الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"الأحزاب" من كتاب الأحكام: وعهدنا إليكم عهدا لن تجدوا له ردا، أن أحدا لا ينبغي أن يذكر نبيا إلا بما ذكره الله لا يزيد على ذلك، اهـ. وقال الإمام الصوفي أبو عبد الله بن الحاج في كلامه على المواسم من كتاب المدخل: وقد قال علماؤنا- رحمة الله عليهم- أن من قال عن نبي من الأنبياء في غير التلاوة والحديث أنه عصى أو خالف فقد كفر نعوذ بالله من ذلك، اهـ. ونقل هذا الكلام عنه الشيخ محمد الزرقاني في قسم الخصائص من شرحه للمواهب وسلمه: ولا يخفى أن حكم التعريض في هذا المقام حكم التصريح. فنعوذ بالله بالدين وتوقع في سوء الأدب مع سيد المرسلين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الفصل الثالث: في أن هذا المقال لا يصدر من العارفين
.
اعلم أن السادة العارفين هم أرسخ الناس قدما في محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيم حرمته، ومراعاة شريف جانبه، وتعزيزه وتوقيره وبره. تجد ذلك في صلواتهم عليه، وفي أدعيتهم لله تعالى عند ذكره، والتوسل به، وفي مناجاتهم له عند الشوق إليه، وفي تأليفهم عند الكلام في حقه. وهذه أشياء مروية عنهم، معروفة منهم، لا تحتاج إلى شاهد ولا تخفى على طالب بل هم أكثر الناس أدبا مع شيوخهم ومربيهم ومريديهم، بل هم آدب الناس من جميع الناس، قال قائلهم: من لا أدب له لا شريعة له ولا إيمان له ولا توحيد له، وكتبهم بهذا طافحة وسيرهم أصدق شاهد عليه فمعاذ الله أن يكون مرتكب ما تقدم مع الإصرار عليه من عامة عامتهم فضلاً عن أن يكون ممن فوق ذلك إذ لا نشك أن ذلك الخطاب الغليط الجافي لا يقوله المؤمن العامي الباقي على فطرة الإيمان، فضلا عن أهل الخصوصية
والعرفان ومن لا يراعي الأدب في خطاب سيد المرسلين، كيف يصلح أن يكون من العارفين السلكين، إذ من لا يؤدب نفسه كيف يؤدب غيره، ومن لم يؤمن على آداب الخطاب كيف يؤمن على ما يدعيه من مقامات الكاملين. قال أبو يزيد البسطامي- رحمه الله تعالى- لبعض أصحابه: قم بنا حتى ننظر إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولاية وكان رجلا مقصودا مشهورا بالزهد، فمضينا إليه فلما خرج من بيته ودخل المسجد رمى ببصاقة تجاه القبلة، فانصرف أبو زيد ولم يسلم عليه، وقال: هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم فكيف- يكون مأمونا على ما يدعيه اهـ. فانظر يا أخي رحمك الله بإنصاف إلى هذا العارف الكبير كيف وزن الرجل بميزان الشرع فطرحه لإخلاله بأدب واحد من الأداب- فكيف بنا لا نطرح هذا التهجم على رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم بقبيح التعريض وسوء الخطاب. قال أبو إسحاق الشاطبي في كتاب الاعتصام أثر كلام أبي يزيد المتقدم: هذا أصل، أصله أبو يزيد- رحمه الله تعالى- للقوم، وهو أن الولاية لا تحصل لتارك السنة وإن كان ذلك جهلا منه (1) فما ظنك به إذ كان عاملا بالبدعة كفاحا اهـ ونقول: فما ظنك به إذا كان يتهجم على الحضرة النبوية بمثل ذلك الخطاب الذي لا نظير له في كلام صغار المنتسبين، وعامة المداحين الجاهلين فضلا عن كلام العارفين؟ وقال الشيخ عبد الغني النابلسي في شرحه لكتاب الطريقة المحمدية، عند كلام ابي يزيد المتقدم: إن الله- تعالى- لا يؤمن على أسراره وأنواره إلا من الله أولا على الأخلاق المرضية، والأداب المحمدية، - الله أعلم حيث يجعل رسالته- والحكمة وضع الشيء في موضعه، وهي ملازمة لأفعال الله- تعالى- لا ينفك عنها فعل من أفعاله تعالى البتة، وليس من الحكمة وضع الولاية والكمال في المنتهكة
(1) يعني أن الولي من لا يكون للشرع عليه اعتراض.