الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الشمال الإفريقي:
كلمة صريحة
ــ
حقا إننا نعيش في وسط سادت الفوضى فيه من جميع جهاته، فمن فوضى في الدين إلى فوضى في الأخلاق، إلى فوضى في الاقتصاد. وزادتنا الأيام على كل ذلك فوضى جديدة ربما كانت أخطر الفوضات وأشدها تأثيراً على حياة الأمة وهي فوضى التكلم باسم الأمة.
فما من متكلم في أي مناسبة من المناسبات إلا ورفع عقيرته مدعياً بأنه إنما يمثل الأمة الإسلامية قاطبة في هذه البلاد، وأن الكلمات التي يقولها من عند نفسه إنما هي كلمة الحق وقولها الفصل. ولو أنهم اقتصدوا في القول ولم يلجوا باب الغلو والإسراف، وقالوا إننا نتكلم باسم الفريق الذي انتخبنا، أو باسم الهيئة التي ننتمي إليها، أو باسم الجماعة التي نحن منها أو باسم الذين يشاركوننا في الرأي والتفكير، لكان قولهم أصوب، ورأيهم أصلح، وكلامهم أقرب إلى نفوس السامعين من رجال الحكومة ومن رجال الشعب.
وإننا نتكلم اليوم حول هذا الموضوع إثر ما رأيناه من الحملة التي أجمعت الأمة على مجابهة جريدة الطان بها، وإثر اجتماع اللجنة الوزارية الإسلامية بباريس.
قال البعض من النواب المحليين، ومن الأعيان ومن كبار المتوظفين بهذه البلاد، أن الأمة الإسلامية الجزائرية مجمعة على اعتبار نفسها أمة فرنسية بحتة، لا وطن لها إلا الوطن الفرنسي، ولا غاية لها إلا الاندماج الفعلي التام في فرنسا، ولا أمل لها في تحقيق هذه الرغبة إلا بأن تمد فرنسا يدها بكل سرعة، فتلغي جميع ما يحول دون تحقيق هذا الاندماج
التام. بل لقد قال أحد النواب النابهين أنه فتش عن القومية الجزائرية في بطون التاريخ فلم يجد لها من أثر، وفتش عنها في الحالة الحاضرة فلم يعثر لها على خبر، وأخيرا أشرقت عليه أنوار التجلي فإذا به يصيح: فرنسا هي أنا! حقا إن كل شيء يرتقي في هذا العالم ويتطور، حتى التصوف فبالأمس كان يقول أحد كبار المتصوفين:
فتشت عليك يا الله
…
وجدت روحي أنا الله
واليوم يقول المتصوف في السياسة:
فتشت عليك يا فرانسا
…
وجدت روحي أنا فرانسا
فمن ذا الذي يستطيع بعد اليوم أن ينكر قدرة الجزائري العصر على التطور والاختراع؟
إن هؤلاء المتكلمين باسم "المسلمين الجزائريين" والذين يصورون الرأي العام الإسلامي الجزائري بهذه الصور، إنما هم مخطئون يصورون الأمور بغير صورتها ويوشكون أن يوجدوا حفيرا عميقا بين الحقيقة وبين الذي يجب أن يعرفها. فهم في واد والأمة في واد، ويريدون أن يضعوا رجال الإدارة العليا في واد ثالث.
لا يا سادتي! نحن نتكلم باسم قسم عظيم من الأمة، بل ندعي أننا نتكلم باسم أغلبية الأمة فنقول لكم ولكل من يريد أن يسمعنا، ولكل من يجب عليه أن يسمعنا، إن أراد أن يعرف الحقائق ولا يختفي وراء آكام الخيال: نقول لكم إنكم من هذه الناحية لا تمثلوننا ولا تتكلمون باسمنا، ولا تعبرون عن شعورنا وإحساسنا. إننا نحن فتشنا في صحف التاريخ وفتشنا في الحالة الحاضرة، فوجدنا الأمة الجزائرية المسلمة متكونة موجودة كما تكونت ووجدت كل أمم الدنيا، ولهذه الأمة تاريخها الحافل بجلائل الأعمال ولها وحدتها الدينية
واللغوية. ولها ثقافتها الخاصة وعوائدها وأخلاقها، بما فيها من حسن وقبيح، شأن كل أمة في الدنيا.
ثم إن هذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت. بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد في لغتها وفي أخلاقها وفي عنصرها، وفي دينها، لا تريد أن تندمج. ولها وطن محدود معين هو الوطن الجزائري بحدوده الحالية المعروفة، والذي يشرف على إدارته العليا السيد الوالي العام المعين من قبل الدولة الفرنسية.
ثم إن هذا الوطن الجزائري الإسلامي صديق لفرنسا مخلص، وإخلاصه إخلاص قلبي لا إخلاص ظاهري، يخلص لها إخلاص الصديق لصديقه لا إخلاص التابع لمتبوعه. فهو في حالة السلام والأمن يطلب من فرنسا أن تحترم دينه ولغته، وتمهد له السبيل ليرتقي ضمن دينه ولغته وأخلاقه، وتسبغ عليه نعم الحرية والعدل والمساواة حتى يصبح في رقيه وحريته وسعادته نموذجا للإدارة الفرنسية والتعاون الأهلي الفرنسي، وتستطيع فرنسا أن تفاخر به الذين يتباهون بما علموه في مستعمراتهم الحرة.
أما في حالة الأزمات العالمية، وحين اشتداد الخطب وإذا تكلم الرصاص وارتقت السيوف فوق منابر الرقاب فالمسلم الجزائري يهب كالليث من عرينه، للدفاع عن الأرض الفرنسية كما يدافع عن أرضه الجزائرية وعن حريمه وأطفاله. ولو لم تجنده فرنسا لسار للدفاع عنها متطوعا. ولنا في مختلف الواجهات الحربية الفرنسية عشرات الآلاف من قبور المتطوعين تشهد بهذا.
فنحن الجزائريين المسلمين العائشين في وطننا الجزائري، والمستظلين