المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌جمعية أصوات وأنواع قراءات: - آثار ابن باديس - جـ ٣

[ابن باديس، عبد الحميد]

فهرس الكتاب

- ‌قسم الإصلاح والثورة ضد البدع

- ‌يتكلمون بما لا يعلمون

- ‌الجهة الأولى:

- ‌الجهة الثانية:

- ‌الجهة الثالثة:

- ‌ما هكذا عهدنا أدب صروف

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌تمهيد:

- ‌ماذا كان يدبر للاستيلاء على الجمعية:

- ‌نكتة المسألة:

- ‌كيف كنا وكيف كانوا:

- ‌صبيحة يوم الإثنين وما صبيحة الإثنين:

- ‌لوازم واستاجابات:

- ‌مساء الإثنين:

- ‌يوم الثلاثاء:

- ‌كيف كان الترشيح للإنتخاب:

- ‌عناصر مجلس الإدارة:

- ‌رئاسة الجمعية:

- ‌بواعثنا - عملنا- خطتنا- غايتنا

- ‌((عبداويون))! ثم ((وهابيون))

- ‌الدعاء منه عادة ومنه عبادة

- ‌لا يجوز دعاء غير الله ولا أحد مع لله

- ‌من دعا غير الله فقد عبده

- ‌التوسل بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم غير دعائه

- ‌نصيحة بنصيحة

- ‌كلمة كفر لو دري قائلها

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌إنكار العلماء المتقدمين على المدعين المبتدعين

- ‌إنكار الإمام القشيري، صاحب الرسالة القشيربة، من أهل القرن الخامس:

- ‌إنكار الإمام أبي بكر الطرطوشي المالكي، من أهل القرن الخامس والسادس:

- ‌إنكار الإمام أبي حيان الأندلسي، من أهل القرن السابع والثامن:

- ‌إنكار الإمام أبي إسحاق الشاطبي المالكي، من أهل القرن الثامن:

- ‌إنكار الإمام القلصادي المالكي، من أهل القرن التاسع:

- ‌إنكار الشيخ عبد الرحمن الأخضري الجزائري، من أهل القرن العاشر:

- ‌إنكار الشيخ عبد الكريم الفكون القسنطيني، من أهل القرن الحادي عشر:

- ‌إنكار الشيخ مصطفى لعروسي، من أهل القرن الثالث عشر:

- ‌الصوفي السنيبين الحكومة السنية والحكومة الطرقية

- ‌الإسلام دين علم خالد

- ‌طلب الآخرة وحدها مذموم فى الإسلام

- ‌بيان عن هلال شوال

- ‌المجتنيات من الجرائد والمجلات

- ‌التقرير الأدبي

- ‌العناية بهلال رمضان وثبوته

- ‌العناية بهلال رمضان

- ‌إدارة البريد:

- ‌(الهيئة الشرعية بالعاصمة):

- ‌(رجاء من أصحاب الفضيلة القضاة والمفاتي):

- ‌(رجاء من الأمة):

- ‌(إلى رؤساء شعب الجمعية):

- ‌الإصلاح أمس واليوم

- ‌إحتفال جمعية التربية والتعليم الإسلامية بالحجاج

- ‌شيخ الإسلام بتونس

- ‌حول فتوى القراءة على الأموات

- ‌خبز وزيتون ومغفرة من الله:

- ‌جمعية أصوات وأنواع قراءات:

- ‌ حديث قراءة يس

- ‌إلى علماء جامع الزيتونة:

- ‌معاذ الله:

- ‌من آثار جمعية العلماء في تهدئة الأفكار

- ‌المجلة الزيتونية

- ‌المجلة التونسية

- ‌دعوة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأصولها

- ‌لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة

- ‌نص الخطبة

- ‌جواب صريح

- ‌تمهيد:

- ‌تلخيص السؤال:

- ‌الجواب:

- ‌((كلمة إلى العلماء))

- ‌رسالة جواب‌‌ سؤالعن سوء مقال

- ‌ سؤال

- ‌الجواب:

- ‌الفصل الأول: في بيان خروج كلامه عن دائرة الأدب المرعية وتهجمه على الحضرة النبوية

- ‌الفصل الثاني: في بيان حرمة مخاطبة النبي- صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الخطاب

- ‌الفصل الثالث: في أن هذا المقال لا يصدر من العارفين

- ‌الفصل الرابع: في بطلان عذره بعجمة ألسن المحبين

- ‌الخاتمة: في نصيحة نافعة ووصية جامعة

- ‌التقاريظ

- ‌تقريظ محمد النخلي:

- ‌تقريظ بلحسن النجار:

- ‌تقريظ محمد الطاهر بن عاشور:

- ‌تقريظ محمد الصادق النيفر:

- ‌تقريظ معاوية التميمي:

- ‌تقريظ شعيب بن علي بن عبد الله:

- ‌تقريظ محمد المولود بن الموهوب:

- ‌تقريظ العابد بن أحمد بن سودة:

- ‌تقريظ محمد بن العربي:

- ‌تقريظ عبد القادر بن محمد بن عبد القادر:

- ‌المقرظون، أسماؤهم ووظائفهم وبلدانهم:

- ‌تبيان:

- ‌قسم التربية والتعليم

- ‌أيها المسلم الجزائري

- ‌إصلاح التعليم بجامع الزيتونة، عمره الله

- ‌جمعية التربية والتعليم الإسلامية

- ‌منع التعليم الديني بالمساجد

- ‌إبطال الجمعية الدينية بالجزائر:

- ‌بعد عشرين سنة في التعليم

- ‌الدروس العلمية الإسلامية بقسنطينة

- ‌مقررات المجلس الإداري

- ‌المطلب الأول:

- ‌المطلب الثاني:

- ‌الدروس العلمية بالجامع الأخضر بقسنطينة

- ‌رجاء

- ‌صلاح التعليم أساس الإصلاح

- ‌ختم الدروس العلمية بالجامع الأخضر

- ‌تحية وشكر: إلى أبنائي الطلبة:

- ‌تقرير في التعليم المسجدي

- ‌نوع التعليم المسجدي:

- ‌الحاجة إليه:

- ‌وجوب القيام به:

- ‌الحالة التي هو عليها:

- ‌كيف ينبغي أن يكون:

- ‌بيان عن الحركة العلمية بالجامع الأخضر ونفقاتها

- ‌الطبقات: أربعة

- ‌النفقة:

- ‌نداء وبيان إلى الأمة المسلمة الجزائرية

- ‌لمن أعيش

- ‌مؤتمر المعلمين الأحرار

- ‌الإسلام الذاتي والإسلام الوراثي

- ‌يا لله! للإسلام والعربية في الجزائر

- ‌للدفاع عن الإسلام والقرآن ولغتهما:

- ‌بمناسبة قانون 8 مارس 1938م

- ‌الغرض من الجمعية:

- ‌في سبيل التعلم والتقدم

- ‌بماذا نعود:

- ‌حول قانون 8 مادس المشؤوم

- ‌النص التقريبي لكامل التقرير الأدبي

- ‌الحركة التعليمية

- ‌أصل الجمعية:

- ‌القانون الأساسي للجمعية:

- ‌تأسيس قسم الشبان:

- ‌أعمال الشبان:

- ‌لجنة الطلبة:

- ‌تعميم فكرة الجمعية:

- ‌قسم السياسة

- ‌خطتنا

- ‌مبدؤنا السياسي:

- ‌مبدؤنا التهذيبي:

- ‌مبدؤنا الانتقادي:

- ‌تعطيل (السنة) وإصدار (الشريعة)

- ‌رد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌حول تصريحات الوالي العام

- ‌في الشمال الأفريقي:

- ‌كلمات حكيمة

- ‌في الشمال الإفريقي:

- ‌اللجنة الوزارية:

- ‌الإضراب التونسي:

- ‌حول كلمتنا الصريحة

- ‌إنتهاء الأزمة التونسية:

- ‌حقوق الأمة الجزائرية

- ‌مقدمة:

- ‌الأوضاع والمعاملات الخاصة:

- ‌النيابات:

- ‌اللغة العربية:

- ‌الدين:

- ‌1 - المساجد:

- ‌2 - التعليم الديني:

- ‌3 - القضاء:

- ‌نص المطالب التي قدمها لمكتب المؤتمر

- ‌المؤتمر الجزائري الإسلامي العام

- ‌كلمة قالها ابن باديس

- ‌مع الوفد الإسلامي الجزائري:

- ‌تمهيد:

- ‌على ظهر الباخرة:

- ‌الأستاذ العقبي:

- ‌الأستاذ الإبراهيمي:

- ‌الأستاذ عبد الحميد:

- ‌المقابلات الرسمية:

- ‌عند م. فيوليط:

- ‌عند وزير الداخلية:

- ‌عند وزير الحربية:

- ‌عند رئيس الوزراء:

- ‌كلمة لكبير الوزراء:

- ‌مقابلات الأحزاب الشعبية:

- ‌مقابلة الصحافة:

- ‌النتيجة المحققة:

- ‌العودة إلى الوطن:

- ‌واليوم

- ‌نحن مسلمون وكفى

- ‌النمسا- الدعاية الهتلرية في إفريقيا الشمالية وفلسطين:

- ‌الدعاية الألمانية في إفريقيا الشمالية:

- ‌ليست الزردة وحدها

- ‌تمهيد:

- ‌كيف كنا معا:

- ‌كيف افترقنا:

- ‌طعنة من الخلف في أخطر الأوقات:

- ‌آلة في يد الظلم:

- ‌وافق شن طبقة:

- ‌الأمة حكمت وأبرمت:

- ‌الجنسية القومية والجنسية السياسية

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌فصل الجزائر عن فرانسا:

- ‌نظرنا في إصلاح الحالة:

- ‌بروجي فيوليط والحالة الشخصية:

- ‌رأينا في إلزام الحكومة المسلمين برفض الأحكام الشرعية:

- ‌‌‌تجزئة الأحكام الشرعية:

- ‌تجزئة الأحكام الشرعية:

- ‌جبر البكر:

- ‌مجلة (الشهاب) ومقاومة الاندماج:

- ‌تقييد في محله:

- ‌وعود نرجو أن تتحقق:

- ‌دعوة وبيان

- ‌نداء

- ‌هل آن أوان اليأس من فرنسا

- ‌الوطن والوطنية

- ‌في الشمال الإفريقي:

- ‌نداء إلى الأمة الجزائرية ونوابها

- ‌صدى منشورنا على الأمة والنواب

- ‌إجرام الاستعمار

- ‌الاستعمار يحاول قطع الصلة بين الإخوان

- ‌كلمات صريحة:

- ‌نحن الجزائر:

- ‌كلمة مرة

- ‌نحن والواجهة الشعبية

- ‌على هامش (السانطونير)

- ‌مسألة عظيمة

- ‌قال سعادة الباشا:

- ‌الوحدة العربية

- ‌أصول الولاية في الإسلام

- ‌الأصل الأول:

- ‌الأصل الثاني:

- ‌الأصل الثالث:

- ‌الأصل الرابع:

- ‌الأصل الخامس:

- ‌الأصل السادس:

- ‌الأصل السابع:

- ‌الأصل الثامن:

- ‌الأصل التاسع:

- ‌الأصل العاشر:

- ‌الأصل الحادي عشر:

- ‌الأصل الثاني عشر:

- ‌الأصل الثالث عشر:

- ‌توضيح

- ‌الجزائر المسلمة

- ‌الخلافة أم جماعة المسلمين

- ‌فلسطين الشهيدة

- ‌حول مساجين العلماء

- ‌أولو الأمر

- ‌قسم البرقيات والاحتجاجات

- ‌شكر عام للإحساس العام

- ‌احتجاج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌إحتجاجنا لدى الأمة:

- ‌إحتججنا لدى الحكومة:

- ‌إحتجاجنا إلى ممثل الحكومة في ذلك المجلس:

- ‌تلغراف الاحتجاج

- ‌رفع قضية ضد التعطيل

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائربينوصولاتها الجدد

- ‌وداع وشكر:

- ‌براءة:

- ‌إحتجاج ديني إنساني:

- ‌برقية تألم:

- ‌تلغراف مرسل إلى السيد الوالى العام

- ‌حول مقال نشرته جريدة الطان

- ‌(ترجمة ما يتعلق بالجزائر من مقال لطان)

- ‌إحتجاج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌رسلة جمعية العلماء إلى الطان

- ‌عريضة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌الاحتجاجات

- ‌شكر ووداع

- ‌الشقيقة الجزائرية

- ‌سير الجمعية وأعمالها:

- ‌وزير الخارجية بباريس والمقيم العام بتونس

- ‌وزير الخارجية بباريس والقيم العام بالرباط

- ‌إحتجاج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌إحتجاج جمعية العلماء

- ‌إحتجاج رئيس جمعية العلماء

- ‌برقية تهنئة ورجاء

- ‌برقية شكر وتهنئة

- ‌عيد الفطر المبارك

- ‌شكر على تعزية

- ‌برقية جمعية العلماء

- ‌قسم الإجتماعيات

- ‌سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ

- ‌رسائل ومقلات:

- ‌الرجل المسلم الجزائري

- ‌سبب اختياري للموضوع:

- ‌ الرجل

- ‌المراد من الموضوع:

- ‌المسلم:

- ‌الجزائري:

- ‌طريق العلم بهذا والعمل به:

- ‌شقيقة رجل وشريكه:

- ‌هو الأول، وهي الثانية:

- ‌المرأة المسلمة الجزائرية:

- ‌المرأة:

- ‌المسلمة:

- ‌الجزائرية:

- ‌الطريق الموصل إلى هذا:

- ‌لا فضل بالمال

- ‌ذكرى المولد النبوي الشريف

- ‌كتاب: "امرأتنا

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌على ذكرى المولد النبوي الشريف

- ‌عيد الحرية

- ‌ما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان

- ‌نصيحة وإرشاد

- ‌التسامح الإسلامي:

- ‌عن الصدى الكنسي لقسنطينة وبونة

- ‌الصلاة اليومية:

- ‌التسامح الإسلامي- 2

- ‌سيرة الإصلاح الإسلامي:

- ‌جواب عن كتاب

- ‌نص الكتاب بعد الافتتاح:

- ‌إحياء ليلة المعراج النبوي الشريف

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تقوم بواجبها الديني وشعورها الإنساني:

- ‌بيان ما أرسل للمنكوبين:

- ‌تنبيه

- ‌غرداية

- ‌بين المسلمين في غرداية

- ‌للحق والنصفة

- ‌قسم الخطب

- ‌ذكرى المولد النبوي الكريم

- ‌بقية الخطاب الذي ألقاه صاحب المجلة في النادي

- ‌مبدأ رحمته:

- ‌مبدأ قوته:

- ‌مظاهر رحمته:

- ‌مظاهر قوته:

- ‌آثار القوة والرحمة في أخلاقه:

- ‌الأمانة:

- ‌الصدق:

- ‌العدل:

- ‌إهتمامه بالخلق:

- ‌إنقباضه عنهم:

- ‌نبوءته:

- ‌الرحمة والقوة في شريعته:

- ‌خطبتان لصاحب المجلة

- ‌خطاب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌خطبة منبرية

- ‌ذكرى الشاعرين:

- ‌((خطبة صاحب هذه المجلة))

- ‌خطاب رئيس الجمعية

- ‌خطاب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌ غاية الجمعية

- ‌ثمرة هذه الغاية:

- ‌دعوة الجمعية:

- ‌ثمرة هذه الدعوة:

- ‌ما حصلنا من الثمرتين:

- ‌الجمعية وأنواع من يتصل بها:

- ‌الجمعية والأمة:

- ‌الجمعية وأهل الطرق:

- ‌الجمعية والحكومة:

- ‌الجمعية والأحزاب:

- ‌الجمعية والمؤتمر الإسلامي الجزائري العام:

- ‌الجمعية وخصومها:

- ‌خطبة رئيس الجمعية

- ‌خطاب الرئيس الجليل

- ‌خطاب الرئيس في الاجتماع العام

- ‌قسم الشعر

- ‌السياسة في نظر العلماء

- ‌تحية المولد الكريم

- ‌القومية والإنسانية

الفصل: ‌جمعية أصوات وأنواع قراءات:

معدل السير في الساعة تبلغ إن كان هناك مأتم ثان مزمع على الحضور فيه العشرة أحزاب في الساعة، إذاً يكتفون في الغالب بأوائل الكلم أو ترخيمها حتى يتسنى لساداتنا القراء انتهاز المأتم الثاني كيلا يفوت. كل هذا مع تفاوت في الصياح تبعا لمركز الفقيد من حيث الوجاهة وترقب أوفر الجزاء. ولا نريد التعليق على ختم القرآن المزعوم الذي تتفرق فيه الأسفار على عشرة أنفار، بينا مرتل يجوِّد ثمنا أو ربعا على أكثر تقدير، يجوِّد كما يريد لا كما يقول الشاطبي نرى بعضهم يهمهم والآخر يكمل بقية حديثه الذي بدأه مع صاحبه خارج الدار أما القاريء فتراه يقلب صفحات السفر بسرعة يستحيل كونه حقق نظره فيها فضلا على تمكنه من تلاوتها، أما الجلوس فعلى غاية الاحتشام والاحترام لجلال القرآن.

فهل هذا هو القرآن وهل هاته تلاوته وهل هؤلاء الأشخاص الذين يجوز لهم قراءته، وهل لناس أن يستمعوهم؟

لنخرج من الدار ولنشاهد أكبر مهزلة يبرأ منها الإسلام صياح وعويل من الدار وآذان وتكبير وصلاة على النبي- صلى الله عليه وآله وسلم وسورة البقرة ويس وتبارك وجمهرة وتخريج وأحزاب قادرية ومدائح عيساوية وطيبية وشاذلية وتيجانية.

‌خبز وزيتون ومغفرة من الله:

يريد الكل إحتكار الأسماع فتراه يجهد نفسه في الصياح حتى إنك لا تشاهد إلا أوداجا منتفخة وعيونا بارزة ودماء للوجوه متصاعدة.

‌جمعية أصوات وأنواع قراءات:

ثم تجتاز المزابل والصوابيط (1) والطرقات القذرة التي من فرط نتنها

(1) كلمة عامية تونسية معناها: الجزء الذي عليه سقف من زنقة مفردة: "صباط".

ص: 97

يعد اجتيازها نصرا من الله لنصل للمقبرة ولنلق نظرة مجردة على تلكم الجماعة عندما يقع لحد الميت: تقرأ سورة يس فالبعض جالس على الأرض والآخر فوق قبر والآخر متوسده مع تعدد في أنواع الجلوس ولا تنس فكل لا يطيق مفارقة نعله المحبوب أما القلب فيفكر هل يكون ممن يقاول في جنازة السيد فلان الذي توفي صبيحة هذا اليوم واللسان يتلو والعين ترهق شيخ القراء، كم تناول من الأجر من ذوي الميت وهل أخفى شيئا لنفسه.

هاته صورة مصغرة مما هو واقع وعمت به البلوى والذي يشاركنا في مشاهدة أدواره جمع التونسيين.

فهل تجوز قراءة القرآن في الأماكن القذرة على قارعة الطريق وعدم الاحتشام في تلاوة القرآن والخشوع والله بر في آياته.

والخلاصة أننا نتقدم بغاية الاحترام لفضيلة شيخ الإسلام المالكي والحنفي كل ما على ما يقتضيه أصل مذهبه الزكي ونلتمس من علماء الشريعة السمحة أن يفتون بحكم الله المنطبق على زماننا الذي اختلط فيه الحلال بالحرام وأن تكون فتياهم تعالج المسألة كما هي واقعة لا كما هي في النظر المجرد ولا نخالهم إلا فاعلين".

وكتب الشيخ محمد بن ابراهيم التوزري يقول: "إنني أرفع إلى حضرتكم السامية هذه الأسئلة راجيا التكرم بإيضاح الجواب عن كل مسألة على حدتها ونص الأسئلة: ما قولكم دام مجدكم، هل سنة النبي- صلى الله عليه وآله وسلم تنسخ بعد وفاته باختلاف الزمان (أم لا) وهل فعل وقول العلماء يصح أن يكون دليلا على جواز فعل ما كان مخالفا للسنة أو فعل الصحابة والسلف الصالح- رضي الله تعالى عنهم- (أم لا) وهل العرف الحادث من الناس يصح جعله دليلا على جواز رفع الصوت خلف الجنازة (أم لا)؟

ص: 98

وهل رفع الصوت خلف الجنازة مظنة التشويش على المتفكر السائر مع الجنازة (أم لا) وهل إذا ادعى المتفكر التشويش برفع الصوت خلف الجنازة يصدق (أم لا)؟ وهل يأثم من يشوش غيره برفع الصوت خلف الجنازة (أم لا)؟ أفيدوا مأجورين ولكم مني جزيل الشكر ومن الله الثواب.

وكتب الشيخ التهامي عزيز البانقي القرقني يقول:

"وحيث ثبت أن السنة في المحتضر وفي تشييع الجنازة وفي الدفن هو الصمت ظهر أن قراءة القرآن في المواقع الثلاثة خلاف السنة، وخلاف السنة إنما هو البدعة. وقد حكم بالكراهة مطلقا في ذلك أبو محمد عبد الله بن أبي جمرة في شرحه لمختصر البخاري حيث قال: مذهب مالك كراهة القرآن في هاته المواقع (1) لأننا مكلفون بالتفكير والاعتبار ومكلفون بالتدبر في القرآن فآل الأمر إلى إسقاط أحد العملين ا. هـ.

وما أشبه عصر ابن لب وابن سراج والمواق بهذا العصر وأهله وها أنا سائل جنابكم يا صاحب السماحة والفضيلة بقطع النظر عن الكراهة أو الجواز:

هل تلك الصيغة يقرأ بها مشيعو الجنائز قول الله تعالى كنطقهم بلفظة غفور بدون واو ورحيم بدون ياء وعذاب بدون ألف ويجعلون لا النافية لام ابتداء ونون المتكلم ومعه غيره نون جمع المؤنث ويقطعون كلمات الله محافظة على الصيغة وعلى أصواتهم أَيُبَاحُ لهم القراءة بهاته الصفة سواء كانوا مع الجنازة أو في مواقع أخرى أم يحرم عليهم.

وهل تلك الأجرة التي يأخذها مشيعو الجنازة من أولياء الميت على القراءة جائز أم لا؟ وهل تعد صدقة أم لا؟ وهل تدخل في مؤن التجهيز

(1) فى الأصل: الواقع.

ص: 99

ويقضي بها أن شح بعض الورثة أم لا؟ فالرجاء منكم أن تجيبوا جوابا شافيا أبقاكم الله ملجأ للسائلين ومفيدا للطالبين (انتهى).

ولا يخفى ما في هذه الأسئلة من الرد على الفتوى والإنكار عليها والتنبيه على خروجها عن الموضوع وعدم مطابقتها لصورة الواقع وتعريضها بأن المفتي تعمد الإغضاء عما يعلمه كل أحد ويشاهده من المضار والمفاسد بسبب القراءة على الجنائز وذهب بفتواه يتأول ويتحمل لما هو من عالم الخيال.

ولما أحرجته هذه الأسئلة أجاب عنها بذلك التذييل ولما كان هذا التذيبل قد اشتمل على الباطل والخطأ مثل الفتوى فإننا سنعرض لبيان ما فيه من ذلك في العدد القادم إن شاء الله (1).

عبد الحميد بن باديس

-2 -

كان أصل السؤال عن القراءة عند تشييع الجنازة وحول الميت وعند القبر. وكان جوابه عنه هكذا: " إن السنة في المحتضر وفي تشييع الجنازة وفي الدفن هو الصمت والتفكر والاعتبار. فإذا نطق الحاضر فليكن نطقه بالدعاء للميت والرحمة فإن دعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب مرجوة الإجابة. وأما قراءة القرآن عن الميت حين موته وحين تشييع جنازته وحين دفنه فلم تكن معمولا بها في زمن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم وزمن الصحابة. إذ لم ينقل ذلك في الصحيح من كتب السنة والأثر مع توفر اللدواعي على نقله لو كان موجودا. إلا الأثر

(1) البصائر: س 1، العدد24، الجزائر يوم الجمعة 29 ربيع الأول 1355هـ الموافق ليوم19 جوان 1936م، الصفحة 3، العمود 2 و3، ص 6، العمود 2 و3 إلى ص 7 العمود أو 2 و3 نصفه.

ص: 100

المروي في قراءة سورة يس عند رأس الميت عند موته على خلاف فيه. ولهذا كان ترك القراءة هو السنة وكان أفضل من القراءة في المواطن الثلاثة المذكورة". ثم أخذ بعد هذا الجواب الواضح البين يقاوم ما فيه من صريح السنة مما فرغنا من رده عليه. وأما في تذييل الفتوى فإنه قال هكذا: "اعلم أن موضوع الفتوى الصادرة منا هو أن قول مالك أن السنة في تشييع الجنازة السكوت. والقراءة في الجنازة مكروهة عنده وأنها عند فريق من العلماء مستحبة غير مكروهة لقصد انتفاع الميت بثوابها". وهذا كلام قاصر على خصوص القراءة عند التشييع فلنقصر كلامنا اليوم معه فيه. وقد زعم أن القراءة عند التشييع عند فريق من العلماء مستحبة. ونقول أنه لم يقل باستحبابها واحد من الأئمة- رضي الله عنهم ولا من شيوخ مذاهبهم ولا ذكرها متن من المتون التي يدرس بها فقههم في الأمصار. فهو مطالب بأن يثبت هذا الفريق ولو بواحد من هؤلاء ولن يستطيع- ولا محالة- إثبات العدوم، وفيما نقلناه في كلامنا السابق ما يدل على الاتفاق على بدعتها، ونزيد هنا قول الإمام ابن شامة الشافعي المتوفى سنة 665هـ في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث" قال: "وفيما يفعله الناس اليوم في الجنائز بدع كثيرة ومخالفة لما ثبت في السنة من ترك الاسراع بها والقرب منها والإنصات فيها ومن قراءتهم القرآن بالألحان".

ثم قال فضيلته: "فمدرك مالك ههو التيمن بقصد التأسي بالفعل الواقع في زمن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم وزمن أصحابه فالمراد بالسنة عنده الطريقة التي كان عليها رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم".

نعم السنة هي الطريقة التي كان عليها- صلى الله عليه وآله وسلم فيما يفعل ويترك، ونحن مأمورون باتباعه في هذه الطريقة،

ص: 101

بقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ رَحِيمٌ} والتأسي به فيما فعل وفيما ترك يمن ومخالفته شؤم، ولنا به أسوة حسنة فالقراءة عند التشييع تركها فتركها من سنته أي من طريقته فهو سنة وفعلها ليس من طريقته فهو بدعة. والخير في الاتباع، والشر في الابتداع.

وخير أمور الناس ما كان سنة

وشر الأمور المحدثات البدائع

هذا هو البيان الواضح لمدرك الإمام- رحمه الله لا كما توهمه عبارة فضيلته من تهوين أمر الاتباع بأنه قصد التيمن والتبرك وأن الترك لا يدخل في لفط السنة لأنها هي الطريقة.

ثم قال: "ولما كان مالك لا يرى وصول ثواب القراءة للميت لم يوجد في نظره ما يعأرض مقصد التأسي فلذلك قال بكراهة القراءة فيها".

مذهب مالك أن ما تركه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم من الطاعات في موطن مع وجود المقتضي لفعله بحسب الظاهر فإنه يترك دون التفات إلى ذلك الذي يظهر أنه مقتضى إذ يترك النبي- صلى الله عليه وآله وسلم تبين أنه ليس بمقتضى في الشرع ففعل تلك الطاعة عليه اعتبار لما ألغاه الشارع واعتداد بما طرحه. وفي هذا معاندة له وافتيات عليه، ولهذا منع الذي أراد أن يحرم من المسجد النبوي وقرأ عليه قوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقد تقدم تفصيل هذا في سابق كلامنا، فلو أن مالكا كان يقول بوصول ثواب القراءة لما قال بها في التشييع لأن السنة فيه هي تركها، والدعاء المتفق على نفعه لا يقول به مالك في الركوع لأن السنة فيه هي تركه، وهكذا ما هنا.

ص: 102

ثم قال: " وأما الذين خالفوه فمدركهم أن السكوت ترك فلا يدل على استحباب السكوت ولا على كراهة ضده".

قد علمت مما تقدم أن هؤلاء الذين يزعم أنهم مخالفون لمالك في سنة ترك القراءة في التشييع لا وجود لهم في الأمة ولا في شيوخ مذاهبهم ومع ذلك فقد أخذ فضيلته يقرر في مدركهم فزعم أن السكوت ترك وأن الترك لا يدل على استحباب السكوت ولا على كراهة ضده، ومقتضى هذا الاستدلال من السنة النبوية يكون بالفعل دون الترك وهذا باطل والحق أنه كما يستدل بفعله- صلى الله عليه وآله وسلم يستدل بتركه. والتقرب إلى الله بترك ما تركه كالتقرب إليه بفعل ما فعله. ومن فعل ما تركه كمن ترك ما فعله وكما لا يتقرب إلى الله تعالى بترك ما فعله كذلك لا يتقرب إليه بفعل ما تركه، وهاك من كلام الأئمة ما يثبت لك هذا الأصل ويعرفك بدليله:

قال ابن السمعاني: "إذا ترك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شيئا وجب علينا متابعته فيه ألا ترى أنه- صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم إليه الضب فأمسك عنه وترك أكله، أمسك عنه الصحابة وتركه إلى أن قال لهم: أنه ليس بأرض قومي فأجدني أعافه. وأذن لهم في أكله"، نقله الشوكاني في (إرشاد الفحول)، وفي أوائل الجزء الرابع من (الموافقات) للإمام الشاطبي بحث واف في الاستدلال بتركه صلى الله عليه وآله وسلم وذكر أنواعه، وقال القسطلاني في كتابه (المواهب اللدنية):"وتركه- صلى الله عليه وآله وسلم سنة كما أن فعله سنة فليس لنا أن نسوي بين فعله وتركه فنأتي من القول في الوضع الذي تركه بنظير ما أتى به في الموضع الذي فعله" وقال ابن حجر الهيتمي: "ألا ترى أن الصحابة- رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان أنكروا الأذان لغير الصلوات الخمس كالعيدين وإن لم يكن فيه نهي، وكرهوا استلام الركنين الشاميين، والصلاة

ص: 103

عقب السعي بين الصفا والمروة قياسا على الطواف. وكذا تركه صلى الله عليه وآله وسلم مع قيام المقتضى فيكون تركه سنة وفعله بدعة مذمومة". والنقول على هذا الأصل- وهو الاستدلال بتركه- كثيرة والأدلة فيه ثابتة واضحة وقد اعتنى ببسطة الأستاذ (محمد أحمد العدوي) حفظه الله في كتابه (أصول في البدع والسنن) بسطا كافيا لمن هدَاه الله (1).

(عبد الحميد بن باديس)

-3 -

الاستدلال بترك النبي- صلى الله عليه وآله وسلم أصل عظيم في الدين. والعمل النبوي دائر بين الفعل والترك، ولهذا تكلم علماء الأصول على تركه كما تكلموا على فعله. وقد ذكرنا جملة من كلامهم فيما قدمنا، غير أن تقرير هذا الأصل الذي يهدم بدعا كثيرة من فصل ما تركه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم مما يتأكدُ مزيد تثبيته وبيانه. إذ بالغفلة عنه ارتكبت بدع وزيدت زيادات ليست مما زيدت عليه في شيء. وحسبك أن مثل هذا العالم يقرر في ذيل فتواه أن "السكوت ترك فلا يدل على استحباب السكوت ولا على كراهة ضده" فالترك إذاً ليس دليلاً شرعياً، ولهذا أردنا أن نعود إلى بيان هذا الأصل ونقل كلام أئمة الأصول والنظر فيه.

قال الإمام الشاطبي في آخر الجزء الثاني من كتاب الموافقات:

"والجهة الرابعة مما يعرف به مقصد الشارع السكوت عن شرع

(1) البصائر: س1 العدد 25 الجزائر يوم الجمعة 6 ربيع الثاني 1355هـ الموافق ليوم 26 جوان 1936م الصفحة 2 العمود 1 - 2 و1 - 2 من الصفحة3.

ص: 104

التسبب أو شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضى له. وبيان ذلك أن سكوت الشارع عن الحكم على ضربين أحدهما أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه ولا موجب يقرر لأجله كالنوازل التي حدثت بعد رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم فإنها لما تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها، وإنما حدثت بعد ذاك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر في كلياتها. وما أحدثه السلف الصالح راجع إلى هذا القسم، كجمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع وما أشبه ذلك مما لم يجر له ذكر في زمن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم ولم تكن من نوازل زمانه ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها فهذا القسم جارية فروعه على أصوله المقررة شرعا بلا إشكال. فالقصد الشرعي فيها معروف من الجهات المذكورة قبل.

والثاني أن يسكت عنه وموجبه المقتضى له قائم، فلم يقرر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان، فهذا الضرب السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص لأنه لما كلن هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجودا ثم لم يشرع الحكم ولا نبه عليه كان ذلك صريحا في أن الزائد على ما كان هناك بدعة زائدة ومخالفة لما قصد الشارع إذ فهم من قصده الوقوف عند ما حد هنالك لا الزيادة عليه ولا النقصان منه ومثال هذا سجود الشكر في مذهب مالك، وهو الذي قرر هذا المعنى في العتبية من سماع أشهب وابن نافع، ثم نقل كلام مالك وبينه، وتطبيق هذا الأصل على مسألتنا أن تقول: (إن المقتضي للقراءة- وهو حصول البركة للميت ووصول الثوابا إليه- قائم ومع قيامه فقد ترك النبي- صلى الله عليه وآله وسلم القراءة ففهم من هذا الترك مع قيام المقتضى أن قصد الشارع هو الوقوف عندما بين من السكوت والاعتبار، وأن زيادة القراءة في ذلك الموطن بدعة زائدة ومخالفة لما قصد الشارع وإن كانت عبادة من حيث ذاتها، كما قال مالك في سجود الشكر عند الأمر

ص: 105

تُحبه "لا يفعل ليس هذا مما مضى من أمر الناس" وإن كان السجود في نفسه عبادة، ثم قال أبو إسحاق الشاطبي في آخر الفصل المذكور "وعلى هذا النحو جرى بعضهم في تحريم نكاح المحلل وأنها بدعة منكرة من حيث وجد في زمانه عليه السلام المعنى المقتضي للتخفيف والترخيص للزوجين بإجازة التحليل ليرجعهما كما كانا أول مرة، لما لم يشرع ذلك مع حرص امرأة رفاعة على رجوعا إليه دل على أن التحليل ليس بمشروع لها ولا لغيرها. وهو أصل صحيح إذا اعتبر وصح به الفرق بين ما هو من البدع وما ليس منها. ودل على أن وجود المعنى المقتضى مع عدم التشريع دليل على قصد الشارع إلى عدم الزيادة ما كان موجودا قبل فاذا زاد الزائد ظهر أنه مخالف لقصد الشارع فبطل.

وقد قرر هذا الأصل الإمام ابن القيم في آخر الجزء الثامن من كتاب إعلام الموقعين عندما تكلم على ما ورد من السنن الثابتة من دون معأرض. وطبق هذا الأصل على مسألتنا شيخنا الشيخ بخيت الحنفي مفتي الديار المصرية رحمه الله في كتابه (أحسن الكلام) فقال: "وأما رفع صوت المشيعين للجنازة بنحو قرآن أو ذكر أو قصيدة بردة أو يمانية فهو مكروه لا سيما على الوجه الذي يفعل في هذا الزمان ولم يكن شيء منه موجودا في زمن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم ولا في زمن الصحابة والتابعين وغيرهم من السلف الصالح. بلهو مما تركه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم مع قيام المقتضى لفعله فيكون تركه سنة، وفعله بدعة مذمومة شرعا كما هو الحكم في كل ما تركه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم مع قيام المقتضى لفعله" وقال أيضا: "وأما ما يفعل في زماننا أمام الجنائز من الأغاني ورفع الصوت بالبردة واليمانية على الوجه الذي يفعل في هذا الزمان والمشي بالمباخر فلا يقول بجوازه أحد".

ص: 106

فهذا الأصل العظيم الذي قرره مالك- رحمه الله وهو أن ما تركه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم مع قيام المقتضي فالدين تركة- وبينه أبو إسحاق الشاطبي- قد رأيت تقريره والاستدلال له والتفريع عليه من جماعة غير مالكية كابن السمعاني والقسطلاني الشافعيين وابن القيم الحنبلي والشيخ بخيت الحنفي مع تطبيق هذا الأخير له على عين مسألتنا. فلم ينفرد به مالك من أئمة الاجتهاد والفتوى ولا أبو إسحاق الشاطبي من أئمة الأصول والنظر نقول هذا لأن المتأولين للبدع والمنكرات- مثل فضيلته- أصبحوا وكأنهم يتبرمون بقول مالك وشدته فيها ويحاولون التملص إلى أقوال ولو لم تكن منزلة قوله في الاستدلال والنظر حتى زعم فضيلته أن لمالك مخالفين في القراءة عند التشييع وجاء لهم بمدرك حاول أن يهدم به هذا الأصل العظيم. أما أبو إسحاق الشاطبي فقد صار يوصم عند بعض أنصار البدعة والمتأولين لها بالشذوذ وما ذنبه عندهم إلا نصرته للسنة بكتابه الفريد. في بابه كتاب (الاعتصام) وبفصول من كتابه الفريد الآخر كتاب (الموافقات).

ولقد كنا أيام الطلب بجامع الزيتونة- عمره الله- نسمع من شيوخنا كلهم الثناء العاطر على هذا الكتاب وصاحبه وكانت له عندهم منزلة عظيمة. وأحسن الدروس في المناظرات الامتحانية هو الذي رصعه صاحبه بكلام الشاطبي وأحسن فهمه وتنزيله فليت شعري ماذا يقول المتأولون للبدع والمنكرات- مثل فضيلته- فيه اليوم وقد أصبح حجة للمصلحين.

وقد بلغني أن كتاب (الموافقات) قد قرر تدريسه بالجامع - عمره الله- وأن الذي يدرسه للشيوخ هو الشيخ عبد العزيز جعيط أحد المفتيين المالكيين والمترشح- فيما يظهر- لمشيخة الإسلام بعد عمر طويل- إن شاء الله- لشيخ الإسلام الحالي، ولعله مر في درسه

ص: 107

على هذا الفصل الذي نقلناه من الموافقات في تقرير الأصل المتقدم أو قاربه. فماذا قال أو يقول فيه؟ إن هذا الأصل وهو أن ما تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع قيام المقتضى فالدين تركه والزيادة عليه بدعة مذمومة مخالفة لمقصد الشارع- هو حجة المصلحين في رد البدع الغالين والمتزيدين، فماذا قلت يا فضيلة الشيخ عبد العزيز أو ماذا تقول. بين! بين! فإنك تعرف وعيد الكاتمين. وإلا فعليك - لا قدر الله- إثم الهالكين والمعاندين (1).

(عبد الحميد بن باديس)

-4 -

قال فضيلته: "وقد عأرضه، أي الترك النبوي" قصد آخر حسن وهو التبرك بقراءة القرآن ووصول ثواب ذلك للميت، فهم يرون في السكوت في الجنازة فضيلة بركة التأسي وفي القراءة فضيلة وهي وصل الثواب للميت.

هذه هي حجة كل مبتدع ومحدث في الدين ما ليس منه ومتعبد بغير ما شرع الله لعباده بواسطة رسوله- عليه الصلاة والسلام يفعل ما تركه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم بدعوى أن في فعله خيرا وفضيلة وزيادة مفيدة، ويعأرض التشريع الإلهي بالترك النبوي مع قيام المقتضى برأيه وهواه، واستدراكه ودعواه. ومن مقتضى منعه- قطعا- أن ذلك الخير وتلك الفضيلة والزيادة المفيدة قد فاتت النبي- صلى الله عليه وآله وسلم في السنين الطويلة التي

(1) البصائر: س1 العدد 27 الجزائر يوم الجمعة 20 ربيع الثاني 1355هـ الموافق ليوم 10 جوليت 1936م الصفحة 3 والعمود 2 من الصفحة 6.

ص: 108

عاشها تاركا لها فلم يفعلها ولم يبلغها وهو المأمور بالتبليغ المعصوم من الكتمان حتى تفطن لها هذا المبتدع فجاء بها وفاز بتحصيلها، وكانت من الفضائل التي رجح ميزانه بها وخلا منها ميزان محمد- عليه وآله الصلاة والسلام- {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} .

ولو جرى الأمر على هذا الأصل الباطل والقول الضال لأذن للعيدين والتراويح والكسوف والاستسقاء، وقيل أن عدمها في العهد النبوي ترك وهو لا يدل على استحباب عدم الآذان ولا على كراهة ضده وقد عأرضه قصد آخر حسن وهو ما في الآذان من حصول الثواب للمؤذن والحاكي؟ ففي عدم الآذان فضيلة بركة التأسي وفي الآذان فضيلة حصول الثواب للمؤذن والحاكي. وهكذا يمكن أن تزاد عبادات كثيرة في غير مواضعها تركها النبي- صلى الله عليه وآله وسلم مع قيام المقتضى لها ويعأرض تركه عليه السلام لها بما فيها من الفضائل الذي غفل عنه هو عليه السلام واهتدى إليه المبتدعون، وكفى بقول يؤدي إلى هذا ضلالا وشرا وفسادا.

نعم في قراءة القرآن العظيم لقارئه وسامعه كل البركة ووصول الثواب المهدى، قال به جمع الأئمة عليهم الرحمة، غير أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم وهو الرحيم بأمته الحريص على دلالتهم على الخير وما فيه الأجر والثواب لم يقرأ القرآن العظيم في هذا الموطن فدلنا على أن الترك هو الخير، وأن هذا الموطن ليس محلا للقراءة بل هو محل لعبادة أخرى هي عبادة التفكر والاعتبار. فالقراءة فيه بدعوى تلك المعأرضة مخالفة ومشاقة له، وما هو أكبر من ذلك من دعوى الاهتداء إلى ما لم يهتد إليه عليه السلام.

ثم قال فضيلته: "واعتضدوا بقراءة سورة يس".

ص: 109