الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طلب التوابين بدم الحسين رضى الله عنه
وفى سنة 65 هـ تحركت الشّيعة بالكوفة، واتّعدوا الاجتماع بالنّخيلة للمسير إلى أهل الشأم، للطلب بدم الحسين بن على رضى الله عنهما، وذلك أنهم بعد مقتله تلاقوا بالتلاوم والتندّم، ورأوا أنهم قد أخطأوا خطا كبيرا بدعائهم إياه إلى النّصرة وتركهم إجابته، ومقتله إلى جانبهم لم ينصروه، ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عنهم فى مقتله إلا بقتل من قتله أو القتل فيه، وتابوا مما فرط منهم فى ذلك- فسمّوا التّوّابين، وولّوا أمرهم سليمان بن صرد الخزاعىّ.
114 - كتاب سليمان بن صرد إلى سعد بن حذيفة بن اليمان
وكتب سليمان إلى سعد بن حذيفة بن اليمان بالمدائن كتابا يقول فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من سليمان بن صرد إلى سعد بن حذيفة ومن قبله من المؤمنين، سلام عليكم، أما بعد: فإن الدنيا دار قد أدبر منها ما كان معروفا، وأقبل منها ما كان منكرا، وأصبحت قد تشنّأت (1) إلى ذوى الألباب، وأزمع (2) التّرحال منها عباد الله الأخيار، وباعوا قليلا من الدنيا لا يبقى، بجزيل مثوبة عند الله لا يفنى، إن أولياء الله من إخوانكم وشيعة آل نبيكم، نظروا لأنفسهم فيما ابتلوا به من أمر ابن بنت نبيّهم الذى دعى فأجاب، ودعا فلم يجب، وأراد الرّجعة فحبس، وسأل
(1) يريد أنها قد صارت مشنوءة: أى مكروهة مبغضة، من شنئه كسمع ومنع إذا كرهه.
(2)
أزمعت الأمر وعليه: أجمعت أو ثبت عليه.
الأمان فمنع، وترك الناس فلم يتركوه، وعدوا عليه فقتلوه، ثم سلبوه وجرّدوه ظلما وعدوانا، وغرّة بالله وجهلا، وبعين الله ما يعملون، وإلى الله ما يرجعون، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» فلما نظر إخوانكم، وتدبّروا عواقب ما استقبلوا، رأوا أن قد خطئوا بخذلان الزّكىّ الطيّب، وإسلامه (1)، وترك مواساته، والنصر له خطأ كبيرا، ليس لهم منه مخرج ولا توبة دون قتل قاتليه أو قتلهم، حتى تفنى على ذلك أرواحهم، فقد جد إخوانكم، فجدوا وأعدّوا واستعدوا، وقد ضربنا لإخواننا أجلا يوافوننا إليه وموطنا يلقوننا فيه، فأما الأجل فغرّة (2) شهر ربيع الآخر سنة 65، وأما الموطن الذى يلقوننا فيه فالنّخيلة، أنتم الذين لم تزالوا لنا شيعة وإخوانا وإلّا (3)، وقد رأينا أن ندعوكم إلى هذا الأمر الذى أراد الله به إخوانكم فيما يزعمون ويظهرون لنا أنهم يتوبون، وإنكم جدراء (4) بتطلاب الفضل والتماس الأجر، والتوبة إلى ربكم من الذنب، ولو كان فى ذلك حزّ الرقاب، وقتل الأولاد، واستيفاء الأموال، وهلاك العشائر، ما ضرّ أهل عذراء (5) الذين قتلوا ألّا يكونوا اليوم أحياء وهم عند ربهم يرزقون، شهداء قد لقوا الله صابرين محتسبين، فأثابهم ثواب الصابرين- يعنى حجرا وأصحابه- وما ضرّ إخوانكم المقتّلين صبرا (6)، والمصلبين ظلما، والممثول بهم، المعتدى عليهم، ألّا يكونوا أحياء مبتلين بخطاياكم، قد خير (7) لهم فلقوا ربّهم ووفّاهم الله «إن شاء الله» أجرهم، فاصبروا «رحمكم الله» على البأساء والضّرّاء وحين البأس، وتوبوا إلى الله عن قريب، فو الله إنكم لأحرياء (8) أن لا يكون أحد من إخوانكم، صبر على شىء من البلاء إرادة ثوابه،
(1) أسلمه: خذله.
(2)
الغرة من الشهر وغبره: أوله.
(3)
الإل: القرابة.
(4)
جمع جدير: أى حقيق.
(5)
عذراء: قرية بغوطة دمشق قتل بها معاوية حجر بن عدى وأصحابه.
(6)
قتل صبرا: هو أن يحبس ويرمى حتى يموت.
(7)
خار الله له فى الأمر: جعل له فيه الخير.
(8)
جمع حرى: أى جدير وحقيق.