الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بواعثنا - عملنا- خطتنا- غايتنا
رأينا كما يرى كل مبصر ما نحن عليه معشر المسلمين من انحطاط في الخلق وفساد في العقيدة وجمود في الفكر وقعود عن العمل وانحلال في الوحدة وتعاكس في الوجهة وافتراق في السير. حتى خارت النفوس القوية وفترت العزائم المتقدة، وماتت الهمم الوثابة ودفنت الآمال في صدور الرجال، واستولى القنوط القاتل واليأس المميت فأحاطت بنا الويلات من كل جهة وانصبت علينا المصائب من كل جانب.
رأينا هذا كله كما رآه المسلمون كلهم وذقنا منه الأمرَّين مثلهم ففزعنا إلى الله الذي لم تستطع هذه الأهوال والمصائب كلها أن تمس إيماننا به، وتزعزع ثقتنا فيه، فاستغثنا واستجرنا واستخرنا، وتوسلنا إليه جل جلاله بالإيمان وبسابق آلائه، وجأرنا إليه بأسمائه، فهدانا- وله المنة- إلى النور الوضَّاء الوهاج الأتم، والمنهاج الواضح الأقوم، هدانا إلى سنة سيدنا الأكرم، وقدوتنا ألأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
عرفنا- مما هدانا إليه ربنا- الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والهدى الذي ما بعده إلا الضلال وسبيل النجاة التي ما في كل مخالفتها إلا الهلاك، والدواء الذي بدونه لا تبرأ النفوس من أدوائها ولا تظفر بالقليل من شفائها، فحمدنا الله على ما هدانا وعقدنا العزم على المحافظة على هذه النعمة وشكرها، وما شكرها إلا في العمل بها وبنشرها وأشفقنا على أنفسنا من تبعة الكتمان وما جاء فيمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه من ضعف الإيمان، فأخذنا على
أنفسنا دعوة الناس إلى السنة النبوية المحمدية وتخصيصها بالتقدم والأحجية فكانت دعوتنا- علم الله- من أول يوم إليها والحث على التمسك والرجوع إليها ونحن اليوم على ما كنا سائرون وإلى الغاية التي سعينا إليها قاصدون وقد زدنا من فضل الله، أن أسسنا هذه الصحيفة الزكية. وأسميناها (السنة النبوية المحمدية) لتنشر على الناس ما كان عليه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم في سيرته العظمى، وسلوكه القويم، وهديه العظيم، الذي كان مثالا ناطقا لهدي القرآن وتطبيقا لكل ما دعا القرآن إليه بالأقوال والأفعال والأحوال مما هو المثل الأعلى في الكمال والحجة الكبرى عند جميع أهل الإسلام فالأئمة كلهم يرجعون إليها، والمذاهب كلها تنطوي تحت لوائها، وتستنير بضوئها، وفيها وحدها ما يرفع أخلاقنا من وهدة الانحطاط ويطهر عقيدتنا من الزيغ والفساد ويبعث عقولنا على النظر والتفكير، ويدفعنا إلى كل عمل صالح ويربط وحدتنا برباط الأخوة واليقين ويسير بنا في طريق واحد مستقيم ويوجهنا وجهة واحدة في الحق والخير ويحيي منا النفوس والهمم والعزائم ويثير كوامن الآمال ويرفع عنا الإصر والأغلال ويصيرنا-حقا- خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.
فها نحن اليوم نتقدم بهذه الصحيفة للأمة كلها على هذا القصد وعلى هذه النية: عملنا نشر السنة النبوية المحمدية وحمايتها من كل ما يمسها بأذية. وخطتنا الأخذ بالثابت عند أهل النقل الموثوق بهم، والاهتداء بفهم الأئمة المعتمد عليهم، ودعوة المسلمين كافة إلى السنة النبوية المحمدية دون تفريق بينهم. وغايتنا أن يكون المسلمون مهتدين بهدي نبيهم في الأقوال، والأفعال، والسير، والأحوال حتى يكونوا للناس كما كان هو صلى الله عليه وآله وسلم مثالا أعلى في الكمال.
والله نسأل التوفيق والتسديد في القصد والقول والعمل لنا وللمسلمين أجمعين (1).
الرئيس عبد الحميد بن باديس
(1) السنة الأولى، العدد الأول، الإثنين 8 ذي الحجة- 1351هـ- 1932م، ص1.