الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطبة رئيس الجمعية
التي ارتجلها في الاجتماع العام بعد تجديد مكتب الإدارة
والفضل للأستاذ العقبي في كتابتها
ــ
الحمد للة معطي الفلج لباذلي المهج، والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله الذي جاءنا بها حنيفية سمحة لا إصر فيها ولا حرج وعلى آلة الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه فرسان الرهج، الذين أقاموا بالحق كل عوج، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين عدد من دب ودرج، أما بعد:
فيا أيها الإخوان إنني بلسان إخوانكم أعضاء المجلس الإداري لجمعيتكم أقدم لكم الشكر على ما بذلتموه في هذا المجلس من ثقة، وبلسانهم أعدكم أنهم يسيرون بالجمعية في مستقبلها كما ساروا بها في ماضيها وإن كنا نسأل الله أن يكون هذا المستقبل أحسن من الماضي. فلقد سار إخوانكم بهذه الجمعية في سنواتها في أهوال أي أهوال؟ حتى انتهوا بها في اجتماعكم هذا سالمة من كل كيد، محصلة على السمعة الحسنة والزيد كل الزيد، وهذا ما جعلكم تبذلون لها ثقتكم لأنكم تقدرون الرجال بأعمالهم وليس هذا لعمر الحق بالعجيب من أمثالكم الذين لا يراعون إلا الحق ولا يخافون إلا الله، ولا يطمعون إلا فيما عنده.
وأعضاء المجلس الإداري الذين انتخبتموهم وقد عرفتموهم قد أبقوا هيأتهم الإدارية على ما كانت عليه من الرئاسة ونيابة الرئاسة والكتابة وأمانة المال والرقابة. وكذلك لجنة العمل الدائمة بقيت كما هي: الرئيس (الشيخ أبو يعلى الزواوي) والكاتب (الشيخ الرشيد
بطحوش) وأمين المال (السيد محمد بن الباي) ومستشاران اثتان هما السيد (محمد بن مرابط) والسيد (عباس التركي محمد وعلي) رفيق الأستاذ (الشيخ الطيب العقبي) في السجن بتلك التهمة الآفكة والمكيدة المدبرة. ثم إن هذا العبد الضعيف يقدم بلسان العجز الشكر لأعضاء الإدارة إخوانه أن قدموه للرئاسة وجددوا له ثقتهم به هذا مع علمه بعبء الرئاسة الثقيل وما يلزم لها من التضحية التي هي أول شرط الرئاسة. ولقد قال الهذلي (1):
وَإِنَّ سِيَادَةَ الْأَقْوَامِ فَاعْلَمْ
…
لَهَا صَعْدَاءُ مَطْلَعُهَا طَوِيلُ
وأن هذا العبد الضعيف لثقته في الله وقوته بالله واعتزازه بقومه واعتماده بعد الله على إخوانه لمستعد لهذه الصعداء وإن طال مطلعها وطال.
أيها الإخوان!
إن أعظم لذة يشعر بها ذو الضمير الحي أن تكون له قيمة عند قومه. وأن لحصول الثقة منكم للذة أعظم من كل لذة، وأنها لتقع بعد لذة الإسلام والإيمان.
ثقة القوم بأخيهم هي التي يسعى إليها من يعرف قيمة نفسه وقيمة قومه.
وأنتم تعلمون ما هي قصة من أوذي في سبيل الله حيا ودخل الجنة بعد موته فقال: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} فإنه في حب الله لم تكن لهم به ثقة بل كان فيما بينهم من المكذبين. ولذلك حينما نال ما نال، تمنى أن يكون يعلم به قومه حتى يعلموا ما صار إليه من حسن حال وسمو مقام.
(1) هو حبيب الأعلم كما في ديوان الهذليين 2/ 87.
إخواني قدمتموني للرئاسة وهذا اعتراف منكم بأني أبقى على ما كنت عليه. فأنا رجل مسلم ورجل وطني، كل حواسي وكل عقلي هو لخدمة وطني، نعم أخدمه وأدرجه حتى لا يكون هنالك اندحار ولا انهيار.
إن ميدان العمل في هذه الجمعية لميدان واسع وهنالك للعمل ميادين أخرى لا أدخلها باسمها، ولكن "إن كان فيها منفعة" أدخلها باسمي- إن كان عند قومي قيمة لاسمي- وأرجو أن يعينني الله عليها.
أيها الإخوان!
إن على كل رئيس حقا، وقد قال الأحنف بن قيس:
إِنَّ عَلَى كُلِّ رَئيِسٍ حَقًّا
…
أَنْ يَخْضِبَ الصَّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقَّا
والصعدة هي الرمح يريد أنها تخضب بالدماء أو تنكسر وتندق في يده أثناء محاربته للأعداء. ولكن صعدتنا التي نخضبها هي القلم (وخضابه الحِبْرُ) ولكنه لا يندق هذا القلم حتى تندق أمامه جبال من الباطل (تصفيق عال وهتاف بكلمة الله أكبر).
وإن من الحق أن نتأدب بالأدب النبوي، ومنه أن لا نتمنى لقاء العدو، فإذا لقيناهم فلنصبر والله معنا.
إخواني!
إن لنا آمالا تتبعها أعمال، ونسأل الله أن يجعلنا حي أعمال لا حي أقوال. صدق الله أعمالنا وأقوالنا والله المستعان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1).
عبد الحميد بن باديس
(1) ش: ج 8، م 12، ص 359 - 361 غرة شعبان 1355ه - نوفمبر 1936م.