الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيها المسلم الجزائري
هاك وصايا نافعة مختصرة على وجه الإجمال، وسنعيدها عليك مختصرة على وجه التفصيل.
هاك آدابا تقتضيها إنسانيتك ويفرضها عليك دينك وتستدعيها مصلحتك في هاته الحياة.
هاك ما إن تمسكت به كنت إنسان المدنية ورجل السياسة وسيداً حقيقياً يرمق من كل أحد بعين الاحترام والتعظيم.
حافط على صحتك فهي أساس سعادتك وشرط قيامك بالأعمال النافعة لنفسك ولغيرك، تجنب العفونة فإنها مصدر جراثيم الأمراض ومثار نفور وبغض لطلعتك، ومجلبة سبِّ لجنسك ولدينك الشريف البريء منك في مثل هذه الحال.
نظف بدنك، نظف ثوبك، تبعث الخفة والنشاط في نفسك، وتنبل في عين غيرك وتجلبه إلى الاستئناس بمعاشرتك.
قِه أهلك وولدك ومن إلى رعايتك مما تقي منه نفسك، وسيرهم على نظام صحي وقانون أدبي تكفل سعادة وهناء عائلتك ورخاء عيشك، وهدوء بالك.
حافظ على عقلك فهور النور الإلهي الذي منحته لتهتدي به إلى طريق السعادة في حياتك.
فاحذر كل (متعيلم) يزهدك في علم من العلوم، فإن العلوم كلها أثمرتها العقول لخدمة الإنسانية ودعا إليها القرآن بالآيات الصريحة،
وخدم علماء الإسلام بالتحسين والاستنباط ما عرف منها في عد مدنيتهم الشرقية والغربية حتى اعترف بأستاذيتهم علماء أوربا اليوم.
واحذر كل (متريبط) يريد أن يقف بينك وبين ربك ويسيطر على عقلك وقلبهك وجسمك ومالك بقوة، يزعم التصرف بها في الكون، فربك يقول لك إذا سألت عنه:{فَإِنِّي قَرِيبٌ} ، الآية. ويقول لك:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} وأن الأولياء الصالحين بعيدون، عن كل تظاهر ودعوى متحلون بالزهد والتواضع والتقوى، يعرفهم المؤمن بنور الإيمان وبهذا الميزان.
واحذر من دجال يتاجر بالرقي والطلاسم. ويتخذ آيات القرآن وأسماء الرحماء هزوءاً يستعملونها في التمويه والتضليل و (القيادة) و (التفريق) ويرفقونها بعقاقير سمية فيهلكون العقول والأبدان.
حافظ على مالك فهو قوام أعمالك، فاسلك كل سبيل مشروع لتحصيله وتنميته، واطرق كل باب خيري لبذله.
فاحذر بالوعة المضاربات الربوية في معاملاتك ومن مسارب السرف في جميع ملذاتك إذا كانت من المباحثات، دع ما إذا كانت من المحرمات.
حافظ على حياتك، ولا حياة لك إلا بحياة قومك ووطنك ودينك ولغتك وجميل عاداتك، وإذا أردت الحياة لهذا كله، فكن ابن وقتك تسير مع العصر الذي أنت فيه بما يناسبه من أسباب الحياة وطرق المعاشرة والتعامل.
كن عصريا في فكرك وفي عملك وفي تجارتك وفي صناعتك وفي فلاحتك وفي تمدنك ورقيك. كن صادقا في معاملاتك بقولك وفعلك.
احذر من الخيانة! الخيانة المادية في النفوس والأعراض والأموال، والخيانة الأدبية ببيع الذمة والشرف والضمير.
احذر من التوحش فإن المتوحش في عصر المدنية محكوم عليه طبيعيا بالتناقض ثم الفناء والاضمحلال والاندثار، كما فنيت جميع الأمم المتباعدة عن التمدن والرقي.
احذر من التعصب الجنسي الممقوت فإنه أكبر علامة من علامات الهمجية والانحطاط. كن أخا انسانيا لكل جنس من أجناس البشر وخصوصا ابن جلدتك المتجنس بجنسية أخرى، فهو أخوك في الدم الأصلي، على كل حال كن محسنا لكل أحد من كل جنس ودين فدينك الشريف يأمرك بالإحسان.
حافظ على مبادئك السياسية ولا سياسة لك إلا سياسة الارتباط بفرنسا (1) والقيام بالواجبات اللازمة لجميع أبنائها والسعي لنيل جمبع حقوقهم فتمسك بفرانسة العدالة والأخوة والمساواة فإن مستقبلك مرتبط بها.
ثق بأن سياسة الصدق والصراحة والإخلاص المرتكزة على الحب والعمل والتعاون، لا بد أن تظهرك أمام العالم بمظهرك الحقيقي رغم كل الغيوم التي ينشرها حولك خصومك ومنافسوك فتعطيك حينئذ فرنسا جميع الحقوق كما قمت لها بجميع الواجبات وتحيا حياة طيبة كجميع أبناء العالم العاملين المخلصين (2).
عبد الحميد بن باديس
(1) هذه تقية من ابن باديس لأنه يؤمن بأن الشعب الجزائري سيستقل عن فرنسا متى حان الوقت، وقد حان وتحقق.
(2)
الشهاب عدد 49 السنة الثالثة 15 صفر 1345هـ - 23 أوت 1926م، وذلك قبل أن يتحول إلى مجلة ابتداء من سنة 1929م.