الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في سبيل التعلم والتقدم
من آثار جمعية التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة
ــ
ما من شك في أن الشعب الجزائري شعر بسوء الحالة التي وصل إليها في جميع نواحيه. وما من شك في أنه قد آلمه ما شعر به فأخذ يعمل للتخلص من تعاسته والنهوض من كبوته بكل ما يستطيع.
الشعب الجزائري شعب مسلم طبعه الإسلام على تعظيم العلم، وحب التعلم، واحترام المتعلمين، فلما دبت فيه الحياة وهب للنهوض اندفع للتعلم اندفاعا أدهش قوما وحير آخرين.
انتبه هذا الشعب العربي المسلم على صدمات الحوادث، وقوارع الزمان، ومناخيس البلايا التي خرقت الجلد واللحم والعظم وبلغت إلى شغاف الفؤاد، وعلى صوت الدعاة بالقرآن الذين هزت دعوتهم النفوس هزاً، وأحيا الله بها البلد الميت، ففتح عينيه ليرى النور، ومديره ليأخذ بأسباب النجاة فقدم له علماؤه المصلحون قبسا من نور الإيمان الذي هو في حنايا ضلوعه لينير له الوجود، ومدُّوا له حبل الإسلام الذي هو مرتبط بقلبه، ليصعد في مرقى الحياة، ويطلع إلى صرح المجد والسعادة، التي خلق لها الإنسان من حيث أنه إنسان. وناغوه بلغة دينه التي تتصل بروحه ليفهم ذلك الدين، ويذوق معانيه وتتشرب روحه حقائقه وأوضاعه وأحكامه، فتبدو أزهاره الذكية وثماره الطيبة، على أقواله وأعماله وسلوكه في الحياة مع جميع الناس.
كان مما ربي عليه الإسلام هذا الشعب الجزائري الكريم أن يطلب
العلم للعلم، وأن يسعى إليه في كل أرض وأن يتعلمه بكل لسان، وأن يتناوله- شاكراً- من كل أحد.
لهذا ترى أبناء الجزائر يجمعون- إذا وجدوا السبيل- بين لغتهم العربية واللغة الفرنسية وتجدهم كما يطالبون الحكومة بحرية تعليم وتعلم دينهم ولغة دينهم، يطالبونها بإيجاد المدارس وتوسيعها لتعلم الفرنسية وما إليها.
وإننا ننشر اليوم مع هذا المقال صورة (1) لعدد من تلاميذ مدرسة التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة نالوا في هذه السنة الشهادة الابتدائية الفرنسية باستحسان. وفي ذلك أصدق شاهد على ما نقصده من نشر الثقافة باللسانين بين أبناء الجزائر.
[صورة: من آثار جمعية التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة]
(1) بهذا العدد صورة فوتوغرافية لاثني عشر تلميذا مطربشين.
وإذا كنا نصرف أكثر جهدنا للتعليم العربي فذلك لأن العربية هي لغة الدين الذي هو أساس حياتنا ومنبع سعادتنا، ولأنها هي التي نحسن تعليمها، ولأنها- وهذا من الوجاهة والعدالة بمكان- هي اللغة المهملة بين أبنائها، المحرومة من ميزانية بلدها، المطاردة في عقر دارها، المغلقة مدارسها، المحارب القائمون على نشرها من أبنائها، اللهم إلا قليلا نادرا- على خوف- يحتج به عند مقتضى الحال، وإلا المدارس الرسمية الثلات التي لا تقبل إلا عددا محدودا لتخريج من يملأ الوظائف الرسمية ويناسب روحها.
ولو أنا حرمنا من حرية تعلم اللغة الفرنسوية التي هي سبيلنا إلى آداب الغرب وعلومه وفنونه وفهمه من جميع جهاته، كما حرمنا من حرية تعلم لغتنا، لوقفنا إزاء ذلك الحرمان لو كان، كوقوفنا إزاء هذا الحرمان.
إن شعبين متباينين ربطت أوضاع الحياة الجارية بينهما، لا أحسن لهما من أن يتفاهما ويتكارما ويتناصفا ويتآلفا، ومفتاح ذلك أن يتعلم كل منهما لغة صاحبه.
هذا ما نقوله نحن الذين نريد الوئام والسلام، أما الذين يحاربون العربية فهم يفرقون ويشوشون فسيندمون، وتنتشر العربية بقوة الحق والفطرة وهم كارهون.
فإلى المسؤولين الذين يقدرون مسؤوليتهم وجعلوا المصلحة العامة العليا غايتهم، نوجه نداءنا من أجل حرية الدين ولغة الدين، وفتح طريق التعلم والتقدم للمسلمين وغير المسلمين باللغتين.
عبد الحميد بن باديس
البصائر: السنة 3، ع 136، قسنطينة يوم الجمعة 27 شعبان
1357هـ المرافق ليوم 21 أكتوبر 1938م، الصفحة 1 وعمود 1 من ص 2.