الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عريضة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
إلى جناب مدير الشؤون الأهلية العام (ميو)
ــ
مما تقرر في الجلسة الأخيرة لهيئة إدارة الجمعية رفع هذه العريضة إلى مدير الشؤون الأهلية العام بعد ترجمتها إلى اللغة الافرنسية، وقد أرسل إلينا رئيس الجمعية بنصها العربي موقعا عليه بإمضائه لتنشر في "البصائر" حسبما تقرر أيضاً، فبادرنا بنشرها حرفيا.
(قلم التحرير)
جناب السيد المدير العام للشؤون الأهلية والتراب الجنوبي بالولاية الجزائرية العامة!
يا جناب المدير!
كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين- لأول ما استلمتم مقالييد الإدارة الأهلية وتوسمت في شخصكم مخايل الحق والإنصاف- فاوضتكم بواسطة وفدها في حقوقها التي كانت مهضومة، وشرحت لكم النقط التي يشهد الحق أنها كانت وما زالت فيها مظلومة، وتقدمت إليكم بمطالب هي أصول لفروع وكليات لجزئيات. وقد سمع الوفد من جنابكم تصريحا بحقية مطالبها، ووعدا بإنصافها ورفع الظلم عنها.
فعدت الجمعية ذلك التصريح منكم تسجيلا لحقوقها، وعدت ذلك الوعد منكم عهداً محقق الوفاء، وعقداً محقق التنفيذ، وأعلنت للأمة المغبونة في حقها، المحرومة من مساجدها، المرهقة في تعلمها وتعليمها، أن تلك القرارات الفردية الجائرة ستلغى، وأن ما مضى من
الظلم لا يعود وأن أول الإنصاف فتح باب المفاهمة بالحسنى، وانتظرت الجمعية، وانتظرت من ورائها الأمة نتيجة هذه المفاهمة واثقة بوعد جنابكم، وخففت الأصوات التي كانت مرفوعة بالشكوى والتظلم تقليلا لأسباب الجفاء، وتمهيدا لتحقيق الوفاء، واعتصمت الجمعية والأمة بالصبر والهدوء تمكينا لجنابكم من اغتنام الفرص وتذليل الموانع التي كلنا يعتقد أنها موجودة وأنها كثيرة، وإن كنا نعتقد أيضا أن الحق موجود وأنه أقوى منها، وأن الذي نطلبه ليس بإيجاد لشيء لم يكن لنا، وإنما هو إرجاع لحق ثابت لنا واغتصب منا، ورجوع من خطإ إلى صواب، ومن ظلم إلى إنصاف، ثم نجز بعد طول الانتظار جزء قليل من وعدكم فأنعش الأمل وقوى الرجاء ولكن الجزء الذي نجز أرب من آراب، وباب من أبواب، وصحيفة من كتاب، وما زال وعدكم بإتمام الباقي يتجدد، والأسباب الداعية للإسراع بالتنجيز تقوى في نظرنا وتتأكد، والموانع العائقة عن رجوع الحق إلى أهله تتلاشى- في اعتقادنا- وتزول من غير أن تنتهي إلى نتيجة ترفع الحيرة وتجلي الموقف وقد مر على هذه الحالة ما يقرب من السنتين، وحدث من الأسباب ما اقتضى تجديد الخطاب، وطلب الفصيح الواضح من الجواب.
يا جناب المدير!
إن المجلس الإداري لجمعية العلماء المنعقد بمركزها العام بالجزائر يوم 6 ماي 1936م قد قرر قيام وفوده بجولات الوعظ والإرشاد الديني في العمالات الثلاث في أول جويلية القابل على العادة التي جرى عليها في السنوات الماضية. وهي عادة أصبجت من حقوق الأمة على الجمعية، تنقاضاها الأمة من الجمعية، ويجب على الجمعية الوفاء بها للأمة، ولا تستطيع بحال أن تسقطها أو تقصر فيها.
وأن وفود الجمعية في السنة الماضية اضطرت إلى إلقاء دروسها
الدينية على الأمة في أماكن لا تتناسب مع حرمة الدين، ولا مع شرف الجمعية وقدر الأمة وسمعة الحكومة ومبدئها- كل ذلك ومساجد الأمة موجودة، ولكنها مغلقة في وجهها ووجه علمائها.
فرأى المجلس بهذه المناسبة أن يلفت نظركم إلى أن أمد الانتظار قد طال، وأن يذكركم باعترافكم الرسمي لوفده بحقية مطالبه، ورأى نفسه مضطرا إلى مصارحتكم بأن الثقة التي وضعها المجلس الإداري في جنابكم، لم تقابل بما يكافئها من النتائج في نظر الجمعية والأمة معا، وأن الرأي العام قوى شعوره بأن المفاهمة طال أمدها ولم تأت بنتيجة تحققها. فالمساجد لا تزال مغلقة في وجوه علماء الأمة، والتضييق على التعليم العربي الحر لم يزل على شدته لم يتبدل في قليل ولا كثير، ورجال الجمعية الذين هم- في الواقع- دعاة خير ورحمة، وحملة أمان وسلام، ووسائل تربية وتهذيب، لم يزالوا محفوفين بالشكوك والريب في دوائرهم الخاصة ولا تزال تنبعث من بعض الجهات الإدارية إيعازات التحريض بهم، والتخويف منهم ومحاولات تصويرهم بغير حقيقتهم.
والمجلس الإداري لجمعية العلماء لا يعرف الفرق بين جهة من الإدارة وبين جهة أخرى ولا يعتقد إلا أن تلك الجهات بعضها من بعضها، ولا يفهم معنى للمفاهمة بالحسنى مع بقاء الحالة على ما وصفنا وبعد أن حكم الزمان حكمه وأقام الأدلة على أن باطن هذه الجمعية كظاهرها.
ولتعلم- يا جناب المدير- أننا لا نطلب فتح المساجد لنتخذها بيوت سكنى، أو نستعملها في مصالحنا الخاصة، أو لنحتكرها لدروسنا، وإنما نطلبها للأمة لتنتفع بها في فرض ديني هو أحد المقاصد التي أسست لأجلها وهو أن تتعلم أمور دينها على علمائها في مساجدها.
فهل يحسن بسمعة فرنسا أن تساس أمة إسلامية وفيرة العدد بالقرارات الفردية في أخص خصائص دينها؟ وهل يجمل بحكومة الجزائر أن تتوقف كل هذا التوقف في إلغاء قرار فردي ظهر خطاه من يوم وضعه؟ وهل من المعقول أن يكون غير المسلمين أولى من علماء الأمة بإقامة الاجتماعات في المساجد؟ أو يكون غير المسلمين أحرص من علماء الإسلام على احترام المساجد، وأعرف بحقوقها وبما يجوز أن يقال فيها وما لا يجوز؟
يا جناب المدير!
إننا نرجو أن يكون جوابكم في هذه المرة إيجابيا عمليا واضح الحدود منطقيا متناسبا مع مكانتكم العلمية ومقامكم الإداري ومركز الجمعية التي تخاطبكم بهذا نيابة عن الأمة.
فهل لكم- يا جناب المدير! - أن تحققوا ثقة الجمعية بكم لدى الأمة، وتؤكدوا احترامها لوعودكم؟
وتقبل- يا جناب المدير! - فائق احترامنا لشخصكم وتقديرنا لمساعيكم (1).
عن المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
الرئيس: عبد الحميد بن باديس
(1) البصائر: السنة 1 العدد 21 الجزائر في يوم الجمعة 8 ربيع الأول 1355هـ الموافق ليوم 29 ماي 1936م ص 1 ع 1 من ص 2.