الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بماذا نعود:
ودار لقمان على حالها
…
والقيد باق والطواشي صبيح.
ــ
قد بلغت المسألة اليوم إلى غايتها تفهيما من الأمة، وتفهما من الإدارة، فلنقف مديدة للانتظار، على أمل أن تجاب الأمة لرغبتها، بحسن تبصر الإدارة وإنصافها فنعود للكتابة في الموضوع شاكرين مغتبطين:
الخير أبقى وإن طال الزمان به
…
والشر أخبث ما أوعيت من زاد.
عن عدد (البصائر) الصادر في 3 جمادى الأولى 1 جوليت الماضي.
ــ
لقد هز قانون 8 مارس الذي صدر لعرقلة تعليم الإسلام ولغة الإسلام بهذه البلاد، الشعب الجزائري هزة عنيفة، ورفعت الأمة بلسان نوابها وهيئتها وعلمائها صوتها عاليا بالاحتجاج والاستنكار ووالت (البصائر) الكتابة في المظلمة الفادحة خمسة أشهر. ولما انتهت المسألة إلى النيابة المالية- وهي أعلى نيابة في الوطن- وتضافر النواب المسلمون على المطالبة بحرية تعليم الدين ولغة الدين، وقدموا تقريرا في جلسة 15 جوان يشتمل على لزوم إعطاء رخص التعليم الإسلامي الحر للجميع، مع إحداث المراقبة على المدارس الحرة، وعلمنا من نوابنا أن هنالك وعودا في حل المسألة، رأينا أن المسألة قد بلغت غايتها، ورأينا أن نقف منتظرين كما هو في المربع الموضوع في صدر
هذا المقال. وها هي أربعة أشهر ونيف قد مضت على تلك الوقفة وانقضت في الانتظار! وها نحن نعود إلى استئناف الكتابة في هذه المظلمة الشوهاء والداهية الدهياء، التي لا يهدأ ضمير الأمة ما دام جرحها الدامي في أعماق قلبها، ولكن بماذا نعود؟ لقد كنا نحسب ونود أننا نعود فنذكر برَّ الإدارة بوعدها، واحترامها للأمة الجزائرية المسلمة في دينها ولغة دينها، وفي أدق شعورها، ومراعاتها ما تقتضيه مصلحة فرنسا من كسب قلوب الشعوب الواقعة في نطاق نفوذها لأيام رخائها وشدتها، فنرفع الصوت بالشكر والاغتباط، ونعرب عن شعور الأمة وعاطقتها الحقيقيين باللسان الصادق والضمير المرتاح. ولكن- ويا للأسف- خاب الظن وباخت الوعود، وانقشعت الأماني التي هي أحلام وتضليل.
فمدرسة دار الحديث ما زالت مغلقة، ومثلها مدرسة القلعة، والمعلمون في بجاية وغيرها ما زالوا يعاودون بالتغريم ويساقون إلى المحامكة كمجرمين، وطلبات الرخص ما زالت تقابل بالرفض أو بالسكوت، اللهم إلا نزرا يسيرا جدا بوسائل خاصة لا يدل على تغيير في الحال ولا تبديل.
هذا هو الحال من ناحية الإدارة التي هي مؤسفة بقدر ما هي مؤلمة، أما الحال من ناحية الأمة المظلومة في حرية تعلم دينها ولغة دينها، والمصابة من ذلك في أعز عزين عليها، فإنها مما يبعث على السرور والرضا وتمام الثقة بالأمة المسلمة في حاضرها ومستقبلها، فإنها برغم العراقيل ما تزال تبذل في التعليم بكل مناسبة، وتسعى للمطالبة والمقاومة بكل وسيلة مشروعة، وتتحمل تغريم المتعلمين- ويتحملون- بكل ثبات وطمأنينة.
فهل تدرك الإدارة معنى هذه النفسية من الأمة؟ وهل تبصر من
وراء هذا الثبات والجلد شبح الحقيقة؟ وهل تشعر، بما تنطوي عليه قلوب هذه الأمة المسلمة المسألة من الألم واللوعة؟
ليتها، ولعلها يكون منها كل ذلك في صالح الجميع، وفي سبيل الحق والعدالة، ومن أجل الصفاء والسلام.
عبد الحميد بن باديس
البصائر: السنة 3، ع 140، قسنطينة يوم الجمعة 25 رمضان 1357هـ الموافق ليوم 18 نفامبر 1938، ص 1.