الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقرير الأدبي
الذي ألقاه رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
الأستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس
في افتتاح اجتماعها السنوي العام
صبيحة يوم الأحد السادس عشر من جمادي الآخرة عام 1354هـ الموافق للخامس عشر سبتمبر سنة 1935م.
ــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، صلى الله عليه وعليهم أجمعين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فباسم الله تعالى ثم باسم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أفتتح هذا الاجتماح الرابع للجمعية والمؤتمر الديني العلمي لهيئتها العمومية. ثم أرحب بكم شاكرا لكم إقبالكم على الجمعية وعضدكم لها، بوفودكم على اجتماعها، كما أشكر أولئك الإخوان الذين حبستهم الأعذار، فاعتذر من يحسن منهم الكتابة بالكتب، والبرقيات، واكتفى الأميون منهم بهبات الأرواح، ونبضات القلوب.
أيها الإخوان: لقد كانت السنة الماضية، وهي الرابعة من سنوات الجمعية، سنة ممتازة في حياة الجزائر، تحركت فيها الجزائر حركة الألم، وحركة الأمل، حركة ألم أورثه الجمود من ناحية، والغفلة من ناحية، وأسباب أخرى من نواح أخرى، فطال عليه الأمد حتى أنهك الروح، والجسد، وحركة أمل بعثه الشعور بالحياة، وثقة
برجال ممن بيدهم الحل والعقد، أو لهم كلمة مع من بيدهم الحل والعقد، فارتفع صوت الجزائر حتى أسمع الصم، وإن قل المجيب وظهر رسمها على صفحات الأيام، وإن اختلف تلوينه باختلاف أذواق الدساسين ونزعاتهم، وإذا ذكرت الجزائر- أيها الإخوان- فقد ذكرت الجمعية فهي- ولا نكران- الممثلة للجزائر من ناحيتها الروحية والأدبية وما كتب كاتب في صحيفة من كبريات الصحف وصغرياتها عن الجزائر إلا كان حديثه عن الجمعية في طالعة كلامه، وإذا ألغينا تهاويل مقصودة وأنباء مقلوبة بقي الاعتراف للجمعية بمكانتها، وإن صلاح الجزائر، وإرضاء الجزائر معظمه في مساعدة الجمعية على ما تقوم به من تربية وتهذيب.
لقد أبدت الجمعية ألم الأمة وألمها من ناحيتها الخاصة بها بما نشر لها وبما أبرقت من برقيات وما أرسلت من كتب. وقد أبدت ما لها من أمل يوم قابل رجالها وزير فرنسا م. ريفي وسمعت منه ما قوى ذلك الأمل.
وكم كان يسرني- وأنا رجل مسلم طبعتني تربيتي الإسلامية على الاعتراف بالجميل- أو استطعت أن أذكر لكم اليوم شيئا من تحقق ذلك الأمل. لكن بغاية الأسف لا أستطيع أن أقول لكم إلا أنه لم يتحقق شيء منه، فالمساجد ما تزال موصدة الأبواب في وجوه الوعاظ والمرشدين والمكاتب العربية ما زالت تلقى العراقيل الشديدة، وصحيفة الجمعية ما تزال في نطاق المنع والتحجير وما يزال رجال من أشخاص الجمعية البارزين تحت الرقابة والشدة بغير ذنب. غير أننا لا نقطع حبل الرجاء ما دام على رأس الإدارة رجل عالم خبير يقدر العلم وأهله ربما انفسح أمامه المجال للعمل في عهد الولاية الجديدة، ومع ذلك فإنني إبقاء لصوت الحق أرفع باسم جمعكم هذا إلى المراجع العليا الإحتجاج على بقاء هاته الحالة التي يحال فيها بين علماء الإسلام
ومساجد الإسلام، ويحال فيها بين الأمة وتعلم دينها في أماكن دينها ويعرقل فيها المسلمون على تعليم أبنائهم، لغة وعقائد وآداب دينهم. ويخنق فيها صوت جمعية دينية علمية فيحال بينها وبين الصحافة التي هي الأداة المشروعة المعترف بها لكل جمعية لنشر دعوتها والدفاع عن نفسها.
ثم مع هذه الحالة وضيقها فإن الجمعية قامت بحمد الله بما استطاعت من واجباتها. فالدروس العلمية في بلدان عديدة يقوم بها رجال الجمعية للطلاب والمدارس القليلة المسموح بها يتولاها رجال من الجمعية لتعليم الصغار. وقد قام رجال مجلس الإدارة في آخر السنة برحلات في العمالات الثلاث فوفدوا على خمسين بلدة ونيف قألقوا فيها دروس الوعظ والإرشاد على الجموع الكثيرة من الناس فأحيوا بما نشروا من الهداية نفوسا وأنعشوا أرواحا وفتحوا عيونا وآذانا وبعثوا- من الخير- آمالاً وبذروا بذور الرحمة والمحبة بين جميع السكان.
واليوم- وقد قطعنا الرحلة الرابعة من سيرنا- فإننا نستعين الله تعالى على التقدم للمرحلة الخامسة بإيمان ثابت ويقين صادق وقصد للخير صحيح ونحن نجدد لكم عهد الله على السير بالجمعية أو مع الجمعية على خطتها الدينية العلمية لنشر العلم والفضيلة ومحاربة الجهل والرذيلة. القرآن أمامنا والسنة سبيلنا والسلف الصالح قدوتنا وخدمة الإسلام والمسلمين وإيصال الخير لجميع سكان الجزائر غايتنا. فلنسر موحدين متحدين على هذا الصراط المستقيم لخير الجميع والله مع العاملين المخلصين والحمد لله رب العالمين (1).
عبد الحميد بن باديس
(1) سجل مؤتمر العلماء المسلمين الجزائريين ص 74 - 76/ 16 جمادى الأخيرة 1354هـ - 15 سبتمبر 1935م.