الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نص الخطبة
الحمد لله الذي تعبدنا بالسمع والطاعة، وأمرنا بالمحافظة على السنة والجماعة وحفظ ملة نبيه الكريم وصفيه الرؤوف الرحيم، من الإضاعة، إلى قيام الساعة وجعل التأسي به أنفع الوسائل النافعة أحمده حمداً ينتج اعتماد العبد على ربه وانقطاعه. وأشكره شكراً يقصر عنه لسان البراعة، وأستمد معونته بلسان الذلة والضراعة وأصلي على محمد رسوله المخصوص بمقام الشفاعة، على العموم والإشاعة والرضى عن آله وصحبه الذين اقتدوا بهديه حسب الاستطاعة أما بعد أيها الناس شرح الله لقبول النصيحة صدوركم وأصلح بعنايته أموركم، واستعمل فيما يرضيه آمركم ومأموركم فإن الله قد استرعانا جماعتكم وأوجب لنا طاعتكم وحذرنا إضاعتكم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . سيما فيما أمر الله به ورسوله أو هو محرم بالكتاب والسنة النبوية، وإجماع الأمة المحمدية الذين إن مكناهم في الأرض أقَاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر. ولهذا نرثي لغفلتكم! أو عدم إحساسكم ونغار من استيلاء الشيطان بالبدع على أنواعكم وأجناسكم! فألقوا لأمر الله آذانكم وأيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم وطهروا من دنس البدع إيمانكم وأخلصوا لله أسراركم وإعلانكم واعلموا أن الله بفضله أوضح لكم طريق السنة لتسلكوها. وصرح بذم اللهو والشهوات لتملكوها وكلفكم لينظر عملكم، فاسمعوا قوله في ذلك وأطيعوه. واعرفوا فضله عليكم وعوه واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون! والبدع التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون وافترقوا أوزاعا! وانتزعوا الأديان والأمول انتزاعا بما هو حرام كتابا وسنة واجماعا! وتسموا فقراء: وأحدثوا في دين الله ما استوجبوا به سقرا! {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ
بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}! وكل ذلك بدعة شنيعة، وفعلة فظيعة وسبة وضيعة، وسنة مخالفة لأحكام الشريعة وتلبيس وضلال وتدليس شيطاني وحبال زينه الشيطان لأوليائه فوقتوا له أوقاتا! وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك درهم وأقواتا! وتصدى له أهل البدع من عساوة وجلالة وغيرهم من ذوي البدع والضلالة، والحماقة والجهالة! وصاروا يرقبون للهوهم الساعات! وتتزاحم على حبال الشيطان وعصيه منهم الجماعات! وكل ذلك حرام ممنوع والإنفاق فيه إنفاق في غير مشروع، فأنشدكم الله، عباد الله هل فعل رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم لعمه سيد الشهداء موسما؟ وهل فعل سيد هذه الأمة أبو بكر لسيد الارسال- صلى الله عليه وعلى جميع الصحابة والآل- موسما؟ وهل تصدى لذلك أحد من التابعين رضي الله عنهم أجمعين-، ثم أنشدكم الله، هل زخرفت على عهد رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم المساجد، أم زوقت أضرحة الصحابة والتابعين الأماجد كأني لكم تقولون في نحو هذه المواسم المذكورة وزخرفة أضرحة الصالحين وغير ذلك من أنواع الابتداع، حسبنا الاقتداء والاتباع، إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ، وهذه المقالة قالها الجاحدون هيهات هيهات لما توعدون. وقد رد الله، مقالهم ووبخهم وما أقالهم، فالعاقل من اقتدى بآبائه المهتدين. وأهل الصلاح والدين خير القرون قرني الحديث (1) وبالضرورة أنه لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، فقد قبض رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم عقد الدين قد سجل، ووعد الله بإكماله وقد عجل، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
(1) متفق عليه، (ابن باديس).
الْإِسْلَامَ دِينًا} قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه على منبر رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم بحضرة الصحابة- رضي الله عنهم: أيها الناس، قد سننت لكم السنن وفرضت الفرائض وتركتم على الجادة، فلا تميلوا بالناس يميناً ولا شمالاً فليس في دين الله ولا فيما شرع نبي الله، أن يتقرب بغناء ولا شطح، .. والذكر- الذي أمر الله به، وحث عليه، ومدح الذاكرين به، هو على الوجه الذي كان يفعله- صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن على طريق الجمع ورفع الأصوات على لسان واحد، فهذه سنة السلف، وطريقة صالحي الخلف، فمن قال بغير طريقهم فلا يستمع ومن سلك غير سبيلهم فلا يتبع ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين قوله:{مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} . {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، فما لكم يا عباد الله ولهذه البدع؟! أأمنا من مكر الله؟! أم تلبيساً على عباد الله؟! أم منابذة لمن النواصي بيديه!؟ أم غرورا لمن الرجوع بعد إليه!؟ فتوبوا واعتبروا وغيروا المناكر واستغفروا. فقهد أخذ الله بذنب المترفين من دونهم! وعاقب الجمهور لما أغضوا عن المنكر عيونهم! وساءت بالغفلة عن الله عقبى الجميع. ما بين العاصي والمداهن المطيع! أفيزلكم الشيطان، وكتاب الله بأيديكم؟ أم كيف يضلكم وسنة نبيكم تناديكم، فتوبوا إلى رب الأرباب. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. ومن أراد منكم التقرب بصدقة، أو وفق لمعروف أو إطعام أو نفقة. فعلى من ذكر الله في كتابه. ووعدكم فيه جبريل ثوابه كذوي الضرورة الغير الخافية والرضى الذي لستم بأولى منهم بالعاقبة. ففي مثل هذا تسد الذرائع وفيه تمتثل أوامر الشرائع.
ولا يتقرب إلى مالك النواصي، بالبدع والمعاصي. بل بما يتقرب به الأولياء والصالحون. والأتقياء المفلحون أكل الحلال وقيام الليالي، ومجاهدة النفش في حفط الأحوال بالأقوال والأفعال. البطن وما حوى، والرأس وما وعى، وآيات تتلى، وسلوك الطريقة المثلى، وحج وجهاد ورعاية السنة في الموسم والأعياد، ونصيحة تهتدى، وأمانة تؤدى، وخلق على خلق القرآن يحدى، وصلاة وصيام، واجتناب مواقع الآثام، وبيع النفس والمال من الله:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} الآية. {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} . الصراط المستقيم كتاب الله، وسنة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم. وليس الصراط المستقيم كثرة الرايات، والاجتماع للبيات. وحضور النساء والأحداث. وتغيير الأحكام الشرعية بالبدع والأحداث، والتصفيق والرقص، وغير ذلك من أوصاف الرذائل والنقص
…
؟ {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} ؟، عن المقداد (1) بن معد يكرب- رضي الله عنه: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يجاء بالرجل يوم القيامة وبين يدييه راية يحملها، وأناس يتبعونها، فيسأل عنهم ويسألون عنه؟ ..
{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ
(1) كذا فى الأصل المنقول عنه: المقداد بن معد يكرب ولا يوجد في الإصابة هذا الإسم إنما الموجود المقداد بن الأسود بن معدي كرب ولعله هو الصواب هنا، راجع ج 3. من الإصابة ص 454 إلى 455 وبعد فانظر من خرج الحديث وما رتبته فإني لم أقف عليه.
الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا}.
فيجب على من ولاه الله من أمر المسلمين شيئا من السلطان والخلائف أن يمنعوا هؤلاء الطوائف، من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم أو يعينهم على باطلهم ثم إياكم والبدع فإنها تترك مراسم الدين خالية خاوية، والسكوت عن المناكر يحيل رياض الشرائع ذابلة ذاوية فمن المنقول عن المال، والمشهور في الأواخر والأوائل أن المناكر والبدع إذا فشت في قوم أحاط بهم سوء كسبهم وأظلم ما بينهم وبين ربهم وانقطعت عنهم الرحمات ووقعت فيهم المثلاث، وشحت السماء، وحلت النقماء وغيض الماء، واستولت الأعداء، وانتشر الداء، وجفت الضروع، ونقعت م بركة الزروع، لأن سوء الأدب مع الله يفتح أبواب الشدائد، ويسد طرق الفوائد، والأدب مع الله ثلاثة: حفط الحرية، بالاستسلام والاتباع، ورعاية السنة من غير إخلال ولا ابتداع ومراعاتها في الضيق والاتساع، لا ما يفعله هؤلاء الفقراء، فكل ذلك كذب على الله وافتراء، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} ، عن العرباض (1) بن سارية- رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله- صلى الله عليه وآله رسلم-، موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقام إليه رجل فقال يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا؟ أو قال: أوصنا، فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة لمن ولي عليكم وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإيكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
(1) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده وأبو داود والترمذي وابن ماجمة والحاكم في المستدرك باختلاف يسير.
وها نحن عباد الله أرشدناكم وحذرناكم وأنذرناكم، فمن ذهب بعد لهذه المواسم أو أحدث بدعة في شريعة نبيه أبي القاسم. فقد سىعى في هلاك نفسه. وجر الوبال عليه وعلى أبناء جنسه. وتله الشيطان للجبن. وخسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1).
(1) ش: ج 4، م 12، ص 168 - 172 غرة ربيع الثاني 1355هـ - جويلية 1936م.