الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزائر المسلمة
تبرهن في أحرج مواقفها
على تماسكها بشخصيتها: بإسلامها وعربيتها
ــ
كبر على الرجعيين وأشباه الرجعيين بفرنسا أن يعطوا الحقوق الانتخابية البرلمانية لعدد لا يتجاوز خمسة وعشرين ألفا من الأمة الجزائرية، ما داموا محافظين على شخصيتهم وقوميتهم، كما يقتضيه "بروجي فيوليت"، ورأوا أنهم لا يمكن أن ينعموا على الأمة الجزائرية بذه النعمة! إلا إذا رضيت بمحو شخصيتها والانسلاخ عن دينها. ثم منهم من صدر في رأيه هذا عن كيد للأمة الجزائرية لصدها عن نيل الحق الطفيف لأنه يعلم أنها لا تتنازل عن شخصيتها فيجد المبرر لحرمانها، وهذا هو الأكثر. ومنهم من صدر عن حسن قصد مغترا بكلمات طائشة من أفراد قالوها عن غضب أو قلة تبصر فحسب أن الأمة الجزائرية تخضع للأمر الواقع إذا ألزمت بمحو شخصيتها والانسلاخ عن دينها فأراد أن يحسن إليها ويرغم عتاة الاستعمار خصومها. فأصبحت الجزائر من هذين القسمين بين حرمانها من كل حق لها، وسلبها من أعز عزيز عليها، موقف- والله- من أحرج مواقفها.
لقد كانت عبار "بروجي فيوليط" قبل "المؤتمر الإسلامي الجزائري" غير صريحة في المحافظة على الشخصية الإسلامية وكان قسم عظيم من الأمة ذاهبا مع تياره رغم ذلك الإبهام فلما انعقد المؤتمر في 17 جوان 1936، كان عمل العلماء فيه المحافظة على تلك الشخصية
حتى أعلن المؤتمر بالإجماع لزوم المحافظة عليها فلما عرض م فيوليت بروجيه على وزارة الجبهة الشعبية الأولى التي كان وزيرا فيها، حور بروجيه- نزولا- عند كلمة الأمة فصرح فيه بلزوم المحافظة على الشخصية الإسلامية.
فلما قامت سوق الكلام على هذا "البروجي" في هذه المدة الأخيرة صرح بعض النواب الفرنسيبن من الجزائر أن المحافظة على الشخصية الإسلامية إنما هي وضع العلماء وتطرفت صحيفة استعمارية كبيرة فجعلته من تعصب ابن باديس. لكنه ما كادت الأمة تسمع بالمساومة على شخصيتها حتى قامت من جميع نواحي الوطن بالاعتراض والاستنكار. فنشر العلماء بيانا وتحذيرا للأمة والحكومة في جريدة "البصائر" وأوفدت جمعية النواب لعمالة قسنطينة وفدا وجمعية النواب لعمالة الجزائر وفدا، وجمعية النواب لعمالة وهران وفدا، والنواب الماليون والعماليون غير الداخلين في الجمعيات وفدا. وذهبت تلك الوفود كلها إلى باريس، ومعها وفد من رجال الواجهة الشعبية للمطالبة ببروجي فيوليت مع المحافظة التامة على الشخصية الإسلامية ولو أدى ذلك إلى الحرمان من كل حق.
فكانت هذه كلمة الأمة الحازمة الحاسمة، وكانت هي الدليل القاطع على أن العلماء في كل ما يقومون به من خدمة الإسلام والعربية لبقاء الذاتية الإسلامية والشخصية القومية هم باسم الأمة يعملون وبلسانها ينطقون وأن كل من خذلهم في خدمتهم فقد خذل الأمة وكل من أيدهم في خدمتهم فقد أيد الأمة.
فنحن نهيب بفرنسا التي لا نرى من مصلحة الجزائر في الوقت الحاضر قطعا أن تتراخى علاقاتها بها أن تحترم الأمة الجزائرية في إسلامها وعربيتها وتنيلها حقوقها. ونلفت نظر كل نائب إلى ما عليه من
واجب في حماية الإسلام والعربية اللذين هما أعز كل عزيز على الأمة التي هو نائب عنها. وكفى بكلمتها الاجتماعية التي قالتها في مؤتمرها وفي هذا الموقف الحرج من مواقفها- دليلا على منزلتهما عندها (1).
عبد الحميد بن باديس
(1) ش: ج 12، م 13، ص 508 - 510 غرة ذي الحجة 1356هـ - فيفري 1938م.