الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل آن أوان اليأس من فرنسا
؟
إن الذين كانوا معنا يوم قابلنا رئيس الوزارة م بلوم باسم المؤتمر في جوليت من السنة الماضية، يعلمون تصريحه بأننا لا نرجع بأيدينا فارغة وأنه سيشرع في الحين القريب في تحضير مطالبنا المستعجلة، ويعلمون قول م فيوليط وهو بجنبة: ستحضر قبل يوم الأحد، ورجال ذلك الوفد يعلمون أنهم رجعوا بأيديهم فارغة. ولم يصدق لا الرئيس ولا الوزير. وقراء (الشهاب) لا ينسون ما كتبه (الشهاب) عن هذا الاخلاف وعن الوفد في عدد رجب وأكتوبر من السنة الماضية، والذين حضروا المؤتمر الثاني هذه السنة يعلمون ما نبهتهم عليه من أن فرانسا لم تجب أي مطلب من مطالب المؤتمر، والناس كلهم اليوم يعلمون ما نشرته الصحافة الفرنسية- رسميا- عن لجنة الثمانية عشر شهراً التي يرأسها م قرنوت وم ستيق وأنها بعد الثمانية عشر شهراً توفد وفوداً تسأل أسئلة مدققة؟! .. فماذا فهم الناس من هذا كله؟
أما الذين ينطرون إلينا من الخارج نظر الحاكم على الأمم بما يبدو من أعمالها وسيرها فإنهم يقولون: إن فرنسا تعد وتخلف لأنها رأت مصلحتها في الاخلاف، ولا يرجى منها إقلاع عنه ما دامت تعتقد مصلحتها فيه. والجزائر تنخدع وتطمع، ويمكن أن يطول انخداعها ويستمر طمعها ويمكن أن ينجلي لها سراب الغرور فتقلع عن الانخداع وتقطع حبل الطمع وتتصل باليأس وما يثمره اليأس ويقتضيه.
وأما نحن- الجزائريين- فإننا نعلم من أنفسنا أننا أدركنا هذا الاخلاف العرقوبي وأدركنا مغزاه وأخذ اليأس بتلابيب كثير منا وهو
يكاد يعم، ولا نتردد في أنه قد آن أوانه ودقت ساعته
…
ماذا تريد فرنسا من مماطلتنا!
لقد أعلن شاعرنا القومي جواب هذا السؤال في قصيدته التي نشرناها في الجزء الماضي حيث قال:
ولعل من نظم السيا
…
سة أن نغش وأن نغر
ولعل منها أن يدس
…
لنا ونجذب للحفر
ولعل منها أن يبسس
…
لنا لنحلب كالبقر
ولعل منها أن نما
…
طل كي يساورنا الفجر
كذب رأي السياسة وساء فألها، كلا والله لا تسلمنا المماطلة إلى الضجر الذي يقعدنا عن العمل، وإنما تدفعنا إلى اليأس الذي يدفعنا إلى المغامرة والتضحية.
أيها الشعب الجزائري! أيها الشعب المسلم! أيها الشعب العربي الأبي! حذار من الذين يمنونك ويخدعونك، حذار من الذين ينومونك ويخدرونك، حذار من الذين يأتونك بوحي من غير نفسك وضميرك، ومن غير تاريخك وقوميتك، ومن غير دينك وملتك وأبطال دينك وملتك.
استوح الإسلام ثم استوح تاريخك ثم استوح قلبك.
اعتمد على الله ثم على نفسك، وسلام الله عليك.
عبد الحميد بن باديس
(1) ش: ج 6، م 13، ص 272 - 273 غرة جمادى الثانية 1356ه - أوت 1937م.