الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطاب الرئيس في الاجتماع العام
لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
المنعقد بنادي الترقي صبيحة يوم السبت 29 رجب
ــ
الحمد لله الذي قضى بابتلاء عباده ليظهر حقائقهم فيجازيهم على أعمالهم، والصلاة والسلام على أشرف من قاد الخلق وساقهم إلى سعادتهم وكمالهم وعلى آله الذين كرم الله أصولهم وجمل أخلاقهم وبرهنوا على النسب الشريف بجميل حالهم.
وعلى أصحابه الذين لم يخلق الله من فاقهم بل ولا من ماثلهم في حالهم ومآلهم، وعلى كل من تبع طريقهم، وتحلى من بعدهم بخلالم.
أما بعد، فسلام عليكم يا أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أجمعين، وسلام على مساجينكم في المساجين وسلام على متهميكم في المتهمين، وسلام على منكوبيكم في المنكوبين، سجون واتهامات ونكبات ثلاث لا تبنى الحياة إلا عليها ولا تشاد الصروح السامقه للعلم والفضيلة والمدنية الحقة إلا على أسسها. فاليوم وقد قضى الله للجمعية بهذه الثلاث- أثبتت الجمعية في تاريخ الإسلام وجودها، وسجلت في صحيفة الخلود رسمها، ونقشت في قلوب أبناء المستقبل أسمها، وبرزت في ذلك كله أسماء أولئك المسجونين والمتهمين والمنكوبين نجوما متألقة تأخذ بالأبصار.
هذا الأستاذ العقبي برأته العدالة من التهمة الباطلة ثم أبت تلك النواحي المظلمة من الحياة الجزائرية إلا أن تعود به إلى التهمة، ولا نشك أنه لم تنتصر مرة أخرى في تبرئته العدالة فستفضح تلك النواحي في العالم شر فضيحة.
وهذا الأستاذ الإبراهيمي سيق إلى المحاكمة على حفلة علمية وقضي عليه بالغرامة فلم يكتف في حقه بذلك فرفعت القضية للإعادة وهو ينتظر ما يكون.
وهذا الشيخ عمر دردور سجن في سبيل نشر العلم والفضيلة، ثم أنصفته العدالة فأطلقت صراحه فأبت تلك النواحي إلا أن تعود به إلى القضاء وهو ينتظر إلى اليوم فصله.
وهذا الشيخ عبد الحفيظ الجنان عزل من وظيفة قيم بالجامع الأخضر لأنه من جمعية العلماء.
وهؤلاء أهل (سوف) قد ذاقوا من التغريم والنفي والسجن ما ذاقوا وروعوا في ديارهم وأهليهم أفظع ترويع ثم لم يثبت عليهم شيء مما رموا به إلا رغبتهم في العلم وطرحهم لسربال الطرقية الوسخ الثقيل.
وهذا الشيخ عبد العزيز الهاشمي والشيخ علي بن سعد والشيخ عبد القادر الياجوري والسيد عبد الكامل في ظلمات السجن إلى اليوم، وقد رمي الشيخ عبد العزيز بالثورة ضد أمن الدولة وبالصلة الأجنبية فلم يثبت لدى البحث النزيه إلا أنه عقد مظاهرة بدون رخصة، طلب الناس فيها حرية التعليم، والإعانة بالخبز، وشكوا من ظلم بعض القادة.
وهؤلاء رجال التعليم في بجاية وباتنة وغيرهما يساقون إلى المحاكمة المرة بعد الأخرى، ويغرمون من أجل التعليم ويهددون بالسجن.
وهذه مدرسة دار الحديث بتلمسان مغلقة إلى اليوم وكم أذكر وكم أعدد، فلقد هبت الأمة لتعلم دينها ولغة دينها في جد ونشاط فاق السنوات المتقدمة فعوجلت بهذه البلايا والمحن. حقا لقد كانت سنتنا الماضية سنة عمل وسنة ابتلاء، وأي عامل صادق في عمله مخلص فيه لا يبتلى؟
وفيم هذا كله؟ على من ثرتم؟ وإلى من أساتم؟ وأي حدود تعديتم! وماذا تبغون!
لا والله ما ثرتم إلا على الجهل والرذيلة. وما أسأتم إلا للأثرة والجبرية، وما تخطيتم إلا حدود الجمود والخرافة، ولا تبغون إلا الحق والخير والعدْل والإحسان.
ألا في سبيل الله ما لقيتم، ألا في سبيل الله ما أنتم لاقون.
أيها الإخوان، إن جمعيتكم أمينة على حفظ الإسلام ولغة الإسلام في هذه الديار فإن قانونها الاساسي ينص على أنها جمعية تهذيبية إرشادية، تحارب الآفات الاجتماعية، وكل ما يحرمه صريح الشرع. وتتدرع لغايتها بكل ما تراه صالحا نافعا غير مخالف للقوانين المعمول بها، وأي وسيلة أقرب إلى تهذيب المسلمين. وأي دواء أنجع في علاجهم، من دينهم الإسلام الكريم؟ وبأي شيء يفهمون هذا الدين ويصلون منه إلى ما فيه من تربية وتهذيب إلا بالعربية لغة القرآن العظيم؟ وتعلم الإسلام ولغة الإسلام مباح في أصل القوانين. ولقد صدمت هذه القوانين الأصلية بمعاملات استثنائية رامية في فهم جميع المسلمين إلى فهم جميع المسلمين إلى مقاومة الإسلام ولغة الإسلام. وذلك هو المشاهد من آثارها في التغليق والتعطيل.
لقد قامت الجمعية بالدفاع إزاء هذا كله، وقامت معها جميع الهيئات أو جلها حتى تبين أن المسألة مسألة أمة لا مسألة جمعية، وأن المسلمين لا يسكتون عن تعلم دينهم ولغة دينهم بحال.
وقد جيش على الإسلام من ناحية أخرى، فوضعت الذاتية الإسلامية في المساومة، فرفعت الجمعية صوتها بالتحذير والتبيين، ووجدت من ممثلي الأمة آذانا صاغية، ففشلت تلك المساومة وقبرت المسألة من ذلك اليوم. والمجد والخلود للإسلام وهكذا لا تفتأ جمعيتكم أن
شاء الله دائبة في سبيل الإسلام والعربية لغة الإسلام في دائرة القانون العام، ولو لحقها في ذلك ظلم وعدوان.
أيها الإخوان قد تعاهدنا في مثل هذا العيد من السنة الماضية، تعاهدنا على خدمة مبادئ الجمعية وتوسيع نطاق أعمالها، ونشر هدايتها، ونصر كل عامل من رجالها، بصبر وتضحية وثبات، وقد وفينا- والفضل لله- بهذا العهد أو بما استطعنا في السنة الماضية، فهل أنتم على هذا العهد فيما نستقبل من سنتنا؟ "أصوات بإجماع: معاهدون".
أيها الإخوان قد اعتدنا في كل اجتماع عام من اجتماعاتنا أن نرفع شكوانا واحتجاجنا إلى الولاية العامة وإلى الحكومة العليا، ولم يرد لنا جواب مرة واحدة، بلى يكون الجواب بزيادة الإرهاق وتضييق الخناق.
فصدر قانون النوادي الذي يرمي إلى أخلائها وحرمان الكبار من التهذيب في نواديهم، بعد ما حرموا منه في مساجدهم وصدر قانون 8 مارس الذي يرمي إلى غلق المدارس وحرمان المسلمين من تهذيبهم وتلقين دينهم وآداب فنهم ولغة دينهم وصار من شروط إعطاء الرخصة للقليل الذي أعطيت له أن يعلم على الكيفية القديمة الخالية من كل تهذيب ذات العصا والفلقة والحصير، في العصر الذي تتقدم الأمم كل عام في أساليب التعليم نرد نحن إلى الوراء فاسمع وتعجب يا عصر المدنية والنور.
وصدر أمر الولاية العامة بتحجير القسم الجنوبي من الوطن على كل منتسب للعلماء بينما تعطى الإعانات وتمنح التسهيلات للبعثات غير
الإسلامية لتنصير أبناء وبنات المسلمين وصدرت الإيعازات- وخصوصا في الدوائر الممتزجة إلى القياد ومن إليهم بالابتعاد عن رجال العلم مما أحدث تباعدا في كثير من النواحي بين أبناء العرش الواحد بينما نحن نسعى للتقريب والتأليف بين جميع المتساكنين، هذا هو الجواب العملي عن شكوانا واحتجاجنا.
وكذلك في أكثر اجتماعات المجلس الإداري كنا نصدر البيان إثر البيان عن خطتنا وغرضنا وأن غايتنا من أول أمرنا هي تهذيب المسلمين بدينهم ولغة دينهم في دائرة القانون، وإننا نريد من ذلك رفع مستوى المسلمين الجزائريين العقلي والأخلاقي، ليتعاونوا مع من يساكنونهم بكفاءة وتآخ واحترام، وإننا نعمل لذلك بواجب ديننا ووحي ضمائرنا وأن كل ما أصابنا هو في سبيل تعليم الدين ولغة الدين فلم يرد علينا بجواب واحد، بلى يرد علينا بقلب الحقائق واختلاق التهم وترويج الأباطيل وبعث الأراجيف، فيكون ذلك هو الجواب العملي.
أيها الإخوان فنحن مع بقائنا على جميع ما قلنا وبينا، واستمرارنا في موقفنا كما كنا لا نريد اليوم أن نرفع شكوانا ولا أن نقدم احتجاجنا. وحسبنا في هذه السنة السكوت. وكفى بالسكوت احتجاجا عند من عرف وأنصف، وحسبنا الله ونعم الوكيل (1).
عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
الرئيس: عبد الحميد بن باديس
(1) ش: ج 4، م 14، ص 100 - 104 غرة شعبان 1357ه - أكتوبر 1938م.