يحاول التحريش أو الإملاء على أولياء الأمر بما يجب اتخاذه من التدابير تاركا ما لله لله وما لقيصر لقيصر" ولا يخفى ما في كلام الأستاذ شيخ الصحافة التونسية من الإنكار والاستهجان تعريضا بفتوى الشيخ ابن عاشور، وأثر هذا أخذت الأسئلة ترد على شيخ الإسلام لا تستطيع أن تصرح بالإنكار- ومن يستطيع مصارحة شيخ الإسلام بالإنكار- ولكنها لم تستطع محوه من بين السطور ونحن ننقل من
(1) نشرت (البصائر) هذه الفتوى في العدد 16
تلك الأسئلة ما يفهم منه ذلك الإنكار وما يصور الحالة المنكرة التي يتألم إخواننا التونسيون- مثلنا- منها ويريد شيخ الإسلام بفتواه- الغريبة تقريرها.
سأل الشيخ مصطفى الشنوفي من حمام الأنف، ونشرت سؤاله الزهرة فقال: "إن سؤالنا الذي نطلب إماطة اللثام عن دخيلته وتحقيق ما ينتابه من أحكام هو ما يلي: بعد وضع الحالة التي عليها القراء وكذا الأمكنة والمستمعون، بل قل المتفرجون تحت أعين الباحثين.
وهاك ما كل الناس على اطلاع تام عليه حيث أنه متكرر صباحا مساء كل يوم.
يموت مسلم فيذهب وليه طائعا أو تحت تأثير خوف العار لاستئجار جماعة تصدوا لإيجار ما يحفظونه من كتاب الله تعالى، بعد المماكسة طبعا وفعلا عندما يقترب أمد المأتم تراهم زرافات بحالة لا نقول أنها منفردة إذ هذا ليس من توابع ما نحن فيه إلا أننا نريد أن نأخذ بيد الشيخ حفظه الله ونطلعه وما نخاله جاهلا لكن هذا من باب التذكير فحسب.
جماعة الطرق تتلو أحزابا بها من الخلط ما لا يخفى مما يكون في غالب الأحيان وفي كثير من الجمل موجبا للتوبة مما تضمنه من الكفر الغير المقصود مع كونه في اعتقادهم يستحق عليه أجزل المثوبات كل هذا مقصود به استمطار الرحمة على جثمان الفقيد.
جماعة القراء تتلو قرآنا يبرأ منه جميع بدور القراء، ما هو شاذ وما هو ليس بشاذ، فترى مدودا لا ندري كم مقياسها، أثلاثة ألفات أم أربعة، بل ربما نقول ولا نرى أنفسنا جازفنا في التعبير انها تبلغ في بعض الأحيان الستة والسبعة على أقل تقدير مع ما يتبع هذا من زلزلة استغفر الله، بل قلقلة في عرف القراءات وهي حسب الاشتهاء لا عند الاقتضاء مع الوقف الذي ما أنرل الله به من سلطان على أن