الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالعلم الفرنسي المثلث الألوان، والمتحدين مع الفرنسيين اتحاداً متيناً لا تؤثر عليه الحوادث الطفيفة أو الأزمات السطحية، نعيش مع الفرنسيين، عيش الأصدقاء المخلصين، نحترم حكومتهم وقوانينهم ونطيع أوامرهم ونواهيهم، ونريد منهم أن يحترموا ديننا ولغتنا، ويحفظوا كرامتنا، ويأخذوا بأيدينا في طريق النهضة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهكذا نعيش وإياهم أصدقاء مخلصين، وإذا جاءت ساعة الموت في سبيل الدفاع عن الوطن الفرنسي وعن الوطن الجزائري، وجدونا في صفوفهم الأولى لنموت إلى جانبهم موت الأصدقاء المخلصين.
وعلى هذا الأساس، توضع الأمور في مواضعها ويحصل التفاهم ويزول كل التباس.
اللجنة الوزارية:
هذه الفكرة جميلة هي نفسها، فكرة تأليف لجنة من مسلمي الجزائر، يستشيرها رجال الوزارات الفرنسية المختلفة في المسائل التي تهم البلاد الجزائرية، حتى تسير الحكومة الفرنسية في سياستها الجزائرية على هدى وعلى نور الإرشادات الصادقة التي تستمدها من رجال تلك اللجنة.
بل إن تشكيل تلك اللجنة يدلنا دلالة صادقة على رغبة حكومة فرنسا في درس المسائل الإسلامية الجزائرية دراسة عميقة، حتى تتقي في المستقبل الأخطاء التي كانت ترتكب من قبل.
لكن الفكرة إن كانت جميلة في نفسها، فإنها كانت غير موفقة
في تنفيذها، ذلك أن الإدارة العليا لم تلاحظ إلا الفكرة السياسية في انتخاب أعضاء هذه اللجنة وعمدت إلى ذلك الانتخاب بصفة مستعجلة
فكان أعضاء اللجنة من جراء ذلك لا يستطيعون أن يخوضوا في مختلف المسائل المعروضة عليهم، والتي يتطلب الكثير منها معرفة فنية عميقة.
لقد استلفت أنظارنا أخيرا خوض هذه اللجنة في مسألة "الترشيد" كما كانت من قبل خاضت في شأنها أثناء جلساتها الأولى، وهذه المسألة علمية فقهية بحتة، يجب لحلها تضلع في الفقه وتعمق في دراسة الكتب الدينية والقوانين الدينية المختلفة مما وضع في استامبول والبلاد المصرية وغيرها.
فإلى جانب بعض المستشرقين الذين يحضرون اللجنة والذين لا ننكر عميق اطلاعهم وسعة معلوماتهم، نجد بعض أعيان الباشاغاوات، ولا نطعن فيهم إذا قلنا أنهم ليسوا بأصحاب معلومات فقهية، ونجد بعض الدكاترة وليسوا من أصحاب الموطأ ولا من قراء سحنون، ونجد غيرهم ممن توفرت فيهم بعض شروط سياسية أو اقتصادية، إلا أنهم لا يستطيعون الخوض أي خوض في أي مسألة دينية مهما قل أمرها وصغر شأنها. فهذه المسألة الدينية إذا استثنينا شخص الشيخ ابن الساسي قاضي قسنطينة لا نجد من يستطيع أن يقول فيها كلمة.
ونحن اليوم في ساعة بناء وترميم، ولا نريد أن نترك مثل هذه المسائل مهملة فتعتقد فرنسا أنها عملت ما يجب عمله، ويقول لها بعض المتكلمين "باسم الأمة الإسلامية" إنها قد عملت حقا في هذا الباب ما يجب أن يعمل، في الوقت الذي نعتقد نحن فيه أن ما عملته إنما هو عديم الفائدة وقليل الجدوى.
نرى نحن أن إصلاح هذه اللجنة أمر واجب وسريع، ونرى أنه إصلاح سهل ميسور. فلكي تمثل هذه اللجنة كل طبقات الأمة، ولكي تستطيع الخوض في جميع المشاكل المعروضة على أنظارها، وتقدم للحكومة إرشادات صائبة يمكن أن تكون أساسا لأعمال موفقة، يجب أن تشمل:
أولا- ثلاثة من كبار العلماء الرسميين تنتخبهم الإدارة من بين رجال القضاء والافتاء بالقطر الجزائري.
ثانيا- ثلاثة من كبار العلماء الغير المتوظفين.
ثالثا- ثلاثة من رجال مجلس النيابات المالية ينتخبهم رفقاؤهم.
رابعا- ثلاثة منتخبون من المجالس العمالية.
خامسا- ثلاثة من كبار المتوظفين الإداريين المسلمين تنتخبهم الحكومة.
سادسا- ثلاثة من الفلاحين والتجار والصناع.
فاللجنة التي تتألف من مثل هؤلاء الرجال، يمكنها أن تتفاوض مع رجال فرنسا في مختلف المسائل والمشاكل الجزائرية، ويمكنها أن تؤلف لجانا فرعية مختصة: لجنة دينية، ولجنة اقتصادية، ولجنة سياسية، ولجنة اجتماعية، الخ- فهذه اللجان التي يباشر أعمالها رجال متخصصون يمكنها أن تدرس المسائل المعروضة عليها دراسة مدققة، ويمكنها أن تنير أفكار الحكومة والوزارات قبل إقدامها على تشريع قوانين تنفذ على الجزائر. وتكون اللجنة كلها أشبه شيء ببرلمان صغير جزائري يعمل إلى جانب حكومة باريس ويكون لها مرشدا ومعينا.
فإصلاح اللجنة، سواء في طريقة عملها أو في طريقة جمع أعضائها، ليس من مصلحة الجزائريين فحسب بل هو في مصلحة الإدارة العليا الفرنسية أكثر من ذلك.
أما بقاء اللجنة على حالها، واستمرارها على خوض الكثير من المسائل دون استعداد وسابق دراسة، فإننا لا نكتم الإدارة العليا أن هذا العمل الذي يستطيع أن يكون مثمرا، قد يصبح موجبا للازدراء