الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا تعريض للنبي- صلى الله عليه وسلم بما خاطبه الله تعالى في سورة ابن أم مكتوم، وتخويف له بما يلحقه أن قصر مع هذا المسكين من العتاب واللوم، واحتجاج عليه بالقرآن، وإلزام له بالقبول والإتيان، وهذا تهجم عظيم، وتجاسر شديد، لا يقدم عليه عامة المؤمنين، فكيف بمن يزعم أنه خاصة العارفين.
الفصل الثاني: في بيان حرمة مخاطبة النبي- صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الخطاب
.
قد اشتمل صدر هذا الكلام على نفي قبول العذر من النبي- صلى الله عليه وآله وسلم وذلك يستلزم أن له عليه حقا إن وقع فيه تقصير احتيج معه إلى العذر ثم لا يقبل منه. وعلى أنه يرفع به دعوى لينظر في أمره، وهذه التهجمات القبيحة التي لا تصدر من العبيد إلى السادة، هي لا شك أقوى في سوء الأدب من مجرد رفع الصوت الذي نهى الله تعالى عنه وجعله سببا في حبوط الأعمال فتكون قطعا أحق بالمنع والتحريم، وما أشبه طلب هذا الرجل القبول والإتيان بهذا الخطاب المزعج الغليط بأولئك الذين نادوه من وراء الحجرات ولم يصبروا حتى يخرج إليهم، بل هو أشد، لأن القوم كانوا حديثي عهد بجاهلية لم يخالطوا المسلمين ولا تأدبوا بآداب الإسلام. وهذا يدعي منزلة الأولياء والصالحين، ثم يأتي بما لا يصدر من العامة الجاهلين فياليته تأدب في الخطاب، ووقف ذليلا على الأعتاب، فيكون في إسلامه وأدبه، خير شفيع لوصل سببه، لكن الغرور والغفلة، أعظم أسباب المحنة، عياذاً بالله، وأما آخر كلامه فقد أشتمل على طامة عظمى وجرأة كبرى بتعريضه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في سورة عبس على ما تقدم بيانه في آخر الفصل الأول، وهذا في سوء الأدب أدخل، وفي الحرمة أشد، لأن صاحبه قد اعتقد تقصيراً
من النبي- صلى الله عليه وآله وسلم ليم عليه فعرض له هو به، وخوفه من أن يقصر معه مثل ذلك التقصير فيلام عليه مثل ذلك اللوم. كبرت كلمة والله خرجت من فيِّ هذا المغرور المسكين، ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا توفيق إلا به. فإن قلت هذه قصة جاءت في القرآن وخبر ذكره الله تعالى. قلنا فالجواب عن ذلك ما قاله الإمام الحافظ خزانة العلم وقطب المغرب أبو بكر بن العربي في سورة "ص" من كتاب الأحكام. قال: للمولى أن يذكر ما شاء من أخبار عبيده ويستر ويفضح ويعفو ويأخذ، وليس للعبد أن ينبز في مولاه بما يوجب عليه اللوم، فكيف بما عليه في الأدب والحد، وأن الله تعالى قد قال في كتابه لعباده في بر الوالدين:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} فكيف بما زاد عليه، فما ظنك بالأنبياء وحقهم أعظم، وحرمتهم آكد، وأنتم تغمسون ألسنتكم في أعراضهم، ولو قررتم في أنفسكم حرمتهم لما ذكرتم قصتهم، اهـ. وما بعد هذا البيان بيان، وأن هذا الكلام لكاف وحده عند اللبيب المنصف في جواب ما تقدم من السؤال، ومن عقائد الإيمان مما يجب علينا في حق الأنبياء والمرسلين- عليهم الصلاة والسلام- أن لا نخاطبهم بما خاطبهم الله تعالى به ولا نذكر في كلامنا شيئا مما عوتبوا عليه لا بالتلويح ولا بالتصريح إلا بحكاية لفظ القرآن والحديث، وأما الله تعالى فإنه يخاطبهم بما شاء، لأنهم عباده وصفوته من خلقه، لهم من كمال المعرفة به ما ليس لغيرهم، وله عليهم من الفضل العظيم ما لا مطمع فيه لسواهم، وأما نحن فموقفنا معهم موقف العبيد مع السادة، فيجب علينا معهم اعتقاد الحرمة، واكبار الجانب، ولزوم الأدب، في الأقوال والأفعال، وجميع الأحوال ولا يجوز لنا ونحن خدامهم وأتباعهم أن نذكرهم أو نخاطبهم بما خاطبهم بهم ربهم ومالكهم، فما أبعدنا والله عن ذلك المقام، وقد ذكر هذه العقيدة الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي في كتبه منها قوله في سورة